هناء خضر.. قبل وبعد الاعتداء عليها
هناء خضر.. قبل وبعد الاعتداء عليها

نقلا عن موقع الحرة

جاثية على ركبتيها، مرغمة على رفع يديها، وهي تتعرض للضرب والإهانة من قبل زوجها، الذي لم يخش حتى مما يرتكبه بل قام بتوثيق جريمته، مطلعاً ضحيته بأنه سيقوم بإرسال المقطع المصّور إلى شقيقتها لكي تشاهدها والدتها.

هذا ليس مشهدا من مسلسل تلفزيوني بل واقعة حقيقية تعكس رحلة معاناة اللبنانية غنوة رامح علاوي، مع زوجها الرقيب في قوى الأمن الداخلي عياش طراق.

بالأمس، نشر والد غنوة مقطع الفيديو عبر صفحته على "فيسبوك" معلقاً عليه "ابنتي وقرة عيني بالمستشفى اسمها غنوة رامح علاوي، تعرضت لأبشع انواع التعذيب على يد المعاون أول (زوجها) الظالم عياش طراق، فاعتقدت أن خلاصها الانتحار".

وأضاف "ضع(ي) ابنتك مكانها، ثم حكم(ي) ضميرك، أناشد قوى الأمن الداخلي بقيادة اللواء عماد عثمان، أناشد كل أم، كل أب، كل أخت وأخ نصرة ابنتي المظلومة، ومعاقبة الظالم الفاجر، لا تتركوا البنات والأمهات بأيدي الظالمين، عاقبوا الظالمين بالسجن المؤبد".

خلال اليومين الماضيين، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بخبر تعرض ثلاث نساء للعنف الأسري، مما دفع ناشطات نسويات، وجمعيات تعنى بحقوق المرأة، إلى رفع الصوت لوضع حد للمسلسل الدموي الذي طالت حلقاته، ولا بوادر أمل لانتهائه.

ظاهرة العنف الأسري مستمرة، وأظهرت دراسة "حول أولويات الفتيات والنساء في لبنان اليوم، ومدى شعورهن بالحاجة الى الحماية" أجرتها شركة Statistics Lebanon ltd بتكليف من منظمة "أبعاد"، العام الماضي، شملت 1800 امرأة وفتاة شابّة، تم الاتصال بهن عبر الهاتف، تراوحت أعمارهن ما بين 18 و55 سنة، أن 12.7 بالمئة منهن تعرضن لنوع من أنواع العنف على الأقل خلال ذلك العام.

 

سنوات في الجحيم

14 عاماً عانت خلالها غنوة من التعذيب والإذلال على يد زوجها، ورغم ذلك لم تتقدم بشكوى ضده، إلى أن خرجت القصة إلى العلن بعدما حاولت الانتحار بتناول كمية كبيرة من الأدوية، فبعد نقلها إلى المستشفى الأسبوع الماضي بحسب ما أكدت قوى الأمن الداخلي لموقع "الحرة"، "تم أخذ افادتها من قبل عناصر أمنية، ليتم توقيف زوجها حيث يجري التحقيق معه".

مقطع الفيديو الشنيع ليس بجديد، بل التقط خلال فصل الشتاء الماضي، حينها كانت غنوة (41 سنة) مصابة بفيروس كورونا، بحسب ما قالته شقيقتها لمياء لموقع "الحرة" شارحة "يومها كانت تعاني من ارتفاع درجة حرارة جسدها ما حال دون تمكنها من إعداد الطعام لزوجها، وعند عودته إلى المنزل ضربها مهدداً إياها بإرسال مقطع الفيديو لي، مع العلم أنه يمنعها من التواصل مع كامل أفراد عائلتي".

تمكنت غنوة (الوالدة لثلاثة أبناء) من سحب الفيديو من زوجها والتحفظ عليه، ولم تعلم به شقيقتها سوى من ثلاثة أشهر، عندها طلبت لمياء منها كما تقول "السماح لها بمساعدتها لإنقاذها منه، إلا أنها رفضت كونها تخشى على صغارها، حيث كان يهددها بطريقة غير مباشرة بنحرهم، ومع ذلك اتصلت بجمعيات نسوية وبالقوى الأمنية لكن سمعت جواباً واحداً، يجب أن يكون البلاغ من الضحية فقط".

بعد كل الذي تعرضت له، تعاني غنوة اليوم بحسب لمياء "من وضع نفسي صعب، حيث فقدت جزءا من ذاكرتها، إذ تعتقد أنها تعيش في عام 2008، وقد طلبت إخراجها من المستشفى والعودة إلى منزل العائلة، وهو ما حصل".

خلال التحقيق معه، ذكر عياش أن زوجته "مريضة نفسياً ورغم ذلك يتحملها، مع العلم أنها حاصلة على ماجيستير في إدارة الأعمال" كما تقول لمياء، مشددة "نحن نخشى من الإفراج عنه بعد كل التهديدات التي نتعرض لها".

ويعكس الفيديو، كما تشدد رئيسة جمعية "نحن واحد"، الناشطة الاجتماعية، سعاد غاريوس "مدى وحشية الزوج وعدم احترامه للمرأة، وبدلاً من أن تقف عائلته مع زوجته، عمدت إلى تهديد عائلتها بعد انتشار الخبر وتحوّل القضية إلى قضية رأي عام، وذلك إذا لم يتم حذف مقطع الفيديو والافراج عن عياش".

ابنة الشمال متزوجة من "وحش" كما وصفته غاريوس (مقربة من عائلة الضحية)، والتي شرحت لموقع "الحرة" "عياش من عرب البدو المجنسين، اعتاد تعنيف زوجته، ولوضع حد لذلك شجعتها عائلتها منذ زمن على رفع الصوت، إلا أنها كانت دائماً ترفض ذلك، حتى وصل الأمر بها إلى اتخاذ قرار إنهاء حياتها كونها لم يعد بإمكانها التحمل، مما دفع عائلتها إلى تقديم شكوى ضد زوجها".

حذف والد غنوة المنشور عن "فيسبوك"، فيما تحاول محامية عياش كما تلفت رئيسة الجمعية إلى "تحويل عقوبته إلى مسلكية كونه من عديد قوى الأمن الداخلي، ونحن بالتأكيد نرفض ذلك، حيث سيقتصر سجنه عندها على أيام معدودة، في وقت تعاني زوجته من وضع نفسي مزر".

وكشفت الدراسة التي أجرتها شركة Statistics Lebanon ltd أن 96 بالمئة من الفتيات والنساء المقيمات في لبنان، اللواتي تعرّضن للعنف المنزلي لم يبلغن عنه، وذلك لأسباب عدة أبرزها غياب الثقة، سواء من إمكانية الوصول إلى نتيجة (27.1%)، أو التعامل مع الأمر بجدية من قبل المعنيين (22.4%)، والخوف من التعرض للرفض، سواء من المجتمع (23.3%)، أو رفض العائلة للأمر (13.8%)، والخوف من رد فعل لجاني (14.3%)، كما أن (14.7%) لم يبلغن بسبب "الخشية من خسارة الأطفال".

ومن الأسباب أيضاً نقص المعرفة بشأن الجهات التي يمكنها المساعدة 12.4 بالمئة، فيما يرى 11 بالمئة أن التبليغ عن تعرضهن للعنف ليس أولوية بسبب الوضع الحالي في البلد، وعبر 11.9 بالمئة عن استسلامهن وتقبلهن للواقع من دون اتخاذ أي إجراءات، فيما ينتظر 5.2 بالمئة منهن مغادرة لبنان للتبليغ عما تعرضن له.

من جانبها اعتبرت غاريوس أن أبرز ما يجبر المرأة على البقاء تحت سقف واحد مع من يعنفها ويعرض حياتها للخطر هو "المجتمع الديني المنافق، مع العلم أن القانون ينصف المرأة في كل المحاكم الروحية، إلا أنه للاسف لا يطبق، كما أن المجتمع الذي لا يزال يرفض المطلقات، هذا عدا عن الوضع الاقتصادي الذي يلعب دوراً في ذلك".

 

تفنن في "الإجرام"

وفي قصة مأساوية أخرى، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بخبر اقدام زوج هناء خضر (21 سنة) على إحراقها من خلال إشعال قارورة غاز، حيث تقبع في غرفة الإنعاش داخل مستشفى السلام، شمال لبنان، تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة.

لم تكن هناء تتوقع أن خلافها مع زوجها، بسبب حملها، سيؤدي بها كما يقول عمها خالد إلى ملامسة الموت حيث أن حروقاً من الدرجة الثالثة تغطي كامل جسدها، ويشرح لموقع "الحرة": "هناء أم لطفلين، أراد زوجها عثمان عكاري الذي يعمل سائق سيارة أجرة أن يتخلص من جنينها رغم أنها في شهرها الخامس، وذلك بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة، فأقدم قبل أيام على ضربها على بطنها بقوة بهدف إجهاضها، كان ذلك في منزل أهله وأمام والدته، ليخرج بعدها إلى غرفته المجاورة طالباً من زوجته اللحاق به، ورغم خشيتها منه أصرت أمّه عليها أن تتبعه، ليرتكب بعدها جريمته".

بعد قيام زوج هناء بإشعال قارورة الغاز هاجمه الجيران وانهالوا عليه ضرباً كما يؤكد خالد، ويضيف "أدلت ابنة شقيقي بإفادتها للقوى الأمنية التي عملت على توقيفه، وهي الآن تخوض رحلة علاج طويلة وصعبة ومكلفة، إذ يومياً يتوجب علينا دفع 400 دولار أميركي، مع العلم أن المستشفى خفضت المبلغ الذي كان مقرراً بـ 700 دولار وذلك رأفة بعائلتها التي لا تسمح ظروفها المادية بعلاج ابنتها، هذا عدا عن وحدات الدم التي تحتاجها يومياً والتي نجد صعوبة كبرى في تأمينها".

وفيما إن كانت المرة الأولى التي تتعرض فيها هناء للعنف، أجاب خالد "نعم، فهو لم يعنفها فقط بل ارتكب جريمة شنعاء بحقها وحق جنينها، فحتى لو كتب الله لها الحياة فإنها ستعاني من تشوه سيرافقها مدى العمر"، في حين نفت صفاء شقيقة عثمان الاتهامات الموجهه إلى شقيقها، حيث ردّت ما حصل إلى "القضاء والقدر" مؤكدة أنه "يحبها ويخاف عليها جداً، ونحن كذلك لكن عائلتها ترفض حتى أن نزورها للاطمئنان عليها".

وبيّنت الدراسة التي أجريت بتكليف من "أبعاد" أنه من أصل 10 نساء بلّغن عن العنف، واحدة فقط لجأت إلى الجهات الأمنية والقضائية، وأن 6.25% فقط من اللواتي أبلغن عن تعرضهن للعنف لجأن الى قوى الأمن الداخلي، و6.25% لجأن إلى السلطة القضائية، أما الغالبية فلجأن إلى العائلة بنسبة 42.9%.

وكانت قوى الأمن الداخلي رصدت العام الماضي، ارتفاعاً لامس الـ 100% في عدد اتصالات شكاوى العنف الأسري الواردة على الخط الساخن 1745، مقارنة مع العام الذي سبقه، حيث ذكّرت حينها مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أن "الخط الساخن يأتي استكمالاً لتفعيل تطبيق القانون 293 لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، الذي عدّله المجلس النيابي مؤخراً وجعل تدابير الحماية التي ينص عليها أكثر شمولاً".

ومن أبرز التعديلات المعتمدة "تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم العنف الأسري، تضمين أنواع العنف المعاقب عليها العنف الاقتصادي، شمول أمر الحماية الذي يصدر لصالح ضحية العنف الأسري أطفالها البالغين من العمر 13 سنة وما دون، كما بات في القانون الجديد لأي قاصر الحق بأن يطالب بأمر الحماية دون ولي أمره".

وفي مقطع فيديو آخر نشرته صفحة "وينية الدولة" عبر "فيسبوك"، ظهرت فتاة عشرينية أعلنت خلاله عن تعرضها للضرب ووالدتها على يد طليقها وشقيقيه، وذلك بعدما طالبته باستراجع ابنها البالغ من العمر 11 شهراً.

وبحسب ما قالته "أخذه لرؤيته كما جرت العادة، إلا أني تفاجأت باتصال منه يرفض خلاله إعادته لي، وعندما توجهت مع والديّ لأخذه منه ضربت ووالدتي، من دون أن تحرك القوى الأمنية ساكناً"، وأكدت على أنها سبق أن تعرضت للضرب من قبل طليقها، مما أدى إلى تكسير أسنانها وقطع وتر إصبعها كما قصّ شعرها، ما دفعها إلى التقدم بشكوى ضده".

ومن خلال موقع "الحرة" كررت القوى الأمنية دعوتها النساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري للتبليغ عن ذلك من خلال الاتصال على الخط الساخن 1745، مشددة على ضرورة "رفضهن العنف وطلب الحماية" مشيرة إلى أن "حياة المعنفات معرضة للخطر، حيث قد يتطور العنف إلى جريمة قتل".

ولا يوجد سبب أو عذر يبرر للرجل، كما تشدد غاريوس، ممارسته العنف ضد شريكة حياته، وتساءلت "كم من نساء دفعن حياتهن على يد أزواجهن؟ وكم من أمهات حرقت قلوبهن على فقدان بناتهن؟ حان الوقت لتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه التعرض لزوجته، فلا بد من العدالة المطلقة للنساء".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".