في 16 سبتمبر الجاري، توفيت الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عامًا)، بعد أيام من اعتقالها على يد "شرطة الآداب"، المكلفة بمراقبة التزام النساء بقواعد اللباس الصارمة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية.
وألقي القبض على العشرينية بزعم ارتدائها الحجاب بشكل "غير لائق".
وفيما أبلغ شهود عيان عن تعرض أميني للضرب أثناء عملية الاعتقال، نفت الشرطة الإيرانية تلك الأنباء، وسط دعوات دولية بالتحقيق.
وفاة أميني، أو "قتلها" كما يصف ناشطون، أشعل موجة احتجاج عارمة تجاوزت نقد ممارسات "شرطة الآداب"، لتطال بنية النظام السياسي، وسط خطاب يركز على الظلم الواقع على النساء، والتمييز الممارس بحقهن، ويصنف أميني "رمزًا" جديدًا لمطالبة الإيرانيات بالعدالة.
تلك الاحتجاجات ردت عليها السلطات الإيرانية باستخدام مفرط للقوة، تسبب بوقوع مزيد من القتلى والجرحى، لاسيما في محافظة كردستان، مسقط رأس أميني، حيث أقيمت جنازتها التي شهدت قيام عدد من النساء بخلع حجابهن تعبيرًا عن إدانتهن "للجريمة"، واحتجاجاً على إجبارهن على ارتدائه.
في هذا المقال، نستعرض نماذج من أشكال التمييز الممارس على الإيرانيات، في شتى المجالات، والذي يبقى الحجاب عنوان أبرز لها.
رحلة الإيرانيات مع الحجاب.. من "الإجبار" إلى "الإجبار"
قصّة الإيرانيات مع الحجاب تبدو مثيرة على نحو كبير. ففي الوقت الذي تخوض فيه إيرانيات اليوم نضالًا مريرًا عنوانه "إنهاء إلزامية ارتداء الحجاب"، خاضت أمهاتهن وربما جداتهن نضالًا مختلفًا ضد نظام "الشاه" رفضًا لإلزامية خلع الحجاب.
في يناير 1936، أصدر الشاه رضا بهلوي مرسومًا ملكيًا يمنع على النساء ارتداء الحجاب، بذريعة أنه "ممارسة غير حضارية " وأوكل للشرطة معاقبة كل من ترديه. قوبل المرسوم برفض واسع من قبل الإيرانيات اللواتي أقبلن على ارتدائه في إشارة صريحة على رفضهن للنظام السياسي.
وحتى بعد أن رفع ابنه الذي خلفه، محمد رضا بهلوي، الحظر عن الحجاب، وامتلكت النساء حق الاختيار بين ارتدائه أو خلعه، بقي رمزًا للرفض، حتى أنهن لبسنه في التظاهرات التي خرجت للمطالبة بإسقاط النظام ودعم الخميني.
التقرير الصادر الأحد عن المركز الإيراني للدراسات الاستراتيجية التابع لمكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني يكشف أن 49.8 من الرجال والنساء في إيران يعتبرون الحجاب أمرا شخصيا لا يجب على السلطات التدخل فيه.
لم يستمر حق الاختيار طويلًا. انتصرت "الثورة" ليصدر زعيمها آية الله الخميني في السابع من مارس 1979 مرسومًا يفرض على النساء ارتداء الحجاب، بعض النظر عن الدين أو الجنسية.
المرسوم الذي صدر عشية " اليوم العالمي للمرأة" قوبل بتظاهر آلاف النساء رفضًا لإلزامية الحجاب.
وفي محاولة لامتصاص موجة الغضب، طبق مرسوم الخميني على مرحلتين الأولى عام 1981 حيث أصبح ارتداء الحجاب إلزاميًا في المؤسسات والدوائر الحكومية، وفي العام 1983 أصبح إلزاميًا في جميع الأماكن العامة. بالتزامن مع ذلك، فرضت عقوبات مشدّدة على المخالفات، وصلت حد الموت كما حدث مع مهسا أميني.
تمسكُ النظام بإلزامية ارتداء الحجاب، ورفضه دعوات ومنح النساء حق الاختيار، حافظ على موقع الحجاب في إيران رمزًا للمقاومة والرفض، وكما كان ارتداء الحجاب رسالة صار خلعه رسالة أيضًا.
رئاسة "ذكورية" وحضور برلماني "خجول"
تحضر الإيرانيات بشكل خجول في المناصب الرسمية لاسيما السياسية منها. ويشكل الدستور الإيراني إلى جانب القوانين النافذة عائقًا أمام تقلد النساء للعديد من المناصب، فضلًا عن التفسير المتشدّد للنصوص الدينية الذي تنتهجه المرجعيات الدينية ويلاقي رواجًا في المجتمع الإيراني.
أبرز أشكال التمييز ضد المرأة، تتجلى في المادة 115 من الدستور الإيراني والتي تحدد شروط الأهلية لمنصب رئيس الجمهورية، إذا تستخدم نصوصها تعابير "ذكورية" تضع عوائق أمام فرص ترشح النساء للمنصب.
تستخدم المادة 115 من الدستور الإيراني تعابير "ذكورية" تحرم النساء من حق الترشح لرئاسة الجمهورية.
وتنص المادة على أنه " ينتخب رئيس الجمهورية من بين شخصيات دينية وسياسية تتوفر فيها المواصفات التالية: أن يكون إيراني الأصل، ويحمل الجنسية الإيرانية (...) مؤمنا بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد".
تطبيق المادة الدستورية، هو المبرر الدائم لإقصاء النساء من خوض سباق الرئاسة، إذ شهدت الانتخابات الأخيرة تقدم 40 سيدة بطلبات للترشح للانتخابات الرئاسية، رفضت جميعها من قبل مجلس صيانة الدستور المخول على أسماء المؤهلين لخوص السباق الانتخابي.

ولا يبدو المشهد أفضل حالًا في مجلس الشورى، إذ بلغ عدد النساء في المجلس الأخير 17 سيدة فقط من مجموع عدد المقاعد البالغ 290 مقعدًا، وهو ما ترجعه الكثير من الناشطات إلى العوائق التي تضعها القوانين أمام العمل السياسي للمرأة.
التعلم لا يعني المشاركة الاقتصادية
المشاركة الاقتصادية شكل آخر للتمييز الذي يلاحق الإيرانيات، التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر في يوليو الماضي وضع إيران في المرتبة 144 بجدول مشاركة المرأة الاقتصادية، بنسبة مشاركة بلغت 19 بالمئة فقط.
الغياب الصارخ للمساواة الاقتصادية يأتي في وقت تشكل فيه النساء من حملة الشهادات الجامعية 50 بالمئة،
ويفسر تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ضعف مشاركة الإيرانيات في سوق العمل في سياق الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الإيرانية لحقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية.
وبحسب التقرير فإن الحكومة الإيرانية "استحدثت وفعّلت العديد من القوانيين التمييزية التي تحد من مشاركة النساء في سوق العمل".