ولدت نبيهة عبود عام 1897 في مدينة ماردين في أعلى بلاد الجزيرة الفراتية، لوالد يعمل في التجارة، أصله من منطقة الموصل.
ولدت نبيهة عبود عام 1897 في مدينة ماردين في أعلى بلاد الجزيرة الفراتية، لوالد يعمل في التجارة، أصله من منطقة الموصل.

حين نتناول الجهود البحثية الأكاديمية المتعلقة بالدراسات الشرقية، لا يمكن لنا تجاهل البروفيسورة العراقية-الأميركية نبيهة عبود (1897-1981)، رائدة بحوث البرديات العربية، وصاحبة الدراسات التاريخية حول النساء المسلمات في صدر الإسلام والعصر العباسي، وكذلك الملكات العربيات قبل الإسلام، والأشهر من كل ذلك، صاحبة التحقيب الزمني المعتمد حالياً في العالم أجمع لمسار كتابة "ألف ليلة وليلة".

ولدت نبيهة عبود في مدينة ماردين في أعلى بلاد الجزيرة الفراتية، لوالد يعمل في التجارة، أصله من منطقة الموصل. وعادت في طفولتها إلى العراق قبل أن يتوجه والدها إلى الهند في فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حيث أنهت دراستها الجامعية الأولى في قسم الآداب والفنون بكلية "إيزابيلا ثوبورن" في ليكناو (شمالي شرقي الهند) عام 1919، لتعود بعدها إلى بلدها بعد انتهاء الحرب، وتبدأ برنامجاً طموحاً لتعليم النساء في مملكة العراق الناشئة آنذاك.

وفي هذه الفترة، تعرفت على الباحثة والمستكشفة وعالمة الآثار البريطانية غيرترود بيل (1868 -1926)، والتي كانت مستشارة للمندوب السامي البريطاني في العراق بيرسي كوكس، فأعجبت بيل بها وقدمت لها الدعم والمؤازرة في مساعيها التعليمية.

 

الانتقال إلى أميركا

 

لم تتوقف طموحات نبيهة عبود عند مشروع تعليم النساء العراقيات، إذ كانت تسعى لمتابعة دراساتها الأكاديمية. وقد أتيحت لها الفرصة في عام 1925 حين انتقلت عائلتها إلى الولايات المتحدة، فحصلت على درجة الماجستير من جامعة بوسطن، ودرست التاريخ في كلية أزبري في جامعة ويلمور في ولاية كنتاكي حتى عام 1933، حيث انضمت للمعهد الشرقي في جامعة شيكاغو التي حصلت منها على درجة الدكتوراه، وأصبحت بعدها أستاذة للدراسات الإسلامية في المعهد الشرقي في الجامعة ذاتها عام 1949.

عملت زينب الإسترابادي مساعدة لإدوارد سعيد لمدة 14 عاما.
أميركية من أصول عراقية.. من تكون اليد اليمنى لإدوارد سعيد؟
كثيرًا ما حفلت كُتب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أو الدراسات التي كُتبت عنه بشكرٍ خاص لامرأة لعبت دورًا كبيرًا في مساعدته على إيصال صوته إلى العالم، هي ذراعه اليُمنى لـ14 عامًا متتالية قامت فيها بدور الباحثة والمُترجمة والمُحرّرة والمُدققة والمتحدثة بِاسمه في وسائل الإعلام. إنها العراقية زينب الإسترابادي أستاذة اللغة العربية في عددٍ من الجامعات الأميركية.

وفي هذا المعهد، حيث كانت المرأة الأولى التي نالت شرف العضوية في الكادر التعليمي، عثرت عبود على كنوز لم تستطع إلا أن تمضي بقية عمرها بين صفحاتها، ولتصدر خلال عقد ونصف العقد العديد من الكتب والدراسات المرجعية حول تاريخ المشرق، بمختلف مراحله، من البرديات المصرية القديمة، إلى البرديات العربية.

 وفي عام 1963 تقاعدت الباحثة العراقية، وأصبحت أستاذة فخرية في المعهد حتى وفاتها مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي.

 

برديات أموية وكتاب عائشة

 

يعد كتاب "برديات قرة من أفروديتو"، الصادر عن المعهد الشرقي في شيكاغو عام 1938، درة بحوث عبود، حيث أسست في كتابها لدراسات البرديات العربية التي أعادت النظر في التاريخ المكتوب حول الحقبة الأموية. ففي هذا الكتاب تناولت عبود مقتنيات المعهد الذي تدرِّس فيه من البرديات العربية، لتكتشف صورة مغايرة عن شخصية قرة بن شريك العبسي، والي مصر للوليد بن عبد الملك، وقد عُدت نتائج قراءاتها لتلك البرديات أساس المذهب النقدي للتواريخ العباسية وتناولها للحقب السابقة، وخصوصاً الحقبة الأموية.

وأصدرت عبود في عام 1942 كتابها الهام "عائشة حبيبة محمد"، عن حياة زوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر ودورها في حياته. وتلاحظ المؤلفة العراقية في كتابها الصادر عن المعهد الشرقي في شيكاغو عام 1942 بـ230 صفحة، أن ثمة جوانب مخفية في المصادر التاريخية حول السيدة عائشة حاولت أن تدرسها بمنهجية بحثية صارمة، وتوصلت من خلال ذلك إلى رؤية مختلفة لدور المرأة في صدر الإسلام، وهو دور أخفي في فترات لاحقة لأسباب شتى.

وأتبعت عبود كتابها حول عائشة ببحث آخر عنونته بـ"المرأة والدولة في تاريخ الإسلام المبكر"، صدر عام 1942 ضمن "مجلة الدراسات الشرقية" الصادرة عن جامعة شيكاغو. وهو بحث يتناول أدوار بعض نساء بني أمية في الحكم.

 

ملكتان من بغداد

 

في عام 1946، أصدرت عبود كتابها الاستثنائي "ملكتان من بغداد" عن جامعة شيكاغو، وقد ترجمه إلى العربية في عام 2009 عمر أبو النصر، وأصدره عن دار بيبليون في باريس بعنوان مختلف هو "المرأة والسياسة في الإسلام مع دراسة نموذجين من العصر العباسي: الخيزران أم الرشيد وزبيدة زوجته".

اعتمدت عبود على مصادر تاريخية مبكرة باللغة العربية، مثل الطبري، والمسعودي، وكذلك على ما ورد في كتب الأدب مثل "الأغاني" و"العقد الفريد"، من أخبار حول هاتين السيدتين الشهيرتين، فأتى الكتاب غاية في التشويق، لاعتماده أسلوباً أدبياً في السرد، ولكنه في الوقت ذاته أسلوب ملتزم بضوابط البحث العلمي.

أما المنجز المرجعي الكبير الذي استغرق منها سنوات طويلة فهو كتابها "دراسات في البرديات الأدبية العربية" الصادر عن جامعة شيكاغو بثلاثة أجزاء بين عامي 1955 و1972.

 

ملكات العرب قبل الإسلام

 

 لم تقتصر كتابات هذه الأكاديمية العراقية الرائدة على الكتب فقط، بل صدر لها عشرات الدراسات في المجلات المحكمة، تناولت في معظمها أموراً تخص تاريخ المرأة العربية. من أهم بحوثها في هذا المجال؛ دراستها في المجلّة الأميركية للغات الساميّة وآدابها عام 1941، حول الملكات العربيات قبل الإسلام.

وقد ناقشت عبود بطريقة منهجية الإشكاليات التي تواجه الباحث الأكاديمي فيما يتعلق بملكة سبأ (بلقيس) الوارد ذكرها في الكتب المقدسة والتراث المسيحي الحبشي. وبعد ذلك تناولت الملكات الوارد ذكرهن في النصوص الملكية الآشورية مثل شمسي، وزبيبة، وعادية ويثيعة وغيرها.

وتشير عبود في دراستها إلى ملكة لحيانية من شمالي المملكة العربية السعودية لم يتضح اسمها، لتنتقل بعد ذلك للحديث عن ملكات الأنباط ودورهن في التاريخ، ثم ملكات الأسرة العربية الحمصية، جوليا دومنا وقريباتها، وما ورد عنهن في مصادر التاريخ الرومانية. وتختم بحثها بالحديث عن ملكة تدمر زنوبيا، مقدمة رؤية جديدة تتجاوز المعلومات المتداولة عن هذه الملكة التي ما تزال سيرتها تحفز خيال الروائيين والموسيقيين والمؤرخين المعاصرين.

 

مخطوطة ألف ليلة وليلة

 

على الرغم من أن منجزات عبود البحثية أكبر بكثير من دراستها المنشورة في عام 1949 حول مخطوطة "ألف ليلة وليلة" المبكرة التي اكتشفت أنها تعود لمطلع القرن التاسع الميلادي، إلا أن هذه الدراسة حظيت باهتمام بحثي أكبر من معظم كتبها، جعلها المرجع الوحيد لدراسة تاريخ هذه السلسلة القصصية العربية الشهيرة في الغرب منذ ذلك التاريخ.

قادت الملكة ماوية حربا شرسة ضد الرومان انتهت بتوقيع اتفاقية سلام مع الإمبراطور الروماني فالانس.
ماوية ملكة العرب "السراسين".. من تهديد بيزنطة إلى إنقاذها
لم يكم أمام الإمبراطور الروماني فالانس سوى طلب السلام. وهكذا، بعد أن فرضت ماوية شروط الحرب، فرضت أيضًا شروط السلام، ونجحت في فرض أسقف من أبناء شعبها، ومن مذهبها، ولم يكن أمام الأريوسيين سوى القبول، فعُيِّن موسى حسب الأصول كأول أسقف من العرب وللعرب.

ولعبود رأي لافت في مجادلاتها لعدد من المستشرقين الغربيين حول الأحاديث النبوية، حيث ردت على طروحات المستشرق الألماني جوزيف شاخت حول تحليله لنشأة علم الحديث، وملخص رأيه أن هذا العلم نشأ لأسباب سياسية في العصرين الأموي والعباسي. وكان رأي عبود بأن الحديث ممارسة أصيلة في الإسلام المبكر، وقالت إن الكثيرين في عهد النبي والخلفاء الراشدين كانوا يحتفظون بمدونات مكتوبة تتضمن أحاديث عن الرسول، قبل إتلافها من قبل الخليفة عمر بن الخطاب، بسبب عدم رغبته بوجود نص مقدس آخر غير القرآن، وأن كل ما وصلنا من أحاديث هو جزء بسيط من المجموعات التي تم إتلافها.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".