العدد الأول من مجلة "ليلى" التي أصدرتها بولينا حسون عام 1923.
العدد الأول من مجلة "ليلى" التي أصدرتها بولينا حسون عام 1923.

قبل مئة عام، شهد العراق بوادر نهضة نسائية تمثلت بتأسيس "نادي النهضة النسائي"، وصدور مجلة "ليلى" أولى المجلات النسوية العراقية.

القاسم المشترك بين الحدثين هو الصحافية الرائدة بولينا حسون التي اضطرت لمغادرة العراق بعد عامين فقط، بسبب حملة المحافظين ضدها وضد أفكارها الداعية لتحرير المرأة، والمساواة التامة بينها وبين الرجل؛ حتى في الحقوق السياسية.

ليس ثمة تاريخ دقيق لميلاد حسون، ولكن من الراجح أنها ولدت في مدينة الموصل عام 1895 من أب عراقي موصلي وأم حلبية؛ هي شقيقة رائد تحرير المرأة في بلاد الشام الكاتب والمترجم إبراهيم الحوراني (1844 -1916م). ومن المؤكد أن بولينا حسون، تأثرت جداً بأفكار خالها الذي سبق أن رعى تأسيس أول جمعية نسائية في سورية العثمانية عام 1880 باسم "باكورة سورية".

 

جمعية ومجلة

 

تخبرنا المعلومات المتناثرة من سيرة بولينا أنها عاشت شطراً من حياتها متنقلة بين بلاد الشام ومصر التي كانت تشكل ملاذاً للحالمين بالحرية من باقي الدول العربية، وخصوصاً بلاد الشام والعراق. وقد شهدت كل من القاهرة والإسكندرية، منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ولادة صحف ومجلات نسائية شكلت ظاهرة لافتة. ويبدو أن بولينا عادت إلى العراق في العام 1922، أي بعد شهور من تسمية الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، حيث كانت الأحلام كبيرة بمستقبل مشرق لهذا البلد العريق، خصوصاً وأن تجربة فيصل في سوريا كانت غاية في الأهمية على صعيد حقوق المرأة. ولذلك سعت بولينا منذ عودتها إلى تأسيس نهضة نسائية تواكب نهضة العراق الحديث.

من "تعليم البنات" إلى "المشاركة السياسية".. كيف تطورت حركة تحرير المرأة العراقية؟
في سنة 1899، نشر المفكر المصري قاسم أمين كتابه الشهير "تحرير المرأة". دعا أمين في الكتاب للاهتمام بتعليم المرأة المصرية، وطالب بتحريرها من الأغلال التراثية التي قيدتها وعطلت نهضتها. بعد ذلك بسنوات قلائل، صدرت بعض الدعوات المماثلة في أرض الرافدين. ما هي أهم تلك الدعوات؟ وكيف انخرطت المرأة العراقية في السلك التعليمي في عشرينات القرن العشرين؟ وما هي أهم المحطات التي مرت بها العراقيات في طريقهن للمشاركة الاجتماعية والسياسية؟

وعند تأسيس الجمعية النسائية، أوكلت رئاستها إلى أسماء الزهاوي، ابنة مفتي العراق الشيخ أمجد الزهاوي في ذلك الوقت، فيما تراجعت بولينا إلى الصف الثاني، حيث كانت تعمل على إصدار العدد الأول من مجلتها "ليلى".

وقد روت سبب تسمية مجلتها بهذا الاسم، حيث كتبت حاشية في العدد الأول: "على إثر قدومي دار السلام (بغداد)، دعيت إلى إلقاء خطبة في الحفلة التي أقامها منتدى التهذيب (10 جزيران 1923) لتكريم الشاعر الكبير الأستاذ الزهاوي. فرأيت وسمعت هنالك، لأول مرة، الأستاذ الجليل ينشد شعره بتلهف وتحرق ويصيح:

وإني بليلى مغرم وهي موطني... وعلي أقضي في غرامي بها نحبي

فهبطت الكلمتان ليلى والوطن على قلبي هبوط الوحي، فاندفعت إلى تحلية المجلة باسم (ليلى)، وقد كنت قبلها أريد أن اسمي المجلة (فتاة العراق)".

بعد فترة إعداد استغرقت شهوراً عدة؛ أصدرت بولينا مجلة "ليلى" يوم 15 أكتوبر 1923 تحت شعار "في سبيل نهضة المرأة العراقية"، وقد عرفتها على غلافها بأنها: "مجلة نسائية شهرية تبحث في كل مفيد وجديد مما يتعلق بالعلم والأدب والفن وتدبير المنزل".

 

هجوم على المحافظين

 

كرست بولينا افتتاحية العدد الأول للهجوم على معارضي إصدار المجلة، ويبدو أنها خاضت معركة شرسة قبل الصدور، إذ كانت كلمات افتتاحيتها نارية، تعبر عن مقدار الممانعة التي تعرضت له، حيث كتبت: "يفتكر بعضهم أن ظهور مجلة نسائية في العراق من "الكماليات" التي لا حاجة إليها الآن، وأن المناداة بنهضة المرأة العراقية نفخ في رماد... فهؤلاء وأمثالهم معتادون إطفاء الأرواح، ولعلهم من بقايا "الوائدين"... ولكن ما لنا وفكرهم الرجعي؟ وأنى يسمع صوتهم رعود الأصوات الحية الداعية إلى التجدد المنعش؟ لله أنتم أيها المنادون بالحياة، والساعون إلى ما به خير البلاد. أنتم روح العراق! أنتم قلب العراق.. إلخ".

عملت زينب الإسترابادي مساعدة لإدوارد سعيد لمدة 14 عاما.
أميركية من أصول عراقية.. من تكون اليد اليمنى لإدوارد سعيد؟
كثيرًا ما حفلت كُتب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أو الدراسات التي كُتبت عنه بشكرٍ خاص لامرأة لعبت دورًا كبيرًا في مساعدته على إيصال صوته إلى العالم، هي ذراعه اليُمنى لـ14 عامًا متتالية قامت فيها بدور الباحثة والمُترجمة والمُحرّرة والمُدققة والمتحدثة بِاسمه في وسائل الإعلام. إنها العراقية زينب الإسترابادي أستاذة اللغة العربية في عددٍ من الجامعات الأميركية.

استطاعت بولينا أن تستقطب لمجلتها عدداً من أهم الأسماء الأدبية والصحافية في ذلك أمثال الشاعر جميل صدقي الزهاوي، والشاعر معروف الرصافي، والصحافي كاظم الدجيلي، والشاعر اللبناني حليم دموس، وسلمى صائغ، وأنور شاؤول، ويوسف غنيمة.

وكرست حسون مقالاتها الجريئة المطالبة بتشريع قوانين تحفظ حقوق المرأة اعتباراً من العدد الصادر في 15 آذار/ مارس 1924، في مواكبة منها لعقد المجلس التأسيس العراقي (البرلمان) المنتخب جلساته التي كان يناقش فيها إصدار الدستور العراقي، وإصدار قانون الانتخابات.

وكتبت حسون: "إن نجاح النهضة النسوية الناشئة منوط بغيرتكم وشهامتكم أيها الرجال الكرام، ولاسيما وأنتم الذين تحملتم أعباء مسؤولية تأسيس الحياة الديمقراطية العراقية على قواعد عصرية راسخة وأنتم تعلمون أنها ليست حق الرجل فقط.. إلخ".

وواصلت بولينا حملتها في الأعداد اللاحقة، محاولة أن تستقطب وتستفتي آراء رجال السياسة بهذا الموضوع، ونشرت مقالات حول البرلمانات الأوروبية والأميركية التي شرعت الحقوق السياسية للنساء.

 

حملة أولى

 

لم تعجب جرأة حسون الطبقات المحافظة القوية في المجتمع العراقي آنذاك، فبدأت الحملة الأولى ضدها بمقالة شديدة القسوة في جريدة "المفيد" صدرت في أغسطس عام 1924، وقعها شخص مجهول أطلق على نفسه اسم "خبير بما هنالك". لكن جاء رد جريدة "العالم العربي" عليها بمقال شدَّ من أزر بولينا حسون ومجلتها ليلى، داعياً إياها لأن تثابر وألا تبرد همتها من أقوال سخيفة "فأهل الإصلاح مضطهدون في كل قرن.. لك يا ليلى أنصارك أيتها المصلحة النسائية.. إلخ".

ولم يتوقف الأمر عند حملة "المفيد" فانبرى وكيل مجلة "فتاة الشرق" المصرية في بغداد بالهجوم على بولينا، لأنه "لم يسمع عنها أية علاقة بالفنون الأدبية" و"مجلة ليلى لا تحتوي إلا على كل تافه لا يفيد الرجال والنساء، وهي لا تزال طفلة رضيعة".

وقد اتهمت جريدة "العالم العربي" التي تولت الدفاع عن بولينا وكيل "فتاة الشرق" بأنه مكلف من صاحبة مجلته، أي الصحافية لبيبة هاشم، بالتحريض على المجلة وصاحبتها.

وردت بولينا على هذه الحملة رداً هادئاً قالت فيه: "لا يثني عزمي ولا يثبط مساعي ما يقوله بعضهم عني أو ينشره في الصحف، ولا أكترث لتلك المطاعن والأراجيف، فمن شاء أن يصدِّق فليصدِّق، ومن شاء أن يكذِّب فليكذِّب.. إلخ".

وقد صدر أمر بإيقاف الحملة كما كتبت ذلك جريدة "المفيد" في عددها الصادر يوم 19/8/1924، مقدمة اعتذاراً للكتاب الذين لم تنشر مقالاتهم وهو ما يشير إلى حجم الهجوم.

ولكن المناوئين لبولينا حسون سرعان ما وجودوا في تعيينها مديرة لمدرسة "باب الشيخ" الابتدائية في بغداد، في العام الدراسي 1925 فرصة مواتية لإعادة الهجوم عليها في حملة ثانية.

 

حملة ثانية ورحيل

 

تولت مهمة الهجوم هذه المرة جريدة "العراق"، بدعوى أن بولينا تزرع أفكاراً "مخالفة لأصول التربية والتعليم". وزعمت الجريدة أن صاحبة المقال هي طالبة تركت المدرسة بسبب سلوك المديرة الجديدة، أي بولينا حسون.

وهاجمت الجريدة في عدد 9 أكتوبر 1925 بولينا حسون واتهمتها بأنها لا علاقة لها بالتربية والتعليم، وأن مؤهلاتها تقتصر على إصدار "مجلة نسائية ليس لها فيها ومنها إلا الاسم". وختمت الطالبة المزعومة مقالها بالطلب من وزير المعارف ساطع الحصري بأن يخلصهم من هذه المديرة "الطاغية المستبدة".

وواصلت جريدة "العراق" حملتها بمقالات أخرى موجهة لوزير المعارف وللجمهور، شارك فيها كتاب آخرون، إلى أن استجابت الوزارة لهذه الحملة في شهر نوفمبر 1925، وقامت بتخفيض وظيفتها من مديرة إلى معلمة في المدرسة الحيدرية.

حينها، ما كان من بولينا حسون إلا أن رفعت دعوى ضد جريدة "العراق"؛ كسبتها في النهاية، ولكنها كانت قد خسرت جريدتها نتيجة حملات المقاطعة، الأمر الذي أدى إلى إفلاسها، واضطرارها إلى أن ترحل عن العراق نهائياً وتلجأ إلى فلسطين، ثم الأردن لتموت هناك منسية عام 1969.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".