تشهد مصر لوحدها 900 ألف حالة طلاق سنوياً، حسب إحصائيات حكومية رسمية.
تشهد مصر لوحدها 900 ألف حالة طلاق سنوياً، حسب إحصائيات حكومية رسمية.

يدور النقاش مرة أخرى حول مسألة الطلاق الشفوي بالتزامن مع الإعلان عن صدور مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد بمصر.

بدأت حالة الجدل المُثار حول تلك المسألة في يناير سنة 2017. دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقتها إلى إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، بعد ارتفاع معدلات الانفصال خلال الفترة الأخيرة، والتي بلغت وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 900 ألف حالة سنوياً، 40% منهم ينفصلون بعد مرور 5 سنوات من الزواج.

بيّن السيسي "أن إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي من شأنه أن يعطي الفرصة للأزواج إلى مراجعة قرار الانفصال". لكن مؤسسة الأزهر رفضت تقييد الطلاق الشفوي وعدّته حقاً شرعياً للرجل لا يجوز تعطيله بأي حال من الأحوال.

ما هو الطلاق الشفوي؟ وكيف يُطبق بحسب التقاليد الفقهية؟ وما هي الاجتهادات الفقهية التي قيدت حق الرجل في الطلاق الشفوي عبر القرون؟ وكيف انعكس كل ذلك على المدونات القانونية في الدول العربية؟

العراق يسجل آلاف حالات الطلاق شهريا
الزواج والطلاق في الدول العربية.. أرقام تدق ناقوس الخطر
تشهد العديد من الدول العربية معدلات طلاق مرتفعة مقارنة بعقود الزواج، مما دفع الكثير من الخبراء والأكاديميين إلى دق ناقوس الخطر، مطالبين باتخاذ المزيد من الإجراءات والاحتياطات الضرورية للحفاظ على دور الأسرة في المجتمع، ومنع نشوء أجيال تعاني العديد من الأمراض الاجتماعية والأزمات النفسية.
 
 

الشكل التقليدي للطلاق في الفقه الإسلامي

 

شجع الإسلام على الحفاظ على الزواج كرباط مقدس بين الزوجين قدر المُستطاع. يقول الحديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". رغم ذلك، منح الفقه الإسلامي التقليدي الرجل حق طلاق زوجته وقت ما أراد، ولم يلزمه بتبيان الأسباب التي دعته لذلك الفعل. وصار من المُتعارف عليه عند جماهير الفقهاء أن نطق الرجل لكلمة الطلاق يؤدي إلى وقوع الطلاق بشكل فعلي بغض النظر عن الظروف التي قيلت فيها تلك الكلمة، وذلك اعتماداً على ما ورد في سنن الترمذي عن النبي "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة".

وقد اتفق الكثير من العلماء السنة عبر القرون وإلى اليوم على وقوع الطلاق الشفوي. في ذلك المعنى، جاء بيان هيئة كبار العلماء في الأزهر بمصر سنة 2017، حيث يقول: "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي وحتى يومنا هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق".

 

اجتهادات فقهية معارضة

 

على الرغم من إصرار الفقه التقليدي على وقوع الطلاق الشفوي، إلا أن بعض الفقهاء المعتبرين كان لهم رأي آخر في تلك المسألة. على سبيل المثال أجمع فقهاء الشيعة على ضرورة وجود شاهدين عدلين وقت الطلاق استناداً لما ورد في الآية الثانية من سورة الطلاق "فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ". يقول شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتابه "الخلاف" موضحاً ذلك الرأي: "...كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان -وإن تكاملت سائر الشروط- فإنه لا يقع".

في الحقيقة، لم يقتصر الإلزام بالشهادة في الطلاق على الشيعة وحدهم. يذكر الفقيه المصري السيد سابق في كتابه "فقه السنة" أن عددا من الصحابة، مثل عمران بن حصين، والتابعين، مثل عطاء بن أبي رباح وابن جريج وابن سيرين، ذهبوا إلى وجوب الإشهاد واشتراطه لصحة الطلاق.

في السياق نفسه، تذكر الكتب الفقهية أن الإلزام بالإشهاد عند الطلاق كان أحد الأقوال المعروفة في المذهب الشافعي. وورد في كتاب "المُحلى" أيضا أن ابن حزم (المذهب الظاهري) اختار هذا الرأي، إذ قال: "...قرن عز وجل بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد ذلك عن بعض، وكان من طلق ولم يشهد ذوي العدل، أو راجع ولم يشهد ذوي العدل متعدياً لحدود الله تعالى".

حظي القول بضرورة توثيق الطلاق بدعم الكثير من الفقهاء المعتبرين في العصر الحديث كذلك. على سبيل المثال، يقول محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية: "لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا ذلك الرأي، فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين، يمكنهما مراجعة الزوجين فيضيِّقان الدائرة، ولكيلا يكون الزوج فريسة لهواه، ولكي يمكن إثباته في المستقبل فلا تجري فيه المشاحة، وينكره المطلِّق إن لم يكن له دين. والمرأة على علم به، ولا تستطيع إثباته، فتكون في حرج ديني شديد".

الرأي نفسه ذهب إليه الشيخ التونسي محمد الطاهر بن عاشور في كتاب "التحرير والتنوير". يقول عند تفسيره للآية الثانية من سورة الطلاق: "ظاهر صيغة الأمر: الدلالة على الوجوب، فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجباً على الأزواج، لأن الإشهاد يرفع أشكالاً من النوازل".

وأيضاً، أيد المُحدث السلفي محمد ناصر الدين الألباني هذا الرأي في أشرطته المسماة بـ"سلسلة الهدى والنور". يقول الألباني: "العقل والنظر السليم يؤيد أن يشترط فيه -أي الطلاق- الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم على الطلاق، ولكن هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً، وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّـة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فائت بشاهدين، كما إذا أردت أن تنكح فخذ الولي وائت بشاهدين، وإلا فلا نكاح لك".

 

في المدونات القانونية

 

تنص الكثير من المدونات القانونية المعمول بها في الدول العربية على ضرورة توثيق الطلاق في المحكمة، وعلى عدم اعتبارية الطلاق الشفوي.

في العراق، جاء في المادة التاسعة والثلاثين من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959: "على من أراد الطلاق أن يقيم الدعوى في المحكمة الشرعية بطلب إيقاعه واستحصال حكم به. فإذا تعذر عليه مراجعة المحكمة وجب عليه تسجيل الطلاق في المحكمة خلال مدة العدة".

يوضح الباحث حيدر حسين كاظم الشمري في دراسته "المعالجات التشريعية للحد من ظاهرة الطلاق في العراق" أن معظم حالات الطلاق في العراق لا تُنفذ بنفس الطريقة التي ورد النص عليها في المادة القانونية، "فقد يكون إيقاع الطلاق خارجياً، أي عن طريق رجل الدين ومن ثم يتم تصديق الطلاق أمام المحكمة سواء أثناء العدة أم بعدها، وسواء أكان المدعي هو الزوج أم الزوجة. وهذه أكثر الحالات شيوعاً في العراق".

في تونس، تم تعطيل الطلاق الشفوي بشكل قاطع. نص الفصل الثلاثون من مجلة الأحوال الشخصية التونسية سنة 1957م على أنه "لا يقع الطلاق إلاّ لدى المحكمة". ووضعت المجلة مجموعة من الضوابط التي يجب الرجوع إليها قُبيل الطلاق، إذ يجب أن "يختار رئيس المحكمة قاضي الأسرة من بين وكلائه. ولا يحكم بالطلاق إلاّ بعد أن يبذل قاضي الأسرة جهداً في محاولة الصلح بين الزوجين ويعجز عن ذلك. وإذا لم يحضر المدعى عليه ولم يبلغ الاستدعاء لشخصه، فإن قاضي الأسرة يؤجل النظر في القضية ويستعين بمن يراه لاستدعاء المعني بالأمر شخصياً أو لمعرفة مقره الحقيقي واستدعائه منه. وعند وجود ابن قاصر أو أكثر تتكرر الجلسة الصلحية ثلاث مرات على أن تعقد الواحدة منها 30 يوماً بعد سابقتها على الأقل، ويبذل خلالها القاضي مزيداً من الجهد للتوصل إلى الصلح، ويستعين بمن يراه في ذلك".

الأمر ذاته نصت عليه المدونة القانونية المعمول بها في المغرب. جاء في المادتين 79 و114 من مدوّنة الأُسْرَة الصادرة في سنة 2004: "يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك، بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية، أو موطن الزوجة، أو محل إقامتها، أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب. فبعد أن تحاول المحكمة الإصلاح بين الزوجين ما أمكن، فإذا تعذر الإصلاح، أذنت بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه".

يختلف الوضع القانوني للمسألة في مصر. ورد في نص المادة الرابعة من قانون الأحوال الشخصية أن "الطلاق لا يقع إلا بالنية"، كما ذكرت المادة الخامسة من القانون أنه "على المطلق أن يوثق إشهاد طلاقه لدى الموثق المختص خلال ثلاثين يوماً من إيقاع الطلاق... وتُرتب أثار الطلاق من تاريخ إيقاعه إلا إذا أخفاه الزوج عن الزوجة، فلا تترتب أثاره من حيث الميراث والحقوق المالية الأخرى إلا من تاريخ علمها به".

يعني ذلك إمكانية وقوع التعارض بين الناحيتين الشرعية والقانونية في حالة أن قام الزوج بتطليق زوجته دون أن يوثق ذلك في المحكمة. وقتها، سيقع الطلاق بشكل شرعي وتصبح الزوجة مطلقة في حكم الشريعة الإسلامية. على الجهة المقابلة، ستبقى المرأة زوجة لطليقها من الناحية القانونية. الأمر الذي سيمنعها من الزواج مرة أخرى إن أرادت ذلك.

التفت المشرع المصري لتلك النقطة الإشكالية في قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يُناقش حالياً. تضمن القانون مواداً تنظم الطلاق الشفوي أو الرجعة الشفوية، حيث هناك نصوص منضبطة في هذا الشأن تلزم الزوج الذي يطلق زوجته شفوياً، أن يوثق هذا الطلاق عند مأذون أولاً ويخطر زوجته به، والأمر ينطبق على الرجعة الشفوية أيضاً في حالة أراد إرجاعها إلى عصمته مرة أخرى. وتسري أحكام هذا الطلاق الشفوي أو الرجعة الشفوية من وقت علم الزوجة، حيث إن هناك حالات كثيرة لبعض الأزواج يخفون تطليق زوجاتهم أو إرجاعه إليهم، ويتم اكتشاف ذلك في المحاكم.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.
كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.

صدم منشور لمنظمة اليونيسف حول التحرش الجنسي، اللبنانيين، حيث أشارت من خلاله إلى أن "كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن".

ولفتت المنظمة الأممية عبر صفحتها على "فيسبوك" إلى أن هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح أمرا عاديا في المجتمع، في الأماكن العامة وعبر الإنترنت، في الأسواق والمواصلات، داعية الجميع إلى مكافحته من خلال رفع الصوت، طلب المساعدة والتنديد.

ما أوردته المنظمة الأممية يعكس الكثير من الحقيقة، كما تقول مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، شارحة "النساء معرضات في أي مرحلة من مراحل حياتهن للتحرش الجنسي أيا يكن مستواهن الاقتصادي، العلمي، الأكاديمي، المهني والثقافي، حيث يقف خلف ذلك منظومة فكرية تشجع العنف المبني على النوع الاجتماعي وتتسامح معه، ملقية دائماً باللوم على المرأة ومبررة للرجل ما يرتكبه بحقها".

وفي ظل غياب التوعية الجنسية، قد تتعرض كما تقول قصقص "صغيرات للتحرش من دون أن يعلمن حقيقة ما يحصل لهن، رغم إدراكهن أنه أمر غير طبيعي ومزعج، يترافق ذلك مع شعور بالذنب يتضاعف حين يكبرن ويكتشفن أن انتهاكاً كان يمارس بحقهن".

ميرفت، إحدى اللبنانيات اللواتي تعرضن للتحرش، كان ذلك قبل حوالي العشر سنوات، حين قررت ممارسة رياضة المشي صباحا في شوارع بيروت بهدف إنقاص وزنها، لكن بدلا من ذلك أصيبت بصدمة نفسية بعدما لاحقها شاب خلع ملابسه وبدأ القيام بحركات جنسية والتلفظ بكلمات نابية، منتهزا فرصة خلو الشارع من المارة".

وتقول لموقع "الحرة" "رغم مرور كل تلك السنوات لكن إلى حد الآن لا يمكنني نسيان أو تخطي ما حصل، نعم تمكّنت من الهروب من المتحرش حينها، لكنني لازلت أسيرة مشاهد ما ارتكبه".

عاشت ميرفت أياما صعبة بعد الحادثة، خوف مما حصل وألم لعدم قدرتها على البوح لعائلتها كي لا تلقي اللوم عليها وتقول "لم أتجرأ حتى على إخبار صديقاتي وكذلك الخروج من المنزل وحدي، كنت أشعر تارة بالظلم وتارة أخرى كنت أجلد نفسي لعجزي عن مواجهة جميع من حولي، طاردتني الكوابيس وأصبت بالاكتئاب إلى أن قررت بعد حوالي السنة كسر حاجز ضعفي واطلاع والدتي".

خلط مفاهيم 

على نقيض ما ذكرته اليونيسف، تؤكد القوى الأمنية أن لبنان من البلدان الأكثر أمانا فيما يتعلق بجريمة التحرش، عن ذلك يشرح مصدر في قوى الأمن الداخلي لموقع "الحرة"، "المقصود بذلك أن وضع لبنان أفضل مقارنة مع العديد من الدول العربية والأجنبية، من دون أن ننفي حصول هذا النوع من الجرائم بالمطلق، لاسيما جريمة الابتزاز الالكتروني، التي ننبه منها كثيرا، حيث ندعو إلى اتباع سبل الوقاية ومنها عدم نشر أو إرسال صور خاصّة أو مقاطع فيديو شخصية عبر تطبيقات الإنترنت وتجنَّب محادثة الغرباء أو لقاءهم، وتعزيز إعدادات الأمان والخصوصية على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي".

كما تؤكد المحامية في منظمة "كفى"، فاطمة الحاج، أنه لا توجد إحصاءات لعدد ضحايا التحرش الجنسي في لبنان، مشددة على أن "عددا كبيرا من النساء لا يعلمن الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي بغض النظر عن مستواهن الثقافي".

وتشرح "التحرش يكون إما لفظيا أو إلكترونيا أي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالابتزاز العاطفي والرسائل المتضمنة ألفاظا نابية، أما في حالة لمس الضحية بقصد الإثارة نكون عندها أمام اعتداء جنسي".

ثلاث سنوات وميادة تعتقد أن ما تعرضت له على يد زوج صديقتها تحرش وليس اعتداء، وتقول "بغض النظر عن تلك المفاهيم، تبقى الحقيقة ثابتة، وهي انتهاز من كنت اعتبره بمثابة أخ لي فرصة أطباقي وزوجته أعيننا للنوم خلال قيادته للسيارة أثناء عودتنا من السهرة، فقام بتلمس رجلي صعودا، حينها استيقظت مرعوبة، كذبت نفسي، ولأتأكد، عاودت إطباق عيني وإذ به يكرر فعلته، ارتعبت وما كان مني إلا أن تظاهرت أني أتحدثت مع والدتي عبر الهاتف لكي يتوقف عن جريمته".

أطلعت ميادة صديقتها عما فعله زوجها فطلبت منها التكتم عن الأمر، وتقول "صدمت بردة فعلها أكثر من الفعل الذي أقدم عليه زوجها"، مشددة "في ذلك اليوم شعرت بأن غلاف حمايتي تمزّق، انعدمت ثقتي بجميع من حولي، عانيت من الاكتئاب لاسيما وأني لا أملك إثبات كي يصدقني الناس ويحميني القانون".

تلقت الشابة الثلاثينية العلاج عند اخصائية نفسية، ساعدها ذلك في اجتياز مسافة طويلة في طريق شفائها، إلا أنه كما تقول "مجرد أن تجرأت على البوح أمام محيطي شعرت بأني أسقط عن كاهلي ألم الكون".

آثار عميقة

يسبب التحرش الجنسي كما تؤكد قصقص "صدمة للجهاز النفسي، ويخلف آثارا نفسية عميقه في ضحاياه، منها ضعف الثقة بالنفس ولوم الذات وتدني القيمة الذاتية وتشوه صورة الجسد.

ومن الضحايا من يعانين كما تقول "من اضطراب ما بعد الصدمة وهو الأكثر شيوعا في حالات العنف الجنسي، ومن عوارضه صعوبة التركيز والنوم، الأفكار السلبية والكوابيس، القلق والاكتئاب والانفعال".

وتضيف "تختلف طرق تعامل ضحايا التحرش مع ما تعرضن له، منهن من يفصحن عما واجهن في حين تفضل بعضهن التكتم عنه كي لا يسترجعن تفاصيل الحدث المؤلم الذي مررن بها، رغم أن الحقيقة لا يفارق ذاكرتهن، أو لأنهن لا يشعرن بدعم محيطهن والمجتمع أو يخشين عدم تصديقهن إضافة إلى مشاعر لوم الذات التي تختلجهن". 

أما علاج ضحايا التحرش الجنسي فيتطلب بحسب قصقص "تقديم الدعم والمتابعة النفسية والاجتماعية الفردية والجماعية لهن من قبل اختصاصيين، لتجريدهن من مشاعر الذنب وتمكينهن من إعادة ترميم صورتهن الجسدية ورفع منسوب تقديرهن لأنفسهن".

وتشدد "لا شك أن الوقاية خير من قنطار علاج، من هنا لا بد من رفع التوعية حول قضايا العنف الجنسي، وهذا ما يحصل في هذه المرحلة كوننا في حملة الـ 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي الدولية التي تبدأ في 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر".

ولهذه المناسبة أطلقت منظومة الأمم المتحدة في لبنان بالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، حملة محلية من موضوع الحملة الدولي التي تحمل عنوان "اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات"، واستخدم وسمَي #NoExcuse و #وقفة_لوقف_العنف، حيث تهدف إلى لفت الانتباه إلى احتياجات النساء والفتيات بكل تنوّعهن.

وقالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا "إن العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يُشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان فحسب، بل إنه يُلحق الضرر أيضاً بالمجتمع ككل.. بينما يواجه لبنان أزمات متعددة، كان آخرها خطر النزاع، يحقّ للنساء والفتيات الشعور بالأمان والحماية. وينبغي أيضًا تمكين المرأة لاستخدام إمكاناتها الكاملة ولعب أدوار قيادية تسهم في رفاهة بلادها والسلام والأمن والتنمية المستدامة".

زرّ المواجهة

لتمكين فتيات ونساء لبنان من مكافحة العنف الجنسي، توّزع جمعية "أحلى فوضى"، "زرّ وقائي" عبارة عن جهاز انذار يمكن تفعيله بالضغط عليه، فيصدر صوتا بقوة حوالي 125 ديسيبل يخيف المهاجم ويدفعه للهرب.

وتشرح رئيسة الجمعية، إيمان نصر الدين عساف، "الزر من انتاج جاين سونغ، والدة الموظفة في السفارة البريطانية ريبيكا دايكس التي اغتصبت وقتلت خنقا في بيروت عام 2017، هدفه الحماية من العنف الجنسي، ونحن نتعاون معها في تحقيق مشروعها".

أسست سونغ جمعية "زرّ بيكي" وهي تعمل على تطوير جهاز الإنذار، بحسب نصر الدين، لافتة إلى أنه "وزعنا إلى حد الآن نحو ألف قطعة منه، وهناك تجاوب كبير من الفتيات والنساء".

وكان مجلس النواب اللبناني صادق على عام 2020 على قانون "تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، إلا أن هذا القانون ينطوي بحسب الحاج "على ثغرات عدة، منها تعريفه الفضفاض لهذا الجرم، لاسيما فيما يتعلق بالسلوك المتكرر، حيث يترك للقاضي حق التقدير فيما إن كان سلوك ما يدخل ضمن إطار التحرش من عدمه، وبالتالي قد تدفعه ذكوريته إلى عدم اعتبار لفظ ناب بأنه تحرش، وذلك بدلا من إعطاء هذا الحق للضحية التي يقع على عاتقها عبء إثبات الجرم رغم صعوبة الأمر".

وتعرّف المادة الأولى من القانون التحرش الجنسي بأنه "أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال، أو أفعال، أو إشارات، أو إيحاءات، أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية". 

يعتبَر أيضا تحرشا جنسيا "كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي، أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير".

يفتقد القانون كذلك بحسب الحاج إلى آلية حماية للضحية من المتحرش، "لكل ذلك تعمل جمعية كفى على صياغة قانون شامل لمناهضة للعنف ضد المرأة في كافة المجالات، يشمل آليات حماية لضحايا التحرش والاعتداء والاغتصاب".

كما سبق أن انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القانون، معتبرة أنه لا يستوفي المعايير الدولية، لاسيما لجهة عدم مصادقته على "اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرّش" وتطبيقها، مشددة على أنه يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، دون ذكر التدابير الوقائية، إصلاحات قانون العمل، وسبل الانتصاف المدني، في الوقت الذي كان عليه موجب تبني مقاربة شاملة".

رغم جهود المجتمع المدني والحملات الاعلانية التوعوية وتحويل بعض قضايا التحرش إلى قضايا رأي عام، لا يزال الحديث عن التحرش كما تقول الحاج "تابو، لاسيما في البلدات النائية، حيث تمارس الضغوطات على الضحية حتى من أقرب الناس إليها في حال تجرأت على الافصاح عما تعرضت له، ما يحول دون تمكنها من تقديم شكوى بحق المتحرش".