خاضت المرأة العراقية نضالاً طويلاً من أجل نيل حقوقها، وهو نضال تعدّدت جبهاته، فهو ضد السلطة المعادية لحقوق المرأة، وضد العادات والتقاليد الاجتماعية التي أعاقت تطورها في شتى المجالات.
وخلال مسيرة النضال الطويلة برزت المئات من الناشطات العراقيات في شتى المجالات. في هذا التقرير نستعرض مسيرة عدد من الناشطات الذي فتح نضالهن الباب أمام نيل العراقيات المزيد من الحقوق.
"مدرسة زهرة".. عندما تلكأ الانتداب
شهد العام 1899، افتتاح أوّل مدرسة للإناث في العراق، وهي مدرسة "إناث رشدية مكتبي" في بغداد. ورغم "تقاليد المجتمع العراقي وعاداته المترسخة التي كانت ترى في خروج الفتاة من بيتها من أجل التعليم أمراً يؤدي إلى إفسادها"، كما يورد علي الوردي، في كتابه"دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، عُدّ افتتاح المدرسة نقطة انطلاق في حركة تعليم الإناث تبعها توسع محدود في إنشاء مدارس الإناث خلال فترة الحكم العثماني.
تعتبر زهرة خضر من الرائدات الأُولَيات في الدفاع عن تعليم الإناث. وفي مواجهة تلكؤ حكومة الانتداب البريطاني في الرد على الدعوات التي وجهتها مع عدد من السيدات لإنشاء مدارس للفتيات، أقدمت في العام 1918، على تأسيس مدرسة خاصة، بلغ عدد الطالبات المنضمات إليها نحو 40 طالبة.
وصفت خطوة زهرة خضر بـ"الثورة". وفي الوقت الذي قوبلت فيه بالإعجاب والتشجيع، تعرضت للنقد من قبل المجتمع المحافظ الذي كان يتماهى مع موقف حكومة الانتداب غير المتحمسة لتعليم الفتيات، والتي لم تقدم بدورها أي دعم يذكر لـ"مدرسة زهرة"، وفقاً لكتاب "رائدات الحركة النسوية في العراق".
استمر الوضع على حاله حتى عام 1920، عندما اضطرت حكومة الانتداب لإنشاء مدرسة رسمية للإناث استجابة للمطالبات التي لم تتوقف، إلى جانب ما شكلته "مدرسة زهرة" من إحراج.
بعد تأسيس المدرسة الرسمية أغلقت زهرة مدرستها وانضمّت إلى الكادر التعليمي، لتواصل إلى جانب المعلمات في المدرسة الجديدة النضال من أجل التوسع في إنشاء مدارس الإناث، وهو ما استجابت له حكومة الانتداب التي شَرعت في تأسيس مدارس الإناث في مختلف محافظات العراق.
بولينا حسون.. "على طريق نهضة المرأة العراقية"
صدر العدد الأوّل من مجلة "ليلى" في 15 أكتوبر 1923، مؤسسة بذلك لنشوء الصحافة النسوية في العراق، على يد بولينا حسون.
نشطت بولينا قبل إصدار المجلة في الحياة العامة، حيث كانت من العضوات المؤسسات لنادي "النهضة النسائية" الذي أعلن عن ولادته في 24 نوفمبر 1923، وبرزت صاحبة صوت عالٍ في الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بمساواتها مع الرجال في جميع المجالات والمشاركة الكاملة للمرأة في بناء العراق ونهضته.
اختزلت بولينا أفكارها وموافقها تجاه قضية تحرير المرأة في شعار المجلة الذي كان "على طريق نهضة المرأة العراقية"، كما جاءت موضوعات المجلة منسجمة مع الخط التحريري الذي حمله الشعار، فدعت مقالاتها إلى منح المرأة حقوقاً سياسية مساوية للرجال، وانتقدت ضعف المشاركة الاقتصادية للمرأة، كما فتحت النار على بعض العادات الاجتماعية التي تؤثر سلباً على نهضة المرأة وتهضم حقوقها.
يصف أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل، إيراهيم العلاف، الفترة التي ظهرت فيها مجلة "ليلى" بأنه "بالغة الصعوبة"، حيث احتدم الصراع بين المدافعين عن الالتزام بالحجاب وخلعه.
تعرضت لولينا حسون إلى حملة شديدة قادها محافظون رفضاً لطروحات المجلة، ما أدى في النهاية إلى توقف المجلة بعد عامين من الصدور. ومع توقفها توقفت الصحافة النسائية في العراق لنحو 15 عاماً، حتى صدر في عام 1936 العدد الأوّل من مجلة "المرأة الحديثة".
الجمعيات النسوية.. فتاوى التحريم تعيق النضال
يعود تاريخ تنظيم العمل النسوي في العراق إلى العام 1923، حين أسست الناشطة أسماء الزهاوي أوّل نادٍ للمرأة العراقية، وهو "نادي النهضة النسائية"، الذي كان محل ترحيب المجددين وغضب المحافظين الذين وصل بهم الأمر في بعض الأحيان إلى التهديد والوعيد بالقتل.
وفيما حدد النادي أهدافه بتعليم الفتيات الأميات، وخياطة الملابس للنساء الفقيرات، وتربية الفتيات اليتيمات، إلا أنه خاض نضالاً كبيراً في سبيل تحرير المرأة ومساواتها مع الرجال، كما أعلن انحيازه الصريح إلى دعوات نزع الحجاب.
أصبح النادي الجهة التمثيلية للمرأة العراقية في المحافل العربية، فشارك في المؤتمر النسائي العربي الذي عقد في مصر عام 1929 برسالة تشرح واقع المرأة العراقية والصعوبات التي تعيشها في نضالها ضد التعصب الذكوري.
بعدها بعام شارك النادي في المؤتمر النسائي الشرقي الأول في دمشق ممثلا بالعضوين أمينة الرحال ( أول سيدة عراقية تحصل على رخصة قيادة سيارة وأوّل محامية عراقية)، وجميلة الجبوري.
وكان العام 1932 فارقاً في تاريخ النادي، فهو العام الذي استضاف فيه العراق المؤتمر النسائي العربي، والعام الذي شهد إغلاقه أيضا بأمر من الملك فيصل الأول.
قرار الإغلاق جاء في أعقاب اجتماع عقده وفد من رجال الدين مع الملك، عدوا فيه إنشاء النادي أمراً مخالفاً لتعاليم الدين الإسلامي، فما كان منه إلا الموافقة على طلبهم وتصدير أمر الإغلاق.
شكل القرار ضربة كبيرة للحركة النسوية في العراق، وانتصاراً للتيار المحافظ الذي واصل وضع العراقيل أمام محاولات العراقيات تنظيم أنفسهن، قبل أن يشهد عام 1944، عودة العمل النسوي المنظم من خلال تأسيس الاتحاد النسائي العراقي، الذي استكمل مسيرة "نادي النهضة النسائية".
جلثومة العارضيّة.. "صوت المرأة ثورة"
عندما اندلعت ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني، لم تمنع الطبيعة العشائرية المحافظة من لعب المرأة العراقية دوراً في الثورة. ورغم أنها لم تلعب دوراً مباشراً في المعارك، إلا انها تحملت أعباء الإسناد وإعداد المؤونة وبعض عمليات الرصد والاستطلاع.
إلى جانب تلك الأدوار، برز دور المرأة في شحذ همم المقاتلين من خلال الأشعار والأهازيج الثورية، ومن أبرز النساء في هذا المجال كانت جلثومة العارضيّة التي لقبت بـ"شاعرة ثورة العشرين الكبرى".
رافقت جلثومة المقاتلين إلى ساحات المعارك التي شارك فيها زوجها وأولادها الثلاثة. ووفقاً لكتاب "رائدات الحركة النسوية في العراق"، فإنها كانت تقف في ساحة المعركة وتنشد أشعاراً حماسية لحثّ الثوار على الاستبسال في القتال.
وحتى بعد مقتل زوجها واثنين من أولادها في المعارك، لم تتوقف جلثومة عن مرافقة المقاتلين وحثّهم على مواصلة القتال ضد الاحتلال.