استغل حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لتحريم تولي المرأة لرئاسة الدولة
تميز القرن الثاني الهجري بانتشار واسع للتصوف، وبرزت العديد من النساء المتصوفات التي وضعن بصمتهن على تاريخ التصوف في الإسلام.

عُرف التصوف في العراق منذ فترة مبكرة من عمر الحضارة العربية الإسلامية. ظهرت واحدة من أقدم مدارس التصوف الإسلامي في البصرة في القرن الثاني الهجري. يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "أول ما ظهرت الصوفية من البصرة... وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار ولهذا كان يُقال: فقه كوفي وعبادة بصرية".

لم يبرز الرجال وحدهم في ميدان التصوف في تلك الفترة، بل برزت كذلك العشرات من النساء المتصوفات اللاتي ورد ذكرهن في العديد من المصادر المهمة. من بين هذه المصادر كتاب "ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات" لأبي عبد الرحمن السلمي، و"صفة الصفوة" لأبي الفرج ابن الجوزي، و"وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لابن خلكان. فمن هم أشهر المتصوفات العراقيات؟ وما هي قصصهن؟ وكيف عبرت الأشعار المنسوبة لهن عن التجارب الروحية العميقة التي مررن بها؟

 

رابعة العدوية

 

تُعدّ رابعة العدوية أشهر النساء المتصوفات على مدار التاريخ الإسلامي. لا نعرف الكثير عن أصولها وأسرتها. عاشت رابعة في البصرة في القرن الثاني الهجري. ويُقال إنها سميت "رابعة" لأنها كانت البنت الرابعة لأبيها. توفيت في سنة 180هـ تقريباً.

تتحدث المصادر التاريخية عن المكانة المهمة التي حظيت بها رابعة العدوية بين أقرانها من العلماء والفقهاء. على سبيل المثال، يذكر ابن الجوزي في كتابه أن الفقيه الكبير سفيان الثوري كان يقصدها لطلب العلم والدين، كما أنه كان يصفها بـ"المؤدِّبة التي لا يستريح إذا فارقها". في السياق نفسه، وصفها ابن خلكان في وفيات الأعيان بأنها "كانت من أعيان عصرها. وأخبارُها في الصلاح والعبادة مشهورة".

اشتهرت رابعة العدوية "بحبها لذات الله"، حتى عُرفت بـ "شهيدة العشق الإلهي". وتُحكى عنها الكثير من الروايات، العجائبية أحيانا، التي تشير إلى هذا الحب. من ذلك أن بعض الأشخاص شاهدوها يوماً وهي تتمايل، فلما سألوها عن السبب قالت: "سكرت من حب ربي الليلة، فأصبحت وأنا منه مخمورة"!، وذلك بحسب ما يذكر أبو عبد الرحمن السلمي في كتابه.

وكذلك عُرف عنها الزهد والتفرغ بشكل كامل للعبادة. يُقال إن واحداً من أغنياء البصرة أرسل لها ليعرض عليها الزواج، وأغراها بمهر عظيم فأجابته برسالة جاء فيها: "أما بعد، فإن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن، فإذا أتاك كتابي فهيء زادك وقدم لمعادك، وكن وصي نفسك ولا تجعل وصيتك إلى غيرك، وصم دهرك واجعل الموت فطرك، فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك فيشغلني بك عنه طرفة عين، والسلام".

من جهة أخرى، تُنسب لرابعة العدوية العديد من القصائد الصوفية الرائعة التي اعتاد الصوفية على ترديدها جيلاً بعد آخر، ومن ذلك قولها في إحدى القصائد:

عرفت الهوى مذ عرفت هواك... وأغلقت قلبي عمن عاداك

وقمت أناجيك يا من ترى... خفايا القلوب ولسنا نراك

أحبك حبين حب الهوى... وحباً لأنك أهل لذاك

فأما الذي هو حب الهوى... فشغلي بذكرك عمن سواك

وأما الذي أنت أهل له... فكشفك لي الحجب حتى أراك

وتقول في قصيدة أخرى:

راحتي يا إخوتي في خلوتي... وحبيبي دائماً في حضرتي

لم أجد لي عن هواه عوضاً... وهواه في البرايا محنتي

حيثما كنت أشاهد حسنه... فهو محرابي إليه قبلتي

إن أمت وجداً وماثم رضا... واعناني في الورى وشقوتي

 

مريم البصرية

 

كانت مريم البصرية من المتصوفات اللواتي عاصرن رابعة العدوية.  ويُحكى عنها أنها خدمت رابعة لسنين طويلة. اشتهر أمر مريم عقب وفاة رابعة عندما كان الناس يسألونها عن كيفية الوصول لطريق التصوف والحب الإلهي. يذكر أبو عبد الرحمن السلمي أن مريم كانت شديدة التفكر في القرآن، وأنها أقامت صلاة الليل ذات يوم وهي تقرأ آية واحدة، وهي "الله لطيف بعباده". وظلت تكررها في تدبر وخشوع حتى أصبح عليها الصبح!

ضريح عبد القادر الجيلاني داخل الحضرة الجيلانية في بغداد.
الخلاف على أصول الجيلاني بين التاريخي والسياسي.. عراقي أم إيراني؟
أواخر ستينيات القرن العشرين، طالب الرئيس العراقي الأسبق، أحمد حسن البكر، من إيران إعادة رفات الخلفية العباسي هارون الرشيد، رفضت إيران وطالبت باسترجاع رفات الإمام الصوفي عبد القادر الجيلاني، الخلاف بين العراق وإيران على أصول الجيلاني قديم متجدّد، فهل هو عراقي أم إيراني؟

تذكر بعض المصادر، في قصة غريبة، أن مريم توفيت في إحدى حلقات الذكر والتصوف. يقول ابن الجوزي إنها كانت حاضرة في أحد مجالس الوعظ، فلمّا تحدث الواعظ عن حب الله لم تحتمل فماتت في المجلس من شدة الوجد!

 

ريحانة الوالهة

 

من المتصوفات اللاتي اشتهر أمرهن في البصرة في القرن الثاني الهجري أيضا. لا نعرف عنها الكثير من المعلومات. يُقال إن الناس كانوا يسمونها بالمجنونة من شدة انجذابها إلى الله وبعدها عن الخلق! ونقل عنها ابن الجوزي بعض أشعار المناجاة الرائعة، ومنها قولها:

بوجهك لا تعذبني فإني... أؤمل أن أفوز بخير دار

وأنت مجاور الأبرار فيها... ولولا أنت ما طاب المزار

وقولها:

لا تأنسن بمن توحشك نظرته... فتمنعن من التذكار في الظلام

وأجهد وكد وكن في الليل ذا شجن... يسقيك كأس وداد العز والكرم

وينقل عنها أبو عبد الرحمن السلمي قولها:

أنت أنسي وهمتي وسروري... أبى القلب أن يحب سواكا

عزيـزي وهمتـي ومـرادي... طال شوقي متى يكون لقاكا

غير سؤلي من الجنان نعيم... غير أني أريد أن ألقاكا

 

شعوانة

 

عُرفت شعوانة كواحدة من كبار المتصوفات العراقيات اللاتي ظهرن في منطقة الأُبلة الواقعة بالقرب من البصرة في القرن الثاني الهجري. تحدث عنها ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"، فوصفها بأنها "أمة سوداء كثيرة العبادة، رُوِي عنها كلمات حسان"، وذكر أنها توفيت في سنة 175ه.

يُقال إن شعوانة كانت معروفة بالتهتك والخلاعة في بداية حياتها. وفي أحد الأيام حضرت في أحد مجالس الوعظ وسمعت الواعظ يقرأ القرآن. فلما قرأ الآية الثانية عشرة من سورة الفرقان "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً"، شعرت بالخوف الشديد، وعزمت أن تقضي ما تبقى من حياتها في العبادة. أقبلت شعوانة بعدها على الندم والبكاء، ويحكي أبو عبد الرحمن السلمي أن الناس لمّا قالوا لها إنها ستعمى من شدة البكاء، قالت لهم: "أعمى والله في الدنيا من البكاء أحب إلي من أن أعمى في الآخرة من النار". أما ابن الجوزي فينقل عنها قولها المشهور: "والله لوددت أني أبكي حتى تنفد دموعي، ثم أبكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة فيها قطرة من دم".

تحكي المصادر أن قصة شعوانة انتشرت في عموم العراق، وأن الكثير من الفقهاء أقبلوا عليها للتبرك بها. من هؤلاء الفضيل بن عياض الذي قدم عليها وطلب منها أن تدعو له الله. من جهة أخرى نُقل عن شعوانة بعض الأبيات الشعرية المشهورة ومنها قولها:

يؤمل دنيا لتبقى له... فوافى المنية قبل الأمل

حثيثاً يروي أصول الفسيل... فعاش الفسيل ومات الرجل

 

كردية بنت عمرو

 

كانت كردية بنت عمرو خادمة عند شعوانة، وعلى يديها تلقت أصول الزهد والتصوف. وتذكر المصادر التاريخية أن كردية كانت من أهل البصرة أو الأهواز. ولا نعرف إذا كان اسم كردية اسماً حقيقياً لها، أم أنه كان وصفاً لأصول كردية. يتحدث أبو عبد الرحمن السلمي عن تأثير شعوانة في نفس كردية فيقول إن شعوانة وجدت خادمتها نائمة ذات ليلة فقامت بإيقاظها وتعنيفها وقالت لها: "ليس هذا دار النوم، إنما النوم في القبور". وظلت تلك الحادثة مؤثرة بشكل كبير في حياة كردية فيما بعد حتى أنها كانت تحدث الناس عن ذلك الموقف في كل مرة يسألونها عن حالها مع شعوانة. أيضاً يذكر ابن الجوزي أن الناس لمّا سألوا كردية عن الأثر الذي تركه فيها اتصالها بشعوانة، فإنها كانت تقول لهم: "ما أحببت الدنيا منذ خدمتها، ولا اهتممت لرزقي، ولا عظم في عيني أحد من أرباب الدنيا لطمع لي فيه، وما استصغرت أحداً من المسلمين قط".

 

مخة أخت بشر الحافي

 

كان بشر بن الحارث، المشهور ببشر الحافي واحداً من كبار المتصوفين العراقيين في القرن الثاني الهجري. كان لبشر ثلاثة من الأخوات - مضغة، ومخة، زبدة- اللاتي عُرفن بالزهد والورع، وضُرب بهن المثل في الدين والتقوى. ينقل ابن الجوزي عن بشر قوله واصفاً زهد أخته مخة: "تعلمت الورع من أختي فإنها كانت تجتهد ألا تأكل ما للمخلوق فيه صنع". وردت الكثير من القصص المبيّنة لزهد مخة وتقواها. من ذلك أنها ذهبت ذات يوم لبيت الفقيه المعروف أحمد بن حنبل وطلبت أن تقابله. فلمّا خرج للقائها قالت له: يا أبا عبد الله أنا امرأة أغزل بالليل في السراج فربما طفئ السراج فأغزل على ضوء القمر، فهل فعلي أن أبين غزل القمر من غزل السراج؟، فقال لها ابن حنبل: إن كان عندك بينهما فرق فعليك ان تبيني ذلك. ولمّا غادرته قال متعجباً من شدة تقواها: ما سمعت قط إنساناً يسال عن مثل هذا!

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) اختيار الشاعرة العراقية نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023.
أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) اختيار الشاعرة العراقية نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023.

عُرفت بغداد باعتبارها واحدة من أهم عواصم المعرفة والعلم في العالم العربي. اشتهرت مقولة "القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ" لتعبر عن حالة الزخم الثقافي التي شهدتها بلاد الرافدين في القرن العشرين.

في هذا السياق، ظهرت العديد من الشاعرات العراقيات الرائدات، واللاتي انتشرت قصائدهن في شتى أنحاء المنطقة العربية. من هن أبرز الشاعرات العراقيات المعاصرات؟ وما هي أبرز الجوائز التي حصلن عليها؟ وكيف عبّرت أشعارهن عن الأوجاع والمآسي التي مرت ببلاد الرافدين عبر العقود؟

 

نازك الملائكة

 

وُلدت نازك الملائكة في 23 أغسطس 1923م، في محلة العاقولية في بغداد. اسم عائلتها هو آل الجبلي، غير أن الأسرة عُرفت باسم الملائكة.

تميزت أسرة نازك الملائكة بوجود العديد من الشعراء. الأمر الذي شجع نازك منذ صغرها على كتابة الشعر. في المرحلة الجامعية، درست اللغة العربية، وتخرجت من دار المعلمين العالية سنة 1944م؛ ثم التحقت بمعهد الفنون الجميلة، وتخرجت منه سنة 1949م. سافرت بعدها إلى الولايات المتحدة لمتابعة الدراسات العليا. وبعد عشرة سنوات حصلت على شهادة الماجيستير في تخصص الأدب المقارن.

بعد عودتها إلى العراق عملت نازك الملائكة كأستاذ محاضر في جامعات بغداد والبصرة والكويت. في سنة 1990م، سافرت نازك الملائكة إلى مصر بالتزامن مع اندلاع حرب الخليج الثانية. واستقرت بالقاهرة حتى توفيت عام 2007م عن عمر يناهز 83 عاماً. ودُفنت في مقبرة خاصة بالعائلة غربي القاهرة.

يرى الكثير من النقاد أن نازك الملائكة كانت من القلائل الذين تمكنوا من خلق حالة تجديدية حقيقية في ميدان الشعر العربي. فكانت أول من كتبت الشعر الحر غير المقيد بالقافية في قصيدتها المسماة الكوليرا. فضلاً عن ذلك نشرت نازك العديد من الدواوين الشعرية المتميزة، ومنها "عاشقة الليل" في 1947م، و"شظايا ورماد" في 1949م، و"شجرة القمر" في 1968م، و"مأساة الحياة وأغنية الإنسان" في 1977م، و"الصلاة والثورة" في 1978م. وأصدرت في 1962م كتابها "قضايا الشعر الحديث".

 تحدث بعض النقاد عن أثر نازك الملائكة على الوسط الشعري العراقي والعربي فقال: "نازك الملائكة لم تعد رمزاً من رموز الأدب والشعرية العراقية فحسب، بل أصبحت رائدة للشعر العربي بما طرحته مع السياب من قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، بل هي المرأة التي شقّت طريقها وسط الصعاب والمجتمع، لتكون الشاعرة المؤثّرة في الوسطين الأدبي والنسوي".

نالت نازك الملائكة العديد من الجوائز التكريمية في حياتها وبعد وفاتها. وفي مارس الماضي، أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" اختيار نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023م. وذلك بالتزامن مع الاحتفال بمرور مئة عام على ميلادها.

 

عاتكة الخزرجي

 
 

ولدت الشاعرة عاتكة الخزرجي في بغداد في سنة 1924م. وبدأت كتابة الشعر في الرابعة عشر من عمرها. في المرحلة الجامعية، درست في معهد المعلمين العالي في بغداد. وتحصلت منه على شهادة بكالوريا الفنون. وبعدها، عملت كمدرسة في بعض مدارس العاصمة العراقية. في سنة 1950م، تابعت الخزرجي دراستها عندما سافرت إلى فرنسا لتلتحق بجامعة السوربون. وهناك حصلت على شهادة الدكتوراه في تخصص الأدب العربي سنة 1955م.  بعد عودتها إلى العراق عُينت مدرسة في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية، والتي تحولت فيما بعد إلى كلية التربية.

نشرت الخزرجي عشرة كتب في مجالات الشعر والمسرحية والنقد والتحقيق. من أبرز تلك الكتب ديوان شعري بعنوان "أنفاس السحر" في 1963م، وديوان "لألأ القمر" في 1975م. وتحقيق لمجموعة من قصائد الشاعر العباسي "العباس بن الأحنف" في 1977م، فضلاً عن مسرحية شعرية بعنوان "مجنون ليلى". من جهة أخرى، تميزت الخزرجي بالقصائد الصوفية، والتي حاكت فيها الأشعار التراثية المنسوبة للصوفيين القدامى.

حظيت الخزرجي بإشادة العديد من النقاد. وامتُدح شعرها لرقته وعذوبته، حتى اشتهرت بلقب "قيثارة العراق". على سبيل المثال وصفها الباحث سيار الجميل في كتابه "نسوة ورجال" فقال "إنها الحالمة عند الغسق الرائع عندما تصفو الحياة من وعثائها.. وهي صاحبة الصوت الرخيم في غناء الشعر.. وتموسقه بهدوء ورقة". توفيت عاتكة الخزرجي في التاسع من نوفمبر 1997م، عن عمر ناهز 72 سنة.

 

أميرة نور الدين

 

تُعدّ أميرة نور الدين واحدة من الشاعرات العراقيات الأوليات اللاتي ظهرن في النصف الأول من القرن العشرين. ولدت نور الدين في سنة 1925م في بغداد لأسرة تنحدر من الموصل. واجتازت دراستها الابتدائية والثانوية في بغداد، ثم سافرت إلى مصر لتلتحق بجامعة فؤاد الأول في القاهرة سنة 1943م. وبعد أربع سنوات، حصلت على "الليسانس" في اللغة العربية وآدابها، قبل أن تتحصل على شهادة الماجستير من الجامعة نفسها في سنة 1957م. عقب عودتها للعراق، عملت نور الدين كمدرسة للغة العربية في المدارس الثانوية ثم في كلية الآداب بجامعة بغداد، قبل أن تتقلد منصب عميدة معهد الفنون التطبيقية. في سنة 2020م، توفيت نور الدين عن عمر ناهز 95 سنة.

نشرت نور الدين قصائدها الشعرية في العديد من المجلات والصحف العراقية والعربية.  وتأثرت بشعراء المدرسة الرومانسية مثل علي محمود طه وإيليا أبو ماضي. وركزت قصائدها على قضايا العروبة والوطنية والثورة على الاستعمار. الأمر الذي يتوافق مع ظروف الحقبة الزمنية التي عاشت فيها.

نالت نور الدين الإشادة من قبل الكثير من النقاد المعاصرين لها. على سبيل المثال وصفها سليمان هادي الطعمة في كتابه "شاعرات العراق المعاصرات" بأنها "بلبلة العراق الغِرِّيدة"، كما تحدث إميل يعقوب في كتابه "معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة" عن شعرها فوصفه بأنه "جيد، واقعي الموضوعات، متنوعها، صورة مبتكرة جميلة".

 

لميعة عباس عمارة

 

ولدت لميعة عباس عمارة في بغداد في سنة 1929م لأسرة مندائية معروفة. عُرفت بنبوغها المبكر في تأليف الشعر.

في خمسينات القرن العشرين، زاملت لميعة بعض شعراء الحداثة الشعرية العراقية في دار المعلمين العالية في بغداد، منهم على سبيل المثال بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد. شاركت بعدها في العديد من الهيئات الأدبية العراقية، فكانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد، كما شغلت عضوية الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد.

عشقها السياب ونشر قصائدها أبو ماضي.. من تكون الشاعرة العراقية لميعة عباس؟
بحُكم زمالتهما الدراسية، ربطت لميعة علاقة صداقة ببدر شاكر السياب، وكثيراً ما كان كل واحدٍ يقرأ قصيدة الآخر. لاحقاً تطوّرت علاقتهما إلى علاقة حب، فكتب فيها السياب قصيدة "أحبيني لأن جميع مَن أحببت قبلك ما أحبوني".

نشرت لميعة العديد من الدواوين الشعرية. منها "الزاوية الخالية" في سنة 1960م، "عودة الربيع" في سنة 1963م، "أغاني عشتار" في سنة 1969م، "يسمونه الحب" في سنة 1972م، "لو أنبأني العراف" في سنة 1980م، "البعد الأخير" في سنة 1988م، و"عراقية" في سنة 1990م.

هاجرت عمارة من العراق سنة 1978م وتنقلت بين عدد من الدول. واستقرت في نهاية المطاف في الولايات المتحدة. في يونيو سنة 2021، توفيت لميعة عباس عن عمر ناهز 92 عاماً. نعاها الرئيس العراقي السابق برهم صالح بقوله: "نودّع الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، في منفاها، ونودّع معها أكثر من خمسة عقود من صناعة الجمال، فالراحلة زرعت ذاكرتنا قصائد وإبداع أدبي ومواقف وطنية، حيث شكّلت عمارة علامة فارقة في الثقافة العراقية".

نعاها أيضا رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي قائلاً: "بهذا الرحيل المؤلم، تكون نخلة عراقية باسقة قد غادرت دنيانا لكنها تركت ظلالاً وارفة من بديع الشعر، وإسهاما لا ينسى في الثقافة العراقية ستذكره الأجيال المتعاقبة بفخر واعتزاز وتبجيل".

 

آمال الزهاوي

 

ولدت الشاعرة آمال الزهاوي في بغداد عام 1946م لأسرة معروفة في ميادين الأدب والسياسة. فهي حفيدة المفتي محمد فيضي، كما أنها ابنة عم للشاعرين المعروفين جميل صدقي الزهاوي وإبراهيم أدهم الزهاوي.

درست الزهاوي في كلية الآداب قسم اللغة العربية. وبعد حصولها على درجة البكالوريوس، عملت في الصحافة والتدريس. في الوقت نفسه، نشرت العديد من القصائد الشعرية المتميزة. من أشهر دواوينها "الفدائي والوحش" في 1969م، و"دائرة في الضوء ودائرة في الظلمة" في 1974م، و"أزهار اللوتس" في 1990م.

مُنحت الزهاوي العديد من الالقاب التي تشي بقدراتها الشعرية الإبداعية، ومنها "نخلة العراق"، و"إمبراطورية الشعر العربي"، كما تميز شعرها بالعديد من السمات العراقية الخالصة. في ذلك المعنى قال بعض النقاد إن "أبرز ما يميّز قصائد الزهاوي هو "أنوثة شعرها، وجمال بغداد والعراق، الذي تجلى في كل تفاصيل قصائدها، والحياة الصاخبة في بغداد الستينيات والسبعينيات، والحزن الذي بدأ يظهر شيئاً فشيئاً كلما ازدادت الحياة قسوة في بلدها". في 2015م، توفيت آمال الزهاوي عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع المرض. ودفنت في مقبرة الشهداء بمنطقة الأعظمية ببغداد.

 

أمل الجبوري

 

ولدت الشاعرة أمل الجبوري في بغداد سنة 1967م. في المرحلة الجامعية، درست الأدب الإنجليزي. وحصلت على شهادة البكالوريوس سنة 1989م. بعدها عملت الجبوري في مجالي الصحافة والإعلام لسنوات. في سنة 1998م، سافرت إلى ألمانيا. وظلت بعيدة عن العراق حتى سقوط نظام صدام حسين في 2003م.

عُرفت الجبوري بقصائدها الشعرية التي تناولت الإشكاليات الطائفية والمذهبية في العراق. من أبرز أعمالها ديوان "خمر الجراح" في 1986م، وديوان "اعتقيني أيتها الكلمات" في 1994م، وديوان "لك هذا الجسد لا خوف علي" في 2000م. من جهة أخرى، أسست الجبوري الفرع العربي لديوان اتحاد الشرق والغرب في بغداد، كما تترأس تحرير مجلة "ديوان" الثقافية التي تصدر من برلين بالعربية والألمانية.

حصلت الجبوري على العديد من الجوائز. في سنة 2003م، فاز ديوانها الشعري "تسعة وتسعون حجاباً" بجائزة الإبداع العربي من النادي العربي اللبناني في باريس. وفي سنة 2012م، حصلت على جائزة جومسكى عن ديوانها "هاجر قبل الاحتلال، هاجر بعد الاحتلال"، والذي اُختير واحداً من أفضل خمس كتب في الولايات المتحدة في 2011م. لاقى هذا الديوان الإشادة من قِبل العديد من الشعراء والأدباء. وكتبت الشاعرة الأمريكية أليشا أوسترايكر في تقديمها للديوان: "هذا كتاب أصيل لشعر نقي لم أقرأ مثيله منذ زمن طويل. سوف تأخذ الشاعرة أمل الجبوري مكانها جنباً الى جنب مع شعراء المنفى مثل باول سيلان وبابلو نيروا... هؤلاء هم شعراء المنفى... وشعراء الحقيقة".

 

دنيا ميخائيل

 

ولدت دنيا ميخائيل في سنة 1965م في منطقة الكرادة بمدينة بغداد لأسرة كلدانية مسيحية. حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد، ثم عملت في مجالي الترجمة والصحافة لفترة قبل أن تتخذ قرارها بالهجرة إلى الولايات المتحدة سنة 1996م. وهناك أكملت دراستها العليا فحصلت على الماجستير في الآداب الشرقية. ثم عُينت في وظيفة محاضر للغة العربية وآدابها في جامعة أوكلاند.

عُرفت ميخائيل بكتابتها للشعر باللغتين العربية والإنجليزية. من أهم منشوراتها ديوان "يوميات موجة خارج البحر" في 1999م، وديوان "أحبك من هنا إلى بغداد" في 2015م، وديوان "الغريبة بتائها المربوطة" في 2019م، فضلاً عن ذلك نشرت ميخائيل روايتها الأولى "وشم الطائر" في 2020م.

حظيت أشعار ميخائيل التي تركز على المآسي التي تعاني منها الإنسانية وسط الحروب والصراعات، بإعجاب الكثير من النقاد في السنوات السابقة. على سبيل المثال وُصف عملها في ديوان "أحبك من هنا إلى بغداد" بأنه نَسَجَ من بقايا الانفجارات والتدمير عالماً إنسانيا أكثر رحمة، إذ تقف ميخائيل على مسافة من المشهد تسمح برؤيته بوضوح ثم تعيد رسمه.

في السياق نفسه، وُصف الطابع الشعري المتفرد لميخائيل بحسب التقرير الذي أعدّته اليونيسكو في 2022م بأنه "يمتاز بفارق دقيق، ويستقي الإلهام من إحساس عميق بالهوية باعتبارها لاجئة وفنانة وامرأة".

في مايو 2022م مُنحت ميخائيل -بالشراكة مع الممثلة السويدية المنحدرة من أصول سورية عراقية، هيلين الجنابي- جائزة اليونسكو-الشارقة للثقافة العربية في دورتها الثامنة عشرة. وجاء في بيان تكريمهما "تُكرّم الجائزة التزامهما الراسخ في ترويج الثقافة العربيّة في العالم، إذ تسخّر الفائزتان عملهما من أجل توجيه رسائل قويّة عن قضايا شائكة وجعلها في متناول الجميع".