صورة من مسلسل "حريم السلطان" التركي الذي ذاع صيته في العالم العربي، وتعرض لحياة السلطانة هويام- تعبيرية
صورة من مسلسل "حريم السلطان" التركي الذي ذاع صيته في العالم العربي، وتعرض لحياة السلطانة هويام- تعبيرية

تمكنت عشرات النساء المسلمات من الاستحواذ على أقدار متفاوتة من السلطة والحكم في المجتمعات اللاتي عشن فيها، الشيء الذي لاقى استهجاناً حيناً، وقبولاً من العامة حيناً آخر.

في هذا المقال، نستذكر أبرز الأسماء التي لمعت في تاريخ الخلافة الإسلامية، وكيف حاولن البقاء في السلطة والاستحواذ عليها أما كل طامع بها.

 

الخيزران

كانت  الخيزران جارية، اشتراها الخليفة العباسي الثالث محمد بن عبد الله المهدي، من اليمن، وأحبها بشدة، ما دفعه لإعتاقها والزواج بها، لتصبح السيدة الأولى في البلاط.

حظيت بمكانة مُعتبرة في هرم السلطة العباسية، واعتادت أن تدير بعضاً من شؤون الدولة، وتتصل بالقادة والوزراء.

ولمّا توفي زوجها وآل الحكم لابنها موسى الهادي، حاولت الخيزران أن تنتهج النهج ذاته. يقول ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"، إنها "أرادت أن تسلك به -موسى الهادي- مسلك أبيه من قبله في الاستبداد بالأمر والنهي…".

رفض الهادي مشاركة أمه في أعمال الخلافة والحكم، فاضطرت أن تدبر مؤامرة للتخلص منه. يورد  الطبري: "دست إليه من جواريها لمّا مرض من قتله بالغم والجلوس على وجهه".

بعد ذلك، وقفت الخيزران بجوار ابنها الثاني هارون الرشيد، وعملت على مشاركته الحكم، لكنها سرعان ما توفيت سنة 789 ميلادية، بعد عامين فقط من وفاة الهادي.

 

تركان خاتون

يرجع نسب تركان خاتون إلى سلالة ملوك القراخانيين الذين حكموا بلاد ما وراء النهر في القرن الحادي عشر الميلادي.

وكنوع من أنواع المصالحة السياسية مع الدولة السلجوقية، تم تزويج تركان خاتون من ولي العهد السلجوقي جلال الدولة ملك شاه الذي لم يكن قد بلغ التاسعة من عمره بعد، وكان عمرها هي 12 عاماً، بحسب مصادر عدة.

تمكنت تركان خاتون من إحكام قبضتها على مفاصل الدولة السلجوقية، ما عرضّها لنقمة الوزير الفارسي الأشهر نظام الملك الطوسي، الذي انتقدها بشكل مبطن في كتابه "سياست نامة" فقال: "إن كل من يجعل النساء قيمات على الرجال يستحمل وحده جرم أي خطأ أو انحراف؛ لأنه هو الذي سمح بذلك وتخطى العادة المتبعة".

في سنة 485 هجرية، تخلصت تركان خاتون من الوزير بعد أن دبرت مؤامرة لاغتياله.

وظهرت سلطتها عقب وفاة زوجها. يذكر ابن الجوزي في كتابه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"، أنها "كانت حازمة حافظة شهمة... زمت الأمور حين وفاة السلطان وحفظت أموال السلطان فلم يذهب منها شيء…".

وسرعان ما عملت تركان خاتون لكي يصل ابنها الصغير محمود لسدة الحكم، يقول ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ": "لما مات السلطان ملكشاه كتمت زوجته تركان خاتون موته، وأرسلت إلى الأمراء سراً فأرضتهم، واستحلفتهم لولدها محمود، وعمره أربع سنين وشهور، وأرسلت إلى الخليفة المقتدي في الخطبة لولدها أيضاً. فأجابها، وشرط أن يكون اسم السلطنة لولدها، والخطبة له....".

رغم كل تلك الترتيبات، تعرضت تركان خاتون للهزيمة أمام أبناء زوجها (من زوجته الثانية زبيدة خاتون) الطامحين للوصول للعرش، وتوفيت بعدها عام 487 هـ.

 

الملكة أروى

ولدت أروى بن أحمد عام 444 هـ، وكان أبوها واحداً من كبار الدعاة الإسماعيليين في اليمن. ولما مات كفلها الملك علي الصليحي وزوجته أسماء بنت شهاب، وزوجوها من ابنهما وولي العهد المكرم أحمد بن علي الصليحي.

يذكر عمارة اليمني في كتابه "تاريخ اليمن"، أن المكرم أحمد لما أصيب بالشلل فوض زوجته في إدارة شؤون الدولة: "لمّا توفيت أسماء بنت شهاب، والدة المكرم، فوض الأمر لزوجته الملكة أروى، فقامت بالأمر وحدها واستعفته في نفسها، وقالت، إن المرأة التي تُراد للفراش لا تصلح لتدبير أمر، فدعني وما أنا بصدده".

تمكنت أروى من تدبير أمور الدولة لنحو أربعين عاماً، ولعبت دوراً مهماً في رفع المستوى الاقتصادي للشعب اليمني من خلال العمل على حفر الترع والقنوات، والاهتمام بحركة التجارة وتبادل السلع والبضائع مع الموانئ الهندية.

انهارت الدولة الصليحية بوفاة أروى عام 532 هـ، وبقيت ذكرى تلك المرأة حاضرة في الوجدان اليمني عبر القرون، وأُطلق عليها العديد من الألقاب، منها "بلقيس الصغرى"، و"السيدة الحرة"، و"أول ملكة في تاريخ الإسلام".

 

شجرة الدر

يوجد اختلاف كبير حول أصول عصمة الدين أم خليل، الملقبة بـ"شجرة الدر". يذكر المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه "السلوك في معرفة دول الملوك"، أنها كانت أرمينية أو تركية، بيعت كجارية إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب حاكم مصر، فأعتقها وتزوجها، وظلت إلى جواره أثناء التصدي لقوات الحملة الصليبية السابعة، ولما مات نجم الدين أثناء القتال أخفت أمر وفاته وقادت الجيش الأيوبي للنصر، وأرسلت في طلب توران شاه بن نجم الدين أيوب ليتولى العرش.

قدم توران شاه إلى مصر واصطدم بكبار المماليك فقتلوه، واختاروا شجرة الدر لتتولى الحكم. يقول المقريزي: "وَهَذِه الْمَرْأَة شجرة الدّرّ هِيَ أول من ملك مصر من مُلُوك التّرْك المماليك… وخطب لَهَا على مَنَابِر مصر والقاهرة وَنقش اسْمهَا على السِّكَّة…".

أثار اختيار شجرة الدر لحكم مصر استياء الخليفة العباسي المستعصم بالله، وبحسب بدر الدين العيني في كتابه "عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان"، أرسل الخليفة إلى كبار المماليك رسالة جاء فيها "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً".

عندها اضطرت شجرة الدر أن تتنازل عن الحكم للأمير عز الدين أيبك وتزوجته، لكنها استمرت محتفظة بمقاليد الأمور والسلطة. يقول ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" معبراً عن ذلك الحال "كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام…".

ولمّا شعرت شجرة الدر أن زوجها يعمل على تهميشها، دبرت مؤامرة فقتلته، ولكن سرعان ما لاقت عاقبة فعلها عندما أمرت الزوجة الأولى لأيبك جواريها بقتل شجرة الدر، فقمن بضربها بالقباقيب على رأسها ثم ألقين بجثمانها من أعلى سور قلعة الجبل، ولم تُدفن إلا بعد مرور عدة أيام سنة 1257.

 

ساتي بيك

هي ابنة الإيليخان المغولي محمد أولجايتو، حاكم إيران وأذربيجان في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي.

ولدت ساتي بيك في تبريز عام 1300، وتمكنت من الوصول للسلطة بعد وفاة أبيها. كان معظم إخوانها من الذكور قد ماتوا في حياة أبيهم، ولم يتبق من أبناء أولجايتو إلا ساتي بيك وأخيها أبي سعيد بهادر.

تعرضت الدولة للكثير من الاضطرابات والقلاقل بعد فترة حكم قصيرة لبهادر الذي مات بالطاعون، وفي عام1339 حاولت ساتي بيك أن تضع حداً للفوضى الضاربة في شتى أنحاء الدولة الإيليخانية، فأعلنت نفسها حاكمة للدولة وساندها بعض أعوانها في ذلك.

يتحدث طه الراوي في كتابه "بغداد مدينة السلام" عن استيلاء ساتي بيك على الحكم فيقول "هي أول مرة تكون فيها بغداد خاضعة لمملكة تملكها امرأة، وخطب لها على المنابر في بغداد وغيرها".

مارست ساتي بيك الحكم بشكل فعلي لشهور معدودة، وضُربت باسمها السكة المعدنية في تلك الفترة، ولكن سرعان ما انتهت قصتها بعدما أجبرت على الزواج من أحد أحفاد هولاكو، وتنازلت عن العرش، كما يقول محمد التونجي في كتابه "معجم أعلام النساء".

 

السلطانة هويام

اسمها الأصلي أناستازيا أو روكسِلانا. ولدت عام 1502 في إحدى نواحي أوكرانيا، وبيعت كجارية إلى السلطان العثماني سليمان القانوني، فأحبها حباً شديداً، حتى أنه أعتقها وتزوجها بعد أن دخلت في الإسلام.

تمتعت السلطانة هويام بنفوذ كبير داخل البلاط العثماني، ودخلت في العديد من الصراعات مع رجال القصر والحكم. على سبيل المثال دبرت هويام إحدى المؤامرات لإعدام عدوها اللدود الصدر الأعظم إبراهيم باشا، كما أوقعت بين السلطان سليمان وابنه وولي عهده الأمير مصطفى، ولما قام السلطان بإعدام ولي العهد، نجحت خطة السلطانة عندما تم تعيين الأمير سليم -ابن هويام- في هذا المنصب الرفيع.

ينقل المستشرق الأميركي برنارد لويس في كتابه "إستنبول وحضارة الخلافة الإسلامية" عن سفير النمسا في الدولة العثمانية قوله المعبر عن السلطة الواسعة التي استحوذت عليها السلطانة هويام في البلاط العثماني: "..ولكنه -السلطان سليمان القانوني- كان مغرماً بزوجته وحبه المتزايد لها جعله يقتل ابنه مصطفى. وحتى هذه النقيصة تنسب عادة إلى غلبتها عليه بجمالها الخلاّب وإكسير الحب، ومن المؤكد أنه بعد أن اختارها لتكون زوجته الشرعية لم يلامس أي امرأة أخرى مع أن شريعتهم لم تمنعه من ذلك".

توفيت هويام في أبريل سنة 1558.

 

السلطانة كوسم

اسمها الحقيقي هو أنستازيا، وعُرفت أيضا باسم "ماه پيكر" أي وجه القمر. ولدت كوسم في اليونان عام 1590، ووصلت إلى القصر العثماني كجارية. ولما شغف السلطان العثماني الرابع عشر أحمد الأول بحبها أعتقها وتزوجها.

استحوذت السلطانة كوسم على بعض السلطة في حياة زوجها، ولمّا توفي عملت على تعيين أخيه مصطفى الأول في منصب السلطان، وأرادت بذاك أن تستغل حالة الاضطراب العقلي التي كانت تنتاب مصطفى، لتحكم قبضتها على السلطة.

بعد ثلاثة شهور فقط، تم عزل السلطان مصطفى وفشلت خطة كوسم، وعُيّن عثمان الثاني بن أحمد الأول، كسلطان جديد على الإمبراطورية العثمانية.

توارت كوسم لفترة قصيرة، لتعود مجدداً إلى الساحة السياسية عقب انقلاب الجيش الإنكشاري على عثمان الثاني.

في عام 1623 عُين ابنها مراد الرابع سلطاناً جديداً، وتولت هي الوصاية عليه لفترة طويلة، ولمّا توفي مراد عام 1640 حافظت كوسم على نفوذها من خلال وصول ابنها الآخر إبراهيم الأول للحكم.

يذكر المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية"، أن الصدام وقع بين السلطان إبراهيم الأول وأمه السلطانة كوسم، وأن السلطانة -التي رفضت الابتعاد عن أمور الحكم- دبرت للانقلاب الذي أطاح بحكم ابنها عام 1648، وبعدها عيّنت حفيدها محمد الرابع في منصب السلطنة، وتولت الوصاية عليه لبضع سنوات. 

وفي سبتمبر 1651، توفيت السلطانة كوسم مخنوقة بسبب مؤامرة دبرتها لها أم السلطان محمد الرابع.

لم يمنع حب كوسم للسلطة من مشاركتها في الأعمال الخيرية، تذكر الدكتورة ماجدة صلاح مخلوف في كتابها "الحريم في القصر العثماني"، أنها "عُرفت بأعمال الخير، وبمساعدتها الكبيرة للفقراء والمساكين. كما أوقفت أموالاً طائلةً على سداد ديون الغارمين، وتزويج الفتيات الفقيرات، والإنفاق على تجهيز الحجاج القاصدين مكة". 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".