أثار عرض مسلسل "تحت الوصاية" في رمضان الماضي العديد من ردود الأفعال في الشارع المصري والعربي أيضا. المسلسل من تأليف خالد وشيرين دياب وإخراج محمد شاكر خضير وبطولة كل منى زكي، وأحمد خالد صالح. ويناقش قضية الوصاية على الأطفال القُصّر عقب وفاة أبيهم.
تعرض المسلسل للعديد من المشكلات التي تواجه الملايين من الأمهات المصريات في سبيل الحصول على حقوق أبنائهم. كانت مسألة تفضيل القانون المصري للجد للأب عن الأم في سلم الوصاية واحدة من أهم تلك المشكلات. ما هو الرأي الفقهي في تلك المسألة؟ وما رأي القانون المصري فيها؟ وماذا عن موقف المدونات القانونية المعمول بها في الدول العربية؟
الرأي الفقهي
اختلفت المذاهب السنية الأربعة في تعيين الوصي على الأطفال بعد وفاة الأب. ولكنها مالت عموما لاختيار الجد للأب أو الشخص الذي يوصي به الأب قبل موته، أو القاضي باعتباره ممثل الحاكم الشرعي في البلاد. بشكل عام، اشترط الفقهاء مجموعة من الصفات الواجب توافرها في شخص الوصي، ومنها القوة، والخبرة، والدراية، والأمانة.
في بعض الأحيان، أشار الفقهاء لإمكانية تولي المرأة الوصاية على أبنائها القُصّر في حالة عدم وجود وصي ذكر مؤتمن. من ذلك ما وقع عندما سئل أحمد بن حنبل عن رجل مات وله ورثة صغار كيف يصنع؟ فقال ابن حنبل حينها: "إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة تُدفع إليها"، وذلك بحسب ما يذكر منصور بن يونس البهوتي في كتابه "كشاف القناع عن متن الإقناع".
سار العديد من الفقهاء السنة المعاصرين على تلك القاعدة. ومنهم رجل الدين السعودي محمد بن صالح العثيمين. يقول ابن عثيمين في كتابه "الشرح الممتع على زاد المستقنع": "إن الولاية تكون لأولى الناس به -أي بالقاصر-، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه. فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى. وعليه فالجد أو الأب يكون ولياً لأولاد ابنه، والأخ الشقيق ولياً لأخيه الصغير، والأم إذا عُدم العصبة تكون ولية لابنها".
تختلف مقاربة المسألة في الفقه الشيعي التقليدي. أُبعدت الأم من موقع الوصي عند أغلب فقهاء الشيعة. ينقل ابن المطهر الحلي في القرن الثامن الهجري الإجماع على رفض وصاية الأم على أطفالها في كتابه "تذكرة الفقهاء". يقول الحلي: "الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا، ولا ولاية للأم إجماعاً، إلا من بعض الشافعية، بل إذا فقد الأب والجد وإن علا، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وجد، فإن لم يوجد كانت الولاية للحاكم يتولاها بنفسه أو يوليها أمينه".
في القانون المصري
نظم المشرع المصري مسألة الوصاية على الأطفال القُصّر بموجب القانون رقم 119 لسنة 1952م. جاء في المادة رقم 1 من هذا القانون أن الوصاية على الأطفال القُصّر "للأب ثم للجد الصحيح إذا لم يكن الأب قد اختار وصياً للولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحى عنه إلا بإذن المحكمة".
بموجب القانون المصري يلزم أن يقوم الوصي بمراجعة المجلس الحسبي قُبيل الإقدام على أي معاملة تخص مال الطفل القاصر. ظهر المجلس الحسبي في مصر للمرة الأولى في سنة 1873م. وتطورت مهامه واختصاصاته على مر السنين. وأصبح حالياً الهيئة القضائية المختصة بالإشراف على أموال القاصرين تحت رئاسة النائب العام المصري.
شكاوى متعددة من المجلس الحسبي
يتكون المجلس الحسبي من 5 أشخاص، وهم النائب العام وهو رئيس المجلس بصفته، ورئيس النيابة الحسبية باعتبارها إحدى النيابات التابعة للنيابة العامة، ثم المحامي العام الأول، ورئيس محكمة الاستئناف، ثم رئيس النيابة العامة، وأخيراً وكيل النيابة الحسبية. تظهر صلاحيات المجلس الحسبى في حالة وجود قاصر يمتلك نسبة من المال بعد وفاة الأب. يراقب المجلس أفعال الوصي في أثناء تصرّفه في مال القاصر، فعلى سبيل المثال: لو امتلك القاصر وحدة سكنية يقوم بتأجيرها. لا يمكن للوصي أن يتصرف في أموال الإيجار بأي شكل من الأشكال إلا بعد موافقة المجلس الحسبي.
تشتكي الكثير من الأسر المصرية التي فقدت الأب من الإجراءات المعقدة الواجب اتباعها أمام جانب المجلس الحسبي للتصرف في أموال القصر وذلك قُبيل الإقدام على أي معاملة مالية تتعلق بالطفل الموصى عليه. يلقي بعض الخبراء الضوء على المشكلات التي يتسبب فيها المجلس الحسبي. فمثلاً إذا أرادت الأم الحصول على أموال من أجل علاج طفلها عليها أولاً أن تقدم أوراقاً رسمية بالنفقات لاعتمادها والتصديق عليها من جانب المجلس الحسبي وبعد ذلك صرفها من أموال القاصر الأمر الذي يستغرق وقتاً ليس بقليل مما يضطرها إلى الاستدانة لعلاج الطفل.
أما الإجراءات الأكثر تعقيداً، فتكون في حال رغبة الأم في بيع عقار مملوك للقاصر في حال وجود فرصة كبيرة لمصلحة القاصر فيستغرق هذا سنوات لأخذ موافقة المجلس الحسبي على البيع. وبالطبع يتسبب هذا التأخير في ضياع فرصة البيع.
كذلك، تشتكي الكثير من الأرامل من الصعوبات التي يتعرضن لها في جميع الإجراءات البنكية الخاصة بالأطفال. ولا سيما إذا كان الأب قد أودع أمواله باسم أبنائه في صورة شهادات أو ودائع بنكية.
في الآونة الأخيرة، قدم بعض القانونيين خططاً لإصلاح نظام المجلس الحسبي. على سبيل المثال يرى المحامي بالنقض والمتخصص في قضايا الأسرة محمد محمود أن مشكلة "المجلس الحسبي" تكمن في "ازدحام النيابة الحسبية بالطلبات، مما يتطلب زيادة عدد الموظفين وتقسيم النيابات بهدف تيسير أمور الناس، مع تبسيط الإجراءات في البيع والشراء بالاستفادة من إجراءات المكننة الرقمية بغية تسريع عمل النيابات في إنجاز القضايا العالقة".
دعوات لتعديل القانون
أثار عرض المسلسل جدلا واسعا حول مدى معقولية القوانين السابقة. وجهت بعض الشكاوى للمجلس الحسبي المشهور ببيروقراطيته وبطء إجراءاته. وانهالت سهام النقد على مسألة تقديم الجد للأب عن الأم في الوصاية. ظهر ذلك في البيان الصادر عن المجلس القومي للمرأة، والذي جاء فيه أن "الولاية والوصاية المالية حق للمرأة فهي المؤتمنة على أطفالها وهي القائمة بأمورهم، وهي التي تقوم بالتربية والرعاية والإنفاق أيضا على أطفالها". في السياق نفسه، تقدم عدد من أعضاء البرلمان المصري بمقترح لوزارة العدل لإلغاء المجلس الحسبي وجعله اختيارياً من قِبل الزوج، حال أنه لم ير الزوجة غير صالحة للولاية أو الوصاية على أبنائه.
من جهة أخرى، تعالت أصوات بعض رجال الدين أنفسهم للمطالبة بتعديل القانون بما يضمن انتقال الوصاية للأم مباشرة بعد وفاة الأب. على سبيل المثال قال علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق إن المرأة في هذا العصر أصبحت تعتلى العديد من المناصب الهامة، والوصاية أصبحت مشكلة مجتمعية والمرأة أقدر عليها بحكم رعايتها لأبنائها. وقال أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إنه لا يوجد نص صريح يمنع من تولي المرأة الولاية والوصاية المالية على أبنائها. واستدل على رأيه بأن السيدة عائشة بنت أبي بكر كانت وصية على بنات أخيها عبد الرحمن.
في قوانين الدول العربية
تباينت مواقف المدونات القانونية المعمول بها في الدول العربية فيما يخص مسألة تحديد الوصي على الأطفال القُصّر. قدمت بعض المدونات الأم على من سواها من الأقارب، بينما ذهبت مدونات أخرى لتقديم الجد.
يُعدّ القانون التونسي من النماذج المعبرة عن النوع الأول. جاء في الفصل 155 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية أن الوصاية تذهب إلى الأم مباشرة في حالة وفاة الأب. يتشابه ذلك -إلى حد بعيد- مع ما ورد في القانون المغربي. نصت المادة رقم 238 من مدونة الأسرة المغربية على أنه "يُشترط لولاية الأم على أولادها: - أن تكون راشدة؛ وعدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك… وفي حالة وجود وصي الأب مع الأم، فإن مهمة الوصي تقتصر على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة".
على الجانب المقابل، مالت قوانين العراق وسوريا ودول أخرى لتقديم الجد أو الوصي المنصوص عليه من قِبل الاب قبل وفاته. نصت المادة رقم 102 من القانون المدني العراقي على أن "ولي الصغير هو أبوه ثم وصي أبيه ثم الجد الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي نصبته المحكمة". أما المادة رقم 176 من القانون السوري فنصت على أن "الوصاية في أموال القاصرين بعد وفاة الأب هي للوصي الذي اختاره الأب وإن لم يكن قريباً لهم".