تمنح القوانين في أغلب الدول العربية الوصاية على الأطفال القاصرين للجد على حساب الأم.
تمنح القوانين في أغلب الدول العربية الوصاية على الأطفال القاصرين للجد على حساب الأم.

أثار عرض مسلسل "تحت الوصاية" في رمضان الماضي العديد من ردود الأفعال في الشارع المصري والعربي أيضا. المسلسل من تأليف خالد وشيرين دياب وإخراج محمد شاكر خضير وبطولة كل منى زكي، وأحمد خالد صالح. ويناقش قضية الوصاية على الأطفال القُصّر عقب وفاة أبيهم.

تعرض المسلسل للعديد من المشكلات التي تواجه الملايين من الأمهات المصريات في سبيل الحصول على حقوق أبنائهم. كانت مسألة تفضيل القانون المصري للجد للأب عن الأم في سلم الوصاية واحدة من أهم تلك المشكلات. ما هو الرأي الفقهي في تلك المسألة؟ وما رأي القانون المصري فيها؟ وماذا عن موقف المدونات القانونية المعمول بها في الدول العربية؟

صورة من أحد مشاهد مسلسل "تحت الوصاية" بطولة النجمة المصرية منى زكي- مواقع التواصل
"تحت الوصاية" يكشف "شيخوخة" القوانين العربية و"إخضاعها" للمرأة
أعاد المسلسل المصري "تحت الوصاية"، الذي بدأ بثه في منتصف شهر رمضان، وضع القضايا المرتبطة بالأحوال الشخصية، تحت المجهر ولكن هذه المرة، في قالب يظهر المعركة التي تخوضها المرأة بعد وفاة الزوج، بعد أن كانت أعمال أخرى كما "فاتن أمل حربي" في الموسم الرمضاني 2022، ركّزت على الكفاح في مرحلة ما بعد الطلاق.  
 

الرأي الفقهي

 

اختلفت المذاهب السنية الأربعة في تعيين الوصي على الأطفال بعد وفاة الأب. ولكنها مالت عموما لاختيار الجد للأب أو الشخص الذي يوصي به الأب قبل موته، أو القاضي باعتباره ممثل الحاكم الشرعي في البلاد. بشكل عام، اشترط الفقهاء مجموعة من الصفات الواجب توافرها في شخص الوصي، ومنها القوة، والخبرة، والدراية، والأمانة.

في بعض الأحيان، أشار الفقهاء لإمكانية تولي المرأة الوصاية على أبنائها القُصّر في حالة عدم وجود وصي ذكر مؤتمن. من ذلك ما وقع عندما سئل أحمد بن حنبل عن رجل مات وله ورثة صغار كيف يصنع؟ فقال ابن حنبل حينها: "إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة تُدفع إليها"، وذلك بحسب ما يذكر منصور بن يونس البهوتي في كتابه "كشاف القناع عن متن الإقناع".

سار العديد من الفقهاء السنة المعاصرين على تلك القاعدة. ومنهم رجل الدين السعودي محمد بن صالح العثيمين. يقول ابن عثيمين في كتابه "الشرح الممتع على زاد المستقنع": "إن الولاية تكون لأولى الناس به -أي بالقاصر-، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه. فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى. وعليه فالجد أو الأب يكون ولياً لأولاد ابنه، والأخ الشقيق ولياً لأخيه الصغير، والأم إذا عُدم العصبة تكون ولية لابنها".

تختلف مقاربة المسألة في الفقه الشيعي التقليدي. أُبعدت الأم من موقع الوصي عند أغلب فقهاء الشيعة. ينقل ابن المطهر الحلي في القرن الثامن الهجري الإجماع على رفض وصاية الأم على أطفالها في كتابه "تذكرة الفقهاء". يقول الحلي: "الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا، ولا ولاية للأم إجماعاً، إلا من بعض الشافعية، بل إذا فقد الأب والجد وإن علا، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وجد، فإن لم يوجد كانت الولاية للحاكم يتولاها بنفسه أو يوليها أمينه".

 

في القانون المصري

 

نظم المشرع المصري مسألة الوصاية على الأطفال القُصّر بموجب القانون رقم 119 لسنة 1952م. جاء في المادة رقم 1 من هذا القانون أن الوصاية على الأطفال القُصّر "للأب ثم للجد الصحيح إذا لم يكن الأب قد اختار وصياً للولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحى عنه إلا بإذن المحكمة".

بموجب القانون المصري يلزم أن يقوم الوصي بمراجعة المجلس الحسبي قُبيل الإقدام على أي معاملة تخص مال الطفل القاصر. ظهر المجلس الحسبي في مصر للمرة الأولى في سنة 1873م. وتطورت مهامه واختصاصاته على مر السنين. وأصبح حالياً الهيئة القضائية المختصة بالإشراف على أموال القاصرين تحت رئاسة النائب العام المصري.

 

شكاوى متعددة من المجلس الحسبي

 

يتكون المجلس الحسبي من 5 أشخاص، وهم النائب العام وهو رئيس المجلس بصفته، ورئيس النيابة الحسبية باعتبارها إحدى النيابات التابعة للنيابة العامة، ثم المحامي العام الأول، ورئيس محكمة الاستئناف، ثم رئيس النيابة العامة، وأخيراً وكيل النيابة الحسبية. تظهر صلاحيات المجلس الحسبى في حالة وجود قاصر يمتلك نسبة من المال بعد وفاة الأب. يراقب المجلس أفعال الوصي في أثناء تصرّفه في مال القاصر، فعلى سبيل المثال: لو امتلك القاصر وحدة سكنية يقوم بتأجيرها. لا يمكن للوصي أن يتصرف في أموال الإيجار بأي شكل من الأشكال إلا بعد موافقة المجلس الحسبي.

تشتكي الكثير من الأسر المصرية التي فقدت الأب من الإجراءات المعقدة الواجب اتباعها أمام جانب المجلس الحسبي للتصرف في أموال القصر وذلك قُبيل الإقدام على أي معاملة مالية تتعلق بالطفل الموصى عليه. يلقي بعض الخبراء الضوء على المشكلات التي يتسبب فيها المجلس الحسبي. فمثلاً إذا أرادت الأم الحصول على أموال من أجل علاج طفلها عليها أولاً أن تقدم أوراقاً رسمية بالنفقات لاعتمادها والتصديق عليها من جانب المجلس الحسبي وبعد ذلك صرفها من أموال القاصر الأمر الذي يستغرق وقتاً ليس بقليل مما يضطرها إلى الاستدانة لعلاج الطفل.

أما الإجراءات الأكثر تعقيداً، فتكون في حال رغبة الأم في بيع عقار مملوك للقاصر في حال وجود فرصة كبيرة لمصلحة القاصر فيستغرق هذا سنوات لأخذ موافقة المجلس الحسبي على البيع. وبالطبع يتسبب هذا التأخير في ضياع فرصة البيع.

كذلك، تشتكي الكثير من الأرامل من الصعوبات التي يتعرضن لها في جميع الإجراءات البنكية الخاصة بالأطفال. ولا سيما إذا كان الأب قد أودع أمواله باسم أبنائه في صورة شهادات أو ودائع بنكية.

في الآونة الأخيرة، قدم بعض القانونيين خططاً لإصلاح نظام المجلس الحسبي. على سبيل المثال يرى المحامي بالنقض والمتخصص في قضايا الأسرة محمد محمود أن مشكلة "المجلس الحسبي" تكمن في "ازدحام النيابة الحسبية بالطلبات، مما يتطلب زيادة عدد الموظفين وتقسيم النيابات بهدف تيسير أمور الناس، مع تبسيط الإجراءات في البيع والشراء بالاستفادة من إجراءات المكننة الرقمية بغية تسريع عمل النيابات في إنجاز القضايا العالقة".

 

دعوات لتعديل القانون

 

أثار عرض المسلسل جدلا واسعا حول مدى معقولية القوانين السابقة. وجهت بعض الشكاوى للمجلس الحسبي المشهور ببيروقراطيته وبطء إجراءاته. وانهالت سهام النقد على مسألة تقديم الجد للأب عن الأم في الوصاية. ظهر ذلك في البيان الصادر عن المجلس القومي للمرأة، والذي جاء فيه أن "الولاية والوصاية المالية حق للمرأة فهي المؤتمنة على أطفالها وهي القائمة بأمورهم، وهي التي تقوم بالتربية والرعاية والإنفاق أيضا على أطفالها". في السياق نفسه، تقدم عدد من أعضاء البرلمان المصري بمقترح لوزارة العدل لإلغاء المجلس الحسبي وجعله اختيارياً من قِبل الزوج، حال أنه لم ير الزوجة غير صالحة للولاية أو الوصاية على أبنائه.

 

من جهة أخرى، تعالت أصوات بعض رجال الدين أنفسهم للمطالبة بتعديل القانون بما يضمن انتقال الوصاية للأم مباشرة بعد وفاة الأب. على سبيل المثال قال علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق إن المرأة في هذا العصر أصبحت تعتلى العديد من المناصب الهامة، والوصاية أصبحت مشكلة مجتمعية والمرأة أقدر عليها بحكم رعايتها لأبنائها. وقال أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إنه لا يوجد نص صريح يمنع من تولي المرأة الولاية والوصاية المالية على أبنائها. واستدل على رأيه بأن السيدة عائشة بنت أبي بكر كانت وصية على بنات أخيها عبد الرحمن.

 

في قوانين الدول العربية

 

تباينت مواقف المدونات القانونية المعمول بها في الدول العربية فيما يخص مسألة تحديد الوصي على الأطفال القُصّر. قدمت بعض المدونات الأم على من سواها من الأقارب، بينما ذهبت مدونات أخرى لتقديم الجد.

يُعدّ القانون التونسي من النماذج المعبرة عن النوع الأول. جاء في الفصل 155 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية أن الوصاية تذهب إلى الأم مباشرة في حالة وفاة الأب. يتشابه ذلك -إلى حد بعيد- مع ما ورد في القانون المغربي. نصت المادة رقم 238 من مدونة الأسرة المغربية على أنه "يُشترط لولاية الأم على أولادها: - أن تكون راشدة؛ وعدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك… وفي حالة وجود وصي الأب مع الأم، فإن مهمة الوصي تقتصر على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة".

على الجانب المقابل، مالت قوانين العراق وسوريا ودول أخرى لتقديم الجد أو الوصي المنصوص عليه من قِبل الاب قبل وفاته. نصت المادة رقم 102 من القانون المدني العراقي على أن "ولي الصغير هو أبوه ثم وصي أبيه ثم الجد الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي نصبته المحكمة". أما المادة رقم 176 من القانون السوري فنصت على أن "الوصاية في أموال القاصرين بعد وفاة الأب هي للوصي الذي اختاره الأب وإن لم يكن قريباً لهم".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".