في العام 2020 خاضت العدّاءة الناميبية كريستين مبوما منافسات أولمبياد طوكيو وقدّمت أداءً باهراً بعدما حقّقت لبلادها فضية سباق 200 متر لأول مرة منذ 25 عاماً.
في سباقٍ متخم بنجمات يتمتعن بخبرة كبيرة أنهت مبوما السباق في 21.81 ثانية وهو رقم قياسي جديد لعدّاءة لم تكن قد بلغت العشرين من عُمرها بعد، وأيضاً قدّمت زميلتها بياتريس ماسيلينغي (18 عاماً) أداءً لافتاً بعدما حلّت سادسة في مشاركتها الأولى ببطولة كبرى.
فور انتهاء فعاليات السباق تصاعدت موجات التشكيك في أداء مبوما بعد اتّهامها بأنها "ليست أنثى كاملة"!، وإنما يحمل جسدها "صفات ذكورية قوية" اتضحت من خلال تمتّعها بمعدلات تستوستيرون أعلى بثلاث مرات من نظيراتها في السباق، وهو ما تعتبره معظم الاتحادات الرياضية "خرقاً لمبدأ العدالة في ممارسة الرياضة".
حضور مبوما ذكّر الجميع بالعداءة الجنوب أفريقية كاستر سيمينيا التي حصدت الميدالية الذهبية الأولمبية في سباق 800 متر في العام 2008، لكن بعدما رصدت الفحوص الطبية تصاعداً في هرموناتها مُنعت من خوض أولمبياد طوكيو وحُرمت من الدفاع عن لقبها.
مشكلة التستوستيرون
تستند الاتحادات الرياضية العالمية إلى الآراء الطبية التي تؤكّد أن تمتّع الرياضية بنسب عالية من هرمون التستوستيرون يؤدي إلى زيادة كبيرة في حجم العظم والعضلات الأمر الذي يمنحها قوة كبيرة مماثلة لما يتمتّع به الذكور، وهو ما يجعل زميلاتها يدخلن في منافسة "غير عادلة" معها بعد أن منحتها الهرمونات الزائدة قوة ذكورية غير عادية لا يُمكن التغلّب عليها مهما كانت منافساتها موهوبات أو قضين ساعاتٍ طويلة في التدريب.
وتعتبر الاتحادات الرياضية أن عدم إقرار "العدل الجنسي" في المنافسات سيؤثّر على فُرص فوز الموهوبين بألقابٍ كانوا ليحصدوها لو خاضوا منافسات عادلة. بل حذّرت بعض التقارير من أن شيوع تلك الظاهرة "قد يؤدي إلى انتهاء الرياضة النسائية بأسرها".
فبحسب ورقة بحثية صدرت في العام 2022، فإن عدم اتباع قواعد صارمة في هذه المسألة سيسمح للذكور أو للإناث اللواتي يتمتعن بنسب هرمون تيستوستيرون عالية بالتنافس مع إناث والتفوق عليهن بكل سهولة. ضربت الدراسة على ذلك مثلاً بإحصائية أجريت في 2017 أكدت أن 5 آلاف رجل ركضوا سباق 400 متر وحققوا أرقاماً أفضل من البطلات الأولمبيات حينها مثل سانيا ريتشاردز روس وأليسون فيليكس.
لهذا تلزم الرياضيات اللاتي يعشن هذه الحالة بالخضوع لعلاج طبّي مكثف يهبط بمعدلات الهرمون لديهن إلى النسب العادية لدى النساء، بعدها يُسمح لهن بممارسة رياضات على المستوى الدولي.

ضحايا العدالة الهرمونية
في العام 2011، وضع الاتحاد الدولي لألعاب القوى لأول مرة قواعد للحدِّ الأعلى من مستويات الهرمونات المسموح بها في أجساد المتنافسات وقُدّرت حينها بـ10 نانومول/ لتر لمدة 12 شهراً متتالية قبل خوض المنافسات. تنطبق هذه الشروط على جميع السباقات إلا سباق 200 متر الذي يُسمح فيه للجميع بالمشاركة فيه دون قيود.
لاحقاً، استبدلت تلك القواعد بأخرى أشد في 2018 هبطت بنسبة التستوستيرون إلى 5 نانومول/ لتر.
أكثر المتأثرات سلباً بهذا القرار كانت العدّاءة الجنوب أفريقية كاستر سيمينيا التي رفضت الانصياع لهذه القرارات ولم تخضع لأي علاج كيميائي يقلل مستوى هرموناتها كما تقتضى تعليمات الاتحاد الدولي. وبدلاً من ذلك، لاحقت العداءة هذه التعليمات قضائياً، وخسرت جولتين في محكمة التحكيم الرياضي وأمام القضاء السويسري، فاضطرت إلى التوقف عن الركض.
تمسّك الاتحاد الدولي برأيه، وأعلن في مارس الماضي حرمان الرياضيين العابرين جنسياً إلى إناث من خوض منافسات السيدات، والتزم الاتحاد بألا يزيد مستوى التستوستيرون في أجساد المتنافسات عن 2.5 نانومول / لتر بدلاً من النسبة القديمة وهي 5 نانومول/ لتر، في ضوء الدراسات الحديثة التي أكدت أن نسبة التستوستيرون لدى الرياضيات الإناث تتراوح بين 0.12 و1.79 نانومول/ لتر.
وفي يوليو الماضي، نالت سمينيا انتصارا قضائيا بعدما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن اللوائح الموضوعة حالياً انتهكت حقوقها الإنسانية. لم يؤثّر هذا الحُكم على فعالية اللوائح الموضوعة والتي ستُطبّق على منافسات بطولة العالم 2023 في بودابست وعلى أولمبياد باريس في 2024.
كأس العالم للسيدات في كرة القدم، الذي يجري حالياً في أستراليا ونيوزيلندا، شهد حدثاً تاريخياً بعدما أحرزت باربرا باندا لاعبة منتخب زامبيا الهدف الألف في تاريخ البطولة. لم تكن هذه المرة الأولى التي تشغل فيها باربرا الصحافة العالمية فسبق وأن فعلتها حينما أحرزت هاتريك (3 أهداف) مرتين أمام هولندا والصين.
هذه المسيرة الذهبية للمهاجمة الزامبية كادت أن تتوقّف بعدما لاحقتها "اتهامات الذكورة" على إثر قرار أولي من الاتحاد الأفريقي بحرمانها من المشاركة مع منتخب بلادها في كأس الأمم الأفريقية للسيدات التي أقيمت بالمغرب عام 2022. لاحقاً تراجع "كاف" عن قراره وسمح لباريرا بالمشاركة في البطولة.
وشهد هذا العام أيضا حرمان الملاكمة الجزائرية إيمان خليف من خوض نهائي وزن 66 كجم في بطولة العالم المقامة في الهند بسبب ارتفاع هرموناتها عن المعدل الطبيعي، وهو الأمر الذي رفضته المُلاكمة الجزائرية واعتبرته "مؤامرة" لحرمان الجزائر من لقب بطولة العالم.
🔸بسبب ارتفاع هرمون الذكورة ، الاتحاد الدولي للملاكمة يقصي ايمان خليف من خوض نهائي بطولة العالم.
— 🇩🇿 1.2.3 viva l'algerie (@vivalalgerie7) March 25, 2023
🔸السؤال المطروح: لماذا هذا الإقصاء لم يتم من بداية الدورة؟ لماذا في النهائي فقط؟ ‼️🤔
🔸هنا الملاكمة تتكلم بمرارة على الإقصاء وتوقيته مما يثبت عامل المؤامرة في الحكاية ..👇 pic.twitter.com/6eGXzZyXik
في أغلب الأحوال كانت الحالات الممنوعة من أصحاب البشرة السوداء وهو ما وضع اللجنة الأولمبية في مرمى الاتهامات بالعنصرية أيضا وتعمّد وضع قواعد تحرم الرياضيات السوداءات من التفوق في الأحداث الكبرى.
في ظل الاهتمام الكبير الذي أبدته الاتحادات الرياضية الدولية بهذه القضايا، من المتوقع أن تزداد مثل هذه الحالات الممنوعة من المشاركة وأن تزداد كذلك حالة الجدل التي تصاحب أي قرار بـ"الحظر الهرموني"، وهو ما اعترف به توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية حين صرّح بأن هذه المشكلة لا يوجد لها حل واحد يناسب الجميع، مشدداً على أن جميع القرارات الموضوعة حالياً ستخضع لمراجعة مستمرة.
الفئة "المفتوحة".. هل تكون الحل؟
العدّاءة الكينية مارغريت وامبوي التي حقّقت البرونزية في سباق 800 متر بأولمبياد ريو 2016، ثم مُنعت لاحقاً من المشاركة في السباقات بسبب رفضها تخفيض مستوى هرموناتها، اقترحت أن تضيف الاتحادات الدولية "فئة ثالثة" خاصة بالرياضيات اللائي يمتلكن مستويات عالية من التستوستيرون.
برادلي أنوالت أستاذ الغدد الصماء في جامعة واشنطن أكد أن العلم لن يتوصّل قريباً إلى حلٍّ لهذه القضية الشائكة، معتبراً أن خيار "قمع التستوستيرون"طبيا غير عادل دائماً، ففي بعض الأحوال يُمكن أن تلجأ إلى تخفيض التيستوستيرون المتسابقة بعدما يكون الهرمون الذكوري قد أتم مهمته في تقوية عظامها وأعضاء جسدها ومنحها ميزة تنافسية عن باقي زميلاتها، ميزة لن تُحرم منها إذا ما قللت نسبة الهرمون في جسدها قبل البطولة بأشهرٍ معدودة.
واعتبر أنوالت أن الحل المنطقي الوحيد لهذا الأمر هو "فئة مفتوحة" لا تتعلّق بالجنس يُمكن السماح للرياضيين بالمشاركة فيها مهما ارتفعت مستويات الهرمونات في أجسادهم.
وفي أغسطس الماضي قرّر الاتحاد البريطاني للتجديف منع النساء العابرات جنسياً من المشاركة في فئات النساء طالما أن أجسادهن تحوي نسبة تستوستيرون عالية. وبالتزامن مع هذا القرار أعلن الاتحاد البريطاني تدشين "فئة مفتوحة" غير محددة الجنس يُمكن للعابرين جنسياً المشاركة عبرها.
ومن الحلول المطروحة أيضاً أن تلغي اللجنة الأولمبية جميع "قيود التستوستيرون"، وهو أمر ليس بعيد المنال وإنما صدرت به توصية في نهاية 2021 من مجموعة عمل داخل اللجنة الأولمبية لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد.