من معلّمة إلى ربة أسرة إلى "يوتيوبر" يتابعها حوالي مليون شخص، وحققت فيديوهاتها ملايين المشاهدات: هند عيتاني أو "إم بشار" كما تُعرَف في مواقع التواصل الاجتماعي.
وهي لبنانية في الخمسينات من عمرها، رفضت أن يسبقها ركب الإنترنت والتكنولوجيا فقررت أن تستثمر أكثر ما تجيده وتعشقه: الطبخ.
وهكذا، أبصر مشروع "أكلات لبنان" النور منذ زهاء ثلاثة أعوام، في محاولة لتسليط الضوء على المطبخ اللبناني الذي يرضي جميع الأذواق والجيوب ويقدم وصفات غير شائعة بالنسبة لغير اللبنانيين وعُرف بها البلد الشرق أوسطي.
وعبر الأطباق التي تعدّها هند، قصص من أزمنة ساد فيها الفقر، وأخرى مثلت عصور الازدهار، كما تمثل مساحة للتبادل الثقافي بين الطوائف المتنوعة في لبنان، دينياً وعرقياً وقومياً، وبينها جميعاً والعالم.
"روح المطبخ اللبناني"
تقول هند لـ"ارفع صوتك": "من خلال قناتي الخاصة بالطهي، أحاول نقل روح المطبخ اللبناني الممتد عبر الزمن متأثراً ومؤثراً على مطابخ أخرى، ويتسع لوصفات من كل مكان ومن طوائف مختلفة، كما يتشارك فيه أفراد الأسرة المهام لإنتاج وصفات بنكهة المودة والحب".
وتتوخى من خلال مشاركة طبخاتها اليومية مع متابعيها من مختلف دول العالم، التأكيد بأن المطبخ اللبناني "ليس الكبة والتبولة والفتوش، فقط".
تضيف هند: "تعلمت الوصفات التي تعكس التراث اللبناني من جدتي لأمي، وأسعى لتقديم كل أنواع الطبخ التراثية القديمة والحديثة والسلطات والكبة بأشكالها بطريقة مبسطة وسهلة وتليق باسم القناة وباسم لبنان".
"ويهمني كثيرا أن يتعرف الناس على أكلات لم يسمعوا بها أحيانا. على سبيل المثال، هناك (الخيارية) وهي من الوصفات غير المعروفة كثيرا حتى في لبنان، وأكلة (الدحاريج) و(الزنكل) و(الكعازيل) التي تعكس صورة ربة الأسرة الراغبة بالاقتصاد في الاستهلاك للحفاظ على مونة الشتاء، فتقدم لأسرتها وجبة لذيذة بمكونات بسيطة وبمتناول اليد (الزيت/السمن والبرغل والبصل)"، تتابع هند.
وتشير أيضاً إلى طبق يُدعى "كبابات الراهب" (كبيبات الراهب بالعامية)، موضحةً أنه "يذكر بالتنوع الطائفي والعيش المشترك في لبنان، حيث مثّلت هذه الأكلة في زمن قديم جداً الوجبة اليومية للرهبان المسيحيين".
"أردت أن أتحدى نفسي"
بداية المشوار "لم تخل من التردد وبعض مشاعر الإحباط والسعي لإثبات النجاح"، كما تقول هند، مبينةً لـ"ارفع صوتك": "كانت الفكرة اقتراحاً من أخي الذي يدير قناةً أيضاً في يوتيوب، ويتابعه فيها الملايين، ولم أملك الكثير من الحماس حينها لضعف خبرتي بمواقع التواصل".
"ولكن تفاعل الناس معي أعطاني تدريجياً ذلك الدافع للعطاء والاستمرار"، تضيف هند.
وتتابع: "على الرغم من عرض ابنتي تقديم المساعدة لي، إلا أنني أردت أن أتحدى نفسي وأتعلم. وانتقلت من فيديو مدته نصف ساعة إلى فيديوهات بنصف المدة تقريباً، وكان الفيديو الأول الذي قمت بتحضيره بنفسي هو فيديو عن طبخة (الملوخية)".
وتشير هند إلى أنها تعلمت الكثير في رحلتها هذه، مثل "استخدام الحاسوب وبرامج المونتاج وطريقة استخدام الكاميرا والإضاءة"، مستدركةً "للحظ أيضاً دور، فأحياناً أتفاجأ بتحقيق فيديو نجاحاً كبيراً رغم أنه متواضع مقارنة بآخر أفضل، لكنه حقق تفاعلاً أقل".
وتؤكد أن ما حققته في عملها وتطوير مهاراتها ودخول تجربة حياتية جديدة، "زاد ثقتها في نفسها وبشخصيتها وصارت تسعى لتعلم المزيد وتطوير ذاتها أكثر وأكثر" بحسب تعبيرها.
ولأن التكنولوجيا في تطور مستمر، تواظب هند على المتابعة بشكل يومي وعلى الالتزام، ولا تكتفي بما حققته، تقول: "من يريد العمل في هذا المجال عليه أن يعلم أنه لا بد وأن يكرس وقتا ومجهودا كبيرين في التصوير والمونتاج والردّ على أسئلة الناس ومراعاة بيئة كل مشاهد وظروفه".
تكنولوجيا "لا تفرّق"
"المطبخ اللبناني يتسع للجميع، سواء على طاولة التحضير أو على سفرة التقديم، حيث يجتمع كل أفراد العائلة إما للمساعدة أو لمشاركة رأي أو تقديم اقتراح أو حتى التذوق"، تقول هند.
وبينما قد يؤدي انشغال كل فرد بهاتفه إلى عزلته عن بقية أفراد الأسرة، تستفيد هند من مشروعها لممارسة "نشاط أسري بامتياز"، فالعائلة هي "الداعم الأول للنجاح والحفاظ على هذه العلاقة هي الخطوة الأهم".
تضيف: "لذلك أشرك كل عائلتي في بعض فيديوهاتي من زوجي وأولادي وكنتي (زوجة الابن) وحفيدتي ومساعدتي التي أعتبرها واحدة من أولادي".
ومن عدسة الكاميرا الصغيرة إلى العالم الأكبر، تنتقل هند في محادثات مع متابعيها لتجيب عن أسئلتهم مثلا حول "طبع اللبناني" والعلاقات الأسرية والطموحات.