تحيي المعارضة الإيرانية هذه الأيام الذكرى الأولى لاندلاع المظاهرات الشعبية ضد النظام الحاكم، والتي انطلقت إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعدما تم توقيفها من قِبل شرطة الأخلاق بسبب عدم ارتدائها للحجاب. تحولت أميني بعد مقتلها إلى رمز للتعبير عن الحرية لدى قطاعات واسعة من الإيرانيين. لكنها لم تكن الأولى بكل تأكيد. عرفت إيران ظهور العديد من الشخصيات النسائية التي قالت "لا" في وجه نظام الملالي منذ نجاح الثورة الإسلامية في سنة 1979م وحتى الآن.
الممثلة شیده رحماني
ولدت مليحة نيكجوماند في أصفهان في سنة 1934م. وفي سن صغيرة عملت في السينما والمسرح، وعُرفت باسمها الفني الأشهر شيده رحماني. وشاركت في بطولة العديد من المشاريع السينمائية قبل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية. من اعمالها فيلم "احتجاب"، ومسلسل "خان قمر خانم".
عُرفت رحماني بموقفها المعارض لقرار الثورة الإسلامية بإلزام النساء الإيرانيات بارتداء الحجاب في الأماكن العامة. في هذا السياق اشتهرت صورة قديمة لها أثناء الثورة. تظهر رحماني في الصورة وهي تعارض أحد رجال الدين الإيرانيين بعد أن طالبها بارتداء الحجاب. تذكر بعض التقارير أن الممثلة الشابة قادت بعض التظاهرات النسائية الرافضة للحجاب في شارع "مشتاق" الشهير بطهران. وأنها تحولت إلى أيقونة لحركة تحرير المرأة الإيرانية في تلك الفترة. حتى أن بعض الصحف أطلقت عليها لقب "جان دارك طهران" و"جان دارك شارع مشتاق". تحدثت رحماني عن تفاصيل تلك المظاهرات في إحدى اللقاءات الإذاعية التي سجلتها قبل وفاتها بشهور قليلة: "كانت المظاهرة بالقرب من جامعة طهران، قبل أيام قليلة كان البلطجية في الشوارع يهتفون "إما الحجاب أو الحجاب"، وقاموا بضرب الفتيات الصغيرات على الجبين...".
لاحقًا، ارتدت شيده رحماني الحجاب في الأفلام التي مثلتها بعد الثورة، لكنها كانت تؤكد دائماً أنها كانت مجبرة على ذلك. شاركت رحماني في العديد من الأفلام في السنوات اللاحقة ومنها "أطفال المسلمين"، و"أقل من ثمانية"، و"الشيف". وتوفيت في يوليو سنة 2017م عن عمر ناهز 83 عاماً.
الشاعرة سيمين بهبهاني
ولدت سيمين بهبهاني في طهران في يوليو سنة 1927م. ونشرت أول قصيدة لها في عمر 14 عاماً. وانطلقت بعدها في رحلة طويلة لتؤلف ما يزيد عن 600 قصيدة في الحب والغزل. كما تناولت قصائدها الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يمر بها الشعب الإيراني. تُرجمت الكثير من تلك القصائد إلى الإنجليزية والألمانية والعربية والروسية والسويدية والفرنسية. ورُشحت بهبهاني مرتين للحصول على جائزة نوبل في الآداب. كما فازت في سنة 2009م بجائزة سيمون دي بو فوار الفرنسية الخاصة بتحرير المرأة.
بدأت معارضة بهبهاني لحكم الملالي عقب اندلاع الثورة الإسلامية في 1979م. كتبت بهبهاني وقتها الكثير من القصائد التي هاجمت بطش الثوار بخصومهم السياسيين. تسبب ذلك في تضييق السلطة على الشاعرة الشابة. فوضعت أعمالها تحت المراقبة لعشر سنوات كاملة. في سنة 2006م، انتقدت بهبهاني الرقابة المفروضة عليها وعلى غيرها من المبدعين الإيرانيين في إحدى المقابلات الصحافية التي أجرتها في تلك الفترة فقالت: "كما أرى واسمع فان الرقابة لاتزال مستمرة، حيث يعتقد البعض إنها أصبحت أشد وطأة. برأيي إن الشعب الذي يضطر لقبول الرقابة في حياته الثقافية مثله كمثل الإنسان الذي يعصبون عينيه ويغلقون اذنيه ويقولون له عليك أن تسير في طريق وعر ومجهول! فويل له!".
تجدد الصدام بين الشاعرة والسلطة في أعقاب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في سنة 2009م، عندما قامت الأجهزة الأمنية باستهداف المعارضين والمحتجين. انتقدت بهبهاني ذلك التصرف بشكل صريح في بعض أشعارها. وفي السياق نفسه، أعربت عن غضبها بالقول: "نحن (الكتّاب) سنشعر بالتكريم حقاً حين يأتي اليوم الذي لا يزج فيه بكاتب إلى السجن، ولا يلقى القبض على طالب، وعندما يكون الصحفيون أحراراً وتكون أقلامهم حرة". مُنعت بهبهاني من مغادرة البلاد في سنة 2010م حينما كانت تحاول السفر إلى فرنسا من أجل حضور فعالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وأُجبرت على البقاء في الأراضي الإيرانية حتى توفيت في أغسطس سنة 2014م عن عمر ناهز 87 سنة.
الحقوقية نسرين ستوده
وُلدت المحامية نسرين ستوده في سنة 1963م بمنطقة غيلان بإيران. ودرست القانون في جامعة "الشهيد بهشتي" في طهران. وعُرفت بجهودها الكبيرة في الدفاع عن المعارضين السياسيين للنظام الإيراني.
في سنة 2010م، سُجنت ستودة بتهمتيّ "إهانة قائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي"، و"نشر دعايات تضر بالأمن القومي". ثم أُفرج عنها فيما بعد. في سنة 2018م، تم حبس ستوده مرة أخرى. وحُكم عليها بالسجن لمدة 38 عاماً بتسع تهم مجتمعة، بما في ذلك "التشجيع على الفساد والدعارة". وكان السبب في ذلك عملها المستمر في الدفاع عن النساء الموقوفات بسبب الاحتجاج السلمي على قوانين الحجاب الإلزامي.
طالبت العديد من المنظمات الحقوقية بالإفراج عن ستوده في السنوات السابقة، وقالت دوبرافكا سيمونوفيتش، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة: "تم تجريم نسرين ستوده بشكل منهجي بسبب عملها في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق النساء اللواتي يعارضن قوانين الحجاب الإلزامي". في السياق نفسه، أوضحت بعض التقارير أن نسرين ستوده تتعرض لـ"ظروف احتجاز غير أدمية في سجن مزدحم". ولا تتوافر في السجن عوامل التهوية أو التغذية المناسبة. كما ذكرت بعض الأخبار أن ستوده أُصيبت بفيروس بكوفيد-19 وعانت من آثاره لغياب الرعاية الطبية اللازمة. في فبراير 2023م تم الإعلان عن فوز ستوده بجائزة حقوق الإنسان الأميركية.
المخرجتان سميرة وهانا مخملباف
ولدت المخرجة الإيرانية سميرة مخملباف في فبراير سنة 1980م في طهران. وهي ابنة للمخرج الإيراني الشهير محسن مخملباف. درست مخملباف علم الإخراج السينمائي. وأخرجت في سن السابعة عشر فيلمها الأول "التفاحة"، لتصبح بذلك أصغر مخرجة في العالم تُشارك بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي وذلك في سنة 1998م.
في سنة 2003م، أخرجت سميرة فيلمها "الساعة الخامسة عصراً". والذي تتبعت فيه خطى فتاة أفغانية تعود إلى المدرسة رغماً عن والدها بعد إعادة فتح مدارس الفتيات، لتسلط الضوء على النزعة الذكورية في المجتمع، وعلى الأوضاع المتدهورة التي تعيش فيها المرأة الأفغانية. كذلك شهد الفيلم تعريضاً -مبطناً- بنظام الحكم الإسلامي القائم في إيران. وتماهى ذلك مع الأفكار التي لطالما دعا لها محسن مخملباف في أفلامه.
في سنة 2005م، غادرت أسرة مخملباف إيران بعد فترة قصيرة من انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد. واستقرت في العاصمة الفرنسية باريس فيما يشبه المنفى. بعد السفر، قدمت هانا مخلمباف -الأخت الصغرى لسميرة- فيلمها "الأيام الخضر". والذي تناول المظاهرات الاحتجاجية التي قامت بها المعارضة الإيرانية عقب الانتخابات الرئاسية في إيران في سنة 2009م. عُرفت هانا بتصريحاتها المنتقدة للنظام الإيراني. على سبيل المثال صرحت في الدورة السادسة والستين لمهرجان البندقية السينمائي أنه "لا يمكن ايقاف سبعين مليون إيران يسعون إلى الحرية ببضع بنادق". وأضافت "منذ الانتخابات تغيرت حياة الإيرانيين… بعضهم هاجر إلى مناطق مختلفة من العالم وأودع البعض الآخر السجن او تعرضوا للتعذيب او الاغتصاب... اما بقية الشعب فأخذ رهينة".
الروائية سحر دليجاني
وولدت الروائية الإيرانية سحر دليجاني في سنة 1983م في سجن ايفين في طهران. كان والداها في تلك الفترة معتقلين بعد سنوات على انتصار الثورة الإسلامية. عقب خروج الوالدين من السجن. سافرت الأسرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. واجتازت دليجاني دراستها الجامعية. ثم تفرغت لكتابة روايتها الشهيرة "تحت ظل الشجرة البنفسجية".
نشرت الرواية في سنة 2014م. ولاقت نجاحاً كبيراً في الأوساط الثقافية. وتُرجمت إلى 28 لغة. وتحكي الرواية قصة الثورة الإسلامية. والاضطهاد الذي عانت منه المعارضة الإيرانية عقب وصول الخميني للسلطة.
في 2015م، وجهت دليجاني نقداً لاذعاً للنظام الإيراني في واحدة من مقابلاتها الصحافية. أكدت دليجاني أن نظام بلادها "انتهى ثقافياً واجتماعياً، ولم يبق إلا أن ينتهي سياسياً". كما ذكرت أن "الشباب الإيرانيين هم تماماً بعكس ما يريد النظام أن يكونوا فهم "مثقفون وحيويون، ولا يمكن أن تبقى الأمور معهم على ما هي عليه". وأضافت "الدعاية المركزة للقيم التي تفرضها الجمهورية الإسلامية في المدارس قد فشلت في أداء مهمتها".
الصحافية رويا حكاكيان
ولدت الكاتبة رويا حكاكيان في طهران في سنة 1966م. لأسرة يهودية إيرانية تعمل في سلك التعليم. قضت حكاكيان السنوات الأولى من عمرها في إيران. وشهدت على أحداث الثورة الإسلامية. بعد أن عانت الأسرة من الاضطهاد، اضطرت حكاكيان للسفر كلاجئة إلى الولايات المتحدة في سنة 1985م. وهناك حصلت على درجة البكالوريوس من كلية بروكلين.
في سنة 2004م، نشرت حكاكيان سيرتها الذاتية في كتاب "رحلة إلى أرض لا". والذي وثّقت فيه الاضطهاد الذي عانته مع أسرتها في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية. كذلك لعبت حكاكيان دوراً مهماً في إنشاء مركز توثيق حقوق الإنسان الإيراني. وفي سنة 2011م نشرت الكاتبة اليهودية كتابها الثاني "مغتالو القصر الفيروزي". والذي تناول قصص الاستهداف الذي يقوم به النظام الإيراني الحاكم ضد المنشقين الإيرانيين المنفيين في أوروبا الغربية. حصل الكتاب على لقب الكتاب البارز لعام 2011 من قِبل مجلة نيويورك تايمز بوك ريفيو، ودخل في قائمة الكتب العشرة الأوائل في مجلة نيوزويك.
في الآونة الأخيرة، تفاعلت حكاكيان بشكل كبير مع الاحداث التي اعقبت مقتل مهسا أميني في سبتمبر سنة 2022م. على سبيل المثال أشادت بإنجازات المظاهرات الشعبية التي اندلعت في إيران وأضافت "فقط قوة محتلة يمكنها أن تفعل بشعب ما فعله النظام الإيراني بمواطنيه في الأشهر الأربعة الماضية". في السياق نفسه، كتبت حكاكيان العديد من المقالات السياسية في بعض الصحف الأمريكية الشهيرة دعت في بعضها إلى ضرورة تدخل الولايات المتحدة لدعم المحتجين الإيرانيين وألا تتخلى عنهم. كما أشارت إلى أن الاستفتاء الشعبي الأخير كان في مارس من عام 1979، والذي أراد فيه 90% من الإيرانيين نظاماً جمهورياً إسلامياً بديلاً لنظام الشاه. واضافت أن الإيرانيين يأملون في الوقت الراهن إجراء استفتاء شعبي آخر، يمنحهم فرصة للتراجع عن الحكومة التي اختاروها منذ حوالي 40 عاماً.