Iranian women shout slogans to protest over the death of Mahsa Amini during a demonstration outside the Iranian consulate in…
من تظاهرة للتنديد بمقتل مهسا أميني في اسطنبول- أرشيف

تحيي المعارضة الإيرانية هذه الأيام الذكرى الأولى لاندلاع المظاهرات الشعبية ضد النظام الحاكم، والتي انطلقت إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعدما تم توقيفها من قِبل شرطة الأخلاق بسبب عدم ارتدائها للحجاب. تحولت أميني بعد مقتلها إلى رمز للتعبير عن الحرية لدى قطاعات واسعة من الإيرانيين. لكنها لم تكن الأولى بكل تأكيد. عرفت إيران ظهور العديد من الشخصيات النسائية التي قالت "لا" في وجه نظام الملالي منذ نجاح الثورة الإسلامية في سنة 1979م وحتى الآن.

 

الممثلة شیده رحماني

ولدت مليحة نيكجوماند في أصفهان في سنة 1934م. وفي سن صغيرة عملت في السينما والمسرح، وعُرفت باسمها الفني الأشهر شيده رحماني. وشاركت في بطولة العديد من المشاريع السينمائية قبل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية. من اعمالها فيلم "احتجاب"، ومسلسل "خان قمر خانم".

عُرفت رحماني بموقفها المعارض لقرار الثورة الإسلامية بإلزام النساء الإيرانيات بارتداء الحجاب في الأماكن العامة. في هذا السياق اشتهرت صورة قديمة لها أثناء الثورة. تظهر رحماني في الصورة وهي تعارض أحد رجال الدين الإيرانيين بعد أن طالبها بارتداء الحجاب.  تذكر بعض التقارير أن الممثلة الشابة قادت بعض التظاهرات النسائية الرافضة للحجاب في شارع "مشتاق" الشهير بطهران. وأنها تحولت إلى أيقونة لحركة تحرير المرأة الإيرانية في تلك الفترة. حتى أن بعض الصحف أطلقت عليها لقب "جان دارك طهران" و"جان دارك شارع مشتاق". تحدثت رحماني عن تفاصيل تلك المظاهرات في إحدى اللقاءات الإذاعية التي سجلتها قبل وفاتها بشهور قليلة: "كانت المظاهرة بالقرب من جامعة طهران، قبل أيام قليلة كان البلطجية في الشوارع يهتفون "إما الحجاب أو الحجاب"، وقاموا بضرب الفتيات الصغيرات على الجبين...".

لاحقًا، ارتدت شيده رحماني الحجاب في الأفلام التي مثلتها بعد الثورة، لكنها كانت تؤكد دائماً أنها كانت مجبرة على ذلك. شاركت رحماني في العديد من الأفلام في السنوات اللاحقة ومنها "أطفال المسلمين"، و"أقل من ثمانية"، و"الشيف". وتوفيت في يوليو سنة 2017م عن عمر ناهز 83 عاماً.

شهدت إيران احتجاجات واسعة على وفاة أميني، وتضامن عالمي.
إيرانيات ضحايا التمييز.. "مهسا أميني" ليست الأولى فهل تكون الأخيرة؟
توفيت الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عامًا) بعد أيام من اعتقالها على يد "شرطة الآداب" بزعم ارتدائها الحجاب بشكل "غير لائق"، حادثة فجرت غضب الشارع الإيراني، وجددت الحديث عن أشكال التمييز الممارس على الإيرانيات في شتى مجالات الحياة.

الشاعرة سيمين بهبهاني

ولدت سيمين بهبهاني في طهران في يوليو سنة 1927م. ونشرت أول قصيدة لها في عمر 14 عاماً. وانطلقت بعدها في رحلة طويلة لتؤلف ما يزيد عن 600 قصيدة في الحب والغزل. كما تناولت قصائدها الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يمر بها الشعب الإيراني. تُرجمت الكثير من تلك القصائد إلى الإنجليزية والألمانية والعربية والروسية والسويدية والفرنسية. ورُشحت بهبهاني مرتين للحصول على جائزة نوبل في الآداب. كما فازت في سنة 2009م بجائزة سيمون دي بو فوار الفرنسية الخاصة بتحرير المرأة.

بدأت معارضة بهبهاني لحكم الملالي عقب اندلاع الثورة الإسلامية في 1979م. كتبت بهبهاني وقتها الكثير من القصائد التي هاجمت بطش الثوار بخصومهم السياسيين. تسبب ذلك في تضييق السلطة على الشاعرة الشابة. فوضعت أعمالها تحت المراقبة لعشر سنوات كاملة. في سنة 2006م، انتقدت بهبهاني الرقابة المفروضة عليها وعلى غيرها من المبدعين الإيرانيين في إحدى المقابلات الصحافية التي أجرتها في تلك الفترة فقالت: "كما أرى واسمع فان الرقابة لاتزال مستمرة، حيث يعتقد البعض إنها أصبحت أشد وطأة. برأيي إن الشعب الذي يضطر لقبول الرقابة في حياته الثقافية مثله كمثل الإنسان الذي يعصبون عينيه ويغلقون اذنيه ويقولون له عليك أن تسير في طريق وعر ومجهول! فويل له!".

تجدد الصدام بين الشاعرة والسلطة في أعقاب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في سنة 2009م، عندما قامت الأجهزة الأمنية باستهداف المعارضين والمحتجين. انتقدت بهبهاني ذلك التصرف بشكل صريح في بعض أشعارها. وفي السياق نفسه، أعربت عن غضبها بالقول: "نحن (الكتّاب) سنشعر بالتكريم حقاً حين يأتي اليوم الذي لا يزج فيه بكاتب إلى السجن، ولا يلقى القبض على طالب، وعندما يكون الصحفيون أحراراً وتكون أقلامهم حرة". مُنعت بهبهاني من مغادرة البلاد في سنة 2010م حينما كانت تحاول السفر إلى فرنسا من أجل حضور فعالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وأُجبرت على البقاء في الأراضي الإيرانية حتى توفيت في أغسطس سنة 2014م عن عمر ناهز 87 سنة.

 

الحقوقية نسرين ستوده

وُلدت المحامية نسرين ستوده في سنة 1963م بمنطقة غيلان بإيران. ودرست القانون في جامعة "الشهيد بهشتي" في طهران. وعُرفت بجهودها الكبيرة في الدفاع عن المعارضين السياسيين للنظام الإيراني.

في سنة 2010م، سُجنت ستودة بتهمتيّ "إهانة قائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي"، و"نشر دعايات تضر بالأمن القومي". ثم أُفرج عنها فيما بعد. في سنة 2018م، تم حبس ستوده مرة أخرى. وحُكم عليها بالسجن لمدة 38 عاماً بتسع تهم مجتمعة، بما في ذلك "التشجيع على الفساد والدعارة". وكان السبب في ذلك عملها المستمر في الدفاع عن النساء الموقوفات بسبب الاحتجاج السلمي على قوانين الحجاب الإلزامي.

طالبت العديد من المنظمات الحقوقية بالإفراج عن ستوده في السنوات السابقة، وقالت دوبرافكا سيمونوفيتش، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة: "تم تجريم نسرين ستوده بشكل منهجي بسبب عملها في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق النساء اللواتي يعارضن قوانين الحجاب الإلزامي". في السياق نفسه، أوضحت بعض التقارير أن نسرين ستوده تتعرض لـ"ظروف احتجاز غير أدمية في سجن مزدحم". ولا تتوافر في السجن عوامل التهوية أو التغذية المناسبة. كما ذكرت بعض الأخبار أن ستوده أُصيبت بفيروس بكوفيد-19 وعانت من آثاره لغياب الرعاية الطبية اللازمة. في فبراير 2023م تم الإعلان عن فوز ستوده بجائزة حقوق الإنسان الأميركية.

صورة أرشيفية للمخرج الإ]راني سعيد روستايي- ا ف ب
أحدثهم سعيد روستايي.. مخرجون إيرانيون خلف القضبان
تتمتع السينما الإيرانية بقدر كبير من الجاذبية في شتى أنحاء العالم، إذ تمكن الكثير من المخرجين الإيرانيين من تجاوز القيود المفروضة عليهم من قِبل السلطات الحاكمة، ووصلت أفلامهم إلى منصات التتويج في مهرجانات كان وبرلين والبندقية وغيرها من المهرجانات العالمية.

المخرجتان سميرة وهانا مخملباف

ولدت المخرجة الإيرانية سميرة مخملباف في فبراير سنة 1980م في طهران. وهي ابنة للمخرج الإيراني الشهير محسن مخملباف. درست مخملباف علم الإخراج السينمائي. وأخرجت في سن السابعة عشر فيلمها الأول "التفاحة"، لتصبح بذلك أصغر مخرجة في العالم تُشارك بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي وذلك في سنة 1998م.

في سنة 2003م، أخرجت سميرة فيلمها "الساعة الخامسة عصراً". والذي تتبعت فيه خطى فتاة أفغانية تعود إلى المدرسة رغماً عن والدها بعد إعادة فتح مدارس الفتيات، لتسلط الضوء على النزعة الذكورية في المجتمع، وعلى الأوضاع المتدهورة التي تعيش فيها المرأة الأفغانية. كذلك شهد الفيلم تعريضاً -مبطناً- بنظام الحكم الإسلامي القائم في إيران. وتماهى ذلك مع الأفكار التي لطالما دعا لها محسن مخملباف في أفلامه.

في سنة 2005م، غادرت أسرة مخملباف إيران بعد فترة قصيرة من انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد. واستقرت في العاصمة الفرنسية باريس فيما يشبه المنفى. بعد السفر، قدمت هانا مخلمباف -الأخت الصغرى لسميرة- فيلمها "الأيام الخضر". والذي تناول المظاهرات الاحتجاجية التي قامت بها المعارضة الإيرانية عقب الانتخابات الرئاسية في إيران في سنة 2009م. عُرفت هانا بتصريحاتها المنتقدة للنظام الإيراني. على سبيل المثال صرحت في الدورة السادسة والستين لمهرجان البندقية السينمائي أنه "لا يمكن ايقاف سبعين مليون إيران يسعون إلى الحرية ببضع بنادق". وأضافت "منذ الانتخابات تغيرت حياة الإيرانيين… بعضهم هاجر إلى مناطق مختلفة من العالم وأودع البعض الآخر السجن او تعرضوا للتعذيب او الاغتصاب... اما بقية الشعب فأخذ رهينة".

الروائية سحر دليجاني

وولدت الروائية الإيرانية سحر دليجاني في سنة 1983م في سجن ايفين في طهران. كان والداها في تلك الفترة معتقلين بعد سنوات على انتصار الثورة الإسلامية. عقب خروج الوالدين من السجن. سافرت الأسرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. واجتازت دليجاني دراستها الجامعية. ثم تفرغت لكتابة روايتها الشهيرة "تحت ظل الشجرة البنفسجية".

نشرت الرواية في سنة 2014م. ولاقت نجاحاً كبيراً في الأوساط الثقافية. وتُرجمت إلى 28 لغة. وتحكي الرواية قصة الثورة الإسلامية. والاضطهاد الذي عانت منه المعارضة الإيرانية عقب وصول الخميني للسلطة.

في 2015م، وجهت دليجاني نقداً لاذعاً للنظام الإيراني في واحدة من مقابلاتها الصحافية. أكدت دليجاني أن نظام بلادها "انتهى ثقافياً واجتماعياً، ولم يبق إلا أن ينتهي سياسياً". كما ذكرت أن "الشباب الإيرانيين هم تماماً بعكس ما يريد النظام أن يكونوا فهم "مثقفون وحيويون، ولا يمكن أن تبقى الأمور معهم على ما هي عليه". وأضافت "الدعاية المركزة للقيم التي تفرضها الجمهورية الإسلامية في المدارس قد فشلت في أداء مهمتها".

 

الصحافية رويا حكاكيان

ولدت الكاتبة رويا حكاكيان في طهران في سنة 1966م. لأسرة يهودية إيرانية تعمل في سلك التعليم. قضت حكاكيان السنوات الأولى من عمرها في إيران. وشهدت على أحداث الثورة الإسلامية. بعد أن عانت الأسرة من الاضطهاد، اضطرت حكاكيان للسفر كلاجئة إلى الولايات المتحدة في سنة 1985م. وهناك حصلت على درجة البكالوريوس من كلية بروكلين.

في سنة 2004م، نشرت حكاكيان سيرتها الذاتية في كتاب "رحلة إلى أرض لا". والذي وثّقت فيه الاضطهاد الذي عانته مع أسرتها في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية. كذلك لعبت حكاكيان دوراً مهماً في إنشاء مركز توثيق حقوق الإنسان الإيراني.  وفي سنة 2011م نشرت الكاتبة اليهودية كتابها الثاني "مغتالو القصر الفيروزي". والذي تناول قصص الاستهداف الذي يقوم به النظام الإيراني الحاكم ضد المنشقين الإيرانيين المنفيين في أوروبا الغربية. حصل الكتاب على لقب الكتاب البارز لعام 2011 من قِبل مجلة نيويورك تايمز بوك ريفيو، ودخل في قائمة الكتب العشرة الأوائل في مجلة نيوزويك.

في الآونة الأخيرة، تفاعلت حكاكيان بشكل كبير مع الاحداث التي اعقبت مقتل مهسا أميني في سبتمبر سنة 2022م.  على سبيل المثال أشادت بإنجازات المظاهرات الشعبية التي اندلعت في إيران وأضافت "فقط قوة محتلة يمكنها أن تفعل بشعب ما فعله النظام الإيراني بمواطنيه في الأشهر الأربعة الماضية". في السياق نفسه، كتبت حكاكيان العديد من المقالات السياسية في بعض الصحف الأمريكية الشهيرة دعت في بعضها إلى ضرورة تدخل الولايات المتحدة لدعم المحتجين الإيرانيين وألا تتخلى عنهم. كما أشارت إلى أن الاستفتاء الشعبي الأخير كان في مارس من عام 1979، والذي أراد فيه 90% من الإيرانيين نظاماً جمهورياً إسلامياً بديلاً لنظام الشاه. واضافت أن الإيرانيين يأملون في الوقت الراهن إجراء استفتاء شعبي آخر، يمنحهم فرصة للتراجع عن الحكومة التي اختاروها منذ حوالي 40 عاماً.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.
كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.

صدم منشور لمنظمة اليونيسف حول التحرش الجنسي، اللبنانيين، حيث أشارت من خلاله إلى أن "كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن".

ولفتت المنظمة الأممية عبر صفحتها على "فيسبوك" إلى أن هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح أمرا عاديا في المجتمع، في الأماكن العامة وعبر الإنترنت، في الأسواق والمواصلات، داعية الجميع إلى مكافحته من خلال رفع الصوت، طلب المساعدة والتنديد.

ما أوردته المنظمة الأممية يعكس الكثير من الحقيقة، كما تقول مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، شارحة "النساء معرضات في أي مرحلة من مراحل حياتهن للتحرش الجنسي أيا يكن مستواهن الاقتصادي، العلمي، الأكاديمي، المهني والثقافي، حيث يقف خلف ذلك منظومة فكرية تشجع العنف المبني على النوع الاجتماعي وتتسامح معه، ملقية دائماً باللوم على المرأة ومبررة للرجل ما يرتكبه بحقها".

وفي ظل غياب التوعية الجنسية، قد تتعرض كما تقول قصقص "صغيرات للتحرش من دون أن يعلمن حقيقة ما يحصل لهن، رغم إدراكهن أنه أمر غير طبيعي ومزعج، يترافق ذلك مع شعور بالذنب يتضاعف حين يكبرن ويكتشفن أن انتهاكاً كان يمارس بحقهن".

ميرفت، إحدى اللبنانيات اللواتي تعرضن للتحرش، كان ذلك قبل حوالي العشر سنوات، حين قررت ممارسة رياضة المشي صباحا في شوارع بيروت بهدف إنقاص وزنها، لكن بدلا من ذلك أصيبت بصدمة نفسية بعدما لاحقها شاب خلع ملابسه وبدأ القيام بحركات جنسية والتلفظ بكلمات نابية، منتهزا فرصة خلو الشارع من المارة".

وتقول لموقع "الحرة" "رغم مرور كل تلك السنوات لكن إلى حد الآن لا يمكنني نسيان أو تخطي ما حصل، نعم تمكّنت من الهروب من المتحرش حينها، لكنني لازلت أسيرة مشاهد ما ارتكبه".

عاشت ميرفت أياما صعبة بعد الحادثة، خوف مما حصل وألم لعدم قدرتها على البوح لعائلتها كي لا تلقي اللوم عليها وتقول "لم أتجرأ حتى على إخبار صديقاتي وكذلك الخروج من المنزل وحدي، كنت أشعر تارة بالظلم وتارة أخرى كنت أجلد نفسي لعجزي عن مواجهة جميع من حولي، طاردتني الكوابيس وأصبت بالاكتئاب إلى أن قررت بعد حوالي السنة كسر حاجز ضعفي واطلاع والدتي".

خلط مفاهيم 

على نقيض ما ذكرته اليونيسف، تؤكد القوى الأمنية أن لبنان من البلدان الأكثر أمانا فيما يتعلق بجريمة التحرش، عن ذلك يشرح مصدر في قوى الأمن الداخلي لموقع "الحرة"، "المقصود بذلك أن وضع لبنان أفضل مقارنة مع العديد من الدول العربية والأجنبية، من دون أن ننفي حصول هذا النوع من الجرائم بالمطلق، لاسيما جريمة الابتزاز الالكتروني، التي ننبه منها كثيرا، حيث ندعو إلى اتباع سبل الوقاية ومنها عدم نشر أو إرسال صور خاصّة أو مقاطع فيديو شخصية عبر تطبيقات الإنترنت وتجنَّب محادثة الغرباء أو لقاءهم، وتعزيز إعدادات الأمان والخصوصية على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي".

كما تؤكد المحامية في منظمة "كفى"، فاطمة الحاج، أنه لا توجد إحصاءات لعدد ضحايا التحرش الجنسي في لبنان، مشددة على أن "عددا كبيرا من النساء لا يعلمن الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي بغض النظر عن مستواهن الثقافي".

وتشرح "التحرش يكون إما لفظيا أو إلكترونيا أي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالابتزاز العاطفي والرسائل المتضمنة ألفاظا نابية، أما في حالة لمس الضحية بقصد الإثارة نكون عندها أمام اعتداء جنسي".

ثلاث سنوات وميادة تعتقد أن ما تعرضت له على يد زوج صديقتها تحرش وليس اعتداء، وتقول "بغض النظر عن تلك المفاهيم، تبقى الحقيقة ثابتة، وهي انتهاز من كنت اعتبره بمثابة أخ لي فرصة أطباقي وزوجته أعيننا للنوم خلال قيادته للسيارة أثناء عودتنا من السهرة، فقام بتلمس رجلي صعودا، حينها استيقظت مرعوبة، كذبت نفسي، ولأتأكد، عاودت إطباق عيني وإذ به يكرر فعلته، ارتعبت وما كان مني إلا أن تظاهرت أني أتحدثت مع والدتي عبر الهاتف لكي يتوقف عن جريمته".

أطلعت ميادة صديقتها عما فعله زوجها فطلبت منها التكتم عن الأمر، وتقول "صدمت بردة فعلها أكثر من الفعل الذي أقدم عليه زوجها"، مشددة "في ذلك اليوم شعرت بأن غلاف حمايتي تمزّق، انعدمت ثقتي بجميع من حولي، عانيت من الاكتئاب لاسيما وأني لا أملك إثبات كي يصدقني الناس ويحميني القانون".

تلقت الشابة الثلاثينية العلاج عند اخصائية نفسية، ساعدها ذلك في اجتياز مسافة طويلة في طريق شفائها، إلا أنه كما تقول "مجرد أن تجرأت على البوح أمام محيطي شعرت بأني أسقط عن كاهلي ألم الكون".

آثار عميقة

يسبب التحرش الجنسي كما تؤكد قصقص "صدمة للجهاز النفسي، ويخلف آثارا نفسية عميقه في ضحاياه، منها ضعف الثقة بالنفس ولوم الذات وتدني القيمة الذاتية وتشوه صورة الجسد.

ومن الضحايا من يعانين كما تقول "من اضطراب ما بعد الصدمة وهو الأكثر شيوعا في حالات العنف الجنسي، ومن عوارضه صعوبة التركيز والنوم، الأفكار السلبية والكوابيس، القلق والاكتئاب والانفعال".

وتضيف "تختلف طرق تعامل ضحايا التحرش مع ما تعرضن له، منهن من يفصحن عما واجهن في حين تفضل بعضهن التكتم عنه كي لا يسترجعن تفاصيل الحدث المؤلم الذي مررن بها، رغم أن الحقيقة لا يفارق ذاكرتهن، أو لأنهن لا يشعرن بدعم محيطهن والمجتمع أو يخشين عدم تصديقهن إضافة إلى مشاعر لوم الذات التي تختلجهن". 

أما علاج ضحايا التحرش الجنسي فيتطلب بحسب قصقص "تقديم الدعم والمتابعة النفسية والاجتماعية الفردية والجماعية لهن من قبل اختصاصيين، لتجريدهن من مشاعر الذنب وتمكينهن من إعادة ترميم صورتهن الجسدية ورفع منسوب تقديرهن لأنفسهن".

وتشدد "لا شك أن الوقاية خير من قنطار علاج، من هنا لا بد من رفع التوعية حول قضايا العنف الجنسي، وهذا ما يحصل في هذه المرحلة كوننا في حملة الـ 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي الدولية التي تبدأ في 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر".

ولهذه المناسبة أطلقت منظومة الأمم المتحدة في لبنان بالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، حملة محلية من موضوع الحملة الدولي التي تحمل عنوان "اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات"، واستخدم وسمَي #NoExcuse و #وقفة_لوقف_العنف، حيث تهدف إلى لفت الانتباه إلى احتياجات النساء والفتيات بكل تنوّعهن.

وقالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا "إن العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يُشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان فحسب، بل إنه يُلحق الضرر أيضاً بالمجتمع ككل.. بينما يواجه لبنان أزمات متعددة، كان آخرها خطر النزاع، يحقّ للنساء والفتيات الشعور بالأمان والحماية. وينبغي أيضًا تمكين المرأة لاستخدام إمكاناتها الكاملة ولعب أدوار قيادية تسهم في رفاهة بلادها والسلام والأمن والتنمية المستدامة".

زرّ المواجهة

لتمكين فتيات ونساء لبنان من مكافحة العنف الجنسي، توّزع جمعية "أحلى فوضى"، "زرّ وقائي" عبارة عن جهاز انذار يمكن تفعيله بالضغط عليه، فيصدر صوتا بقوة حوالي 125 ديسيبل يخيف المهاجم ويدفعه للهرب.

وتشرح رئيسة الجمعية، إيمان نصر الدين عساف، "الزر من انتاج جاين سونغ، والدة الموظفة في السفارة البريطانية ريبيكا دايكس التي اغتصبت وقتلت خنقا في بيروت عام 2017، هدفه الحماية من العنف الجنسي، ونحن نتعاون معها في تحقيق مشروعها".

أسست سونغ جمعية "زرّ بيكي" وهي تعمل على تطوير جهاز الإنذار، بحسب نصر الدين، لافتة إلى أنه "وزعنا إلى حد الآن نحو ألف قطعة منه، وهناك تجاوب كبير من الفتيات والنساء".

وكان مجلس النواب اللبناني صادق على عام 2020 على قانون "تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، إلا أن هذا القانون ينطوي بحسب الحاج "على ثغرات عدة، منها تعريفه الفضفاض لهذا الجرم، لاسيما فيما يتعلق بالسلوك المتكرر، حيث يترك للقاضي حق التقدير فيما إن كان سلوك ما يدخل ضمن إطار التحرش من عدمه، وبالتالي قد تدفعه ذكوريته إلى عدم اعتبار لفظ ناب بأنه تحرش، وذلك بدلا من إعطاء هذا الحق للضحية التي يقع على عاتقها عبء إثبات الجرم رغم صعوبة الأمر".

وتعرّف المادة الأولى من القانون التحرش الجنسي بأنه "أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال، أو أفعال، أو إشارات، أو إيحاءات، أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية". 

يعتبَر أيضا تحرشا جنسيا "كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي، أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير".

يفتقد القانون كذلك بحسب الحاج إلى آلية حماية للضحية من المتحرش، "لكل ذلك تعمل جمعية كفى على صياغة قانون شامل لمناهضة للعنف ضد المرأة في كافة المجالات، يشمل آليات حماية لضحايا التحرش والاعتداء والاغتصاب".

كما سبق أن انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القانون، معتبرة أنه لا يستوفي المعايير الدولية، لاسيما لجهة عدم مصادقته على "اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرّش" وتطبيقها، مشددة على أنه يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، دون ذكر التدابير الوقائية، إصلاحات قانون العمل، وسبل الانتصاف المدني، في الوقت الذي كان عليه موجب تبني مقاربة شاملة".

رغم جهود المجتمع المدني والحملات الاعلانية التوعوية وتحويل بعض قضايا التحرش إلى قضايا رأي عام، لا يزال الحديث عن التحرش كما تقول الحاج "تابو، لاسيما في البلدات النائية، حيث تمارس الضغوطات على الضحية حتى من أقرب الناس إليها في حال تجرأت على الافصاح عما تعرضت له، ما يحول دون تمكنها من تقديم شكوى بحق المتحرش".