Iranian women shout slogans to protest over the death of Mahsa Amini during a demonstration outside the Iranian consulate in…
من تظاهرة للتنديد بمقتل مهسا أميني في اسطنبول- أرشيف

تحيي المعارضة الإيرانية هذه الأيام الذكرى الأولى لاندلاع المظاهرات الشعبية ضد النظام الحاكم، والتي انطلقت إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعدما تم توقيفها من قِبل شرطة الأخلاق بسبب عدم ارتدائها للحجاب. تحولت أميني بعد مقتلها إلى رمز للتعبير عن الحرية لدى قطاعات واسعة من الإيرانيين. لكنها لم تكن الأولى بكل تأكيد. عرفت إيران ظهور العديد من الشخصيات النسائية التي قالت "لا" في وجه نظام الملالي منذ نجاح الثورة الإسلامية في سنة 1979م وحتى الآن.

 

الممثلة شیده رحماني

ولدت مليحة نيكجوماند في أصفهان في سنة 1934م. وفي سن صغيرة عملت في السينما والمسرح، وعُرفت باسمها الفني الأشهر شيده رحماني. وشاركت في بطولة العديد من المشاريع السينمائية قبل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية. من اعمالها فيلم "احتجاب"، ومسلسل "خان قمر خانم".

عُرفت رحماني بموقفها المعارض لقرار الثورة الإسلامية بإلزام النساء الإيرانيات بارتداء الحجاب في الأماكن العامة. في هذا السياق اشتهرت صورة قديمة لها أثناء الثورة. تظهر رحماني في الصورة وهي تعارض أحد رجال الدين الإيرانيين بعد أن طالبها بارتداء الحجاب.  تذكر بعض التقارير أن الممثلة الشابة قادت بعض التظاهرات النسائية الرافضة للحجاب في شارع "مشتاق" الشهير بطهران. وأنها تحولت إلى أيقونة لحركة تحرير المرأة الإيرانية في تلك الفترة. حتى أن بعض الصحف أطلقت عليها لقب "جان دارك طهران" و"جان دارك شارع مشتاق". تحدثت رحماني عن تفاصيل تلك المظاهرات في إحدى اللقاءات الإذاعية التي سجلتها قبل وفاتها بشهور قليلة: "كانت المظاهرة بالقرب من جامعة طهران، قبل أيام قليلة كان البلطجية في الشوارع يهتفون "إما الحجاب أو الحجاب"، وقاموا بضرب الفتيات الصغيرات على الجبين...".

لاحقًا، ارتدت شيده رحماني الحجاب في الأفلام التي مثلتها بعد الثورة، لكنها كانت تؤكد دائماً أنها كانت مجبرة على ذلك. شاركت رحماني في العديد من الأفلام في السنوات اللاحقة ومنها "أطفال المسلمين"، و"أقل من ثمانية"، و"الشيف". وتوفيت في يوليو سنة 2017م عن عمر ناهز 83 عاماً.

شهدت إيران احتجاجات واسعة على وفاة أميني، وتضامن عالمي.
إيرانيات ضحايا التمييز.. "مهسا أميني" ليست الأولى فهل تكون الأخيرة؟
توفيت الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عامًا) بعد أيام من اعتقالها على يد "شرطة الآداب" بزعم ارتدائها الحجاب بشكل "غير لائق"، حادثة فجرت غضب الشارع الإيراني، وجددت الحديث عن أشكال التمييز الممارس على الإيرانيات في شتى مجالات الحياة.

الشاعرة سيمين بهبهاني

ولدت سيمين بهبهاني في طهران في يوليو سنة 1927م. ونشرت أول قصيدة لها في عمر 14 عاماً. وانطلقت بعدها في رحلة طويلة لتؤلف ما يزيد عن 600 قصيدة في الحب والغزل. كما تناولت قصائدها الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يمر بها الشعب الإيراني. تُرجمت الكثير من تلك القصائد إلى الإنجليزية والألمانية والعربية والروسية والسويدية والفرنسية. ورُشحت بهبهاني مرتين للحصول على جائزة نوبل في الآداب. كما فازت في سنة 2009م بجائزة سيمون دي بو فوار الفرنسية الخاصة بتحرير المرأة.

بدأت معارضة بهبهاني لحكم الملالي عقب اندلاع الثورة الإسلامية في 1979م. كتبت بهبهاني وقتها الكثير من القصائد التي هاجمت بطش الثوار بخصومهم السياسيين. تسبب ذلك في تضييق السلطة على الشاعرة الشابة. فوضعت أعمالها تحت المراقبة لعشر سنوات كاملة. في سنة 2006م، انتقدت بهبهاني الرقابة المفروضة عليها وعلى غيرها من المبدعين الإيرانيين في إحدى المقابلات الصحافية التي أجرتها في تلك الفترة فقالت: "كما أرى واسمع فان الرقابة لاتزال مستمرة، حيث يعتقد البعض إنها أصبحت أشد وطأة. برأيي إن الشعب الذي يضطر لقبول الرقابة في حياته الثقافية مثله كمثل الإنسان الذي يعصبون عينيه ويغلقون اذنيه ويقولون له عليك أن تسير في طريق وعر ومجهول! فويل له!".

تجدد الصدام بين الشاعرة والسلطة في أعقاب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في سنة 2009م، عندما قامت الأجهزة الأمنية باستهداف المعارضين والمحتجين. انتقدت بهبهاني ذلك التصرف بشكل صريح في بعض أشعارها. وفي السياق نفسه، أعربت عن غضبها بالقول: "نحن (الكتّاب) سنشعر بالتكريم حقاً حين يأتي اليوم الذي لا يزج فيه بكاتب إلى السجن، ولا يلقى القبض على طالب، وعندما يكون الصحفيون أحراراً وتكون أقلامهم حرة". مُنعت بهبهاني من مغادرة البلاد في سنة 2010م حينما كانت تحاول السفر إلى فرنسا من أجل حضور فعالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وأُجبرت على البقاء في الأراضي الإيرانية حتى توفيت في أغسطس سنة 2014م عن عمر ناهز 87 سنة.

 

الحقوقية نسرين ستوده

وُلدت المحامية نسرين ستوده في سنة 1963م بمنطقة غيلان بإيران. ودرست القانون في جامعة "الشهيد بهشتي" في طهران. وعُرفت بجهودها الكبيرة في الدفاع عن المعارضين السياسيين للنظام الإيراني.

في سنة 2010م، سُجنت ستودة بتهمتيّ "إهانة قائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي"، و"نشر دعايات تضر بالأمن القومي". ثم أُفرج عنها فيما بعد. في سنة 2018م، تم حبس ستوده مرة أخرى. وحُكم عليها بالسجن لمدة 38 عاماً بتسع تهم مجتمعة، بما في ذلك "التشجيع على الفساد والدعارة". وكان السبب في ذلك عملها المستمر في الدفاع عن النساء الموقوفات بسبب الاحتجاج السلمي على قوانين الحجاب الإلزامي.

طالبت العديد من المنظمات الحقوقية بالإفراج عن ستوده في السنوات السابقة، وقالت دوبرافكا سيمونوفيتش، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة: "تم تجريم نسرين ستوده بشكل منهجي بسبب عملها في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق النساء اللواتي يعارضن قوانين الحجاب الإلزامي". في السياق نفسه، أوضحت بعض التقارير أن نسرين ستوده تتعرض لـ"ظروف احتجاز غير أدمية في سجن مزدحم". ولا تتوافر في السجن عوامل التهوية أو التغذية المناسبة. كما ذكرت بعض الأخبار أن ستوده أُصيبت بفيروس بكوفيد-19 وعانت من آثاره لغياب الرعاية الطبية اللازمة. في فبراير 2023م تم الإعلان عن فوز ستوده بجائزة حقوق الإنسان الأميركية.

صورة أرشيفية للمخرج الإ]راني سعيد روستايي- ا ف ب
أحدثهم سعيد روستايي.. مخرجون إيرانيون خلف القضبان
تتمتع السينما الإيرانية بقدر كبير من الجاذبية في شتى أنحاء العالم، إذ تمكن الكثير من المخرجين الإيرانيين من تجاوز القيود المفروضة عليهم من قِبل السلطات الحاكمة، ووصلت أفلامهم إلى منصات التتويج في مهرجانات كان وبرلين والبندقية وغيرها من المهرجانات العالمية.

المخرجتان سميرة وهانا مخملباف

ولدت المخرجة الإيرانية سميرة مخملباف في فبراير سنة 1980م في طهران. وهي ابنة للمخرج الإيراني الشهير محسن مخملباف. درست مخملباف علم الإخراج السينمائي. وأخرجت في سن السابعة عشر فيلمها الأول "التفاحة"، لتصبح بذلك أصغر مخرجة في العالم تُشارك بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي وذلك في سنة 1998م.

في سنة 2003م، أخرجت سميرة فيلمها "الساعة الخامسة عصراً". والذي تتبعت فيه خطى فتاة أفغانية تعود إلى المدرسة رغماً عن والدها بعد إعادة فتح مدارس الفتيات، لتسلط الضوء على النزعة الذكورية في المجتمع، وعلى الأوضاع المتدهورة التي تعيش فيها المرأة الأفغانية. كذلك شهد الفيلم تعريضاً -مبطناً- بنظام الحكم الإسلامي القائم في إيران. وتماهى ذلك مع الأفكار التي لطالما دعا لها محسن مخملباف في أفلامه.

في سنة 2005م، غادرت أسرة مخملباف إيران بعد فترة قصيرة من انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد. واستقرت في العاصمة الفرنسية باريس فيما يشبه المنفى. بعد السفر، قدمت هانا مخلمباف -الأخت الصغرى لسميرة- فيلمها "الأيام الخضر". والذي تناول المظاهرات الاحتجاجية التي قامت بها المعارضة الإيرانية عقب الانتخابات الرئاسية في إيران في سنة 2009م. عُرفت هانا بتصريحاتها المنتقدة للنظام الإيراني. على سبيل المثال صرحت في الدورة السادسة والستين لمهرجان البندقية السينمائي أنه "لا يمكن ايقاف سبعين مليون إيران يسعون إلى الحرية ببضع بنادق". وأضافت "منذ الانتخابات تغيرت حياة الإيرانيين… بعضهم هاجر إلى مناطق مختلفة من العالم وأودع البعض الآخر السجن او تعرضوا للتعذيب او الاغتصاب... اما بقية الشعب فأخذ رهينة".

الروائية سحر دليجاني

وولدت الروائية الإيرانية سحر دليجاني في سنة 1983م في سجن ايفين في طهران. كان والداها في تلك الفترة معتقلين بعد سنوات على انتصار الثورة الإسلامية. عقب خروج الوالدين من السجن. سافرت الأسرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. واجتازت دليجاني دراستها الجامعية. ثم تفرغت لكتابة روايتها الشهيرة "تحت ظل الشجرة البنفسجية".

نشرت الرواية في سنة 2014م. ولاقت نجاحاً كبيراً في الأوساط الثقافية. وتُرجمت إلى 28 لغة. وتحكي الرواية قصة الثورة الإسلامية. والاضطهاد الذي عانت منه المعارضة الإيرانية عقب وصول الخميني للسلطة.

في 2015م، وجهت دليجاني نقداً لاذعاً للنظام الإيراني في واحدة من مقابلاتها الصحافية. أكدت دليجاني أن نظام بلادها "انتهى ثقافياً واجتماعياً، ولم يبق إلا أن ينتهي سياسياً". كما ذكرت أن "الشباب الإيرانيين هم تماماً بعكس ما يريد النظام أن يكونوا فهم "مثقفون وحيويون، ولا يمكن أن تبقى الأمور معهم على ما هي عليه". وأضافت "الدعاية المركزة للقيم التي تفرضها الجمهورية الإسلامية في المدارس قد فشلت في أداء مهمتها".

 

الصحافية رويا حكاكيان

ولدت الكاتبة رويا حكاكيان في طهران في سنة 1966م. لأسرة يهودية إيرانية تعمل في سلك التعليم. قضت حكاكيان السنوات الأولى من عمرها في إيران. وشهدت على أحداث الثورة الإسلامية. بعد أن عانت الأسرة من الاضطهاد، اضطرت حكاكيان للسفر كلاجئة إلى الولايات المتحدة في سنة 1985م. وهناك حصلت على درجة البكالوريوس من كلية بروكلين.

في سنة 2004م، نشرت حكاكيان سيرتها الذاتية في كتاب "رحلة إلى أرض لا". والذي وثّقت فيه الاضطهاد الذي عانته مع أسرتها في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية. كذلك لعبت حكاكيان دوراً مهماً في إنشاء مركز توثيق حقوق الإنسان الإيراني.  وفي سنة 2011م نشرت الكاتبة اليهودية كتابها الثاني "مغتالو القصر الفيروزي". والذي تناول قصص الاستهداف الذي يقوم به النظام الإيراني الحاكم ضد المنشقين الإيرانيين المنفيين في أوروبا الغربية. حصل الكتاب على لقب الكتاب البارز لعام 2011 من قِبل مجلة نيويورك تايمز بوك ريفيو، ودخل في قائمة الكتب العشرة الأوائل في مجلة نيوزويك.

في الآونة الأخيرة، تفاعلت حكاكيان بشكل كبير مع الاحداث التي اعقبت مقتل مهسا أميني في سبتمبر سنة 2022م.  على سبيل المثال أشادت بإنجازات المظاهرات الشعبية التي اندلعت في إيران وأضافت "فقط قوة محتلة يمكنها أن تفعل بشعب ما فعله النظام الإيراني بمواطنيه في الأشهر الأربعة الماضية". في السياق نفسه، كتبت حكاكيان العديد من المقالات السياسية في بعض الصحف الأمريكية الشهيرة دعت في بعضها إلى ضرورة تدخل الولايات المتحدة لدعم المحتجين الإيرانيين وألا تتخلى عنهم. كما أشارت إلى أن الاستفتاء الشعبي الأخير كان في مارس من عام 1979، والذي أراد فيه 90% من الإيرانيين نظاماً جمهورياً إسلامياً بديلاً لنظام الشاه. واضافت أن الإيرانيين يأملون في الوقت الراهن إجراء استفتاء شعبي آخر، يمنحهم فرصة للتراجع عن الحكومة التي اختاروها منذ حوالي 40 عاماً.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".