وردت أسماء الكثير من النساء المسلمات في كتب التراجم والطبقات باعتبارهن من العالمات اللائي قمن بإثراء العلوم الإسلامية على مر القرون.
كما عُرفت العديد من النساء بالمشاركة في تعلم ودراسة علوم الطب والفلك واللغة، واشتهرت أخريات بأشعارهن.
في هذا المقال أبرز الأسماء النسائية اللاتي أسهمن في ازدهار الحضارة الإسلامية، بمختلف المجالات.
العلوم الإسلامية
لعبت المرأة دوراً مهماً في تقدم علوم التصوف، والفقه، والتفسير، والحديث النبوي. يرى الكثيرون أن زوجة الرسول محمد، عائشة بنت أبي بكر، كانت أولى النساء العالمات في الحضارة الإسلامية.
تذكر بعض الأحاديث أنه امتدحها بقوله "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء". وتتحدث كتب التاريخ عن مشاركتها الواسعة في الفتوى والوعظ في مجتمع الصحابة في القرن الأول الهجري.
في القرن الثاني الهجري، ذاع اسم المتصوفة البصرية الشهيرة رابعة العدوية، التي توفيت في سنة 180 هجرية تقريباً.
يذكر ابن الجوزي في كتابه "صفة الصفوة"، أن الفقيه سفيان الثوري كان يذهب إليها ويسألها عن العديد من المسائل.
كما اشتهرت رابعة العدوية بأشعارها التي تحدثت عن حبها للخالق. حتى أنها لقبت بـ"شهيدة الحب الإلهي".
في القرن السادس الهجري، اشتهر أمر شهدة الكاتبة، التي تميزت بخطها الجميل المتقن وبدرايتها الواسعة في الحديث النبوي. وصفها شمس الدين الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء"، بأنها "الكاتبة، مسندة العراق، فخر النساء".
في القرن نفسه، ذاع صيت فاطمة السمرقندية، وكانت ابنة عالم وزوجة لعالم. يقول ابن العديم في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب": "...وكانت تفتي، وكان زوجها يحترمها، ويكرمها، وكانت الفتوى أولاً يخرج عليها خطها وخط أبيها السمرقندي، فلما تزوجت بالكاساني، صاحب البدائع، كانت الفتوى تخرج بخط الثلاثة".
كذلك كانت فاطمة البغدادية من أشهر النساء العالمات في القرن الثامن الهجري، التي تميزت في مجالي الفقه والوعظ، ودرست على يد ابن تيمية الحراني.
امتدحها ابن حجر العسقلاني في كتابه "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، بقوله "كان ابن تيمية يثني عليها ويتعجب من حرصها وذكائها، وانتفع بها نساء أهل دمشق لصدقها في وعظها وقناعتها…".
وتحدثت المصادر التاريخية عن عائشة الباعونية التي توفيت في سنة 922 هـ، فهي من أشهر المتصوفات اللاتي عُرفن في القرن العاشر الهجري. تتلمذت على يد كبار علماء عصرها في مصر والشام، وألفت العديد من الكتب المهمة ومنها الفتح المبين في مدح الأمين، الفتح الخفي، در الفائض في بحر المعجزات والخصائص، والإشارات الخفية في المنازل العلية.
اشتهرت العديد من النساء المسلمات العالمات أيضاً خارج البلاد العربية، مثل زيب النساء، في شبه القارة الهندية في القرن الثاني عشر الهجري. وكانت زيب النساء الابنة الكبرى للسلطان المغولي المسلم أورنكزيب.
أتقنت زيب النساء اللغتين العربية والفارسية، ودونت بهما الأشعار. وكتبت تفسيراً للقرآن بعنوان "زيب التفاسير"، ويقال إنه التفسير الوحيد الذي كتبته النساء للقرآن، ويذهب بعض الباحثين إلى أنه كان مجرد ترجمة للتفسير الكبير لفخر الدين الرازي، بحسب ما ذكر عبد الحي الحسني في كتابه "نزهة الخواطر".
في القرن نفسه، عرفت إيران اسم آمنة بيكم المجلسي، وهي ابنة الفقيه الشيعي محمد تقي المجلسي، المعروف بالمجلسي الأول، وشقيقة محمد باقر المجلسي المعروف بالمجلسي الثاني.
أثرت آمنة المجلسي المكتبة الشيعية بالعديد من المؤلفات المهمة. من أشهرها "شرح على شواهد السيوطي"، و"شرح على ألفية ابن مالك"، و"مجموعة المسائل الفقهية". بالإضافة إلى مساعدتها لأخيها في جمعه لأحاديث كتابه الشهير "بحار الأنوار" الذي يُعدّ واحدا من أهم الموسوعات الحديثية في تاريخ الشيعة الإمامية الاثني عشرية.
الأدب
تميزت العديد من النساء المسلمات في ميادين الشعر واللغة والكتابة. كانت تماضر بنت عمرو بن الحارث (الخنساء) من أشهر الشاعرات اللاتي اشتهرن في فترة صدر الإسلام، وجاء في بعض الأخبار أنها وفدت على النبي مع قومها من بني سليم، في السنة الثامنة من الهجرة، وأن الرسول محمد كان يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشد وهو يقول "هيه يا خنساء".
في القرن الخامس الهجري، عرفت الأندلس بزوغ اسم الشاعرة الشهيرة ولادة بنت المستكفي. تبادلت ولادة مع الشاعر الشهير ابن زيدون العديد من القصائد الرائعة، ووصفها ابن شاكر الكتبي في كتابه "فوات الوفيات" بأنها "كانت واحدة زمانها المُشار إليها في آدابها، حسنة المحاضرة، مشكورة المذاكرة...".
مما يُذكر لولادة أنها لم تكتف بإنشاد الشعر فحسب، بل نظمت في بيتها كذلك مجلساً مشهوراً حضره العديد من أشهر شعراء وأدباء زمنها.
عرفت الأندلس أيضاً الشاعرة الشهيرة اعتماد الرميكية، التي بدأت حياتها كجارية بسيطة الحال، ثم قابلت ملك إشبيلية المعتمد على الله بن عباد، فأُعجب بها وتزوجها، وأنشدا معاً العديد من القصائد الرومانسية التي لا تزال حاضرة حتى الآن في الذاكرة الإسلامية.
الطب والفلك والرياضيات
شاركت النساء كذلك في ازدهار العلوم التطبيقية مثل الطب والفلك والرياضيات. في ميدان الطب، اشتهرت الطبيبة المغربية عائشة بنت محمد الجيار، التي وصفت في كتاب "بلغة الأمنية" بأنها "امرأة عاقلة عالية الهمة، نزيهة النفس، معروفة القدر لمكان بيتها. لها تقدم بالطبع وجزالة في الكلام، عارفة بالطب والعقاقير، وما يرجع إلى ذلك...".
واشتهرت كذلك أم الحسن بنت الطنجالي، التي وصفها لسان الدين ابن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، بأنها "درست الطب ففهمت أغراضه، وعلمت أسبابه وأعراضه...".
تحدثنا المصادر التاريخية أيضاً عن الطبيبة ابنة شهاب الدين بن الصائغ التي تولت مشيخة الطب بدار الشفاء المنصوري في مصر بعد والدها. تذكر الدكتورة أميمة أبو بكر في دراستها "الطبيبات ومهنة الطب في التاريخ الإسلامي"، أن ابنة شهاب الدين كانت "مثلاً لطبيبة لم يقتصر نشاطها على ممارسة الطب فقط بل تولت رئاسة أطباء عصرها وبلدها، فالمشيخة هي المعادل لنقابات المهن في العصر الحالي، أي أنها تولت نقابة الأطباء في الإشراف على ممارسي المهنة وتحمل المسئولية أمام المحتسب الذي كان من عمله مراقبة المهنيين... أي أنه كان منصباً علمياً وقيادياً في نفس الوقت يستلزم المعرفة بصناعة الطب وقواعد وأخلاقيات ممارسة المهنة والإشراف على الأطباء".
في ميدان علم الفلك، برزت أسماء لشخصيات نسائية شهيرة، منها مريم العجلية التي عاشت في حلب زمن دولة بني حمدان، ونجحت في صناعة إسطرلاب فلكي دقيق.
بالإضافة لفاطمة المجريطية الأندلسية، التي نجحت بمساعدة والدها في تدقيق وتصحيح جداول الخوارزمي الفلكية.
وفي علم الرياضيات، تحدثت المصادر التاريخية عن لبنى القرطبية التي تولت مهمة الكتابة في بلاط الخليفة الأندلسي الحكم المستنصر. يذكرها ابن بشكوال في كتابه "الصلة في تاريخ أئمة الأندلس ومحدثيهم"، بأنها "بصيرة بالحساب وعلمها في الرياضيات واسع وعظيم...".
وكذلك جاء ذكر ستيتة بنت المحاملي التي عاشت في القرن الرابع الهجري، وكانت من أدرى الناس بالحساب في زمنها. وتميزت في مسائل الميراث وتوزيع التركات على الورثة.
بناء المدارس
لم تكتف النساء بالدراسة ونشر العلم،. بل قمن كذلك ببناء العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية المهمة. على سبيل المثال قامت فاطمة الفهرية ببناء جامع القرويين في مدينة فاس بالمغرب سنة 245 هـ. تحول هذا الجامع إلى جامعة كبيرة يدرس فيها طلبة العلم في عصر الدولة الإدريسية، ويرى الكثيرون أن القرويين هي أول جامعة في التاريخ الإسلامي.
تكرر الأمر نفسه في عصر الدولة السلجوقية، في القرن الخامس الهجري. قامت السلطانة تركان خاتون زوج السلطان ملكشاه ببناء مدرسة عظيمة في الجانب الشرقي من مدينة بغداد.
خُصصت هذه المدرسة لتعليم المذهب الحنفي، وعمل بها الكثير من العلماء المشهورين في تلك الحقبة التاريخية.
في السياق نفسه، احتفظت لنا المصادر التاريخية بسيرة المحدثّة فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري التي عاشت في دمشق في القرن السابع الهجري.
ورثت فاطمة أموالاً طائلة من أسرتها المعروفة بالثراء، وآثرت أن تستخدم تلك الأموال في خدمة العلم والعلماء والطلبة. يذكر خير الدين الزركلي في كتابه "الأعلام" أن فاطمة بنت قيس بنت العديد من التكايا والمدارس، وخصصت الكثير من الأوقاف على تلك المنشآت التعليمية.