قامت فاطمة الفهرية ببناء جامع القرويين في مدينة فاس بالمغرب سنة 245 هـ، الذي تحول لاحقا إلى جامعة
قامت فاطمة الفهرية ببناء جامع القرويين في مدينة فاس بالمغرب سنة 245 هـ، الذي تحول لاحقا إلى جامعة

وردت أسماء الكثير من النساء المسلمات في كتب التراجم والطبقات باعتبارهن من العالمات اللائي قمن بإثراء العلوم الإسلامية على مر القرون. 

كما عُرفت العديد من النساء بالمشاركة في تعلم ودراسة علوم الطب والفلك واللغة، واشتهرت أخريات بأشعارهن.

في هذا المقال أبرز الأسماء النسائية اللاتي أسهمن في ازدهار الحضارة الإسلامية، بمختلف المجالات.

 

العلوم الإسلامية

لعبت المرأة دوراً مهماً في تقدم علوم التصوف، والفقه، والتفسير، والحديث النبوي. يرى الكثيرون أن زوجة الرسول محمد، عائشة بنت أبي بكر، كانت أولى النساء العالمات في الحضارة الإسلامية. 

تذكر بعض الأحاديث أنه امتدحها بقوله "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء". وتتحدث كتب التاريخ عن مشاركتها الواسعة في الفتوى والوعظ في مجتمع الصحابة في القرن الأول الهجري. 

في القرن الثاني الهجري، ذاع اسم المتصوفة البصرية الشهيرة رابعة العدوية، التي توفيت في سنة 180 هجرية تقريباً. 

يذكر ابن الجوزي في كتابه "صفة الصفوة"، أن الفقيه سفيان الثوري كان يذهب إليها ويسألها عن العديد من المسائل. 

كما اشتهرت رابعة العدوية بأشعارها التي تحدثت عن حبها للخالق. حتى أنها لقبت بـ"شهيدة الحب الإلهي".

في القرن السادس الهجري، اشتهر أمر شهدة الكاتبة، التي تميزت بخطها الجميل المتقن وبدرايتها الواسعة في الحديث النبوي. وصفها شمس الدين الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء"، بأنها "الكاتبة، مسندة العراق، فخر النساء". 

في القرن نفسه، ذاع صيت فاطمة السمرقندية، وكانت ابنة عالم وزوجة لعالم. يقول ابن العديم في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب": "...وكانت تفتي، وكان زوجها يحترمها، ويكرمها، وكانت الفتوى أولاً يخرج عليها خطها وخط أبيها السمرقندي، فلما تزوجت بالكاساني، صاحب البدائع، كانت الفتوى تخرج بخط الثلاثة".

كذلك كانت فاطمة البغدادية من أشهر النساء العالمات في القرن الثامن الهجري، التي تميزت في مجالي الفقه والوعظ، ودرست على يد ابن تيمية الحراني. 

امتدحها ابن حجر العسقلاني في كتابه "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، بقوله "كان ابن تيمية يثني عليها ويتعجب من حرصها وذكائها، وانتفع بها نساء أهل دمشق لصدقها في وعظها وقناعتها…". 

وتحدثت المصادر التاريخية عن عائشة الباعونية التي توفيت في سنة 922 هـ، فهي من أشهر المتصوفات اللاتي عُرفن في القرن العاشر الهجري. تتلمذت على يد كبار علماء عصرها في مصر والشام، وألفت العديد من الكتب المهمة ومنها الفتح المبين في مدح الأمين، الفتح الخفي، در الفائض في بحر المعجزات والخصائص، والإشارات الخفية في المنازل العلية.

اشتهرت العديد من النساء المسلمات العالمات أيضاً خارج البلاد العربية، مثل زيب النساء، في شبه القارة الهندية في القرن الثاني عشر الهجري. وكانت زيب النساء الابنة الكبرى للسلطان المغولي المسلم أورنكزيب.

أتقنت زيب النساء اللغتين العربية والفارسية، ودونت بهما الأشعار. وكتبت تفسيراً للقرآن بعنوان "زيب التفاسير"، ويقال إنه التفسير الوحيد الذي كتبته النساء للقرآن، ويذهب بعض الباحثين إلى أنه كان مجرد ترجمة للتفسير الكبير لفخر الدين الرازي، بحسب ما ذكر عبد الحي الحسني في كتابه "نزهة الخواطر".

في القرن نفسه، عرفت إيران اسم آمنة بيكم المجلسي، وهي ابنة الفقيه الشيعي محمد تقي المجلسي، المعروف بالمجلسي الأول، وشقيقة محمد باقر المجلسي المعروف بالمجلسي الثاني.

أثرت آمنة المجلسي المكتبة الشيعية بالعديد من المؤلفات المهمة. من أشهرها "شرح على شواهد السيوطي"، و"شرح على ألفية ابن مالك"، و"مجموعة المسائل الفقهية". بالإضافة إلى مساعدتها لأخيها في جمعه لأحاديث كتابه الشهير "بحار الأنوار" الذي يُعدّ واحدا من أهم الموسوعات الحديثية في تاريخ الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

 

الأدب

تميزت العديد من النساء المسلمات في ميادين الشعر واللغة والكتابة. كانت تماضر بنت عمرو بن الحارث (الخنساء) من أشهر الشاعرات اللاتي اشتهرن في فترة صدر الإسلام، وجاء في بعض الأخبار أنها وفدت على النبي مع قومها من بني سليم، في السنة الثامنة من الهجرة، وأن الرسول محمد كان يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشد وهو يقول "هيه يا خنساء".

في القرن الخامس الهجري، عرفت الأندلس بزوغ اسم الشاعرة الشهيرة ولادة بنت المستكفي. تبادلت ولادة مع الشاعر الشهير ابن زيدون العديد من القصائد الرائعة، ووصفها ابن شاكر الكتبي في كتابه "فوات الوفيات" بأنها "كانت واحدة زمانها المُشار إليها في آدابها، حسنة المحاضرة، مشكورة المذاكرة...".

مما يُذكر لولادة أنها لم تكتف بإنشاد الشعر فحسب، بل نظمت في بيتها كذلك مجلساً مشهوراً حضره العديد من أشهر شعراء وأدباء زمنها.

عرفت الأندلس أيضاً الشاعرة الشهيرة اعتماد الرميكية، التي بدأت حياتها كجارية بسيطة الحال، ثم قابلت ملك إشبيلية المعتمد على الله بن عباد، فأُعجب بها وتزوجها، وأنشدا معاً العديد من القصائد الرومانسية التي لا تزال حاضرة حتى الآن في الذاكرة الإسلامية.

 

الطب والفلك والرياضيات

شاركت النساء كذلك في ازدهار العلوم التطبيقية مثل الطب والفلك والرياضيات. في ميدان الطب، اشتهرت الطبيبة المغربية عائشة بنت محمد الجيار، التي وصفت في كتاب "بلغة الأمنية" بأنها "امرأة عاقلة عالية الهمة، نزيهة النفس، معروفة القدر لمكان بيتها. لها تقدم بالطبع وجزالة في الكلام، عارفة بالطب والعقاقير، وما يرجع إلى ذلك...".

واشتهرت كذلك أم الحسن بنت الطنجالي، التي وصفها لسان الدين ابن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، بأنها "درست الطب ففهمت أغراضه، وعلمت أسبابه وأعراضه...".

تحدثنا المصادر التاريخية أيضاً عن الطبيبة ابنة شهاب الدين بن الصائغ التي تولت مشيخة الطب بدار الشفاء المنصوري في مصر بعد والدها. تذكر الدكتورة أميمة أبو بكر في دراستها "الطبيبات ومهنة الطب في التاريخ الإسلامي"، أن ابنة شهاب الدين كانت "مثلاً لطبيبة لم يقتصر نشاطها على ممارسة الطب فقط بل تولت رئاسة أطباء عصرها وبلدها، فالمشيخة هي المعادل لنقابات المهن في العصر الحالي، أي أنها تولت نقابة الأطباء في الإشراف على ممارسي المهنة وتحمل المسئولية أمام المحتسب الذي كان من عمله مراقبة المهنيين... أي أنه كان منصباً علمياً وقيادياً في نفس الوقت يستلزم المعرفة بصناعة الطب وقواعد وأخلاقيات ممارسة المهنة والإشراف على الأطباء".

في ميدان علم الفلك، برزت أسماء لشخصيات نسائية شهيرة، منها مريم العجلية التي عاشت في حلب زمن دولة بني حمدان، ونجحت في صناعة إسطرلاب فلكي دقيق.

بالإضافة لفاطمة المجريطية الأندلسية، التي نجحت بمساعدة والدها في تدقيق وتصحيح جداول الخوارزمي الفلكية.

وفي علم الرياضيات، تحدثت المصادر التاريخية عن لبنى القرطبية التي تولت مهمة الكتابة في بلاط الخليفة الأندلسي الحكم المستنصر. يذكرها ابن بشكوال في كتابه "الصلة في تاريخ أئمة الأندلس ومحدثيهم"، بأنها "بصيرة بالحساب وعلمها في الرياضيات واسع وعظيم...".

وكذلك جاء ذكر ستيتة بنت المحاملي التي عاشت في القرن الرابع الهجري، وكانت من أدرى الناس بالحساب في زمنها. وتميزت في مسائل الميراث وتوزيع التركات على الورثة.

 

بناء المدارس 

لم تكتف النساء بالدراسة ونشر العلم،. بل قمن كذلك ببناء العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية المهمة. على سبيل المثال قامت فاطمة الفهرية ببناء جامع القرويين في مدينة فاس بالمغرب سنة 245 هـ. تحول هذا الجامع إلى جامعة كبيرة يدرس فيها طلبة العلم في عصر الدولة الإدريسية، ويرى الكثيرون أن القرويين هي أول جامعة في التاريخ الإسلامي.

تكرر الأمر نفسه في عصر الدولة السلجوقية، في القرن الخامس الهجري. قامت السلطانة تركان خاتون زوج السلطان ملكشاه ببناء مدرسة عظيمة في الجانب الشرقي من مدينة بغداد.

خُصصت هذه المدرسة لتعليم المذهب الحنفي، وعمل بها الكثير من العلماء المشهورين في تلك الحقبة التاريخية.

في السياق نفسه، احتفظت لنا المصادر التاريخية بسيرة المحدثّة فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري التي عاشت في دمشق في القرن السابع الهجري.

ورثت فاطمة أموالاً طائلة من أسرتها المعروفة بالثراء، وآثرت أن تستخدم تلك الأموال في خدمة العلم والعلماء والطلبة. يذكر خير الدين الزركلي في كتابه "الأعلام" أن فاطمة بنت قيس بنت العديد من التكايا والمدارس، وخصصت الكثير من الأوقاف على تلك المنشآت التعليمية.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.
كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.

صدم منشور لمنظمة اليونيسف حول التحرش الجنسي، اللبنانيين، حيث أشارت من خلاله إلى أن "كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن".

ولفتت المنظمة الأممية عبر صفحتها على "فيسبوك" إلى أن هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح أمرا عاديا في المجتمع، في الأماكن العامة وعبر الإنترنت، في الأسواق والمواصلات، داعية الجميع إلى مكافحته من خلال رفع الصوت، طلب المساعدة والتنديد.

ما أوردته المنظمة الأممية يعكس الكثير من الحقيقة، كما تقول مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، شارحة "النساء معرضات في أي مرحلة من مراحل حياتهن للتحرش الجنسي أيا يكن مستواهن الاقتصادي، العلمي، الأكاديمي، المهني والثقافي، حيث يقف خلف ذلك منظومة فكرية تشجع العنف المبني على النوع الاجتماعي وتتسامح معه، ملقية دائماً باللوم على المرأة ومبررة للرجل ما يرتكبه بحقها".

وفي ظل غياب التوعية الجنسية، قد تتعرض كما تقول قصقص "صغيرات للتحرش من دون أن يعلمن حقيقة ما يحصل لهن، رغم إدراكهن أنه أمر غير طبيعي ومزعج، يترافق ذلك مع شعور بالذنب يتضاعف حين يكبرن ويكتشفن أن انتهاكاً كان يمارس بحقهن".

ميرفت، إحدى اللبنانيات اللواتي تعرضن للتحرش، كان ذلك قبل حوالي العشر سنوات، حين قررت ممارسة رياضة المشي صباحا في شوارع بيروت بهدف إنقاص وزنها، لكن بدلا من ذلك أصيبت بصدمة نفسية بعدما لاحقها شاب خلع ملابسه وبدأ القيام بحركات جنسية والتلفظ بكلمات نابية، منتهزا فرصة خلو الشارع من المارة".

وتقول لموقع "الحرة" "رغم مرور كل تلك السنوات لكن إلى حد الآن لا يمكنني نسيان أو تخطي ما حصل، نعم تمكّنت من الهروب من المتحرش حينها، لكنني لازلت أسيرة مشاهد ما ارتكبه".

عاشت ميرفت أياما صعبة بعد الحادثة، خوف مما حصل وألم لعدم قدرتها على البوح لعائلتها كي لا تلقي اللوم عليها وتقول "لم أتجرأ حتى على إخبار صديقاتي وكذلك الخروج من المنزل وحدي، كنت أشعر تارة بالظلم وتارة أخرى كنت أجلد نفسي لعجزي عن مواجهة جميع من حولي، طاردتني الكوابيس وأصبت بالاكتئاب إلى أن قررت بعد حوالي السنة كسر حاجز ضعفي واطلاع والدتي".

خلط مفاهيم 

على نقيض ما ذكرته اليونيسف، تؤكد القوى الأمنية أن لبنان من البلدان الأكثر أمانا فيما يتعلق بجريمة التحرش، عن ذلك يشرح مصدر في قوى الأمن الداخلي لموقع "الحرة"، "المقصود بذلك أن وضع لبنان أفضل مقارنة مع العديد من الدول العربية والأجنبية، من دون أن ننفي حصول هذا النوع من الجرائم بالمطلق، لاسيما جريمة الابتزاز الالكتروني، التي ننبه منها كثيرا، حيث ندعو إلى اتباع سبل الوقاية ومنها عدم نشر أو إرسال صور خاصّة أو مقاطع فيديو شخصية عبر تطبيقات الإنترنت وتجنَّب محادثة الغرباء أو لقاءهم، وتعزيز إعدادات الأمان والخصوصية على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي".

كما تؤكد المحامية في منظمة "كفى"، فاطمة الحاج، أنه لا توجد إحصاءات لعدد ضحايا التحرش الجنسي في لبنان، مشددة على أن "عددا كبيرا من النساء لا يعلمن الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي بغض النظر عن مستواهن الثقافي".

وتشرح "التحرش يكون إما لفظيا أو إلكترونيا أي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالابتزاز العاطفي والرسائل المتضمنة ألفاظا نابية، أما في حالة لمس الضحية بقصد الإثارة نكون عندها أمام اعتداء جنسي".

ثلاث سنوات وميادة تعتقد أن ما تعرضت له على يد زوج صديقتها تحرش وليس اعتداء، وتقول "بغض النظر عن تلك المفاهيم، تبقى الحقيقة ثابتة، وهي انتهاز من كنت اعتبره بمثابة أخ لي فرصة أطباقي وزوجته أعيننا للنوم خلال قيادته للسيارة أثناء عودتنا من السهرة، فقام بتلمس رجلي صعودا، حينها استيقظت مرعوبة، كذبت نفسي، ولأتأكد، عاودت إطباق عيني وإذ به يكرر فعلته، ارتعبت وما كان مني إلا أن تظاهرت أني أتحدثت مع والدتي عبر الهاتف لكي يتوقف عن جريمته".

أطلعت ميادة صديقتها عما فعله زوجها فطلبت منها التكتم عن الأمر، وتقول "صدمت بردة فعلها أكثر من الفعل الذي أقدم عليه زوجها"، مشددة "في ذلك اليوم شعرت بأن غلاف حمايتي تمزّق، انعدمت ثقتي بجميع من حولي، عانيت من الاكتئاب لاسيما وأني لا أملك إثبات كي يصدقني الناس ويحميني القانون".

تلقت الشابة الثلاثينية العلاج عند اخصائية نفسية، ساعدها ذلك في اجتياز مسافة طويلة في طريق شفائها، إلا أنه كما تقول "مجرد أن تجرأت على البوح أمام محيطي شعرت بأني أسقط عن كاهلي ألم الكون".

آثار عميقة

يسبب التحرش الجنسي كما تؤكد قصقص "صدمة للجهاز النفسي، ويخلف آثارا نفسية عميقه في ضحاياه، منها ضعف الثقة بالنفس ولوم الذات وتدني القيمة الذاتية وتشوه صورة الجسد.

ومن الضحايا من يعانين كما تقول "من اضطراب ما بعد الصدمة وهو الأكثر شيوعا في حالات العنف الجنسي، ومن عوارضه صعوبة التركيز والنوم، الأفكار السلبية والكوابيس، القلق والاكتئاب والانفعال".

وتضيف "تختلف طرق تعامل ضحايا التحرش مع ما تعرضن له، منهن من يفصحن عما واجهن في حين تفضل بعضهن التكتم عنه كي لا يسترجعن تفاصيل الحدث المؤلم الذي مررن بها، رغم أن الحقيقة لا يفارق ذاكرتهن، أو لأنهن لا يشعرن بدعم محيطهن والمجتمع أو يخشين عدم تصديقهن إضافة إلى مشاعر لوم الذات التي تختلجهن". 

أما علاج ضحايا التحرش الجنسي فيتطلب بحسب قصقص "تقديم الدعم والمتابعة النفسية والاجتماعية الفردية والجماعية لهن من قبل اختصاصيين، لتجريدهن من مشاعر الذنب وتمكينهن من إعادة ترميم صورتهن الجسدية ورفع منسوب تقديرهن لأنفسهن".

وتشدد "لا شك أن الوقاية خير من قنطار علاج، من هنا لا بد من رفع التوعية حول قضايا العنف الجنسي، وهذا ما يحصل في هذه المرحلة كوننا في حملة الـ 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي الدولية التي تبدأ في 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر".

ولهذه المناسبة أطلقت منظومة الأمم المتحدة في لبنان بالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، حملة محلية من موضوع الحملة الدولي التي تحمل عنوان "اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات"، واستخدم وسمَي #NoExcuse و #وقفة_لوقف_العنف، حيث تهدف إلى لفت الانتباه إلى احتياجات النساء والفتيات بكل تنوّعهن.

وقالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا "إن العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يُشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان فحسب، بل إنه يُلحق الضرر أيضاً بالمجتمع ككل.. بينما يواجه لبنان أزمات متعددة، كان آخرها خطر النزاع، يحقّ للنساء والفتيات الشعور بالأمان والحماية. وينبغي أيضًا تمكين المرأة لاستخدام إمكاناتها الكاملة ولعب أدوار قيادية تسهم في رفاهة بلادها والسلام والأمن والتنمية المستدامة".

زرّ المواجهة

لتمكين فتيات ونساء لبنان من مكافحة العنف الجنسي، توّزع جمعية "أحلى فوضى"، "زرّ وقائي" عبارة عن جهاز انذار يمكن تفعيله بالضغط عليه، فيصدر صوتا بقوة حوالي 125 ديسيبل يخيف المهاجم ويدفعه للهرب.

وتشرح رئيسة الجمعية، إيمان نصر الدين عساف، "الزر من انتاج جاين سونغ، والدة الموظفة في السفارة البريطانية ريبيكا دايكس التي اغتصبت وقتلت خنقا في بيروت عام 2017، هدفه الحماية من العنف الجنسي، ونحن نتعاون معها في تحقيق مشروعها".

أسست سونغ جمعية "زرّ بيكي" وهي تعمل على تطوير جهاز الإنذار، بحسب نصر الدين، لافتة إلى أنه "وزعنا إلى حد الآن نحو ألف قطعة منه، وهناك تجاوب كبير من الفتيات والنساء".

وكان مجلس النواب اللبناني صادق على عام 2020 على قانون "تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، إلا أن هذا القانون ينطوي بحسب الحاج "على ثغرات عدة، منها تعريفه الفضفاض لهذا الجرم، لاسيما فيما يتعلق بالسلوك المتكرر، حيث يترك للقاضي حق التقدير فيما إن كان سلوك ما يدخل ضمن إطار التحرش من عدمه، وبالتالي قد تدفعه ذكوريته إلى عدم اعتبار لفظ ناب بأنه تحرش، وذلك بدلا من إعطاء هذا الحق للضحية التي يقع على عاتقها عبء إثبات الجرم رغم صعوبة الأمر".

وتعرّف المادة الأولى من القانون التحرش الجنسي بأنه "أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال، أو أفعال، أو إشارات، أو إيحاءات، أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية". 

يعتبَر أيضا تحرشا جنسيا "كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي، أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير".

يفتقد القانون كذلك بحسب الحاج إلى آلية حماية للضحية من المتحرش، "لكل ذلك تعمل جمعية كفى على صياغة قانون شامل لمناهضة للعنف ضد المرأة في كافة المجالات، يشمل آليات حماية لضحايا التحرش والاعتداء والاغتصاب".

كما سبق أن انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القانون، معتبرة أنه لا يستوفي المعايير الدولية، لاسيما لجهة عدم مصادقته على "اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرّش" وتطبيقها، مشددة على أنه يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، دون ذكر التدابير الوقائية، إصلاحات قانون العمل، وسبل الانتصاف المدني، في الوقت الذي كان عليه موجب تبني مقاربة شاملة".

رغم جهود المجتمع المدني والحملات الاعلانية التوعوية وتحويل بعض قضايا التحرش إلى قضايا رأي عام، لا يزال الحديث عن التحرش كما تقول الحاج "تابو، لاسيما في البلدات النائية، حيث تمارس الضغوطات على الضحية حتى من أقرب الناس إليها في حال تجرأت على الافصاح عما تعرضت له، ما يحول دون تمكنها من تقديم شكوى بحق المتحرش".