ولدت زينب فواز في بلدة تبنين في جبل عامل بلبنان عام 1844. (مصدر الصورة: مجلة "المصور"، عدد خاص، سنة 1950).
ولدت زينب فواز في بلدة تبنين في جبل عامل بلبنان عام 1844. (مصدر الصورة: مجلة "المصور"، عدد خاص، سنة 1950).

على مر العقود السابقة، طالبت الحركة النِسْوية بالحصول على العديد من الحقوق المرتبطة بالمرأة: حق التصويت، حق العمل، المساواة في الأجور، الحماية من التحرش والعنف الأسري. في هذا السياق، برزت أسماء العشرات من الناشطات النسويات في العالم الغربي. منهن كل من الإنجليزية إيميلين بانكهرست، والأمريكية لوكريشا موت، والفرنسية سيمون دي بوفوار.

بدورها، عرفت المنطقة العربية الحراك النسوي منذ فترة مبكرة. وظهرت العديد من الأفكار التقدمية الداعية لتحرير المرأة وإشراكها بشكل فعال في مختلف الأنشطة المجتمعية. نلقي الضوء في هذا المقال على مجموعة من أشهر الناشطات النسويات في العالم العربي المعاصر، لنرى كيف تمكن الحراك النسوي من التأثير على الأوضاع السياسية والاجتماعية.

 

زينب فواز

 

ولدت الأديبة والناشطة النسوية زينب فواز في منطقة جبل عامل بلبنان في سنة 1844. ورحلت مع شقيقها إلى مصر بعد طلاقها في سن صغيرة، حيث عاشت في القاهرة وشاركت في العديد من المنتديات الثقافية والأدبية.

في مصر، تمكنت زينب من الولوج لميدان الكتابة والصحافة، فنشرت العديد من المقالات التي تظهر فيها النزعة النسوية التحررية في أشهر صحف تلك الفترة مثل "النيل"، و"اللواء"، و"الأهالي"، كما كتبت أيضاً بعض المسرحيات. واشتهرت بتأليف القصائد الشعرية والتي تم جمعها في ديوان بعد وفاتها في سنة 1909م.

زينب فواز.. النسوية العربية "الأكثر راديكالية" في القرن التاسع عشر
اشتهرت الكاتبة والناشطة النسوية اللبنانية زينب فواز (1846-1909) بدفاعها القوي عن فكرة المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك العمل خارج المنزل، والمشاركة السياسية انتخاباً وترشحاً. وبذلك، عدت النسوية العربية الأكثر راديكالية في القرن التاسع عشر.

بشكل عام، عُرفت فواز بدفاعها عن فكرة المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك العمل خارج المنزل، والمشاركة السياسية سواء في عملية الانتخاب أو عملية التصويت. وتسببت تلك الأفكار في اشتهار اسم فواز كثيراً خارج الأوساط العربية، لدرجة أنها تلقت دعوة رسمية في سنة 1892 من رئيسة المؤتمر النسائي العالمي لحضور المؤتمر المزمع عقده في شيكاغو عام 1893. اعتذرت فواز عن المشاركة في المؤتمر لبعض الموانع "الشرعية" والعرفية التي تحول دون سفر المرأة بدون محرم. ولكنها شجعت النساء القادرات على السفر للمشاركة في أعمال المؤتمر.

 

مريانا مراش

 

ولدت الكاتبة والشاعرة السورية مريانا مراش في مدينة حلب في سنة 1848. وتمكنت في صغرها من الإلمام بقواعد اللغة العربية واللغة الفرنسية، كما مكنها ثراء أسرتها من الاطلاع على الكثير من الآداب الأجنبية التي لم تكن مُتاحة للنساء العربيات في ذلك العصر.

دعت مراش لتحرير المرأة من قيود العرف والعادات الاجتماعية. وفي سبيل ذلك، قامت بكتابة ونشر مجموعة من المقالات في عدد من الصحف العربية في سبعينات القرن التاسع عشر. في هذا السياق، اشتهرت مراش بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة. كان مقال "التربية" الذي نُشر سنة 1871م في مجلة "الجنان" واحداً من أهم المقالات التي وجهت فيها مراش الدعوة للنساء بالعمل على تحرير أنفسهن والتنافس مع الرجال في تحصيل العلوم النافعة.

اشتهرت مريانا بنت فتح الله مرَّاش (1848-1919) بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة.
مريانا مراش.. رائدة حقوق المرأة في الشرق الحديث
اشتهرت مريانا بنت فتح الله مرَّاش (1848-1919) بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة. ولكن ما يتم نسيانه هو أنها صاحبة الدعوة الأولى لتحرير المرأة العربية من الأفكار المسبقة الراسخة في المجتمع عن عدم أهليتها للخوض في الشؤون العامة، عن طريق دراسة العلوم والصنائع. وهي الدعوة التي أطلقتها عبر مجلة الجنان البيروتية في شهر يوليو عام 1870 (الجزء 15).

تقول مراش في هذا المقال: "فما لنا لا نخلع عنا أثواب التواني والكسل، ونلبس أثواب النشاط ونقدم على العمل، ونحن من بنات القرن التاسع عشر الذي فاق بالتمدن كل قرون البشر. كيف لا نبين للرجال لزوم دخول النساء إلى جنات العلوم الأدبية؟".

من جهة أخرى، اشتهرت مريانا مراش بافتتاح صالونها الأدبي في منزلها بحلب. عُدّ هذا الصالون ملتقى ثقافي اجتمع فيه كبار الكتاب والأدباء والمفكرون. واضطلع بدور مهم في النهضة الفكرية بسوريا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

 

هدى شعراوي

 

ولدت الناشطة النسوية هدى شعراوي في محافظة المنيا بمصر في سنة 1879. وكان والدها هو محمد سلطان باشا الذي سيصبح لاحقًا رئيساً لمجلس النواب المصري في عهد الخديوي توفيق. تلقت شعراوي في صغرها بعض الدروس في منزل الأسرة، فحفظت القرآن، وأجادت العربية، والتركية، والفرنسية.

بحسب ما تذكر شعراوي في مذكراتها، فإن بداية اشتغالها بالحراك النسوي وقع إبان زيارتها لفرنسا أثناء مرضها بالاكتئاب. عند عودتها، أنشأت شعراوي مجلة "الإجيبسيان" والتي كانت تصدر باللغة الفرنسية. وفي أثناء اندلاع ثورة 1919م، قامت شعراوي بحشد العشرات من النساء المؤمنات بفكرة المشاركة في الحقوق السياسية. وتقدمتهن للانخراط في المظاهرات الشعبية المعارضة للاحتلال البريطاني. وفي تلك الأثناء، أسست شعراوي "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وتولت رئاستها. الأمر الذي مكن للتواجد النسوي على الساحة السياسية إلى حد بعيد.

تأسس أول نادٍ للمرأة العراقية عام 1923.
من ثورة العشرين إلى "النهضة النسائية".. جانب من سيرة المرأة العراقية
خاضت المرأة العراقية نضالاً طويلاً من أجل نيل حقوقها، وهو نضال تعدّدت جبهاته، فهو ضد السلطة المعادية لحقوق المرأة، والعادات والتقاليد الاجتماعية التي أعاقت تطورها في شتى المجالات. وخلال مسيرة النضال الطويلة برزت المئات من الناشطات العراقيات في شتى المجالات، نستعرض عدد منهن.

في سنة 1921م، أقدمت شعراوي على واحد من أشهر المواقف المؤثرة في تاريخ العمل النسوي العربي. عندما قامت -مع صديقتها سيزا نبراوي- برفع النقاب أثناء استقبال الزعيم المصري سعد زغلول بعد عودته من المنفى. وفي 1923م، حضرت هدى شعراوي أول مؤتمر دولي للمرأة في روما. وأسست بعد 4 سنوات "الاتحاد النسائي المصري"،  كما أسست في سنة 1935 "الاتحاد النسائي العربي".  قامت شعراوي أيضاً بعقد المؤتمر النسائي العربي، وهو المؤتمر الذي طالب بتقييد سلطة الرجل في الطلاق، ومنع تعدد الزوجات، والجمع بين الجنسين في مرحلة التعليم الابتدائي.

 

بولينا حسون

 

ولدت الصحافية بولينا حسون في مدينة الموصل العراقية سنة 1895م. وتنقلت في السنوات الأولى من حياتها بين مصر وفلسطين والأردن. وعادت إلى العراق مرة أخرى في سنة 1922م، بعد أن تأثرت -بشكل كبير- بالنهضة النسوية التي عايشتها أثناء فترة إقامتها في القاهرة على وجه الخصوص.

في سنة 1923م، أصدرت حسون العدد الأول من مجلة "ليلى". وهي أول مجلة نسائية تصدر في العراق. ركزت المجلة على نشر موضوعات متنوعة حول تعليم المرأة وتحريرها ومشاركتها في ميادين العمل السياسي فضلاً عن بعض الجوانب الخاصة بتربية الأبناء والاقتصاد المنزلي والفنون والآداب.

ومما يُذكر أن العدد الأول من مجلة "ليلى" قد تضمن نداءً موجها إلى أعضاء أول مجلس تأسيسي عراقي. جاء في هذا النداء: "إن نجاح النهضة النسوية الناشئة منوط بخبرتكم وشهامتكم أيها الرجال الكرام، ولاسيما أنتم الذين تحملتم أعباء مسؤولية تأسيس الحياة الديمقراطية العراقية على قواعد عصرية راسخة في الحياة، وأنتم تعلمون أنها ليست حق الرجل فقط". في سنة 1923م، خطت حسون خطوة أخرى مهمة في نشاطها النسوي، عندما أسست أول نادٍ نسوي في العراق، وكان اسمه "نادي النهضة النسائية". لعب النادي جهوداً كبيرة في سبيل الحصول على الحقوق السياسية للمرأة العراقية بعد سنوات.

 

نوال السعداوي

 

ولدت نوال السعداوي في قرية كفر طحلة إحدى قرى مركز بنها التابع لمحافظة القليوبية بمصر في سنة 1931م. التحقت السعداوي بالدراسة في كلية الطب بجامعة القاهرة. وتخرجت سنة 1955م وعملت كطبيبة، ثم تخصصت في مجال الطب النفسي، لتبدأ بذلك نشاطها المكثف في حقل الدراسات النسوية وحقوق المرأة.

أسست السعداوي مجلة "الصحة" للتوعية بمخاطر ختان الإناث بصفته عملاً إجرامياً مسؤولاً عن تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة، كما هاجمت ظاهرة الزواج المبكر للفتيات التي كانت تُمارس على نطاق واسع في معظم أنحاء مصر في تلك الفترة. في السياق نفسه، ألفت السعداوي عدداً من الكتب التي عبّرت فيها عن آرائها الجريئة. ومنها كتاب "المرأة والجنس" في سنة 1972م، ورواية "امرأة عند نقطة الصفر" في سنة 1975م، ورواية "الوجه العاري للمرأة العربية" في سنة 1977م.

اصطدمت مساعي السعداوي في تلك المرحلة بالتضييق الحكومي، فتم إغلاق مجلة "الصحة"، كما فقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية. وفي سنة 1981م تم اعتقالها ضمن حملة واسعة طالت معارضي الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.

بعد اغتيال السادات، تم الإفراج عن نوال السعداوي. وعاشت لفترة في مصر تحت مراقبة لصيقة من الأجهزة الأمنية. وأقيمت بحقها العديد من الدعاوي القضائية.  الأمر الذي اضطرها للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية لفترة، قبل أن تعود لمصر مرة أخرى في سنة 1996.

بشكل عام، حظيت أنشطة السعداوي وأفكارها في مجال حقوق المرأة على تقدير العديد من المؤسسات الغربية. وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 40 لغة. وفي سنة 2020م أدرجتها مجلة التايمز الأميركية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً، وخصصت غلافها الخارجي لصورتها. توفيت السعداوي في مارس سنة 2021م عن عمر ناهز 90 عاماً بعدما أضحت رمزاً للحركة النسوية العربية.

 

فاطمة المرنيسي

 

ولدت الكاتبة النسوية المغربية فاطمة المرنيسي في مدينة فاس في سنة 1940م. تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي في فاس. ثم درست العلوم السياسية في جامعة السوربون في باريس. وبعدها تحصلت على شهادة الدكتوراة من إحدى الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية. عادت بعدها إلى المغرب لتشغل منصب أستاذة لعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط.

لعبت المرنيسي دوراً بارزاً في الحراك النسوي العربي بشكل عام، والمغربي بشكل خاص. كتبت العديد من الكتب المهمة التي بحثت في إشكالية الأوضاع التاريخية للمرأة. من أهم تلك الكتب: "ما وراء الحجاب"، "الإسلام والديمقراطية"، و"الحريم السياسي"، و"الجنس كهندسة اجتماعية"، "هل أنتم محصنون ضد الحريم؟"، "الجنس والأيديولوجيا والإسلام".

قامت المرنيسي في تلك المؤلفات بدراسة النصوص الإسلامية والأدبيات الفقهية التقليدية. وتوصلت لوجود فجوة كبيرة بين النص الديني الذي رأت فيه إطاراً متقدماً لحرية المرأة، وبين الواقع التاريخي الذي اتخذ منحى رجعياً.

من جهة أخرى، أسست المرنيسي بعض المبادرات التي شجعت على حصول المرأة المغربية على بعض حقوقها المجتمعية المُهدرة. ومنها كل من مبادرة "قوافل مدنية"، وتجمع "نساء، أسر، أطفال".

حصلت المرنيسي على العديد من الجوائز الدولية المهمة. في مايو سنة 2003م فازت بجائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاغ. أما في نوفمبر سنة 2004م فحصلت على جائزة "إراسموس" الهولندية إلى جانب كل من المفكر السوري صادق جلال العظم والفيلسوف الإيراني عبد الكريم سيروش. توفيت المرنيسي في 30 من نوفمبر سنة 2015م بألمانيا بعد أن أمضت سنوات طويلة في الدفاع عن حقوق المرأة.

 

منى الطحاوي

 

ولدت الصحافية المصرية منى الطحاوي في مدينة بورسعيد في سنة 1967م. ودرست الصحافة والإعلام في المرحلة الجامعية. في سنة 2000م، سافرت الطحاوي للولايات المتحدة الأميركية، واستقرت فيها لتعمل كصحافية في عدد من الصحف الشهيرة مثل "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، وجيروزليم بوست".

عُرفت الطحاوي بدفاعها القوي عن حقوق المرأة. واشتهرت بأفكارها المعارضة لارتداء الحجاب والنقاب. وبحديثها عن ضرورة قيام "ثورة جنسية في الشرق الأوسط، كما طالبت بضرورة شن حملة شاملة للتعامل مع العنف الجنسي. في هذا السياق، نشرت الطحاوي كتابها الأشهر "الحجاب وغشاء البكارة" والذي ذكرت فيه أن المرأة تُعامل كمواطن من الدرجة الثانية في البلدان العربية، وقالت: "نحن النساء العربيات نعيش في ثقافة معادية لنا من حيث المبدأ، ثقافة تتسم باحتقار الرجال للنساء. وهم لا يكرهوننا بسبب حرياتنا... بل العكس، إذ ليس لدينا حريات لأنهم يكرهوننا".

من جهة أخرى، وجهت الطحاوي دعوتها إلى النساء العربيات بضرورة المواجهة مع الظروف الواقعة التي تُعطل من حصولهن على كامل حريتهن، فقالت: "لا تكوني عفيفة النفس، تمردي، لا تطيعي الأوامر، واعرفي أنك تستحقين الحرية". حصلت الطحاوي على العديد من الجوائز العالمية، ومنها جائزة سمير قصير لحرية الصحافة في سنة 2009م. كما اختارتها مجلة نيوزويك في قائمتها لأكثر 150 امرأة شجاعة في العالم في سنة 2012م.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".