ولدت زينب فواز في بلدة تبنين في جبل عامل بلبنان عام 1844. (مصدر الصورة: مجلة "المصور"، عدد خاص، سنة 1950).
ولدت زينب فواز في بلدة تبنين في جبل عامل بلبنان عام 1844. (مصدر الصورة: مجلة "المصور"، عدد خاص، سنة 1950).

على مر العقود السابقة، طالبت الحركة النِسْوية بالحصول على العديد من الحقوق المرتبطة بالمرأة: حق التصويت، حق العمل، المساواة في الأجور، الحماية من التحرش والعنف الأسري. في هذا السياق، برزت أسماء العشرات من الناشطات النسويات في العالم الغربي. منهن كل من الإنجليزية إيميلين بانكهرست، والأمريكية لوكريشا موت، والفرنسية سيمون دي بوفوار.

بدورها، عرفت المنطقة العربية الحراك النسوي منذ فترة مبكرة. وظهرت العديد من الأفكار التقدمية الداعية لتحرير المرأة وإشراكها بشكل فعال في مختلف الأنشطة المجتمعية. نلقي الضوء في هذا المقال على مجموعة من أشهر الناشطات النسويات في العالم العربي المعاصر، لنرى كيف تمكن الحراك النسوي من التأثير على الأوضاع السياسية والاجتماعية.

 

زينب فواز

 

ولدت الأديبة والناشطة النسوية زينب فواز في منطقة جبل عامل بلبنان في سنة 1844. ورحلت مع شقيقها إلى مصر بعد طلاقها في سن صغيرة، حيث عاشت في القاهرة وشاركت في العديد من المنتديات الثقافية والأدبية.

في مصر، تمكنت زينب من الولوج لميدان الكتابة والصحافة، فنشرت العديد من المقالات التي تظهر فيها النزعة النسوية التحررية في أشهر صحف تلك الفترة مثل "النيل"، و"اللواء"، و"الأهالي"، كما كتبت أيضاً بعض المسرحيات. واشتهرت بتأليف القصائد الشعرية والتي تم جمعها في ديوان بعد وفاتها في سنة 1909م.

ولدت زينب فواز في بلدة تبنين في جبل عامل بلبنان عام 1844. (مصدر الصورة: مجلة "المصور"، عدد خاص، سنة 1950).
زينب فواز.. النسوية العربية "الأكثر راديكالية" في القرن التاسع عشر
اشتهرت الكاتبة والناشطة النسوية اللبنانية زينب فواز (1846-1909) بدفاعها القوي عن فكرة المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك العمل خارج المنزل، والمشاركة السياسية انتخاباً وترشحاً. وبذلك، عدت النسوية العربية الأكثر راديكالية في القرن التاسع عشر.

بشكل عام، عُرفت فواز بدفاعها عن فكرة المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك العمل خارج المنزل، والمشاركة السياسية سواء في عملية الانتخاب أو عملية التصويت. وتسببت تلك الأفكار في اشتهار اسم فواز كثيراً خارج الأوساط العربية، لدرجة أنها تلقت دعوة رسمية في سنة 1892 من رئيسة المؤتمر النسائي العالمي لحضور المؤتمر المزمع عقده في شيكاغو عام 1893. اعتذرت فواز عن المشاركة في المؤتمر لبعض الموانع "الشرعية" والعرفية التي تحول دون سفر المرأة بدون محرم. ولكنها شجعت النساء القادرات على السفر للمشاركة في أعمال المؤتمر.

 

مريانا مراش

 

ولدت الكاتبة والشاعرة السورية مريانا مراش في مدينة حلب في سنة 1848. وتمكنت في صغرها من الإلمام بقواعد اللغة العربية واللغة الفرنسية، كما مكنها ثراء أسرتها من الاطلاع على الكثير من الآداب الأجنبية التي لم تكن مُتاحة للنساء العربيات في ذلك العصر.

دعت مراش لتحرير المرأة من قيود العرف والعادات الاجتماعية. وفي سبيل ذلك، قامت بكتابة ونشر مجموعة من المقالات في عدد من الصحف العربية في سبعينات القرن التاسع عشر. في هذا السياق، اشتهرت مراش بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة. كان مقال "التربية" الذي نُشر سنة 1871م في مجلة "الجنان" واحداً من أهم المقالات التي وجهت فيها مراش الدعوة للنساء بالعمل على تحرير أنفسهن والتنافس مع الرجال في تحصيل العلوم النافعة.

اشتهرت مريانا بنت فتح الله مرَّاش (1848-1919) بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة.
مريانا مراش.. رائدة حقوق المرأة في الشرق الحديث
اشتهرت مريانا بنت فتح الله مرَّاش (1848-1919) بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة. ولكن ما يتم نسيانه هو أنها صاحبة الدعوة الأولى لتحرير المرأة العربية من الأفكار المسبقة الراسخة في المجتمع عن عدم أهليتها للخوض في الشؤون العامة، عن طريق دراسة العلوم والصنائع. وهي الدعوة التي أطلقتها عبر مجلة الجنان البيروتية في شهر يوليو عام 1870 (الجزء 15).

تقول مراش في هذا المقال: "فما لنا لا نخلع عنا أثواب التواني والكسل، ونلبس أثواب النشاط ونقدم على العمل، ونحن من بنات القرن التاسع عشر الذي فاق بالتمدن كل قرون البشر. كيف لا نبين للرجال لزوم دخول النساء إلى جنات العلوم الأدبية؟".

من جهة أخرى، اشتهرت مريانا مراش بافتتاح صالونها الأدبي في منزلها بحلب. عُدّ هذا الصالون ملتقى ثقافي اجتمع فيه كبار الكتاب والأدباء والمفكرون. واضطلع بدور مهم في النهضة الفكرية بسوريا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

 

هدى شعراوي

 

ولدت الناشطة النسوية هدى شعراوي في محافظة المنيا بمصر في سنة 1879. وكان والدها هو محمد سلطان باشا الذي سيصبح لاحقًا رئيساً لمجلس النواب المصري في عهد الخديوي توفيق. تلقت شعراوي في صغرها بعض الدروس في منزل الأسرة، فحفظت القرآن، وأجادت العربية، والتركية، والفرنسية.

بحسب ما تذكر شعراوي في مذكراتها، فإن بداية اشتغالها بالحراك النسوي وقع إبان زيارتها لفرنسا أثناء مرضها بالاكتئاب. عند عودتها، أنشأت شعراوي مجلة "الإجيبسيان" والتي كانت تصدر باللغة الفرنسية. وفي أثناء اندلاع ثورة 1919م، قامت شعراوي بحشد العشرات من النساء المؤمنات بفكرة المشاركة في الحقوق السياسية. وتقدمتهن للانخراط في المظاهرات الشعبية المعارضة للاحتلال البريطاني. وفي تلك الأثناء، أسست شعراوي "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وتولت رئاستها. الأمر الذي مكن للتواجد النسوي على الساحة السياسية إلى حد بعيد.

تأسس أول نادٍ للمرأة العراقية عام 1923.
من ثورة العشرين إلى "النهضة النسائية".. جانب من سيرة المرأة العراقية
خاضت المرأة العراقية نضالاً طويلاً من أجل نيل حقوقها، وهو نضال تعدّدت جبهاته، فهو ضد السلطة المعادية لحقوق المرأة، والعادات والتقاليد الاجتماعية التي أعاقت تطورها في شتى المجالات. وخلال مسيرة النضال الطويلة برزت المئات من الناشطات العراقيات في شتى المجالات، نستعرض عدد منهن.

في سنة 1921م، أقدمت شعراوي على واحد من أشهر المواقف المؤثرة في تاريخ العمل النسوي العربي. عندما قامت -مع صديقتها سيزا نبراوي- برفع النقاب أثناء استقبال الزعيم المصري سعد زغلول بعد عودته من المنفى. وفي 1923م، حضرت هدى شعراوي أول مؤتمر دولي للمرأة في روما. وأسست بعد 4 سنوات "الاتحاد النسائي المصري"،  كما أسست في سنة 1935 "الاتحاد النسائي العربي".  قامت شعراوي أيضاً بعقد المؤتمر النسائي العربي، وهو المؤتمر الذي طالب بتقييد سلطة الرجل في الطلاق، ومنع تعدد الزوجات، والجمع بين الجنسين في مرحلة التعليم الابتدائي.

 

بولينا حسون

 

ولدت الصحافية بولينا حسون في مدينة الموصل العراقية سنة 1895م. وتنقلت في السنوات الأولى من حياتها بين مصر وفلسطين والأردن. وعادت إلى العراق مرة أخرى في سنة 1922م، بعد أن تأثرت -بشكل كبير- بالنهضة النسوية التي عايشتها أثناء فترة إقامتها في القاهرة على وجه الخصوص.

في سنة 1923م، أصدرت حسون العدد الأول من مجلة "ليلى". وهي أول مجلة نسائية تصدر في العراق. ركزت المجلة على نشر موضوعات متنوعة حول تعليم المرأة وتحريرها ومشاركتها في ميادين العمل السياسي فضلاً عن بعض الجوانب الخاصة بتربية الأبناء والاقتصاد المنزلي والفنون والآداب.

ومما يُذكر أن العدد الأول من مجلة "ليلى" قد تضمن نداءً موجها إلى أعضاء أول مجلس تأسيسي عراقي. جاء في هذا النداء: "إن نجاح النهضة النسوية الناشئة منوط بخبرتكم وشهامتكم أيها الرجال الكرام، ولاسيما أنتم الذين تحملتم أعباء مسؤولية تأسيس الحياة الديمقراطية العراقية على قواعد عصرية راسخة في الحياة، وأنتم تعلمون أنها ليست حق الرجل فقط". في سنة 1923م، خطت حسون خطوة أخرى مهمة في نشاطها النسوي، عندما أسست أول نادٍ نسوي في العراق، وكان اسمه "نادي النهضة النسائية". لعب النادي جهوداً كبيرة في سبيل الحصول على الحقوق السياسية للمرأة العراقية بعد سنوات.

 

نوال السعداوي

 

ولدت نوال السعداوي في قرية كفر طحلة إحدى قرى مركز بنها التابع لمحافظة القليوبية بمصر في سنة 1931م. التحقت السعداوي بالدراسة في كلية الطب بجامعة القاهرة. وتخرجت سنة 1955م وعملت كطبيبة، ثم تخصصت في مجال الطب النفسي، لتبدأ بذلك نشاطها المكثف في حقل الدراسات النسوية وحقوق المرأة.

أسست السعداوي مجلة "الصحة" للتوعية بمخاطر ختان الإناث بصفته عملاً إجرامياً مسؤولاً عن تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة، كما هاجمت ظاهرة الزواج المبكر للفتيات التي كانت تُمارس على نطاق واسع في معظم أنحاء مصر في تلك الفترة. في السياق نفسه، ألفت السعداوي عدداً من الكتب التي عبّرت فيها عن آرائها الجريئة. ومنها كتاب "المرأة والجنس" في سنة 1972م، ورواية "امرأة عند نقطة الصفر" في سنة 1975م، ورواية "الوجه العاري للمرأة العربية" في سنة 1977م.

اصطدمت مساعي السعداوي في تلك المرحلة بالتضييق الحكومي، فتم إغلاق مجلة "الصحة"، كما فقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية. وفي سنة 1981م تم اعتقالها ضمن حملة واسعة طالت معارضي الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.

بعد اغتيال السادات، تم الإفراج عن نوال السعداوي. وعاشت لفترة في مصر تحت مراقبة لصيقة من الأجهزة الأمنية. وأقيمت بحقها العديد من الدعاوي القضائية.  الأمر الذي اضطرها للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية لفترة، قبل أن تعود لمصر مرة أخرى في سنة 1996.

بشكل عام، حظيت أنشطة السعداوي وأفكارها في مجال حقوق المرأة على تقدير العديد من المؤسسات الغربية. وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 40 لغة. وفي سنة 2020م أدرجتها مجلة التايمز الأميركية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً، وخصصت غلافها الخارجي لصورتها. توفيت السعداوي في مارس سنة 2021م عن عمر ناهز 90 عاماً بعدما أضحت رمزاً للحركة النسوية العربية.

 

فاطمة المرنيسي

 

ولدت الكاتبة النسوية المغربية فاطمة المرنيسي في مدينة فاس في سنة 1940م. تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي في فاس. ثم درست العلوم السياسية في جامعة السوربون في باريس. وبعدها تحصلت على شهادة الدكتوراة من إحدى الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية. عادت بعدها إلى المغرب لتشغل منصب أستاذة لعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط.

لعبت المرنيسي دوراً بارزاً في الحراك النسوي العربي بشكل عام، والمغربي بشكل خاص. كتبت العديد من الكتب المهمة التي بحثت في إشكالية الأوضاع التاريخية للمرأة. من أهم تلك الكتب: "ما وراء الحجاب"، "الإسلام والديمقراطية"، و"الحريم السياسي"، و"الجنس كهندسة اجتماعية"، "هل أنتم محصنون ضد الحريم؟"، "الجنس والأيديولوجيا والإسلام".

قامت المرنيسي في تلك المؤلفات بدراسة النصوص الإسلامية والأدبيات الفقهية التقليدية. وتوصلت لوجود فجوة كبيرة بين النص الديني الذي رأت فيه إطاراً متقدماً لحرية المرأة، وبين الواقع التاريخي الذي اتخذ منحى رجعياً.

من جهة أخرى، أسست المرنيسي بعض المبادرات التي شجعت على حصول المرأة المغربية على بعض حقوقها المجتمعية المُهدرة. ومنها كل من مبادرة "قوافل مدنية"، وتجمع "نساء، أسر، أطفال".

حصلت المرنيسي على العديد من الجوائز الدولية المهمة. في مايو سنة 2003م فازت بجائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاغ. أما في نوفمبر سنة 2004م فحصلت على جائزة "إراسموس" الهولندية إلى جانب كل من المفكر السوري صادق جلال العظم والفيلسوف الإيراني عبد الكريم سيروش. توفيت المرنيسي في 30 من نوفمبر سنة 2015م بألمانيا بعد أن أمضت سنوات طويلة في الدفاع عن حقوق المرأة.

 

منى الطحاوي

 

ولدت الصحافية المصرية منى الطحاوي في مدينة بورسعيد في سنة 1967م. ودرست الصحافة والإعلام في المرحلة الجامعية. في سنة 2000م، سافرت الطحاوي للولايات المتحدة الأميركية، واستقرت فيها لتعمل كصحافية في عدد من الصحف الشهيرة مثل "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، وجيروزليم بوست".

عُرفت الطحاوي بدفاعها القوي عن حقوق المرأة. واشتهرت بأفكارها المعارضة لارتداء الحجاب والنقاب. وبحديثها عن ضرورة قيام "ثورة جنسية في الشرق الأوسط، كما طالبت بضرورة شن حملة شاملة للتعامل مع العنف الجنسي. في هذا السياق، نشرت الطحاوي كتابها الأشهر "الحجاب وغشاء البكارة" والذي ذكرت فيه أن المرأة تُعامل كمواطن من الدرجة الثانية في البلدان العربية، وقالت: "نحن النساء العربيات نعيش في ثقافة معادية لنا من حيث المبدأ، ثقافة تتسم باحتقار الرجال للنساء. وهم لا يكرهوننا بسبب حرياتنا... بل العكس، إذ ليس لدينا حريات لأنهم يكرهوننا".

من جهة أخرى، وجهت الطحاوي دعوتها إلى النساء العربيات بضرورة المواجهة مع الظروف الواقعة التي تُعطل من حصولهن على كامل حريتهن، فقالت: "لا تكوني عفيفة النفس، تمردي، لا تطيعي الأوامر، واعرفي أنك تستحقين الحرية". حصلت الطحاوي على العديد من الجوائز العالمية، ومنها جائزة سمير قصير لحرية الصحافة في سنة 2009م. كما اختارتها مجلة نيوزويك في قائمتها لأكثر 150 امرأة شجاعة في العالم في سنة 2012م.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.
كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.

صدم منشور لمنظمة اليونيسف حول التحرش الجنسي، اللبنانيين، حيث أشارت من خلاله إلى أن "كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن".

ولفتت المنظمة الأممية عبر صفحتها على "فيسبوك" إلى أن هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح أمرا عاديا في المجتمع، في الأماكن العامة وعبر الإنترنت، في الأسواق والمواصلات، داعية الجميع إلى مكافحته من خلال رفع الصوت، طلب المساعدة والتنديد.

ما أوردته المنظمة الأممية يعكس الكثير من الحقيقة، كما تقول مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، شارحة "النساء معرضات في أي مرحلة من مراحل حياتهن للتحرش الجنسي أيا يكن مستواهن الاقتصادي، العلمي، الأكاديمي، المهني والثقافي، حيث يقف خلف ذلك منظومة فكرية تشجع العنف المبني على النوع الاجتماعي وتتسامح معه، ملقية دائماً باللوم على المرأة ومبررة للرجل ما يرتكبه بحقها".

وفي ظل غياب التوعية الجنسية، قد تتعرض كما تقول قصقص "صغيرات للتحرش من دون أن يعلمن حقيقة ما يحصل لهن، رغم إدراكهن أنه أمر غير طبيعي ومزعج، يترافق ذلك مع شعور بالذنب يتضاعف حين يكبرن ويكتشفن أن انتهاكاً كان يمارس بحقهن".

ميرفت، إحدى اللبنانيات اللواتي تعرضن للتحرش، كان ذلك قبل حوالي العشر سنوات، حين قررت ممارسة رياضة المشي صباحا في شوارع بيروت بهدف إنقاص وزنها، لكن بدلا من ذلك أصيبت بصدمة نفسية بعدما لاحقها شاب خلع ملابسه وبدأ القيام بحركات جنسية والتلفظ بكلمات نابية، منتهزا فرصة خلو الشارع من المارة".

وتقول لموقع "الحرة" "رغم مرور كل تلك السنوات لكن إلى حد الآن لا يمكنني نسيان أو تخطي ما حصل، نعم تمكّنت من الهروب من المتحرش حينها، لكنني لازلت أسيرة مشاهد ما ارتكبه".

عاشت ميرفت أياما صعبة بعد الحادثة، خوف مما حصل وألم لعدم قدرتها على البوح لعائلتها كي لا تلقي اللوم عليها وتقول "لم أتجرأ حتى على إخبار صديقاتي وكذلك الخروج من المنزل وحدي، كنت أشعر تارة بالظلم وتارة أخرى كنت أجلد نفسي لعجزي عن مواجهة جميع من حولي، طاردتني الكوابيس وأصبت بالاكتئاب إلى أن قررت بعد حوالي السنة كسر حاجز ضعفي واطلاع والدتي".

خلط مفاهيم 

على نقيض ما ذكرته اليونيسف، تؤكد القوى الأمنية أن لبنان من البلدان الأكثر أمانا فيما يتعلق بجريمة التحرش، عن ذلك يشرح مصدر في قوى الأمن الداخلي لموقع "الحرة"، "المقصود بذلك أن وضع لبنان أفضل مقارنة مع العديد من الدول العربية والأجنبية، من دون أن ننفي حصول هذا النوع من الجرائم بالمطلق، لاسيما جريمة الابتزاز الالكتروني، التي ننبه منها كثيرا، حيث ندعو إلى اتباع سبل الوقاية ومنها عدم نشر أو إرسال صور خاصّة أو مقاطع فيديو شخصية عبر تطبيقات الإنترنت وتجنَّب محادثة الغرباء أو لقاءهم، وتعزيز إعدادات الأمان والخصوصية على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي".

كما تؤكد المحامية في منظمة "كفى"، فاطمة الحاج، أنه لا توجد إحصاءات لعدد ضحايا التحرش الجنسي في لبنان، مشددة على أن "عددا كبيرا من النساء لا يعلمن الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي بغض النظر عن مستواهن الثقافي".

وتشرح "التحرش يكون إما لفظيا أو إلكترونيا أي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالابتزاز العاطفي والرسائل المتضمنة ألفاظا نابية، أما في حالة لمس الضحية بقصد الإثارة نكون عندها أمام اعتداء جنسي".

ثلاث سنوات وميادة تعتقد أن ما تعرضت له على يد زوج صديقتها تحرش وليس اعتداء، وتقول "بغض النظر عن تلك المفاهيم، تبقى الحقيقة ثابتة، وهي انتهاز من كنت اعتبره بمثابة أخ لي فرصة أطباقي وزوجته أعيننا للنوم خلال قيادته للسيارة أثناء عودتنا من السهرة، فقام بتلمس رجلي صعودا، حينها استيقظت مرعوبة، كذبت نفسي، ولأتأكد، عاودت إطباق عيني وإذ به يكرر فعلته، ارتعبت وما كان مني إلا أن تظاهرت أني أتحدثت مع والدتي عبر الهاتف لكي يتوقف عن جريمته".

أطلعت ميادة صديقتها عما فعله زوجها فطلبت منها التكتم عن الأمر، وتقول "صدمت بردة فعلها أكثر من الفعل الذي أقدم عليه زوجها"، مشددة "في ذلك اليوم شعرت بأن غلاف حمايتي تمزّق، انعدمت ثقتي بجميع من حولي، عانيت من الاكتئاب لاسيما وأني لا أملك إثبات كي يصدقني الناس ويحميني القانون".

تلقت الشابة الثلاثينية العلاج عند اخصائية نفسية، ساعدها ذلك في اجتياز مسافة طويلة في طريق شفائها، إلا أنه كما تقول "مجرد أن تجرأت على البوح أمام محيطي شعرت بأني أسقط عن كاهلي ألم الكون".

آثار عميقة

يسبب التحرش الجنسي كما تؤكد قصقص "صدمة للجهاز النفسي، ويخلف آثارا نفسية عميقه في ضحاياه، منها ضعف الثقة بالنفس ولوم الذات وتدني القيمة الذاتية وتشوه صورة الجسد.

ومن الضحايا من يعانين كما تقول "من اضطراب ما بعد الصدمة وهو الأكثر شيوعا في حالات العنف الجنسي، ومن عوارضه صعوبة التركيز والنوم، الأفكار السلبية والكوابيس، القلق والاكتئاب والانفعال".

وتضيف "تختلف طرق تعامل ضحايا التحرش مع ما تعرضن له، منهن من يفصحن عما واجهن في حين تفضل بعضهن التكتم عنه كي لا يسترجعن تفاصيل الحدث المؤلم الذي مررن بها، رغم أن الحقيقة لا يفارق ذاكرتهن، أو لأنهن لا يشعرن بدعم محيطهن والمجتمع أو يخشين عدم تصديقهن إضافة إلى مشاعر لوم الذات التي تختلجهن". 

أما علاج ضحايا التحرش الجنسي فيتطلب بحسب قصقص "تقديم الدعم والمتابعة النفسية والاجتماعية الفردية والجماعية لهن من قبل اختصاصيين، لتجريدهن من مشاعر الذنب وتمكينهن من إعادة ترميم صورتهن الجسدية ورفع منسوب تقديرهن لأنفسهن".

وتشدد "لا شك أن الوقاية خير من قنطار علاج، من هنا لا بد من رفع التوعية حول قضايا العنف الجنسي، وهذا ما يحصل في هذه المرحلة كوننا في حملة الـ 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي الدولية التي تبدأ في 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر".

ولهذه المناسبة أطلقت منظومة الأمم المتحدة في لبنان بالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، حملة محلية من موضوع الحملة الدولي التي تحمل عنوان "اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات"، واستخدم وسمَي #NoExcuse و #وقفة_لوقف_العنف، حيث تهدف إلى لفت الانتباه إلى احتياجات النساء والفتيات بكل تنوّعهن.

وقالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا "إن العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يُشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان فحسب، بل إنه يُلحق الضرر أيضاً بالمجتمع ككل.. بينما يواجه لبنان أزمات متعددة، كان آخرها خطر النزاع، يحقّ للنساء والفتيات الشعور بالأمان والحماية. وينبغي أيضًا تمكين المرأة لاستخدام إمكاناتها الكاملة ولعب أدوار قيادية تسهم في رفاهة بلادها والسلام والأمن والتنمية المستدامة".

زرّ المواجهة

لتمكين فتيات ونساء لبنان من مكافحة العنف الجنسي، توّزع جمعية "أحلى فوضى"، "زرّ وقائي" عبارة عن جهاز انذار يمكن تفعيله بالضغط عليه، فيصدر صوتا بقوة حوالي 125 ديسيبل يخيف المهاجم ويدفعه للهرب.

وتشرح رئيسة الجمعية، إيمان نصر الدين عساف، "الزر من انتاج جاين سونغ، والدة الموظفة في السفارة البريطانية ريبيكا دايكس التي اغتصبت وقتلت خنقا في بيروت عام 2017، هدفه الحماية من العنف الجنسي، ونحن نتعاون معها في تحقيق مشروعها".

أسست سونغ جمعية "زرّ بيكي" وهي تعمل على تطوير جهاز الإنذار، بحسب نصر الدين، لافتة إلى أنه "وزعنا إلى حد الآن نحو ألف قطعة منه، وهناك تجاوب كبير من الفتيات والنساء".

وكان مجلس النواب اللبناني صادق على عام 2020 على قانون "تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، إلا أن هذا القانون ينطوي بحسب الحاج "على ثغرات عدة، منها تعريفه الفضفاض لهذا الجرم، لاسيما فيما يتعلق بالسلوك المتكرر، حيث يترك للقاضي حق التقدير فيما إن كان سلوك ما يدخل ضمن إطار التحرش من عدمه، وبالتالي قد تدفعه ذكوريته إلى عدم اعتبار لفظ ناب بأنه تحرش، وذلك بدلا من إعطاء هذا الحق للضحية التي يقع على عاتقها عبء إثبات الجرم رغم صعوبة الأمر".

وتعرّف المادة الأولى من القانون التحرش الجنسي بأنه "أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال، أو أفعال، أو إشارات، أو إيحاءات، أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية". 

يعتبَر أيضا تحرشا جنسيا "كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي، أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير".

يفتقد القانون كذلك بحسب الحاج إلى آلية حماية للضحية من المتحرش، "لكل ذلك تعمل جمعية كفى على صياغة قانون شامل لمناهضة للعنف ضد المرأة في كافة المجالات، يشمل آليات حماية لضحايا التحرش والاعتداء والاغتصاب".

كما سبق أن انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القانون، معتبرة أنه لا يستوفي المعايير الدولية، لاسيما لجهة عدم مصادقته على "اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرّش" وتطبيقها، مشددة على أنه يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، دون ذكر التدابير الوقائية، إصلاحات قانون العمل، وسبل الانتصاف المدني، في الوقت الذي كان عليه موجب تبني مقاربة شاملة".

رغم جهود المجتمع المدني والحملات الاعلانية التوعوية وتحويل بعض قضايا التحرش إلى قضايا رأي عام، لا يزال الحديث عن التحرش كما تقول الحاج "تابو، لاسيما في البلدات النائية، حيث تمارس الضغوطات على الضحية حتى من أقرب الناس إليها في حال تجرأت على الافصاح عما تعرضت له، ما يحول دون تمكنها من تقديم شكوى بحق المتحرش".