FILE - A patient prepares to take the first of two combination pills, mifepristone, for a medication abortion during a visit to…
تونس هي أول دولة عربية وإسلامية تمكن النساء من حق الإجهاض منذ العام 1973- تعبيرية

يُعرف الإجهاض المتعمّد بأنه العملية التي يُستأصل فيها الجنين على نحو مُتعمد في أثناء الحمل بموافقة ورضا الأم الحامل، ما ينتج عنه وفاة الجنين.

ذكرت منظمة الصحة العالمية أن نحو 73 مليون حالة إجهاض متعمّد تُجرى سنوياً في جميع أنحاء العالم. ويُنهي هذا النوع من الإجهاض ست حالات من أصل كل 10 حالات حمل غير مقصود، و3 حالات من أصل كل 10 حالات حمل مقصود.

وتختلف النظرة إلى الإجهاض المُتعمّد حول العالم. تذهب بعض الدول الأوروبية والآسيوية إلى تقنينه باعتباره حقاً أصيلاً للمرأة الحامل، فيما تجرمه العديد من الدول الأخرى باعتباره قتلا للجنين.

ما المواد التي تناولت الإجهاض المُتعمد في قوانين العقوبات العربية؟ وما هي الحالات التي خفف فيها المشرعون العرب من العقوبة الخاصة بتلك الممارسة؟ وكيف خالفت تونس باقي الدول العربية في تشريعها للإجهاض؟

 

العراق

 

بشكل عام، يرفض القانون العراقي ممارسة عمليات الإجهاض. ويعدّها غير قانونية، وتستوجب العقاب والغرامة المالية. ورد ذلك في المادة رقم 417 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدّل.

نصت تلك المادة على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل امرأة أجهضت نفسها بأية وسيلة كانت أو مكّنت غيرها من ذلك برضاها".

ونصت الفقرة الثانية على معاقبة كل من شارك في تنفيذ الإجهاض: "يُعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمداً برضاها. وإذا أفضى الإجهاض أو الوسيلة التي اُستعملت في إحداثه ولو لم يتم الإجهاض إلى موت المجني عليها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات".

مع ذلك، نص القانون العراقي على تخفيف العقوبة في حالة واحدة فقط. وهي التي يتم فيها إجهاض المرأة الحامل من علاقة خارج الزواج أو إذا حدث الحمل نتيجة اغتصاب. يقول القانون: "يُعدّ ظرفاً قضائياً مخففاً إجهاض المرأة نفسها اتقاءً للعار إذا كانت قد حملت سفاحاً. وكذلك الأمر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من أقربائها إلى الدرجة الثانية".

تفسر المحامية العراقية تغريد هلال هذا الاستثناء القانوني بقوة الروابط الأسرية والعشائرية في المجتمع العراقي. تقول هلال لـ"ارفع صوتك" إن القانون يتسامح مع مسألة "غسل العار" أو قتل المرأة الحامل بـ"السفاح" ويعدها مسألة عائلية خاصة، بل لا يقوى على الوقوف ضد سلطة العشيرة في هذا الشأن.

من جهة أخرى، يُسمح للأطباء العراقيين بممارسة عمليات الإجهاض في حالات نادرة. ومنها الحالات التي يثبت فيها معاناة الجنين من تشوهات خلقية كبيرة في الرأس وفي الجهاز العصبي. أو في حالة إصابة الأم بأمراض سرطانية وخضوعها للعلاج الإشعاعي.

 

سوريا

 

جرم قانون العقوبات السوري 148 لعام 1949 الإجهاض. وبيّن ذلك في مجموعة من المواد. منها المادة رقم 527 التي نصت على أن "كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". حددت المادة رقم 528 العقوبة نفسها على كل شخص يساعد المرأة الحامل في الإجهاض. وشددّت المادة رقم 532 العقوبة في حال كان الشخص الذي ساعد المرأة على الإجهاض من الطاقم الطبي.

مع ذلك، فتحت المادة رقم 531 من القانون الباب أمام حالات الإجهاض للحمل الناتج عن الزنا أو الاغتصاب. نصت تلك المادة على أنه "تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها "محافظة على شرفها". ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 528 و529 لـ"المحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية".

على أرض الواقع، لا تسمح المستشفيات السورية بإجراء عمليات الإجهاض إلا في ظروف نادرة، كالخوف على حياة الأم، أو وجود تشوهات كبيرة في الجنين. رغم ذلك، أوضحت بعض التقارير أن العديد من النساء السوريات أقدمن في السنين الأخيرة على الإجهاض في العيادات الخاصة لبعض الأطباء. الأمر الذي يمكن تفسيره بظروف الحرب الأهلية والصعوبات المرتبطة بالتربية والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون.

 

مصر

 

تجرم القوانين المصرية الإجهاض المتعمّد بشكل كامل. ولا تُستثنى من ذلك إلا حالة واحدة فقط. وهي الحالة التي توجد فيها خطورة كبيرة على حياة الأم. ظهر ذلك التجريم بشكل واضح في نصوص قانون العقوبات المصري. ولا سيما المواد رقم 261 و262 و263 على الترتيب. في المادة رقم 261 حدد المشرّع القانوني المصري عقوبة الحبس لكل من ساعد المرأة الحامل في ممارسة الإجهاض "كل من أسقط عمداً امرأة حبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلالتها عليها سواء كان برضائها أم لا، يعاقب بالحبس". وأكدت المادة رقم 263 أنه إذا كان الشخص الذي ساعد المرأة في تلك الممارسة من العاملين في القطاع الطبي -الطبيب أو الصيدلي أو القابلة- فإن العقوبة تزيد لتصل إلى "الأشغال الشاقة المؤقتة". في السياق نفسه حددت المادة رقم 262 من القانون عقوبة المرأة الحامل التي تُقدم على الإجهاض "والتي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة..." بالسجن.

من الجدير بالذكر أن الجدل الديني- القانوني حول الإجهاض وصل إلى ذروته في مصر في سنة 2007م. في تلك الفترة أقترح بعض أعضاء البرلمان المصري أن يتم تعديل قانون العقوبات ليحتوي على الفقرة الآتية بخصوص حالات الاغتصاب "إذا نتج عن جناية الواقعة حمل جاز للنيابة أن تأذن، وبناء على تقرير من الطبيب الشرعي الذي أثبت الجناية، بالإسقاط (الإجهاض)". أستند أصحاب هذا الرأي وقتها إلى فتوى لشيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي التي أباحت إجهاض المرأة التي تم اغتصابها. رُفضت تلك الفتوى من جانب مجمع البحوث الإسلامية. ورُفض تعديل القانون ليبقى على صورته الحالية.

 

المغرب

 

يُجرم الإجهاض المُتعمد بشكل كامل في نصوص المدونة القانونية المغربية. يذكر الفصل رقم 449 من القانون الجنائي المغربي أن "من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو من دونه، سواء أكان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية...". أما الفصل رقم 454 فحدد العقوبة التي تتراوح بين ستة أشهر وسنتين ضد "كل امرأة أجهضت نفسها عمداً أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما أعطي لها لهذا الغرض".

في سنة 2015م، دفع الجدل المحتدم حول الموقف من الإجهاض المُتعمّد بالملك المغربي محمد السادس إلى تكليف لجنة مؤلفة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لإجراء استشارات موسعة حول تلك القضية. وخلصت اللجنة إلى الإبقاء على تجريم الإجهاض المُتعمّد. واستثنت من ذلك حالات ثلاث: وهي الحالات التي يُشكل فيها الإجهاض خطراً على حياة أو صحة الأم، وحالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم. وحالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين. بطبيعة الحال، رُفضت تلك النتيجة من قِبل بعض الجهات المدنية العلمانية المغربية. وعلى رأسها "الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري" والمعروفة بدعوتها إلى تشريع الإجهاض. نادت الجمعية وقتها بأن "الإجهاض يجب الترخيص له في حالة وجود خطر على صحة المرأة الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية"، وليس فقط في الحالات الثلاث التي انتهت إليها "اللجنة الملكية".

 

تونس

 

على النقيض من أغلب الدول العربية والإسلامية، لا يُجرّم القانون التونسي الإجهاض المُتعمّد. ويمكن القول إن تونس هي أول دولة عربية وإسلامية تمكن النساء من حق الإجهاض منذ سنة 1973م. تم تنظيم ذلك الحق بعدد من المواد القانونية الواردة في المجلة الجزائية التونسية. جاء في الفصل رقم 214 من المجلة "إسقاط الجنين في حالتين؛ إذا لم تتجاوز مدّة الحمل الثلاثة أشهر الأولى، أو يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إذا ما كان يُخشى من أن يتسبب تواصل الحمل في انهيار صحة الأم. وفي كلا الحالتين، لا بد من إسقاط الحمل في مستشفى أو مصحّة مرخص لها بواسطة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية، تجنباً لأي خطر على صحة الأم". رغم ذلك نصّ القانون على عقاب من يقوم بالإجهاض في غير الحالتين المذكورتين "تُعاقب المرأة على جريمة الإجهاض... بالسجن لمدّة عامين وغرامة مالية قدرها 650 دولاراً. كما يُعاقب بالسجن والغرامة المالية من ساعدها على ذلك من أهل وأقارب والطبيب الذي أجرى العملية أو الصيدلي الذي باع دواء الإجهاض. ويُعاقب بالسجن لمدّة 5 سنوات وغرامة مالية قدرها 3500 دولار كل من ساعد على الإجهاض. وتشدد العقوبة لتصل إلى 10 سنوات لمن ساعد على الإجهاض وله سلطة طبية بأداء الإسقاط أو إعطاء أدوية تساعد فيه". في هذا السياق، يتم ممارسة الإجهاض المُتعمّد في المستشفيات الحكومية التونسية بشكل قانوني ومُعلن. وبحسب الأرقام الصادرة عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري فإن المستشفيات التونسية أجرت 18 ألف حالة اجهاض خلال سنة 2016م. وانقسمت هذه الحالات إلى 16 ألف حالة إجهاض دوائي و2000 إجهاض جراحي.

رغم ذلك، تعالت العديد من الأصوات النسائية التونسية التي تشتكي من عدم تمكينها من ممارسة حقها القانوني في الإجهاض في السنوات الأخيرة. ترى تلك الأصوات أن هناك سببين رئيسين لصعوبة الإجهاض في تونس. السبب الأول ويتمثل في زيادة أعداد المتدينين -الذين يرون حرمة الإجهاض- في الأوساط الطبية. وعدم وجود إلزام قانوني للأطباء بأداء عملية الإجهاض للنساء الراغبات في ذلك. أما السبب الثاني فيتعلق بالصعوبات المادية والمالية التي تعاني منها الدولة التونسية، والتي تسببت في تقليص الحكومة من الميزانية المرصودة للصحة الإنجابية والجنسية، ما أدى إلى نقص الإمكانيات والأدوية وارتفاع تكلفة الإجهاض سواء عن طريق العقاقير والأدوية أو العمليات الجراحية.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".