FILE - A patient prepares to take the first of two combination pills, mifepristone, for a medication abortion during a visit to…
تونس هي أول دولة عربية وإسلامية تمكن النساء من حق الإجهاض منذ العام 1973- تعبيرية

يُعرف الإجهاض المتعمّد بأنه العملية التي يُستأصل فيها الجنين على نحو مُتعمد في أثناء الحمل بموافقة ورضا الأم الحامل، ما ينتج عنه وفاة الجنين.

ذكرت منظمة الصحة العالمية أن نحو 73 مليون حالة إجهاض متعمّد تُجرى سنوياً في جميع أنحاء العالم. ويُنهي هذا النوع من الإجهاض ست حالات من أصل كل 10 حالات حمل غير مقصود، و3 حالات من أصل كل 10 حالات حمل مقصود.

وتختلف النظرة إلى الإجهاض المُتعمّد حول العالم. تذهب بعض الدول الأوروبية والآسيوية إلى تقنينه باعتباره حقاً أصيلاً للمرأة الحامل، فيما تجرمه العديد من الدول الأخرى باعتباره قتلا للجنين.

ما المواد التي تناولت الإجهاض المُتعمد في قوانين العقوبات العربية؟ وما هي الحالات التي خفف فيها المشرعون العرب من العقوبة الخاصة بتلك الممارسة؟ وكيف خالفت تونس باقي الدول العربية في تشريعها للإجهاض؟

 

العراق

 

بشكل عام، يرفض القانون العراقي ممارسة عمليات الإجهاض. ويعدّها غير قانونية، وتستوجب العقاب والغرامة المالية. ورد ذلك في المادة رقم 417 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدّل.

نصت تلك المادة على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل امرأة أجهضت نفسها بأية وسيلة كانت أو مكّنت غيرها من ذلك برضاها".

ونصت الفقرة الثانية على معاقبة كل من شارك في تنفيذ الإجهاض: "يُعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمداً برضاها. وإذا أفضى الإجهاض أو الوسيلة التي اُستعملت في إحداثه ولو لم يتم الإجهاض إلى موت المجني عليها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات".

مع ذلك، نص القانون العراقي على تخفيف العقوبة في حالة واحدة فقط. وهي التي يتم فيها إجهاض المرأة الحامل من علاقة خارج الزواج أو إذا حدث الحمل نتيجة اغتصاب. يقول القانون: "يُعدّ ظرفاً قضائياً مخففاً إجهاض المرأة نفسها اتقاءً للعار إذا كانت قد حملت سفاحاً. وكذلك الأمر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من أقربائها إلى الدرجة الثانية".

تفسر المحامية العراقية تغريد هلال هذا الاستثناء القانوني بقوة الروابط الأسرية والعشائرية في المجتمع العراقي. تقول هلال لـ"ارفع صوتك" إن القانون يتسامح مع مسألة "غسل العار" أو قتل المرأة الحامل بـ"السفاح" ويعدها مسألة عائلية خاصة، بل لا يقوى على الوقوف ضد سلطة العشيرة في هذا الشأن.

من جهة أخرى، يُسمح للأطباء العراقيين بممارسة عمليات الإجهاض في حالات نادرة. ومنها الحالات التي يثبت فيها معاناة الجنين من تشوهات خلقية كبيرة في الرأس وفي الجهاز العصبي. أو في حالة إصابة الأم بأمراض سرطانية وخضوعها للعلاج الإشعاعي.

 

سوريا

 

جرم قانون العقوبات السوري 148 لعام 1949 الإجهاض. وبيّن ذلك في مجموعة من المواد. منها المادة رقم 527 التي نصت على أن "كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". حددت المادة رقم 528 العقوبة نفسها على كل شخص يساعد المرأة الحامل في الإجهاض. وشددّت المادة رقم 532 العقوبة في حال كان الشخص الذي ساعد المرأة على الإجهاض من الطاقم الطبي.

مع ذلك، فتحت المادة رقم 531 من القانون الباب أمام حالات الإجهاض للحمل الناتج عن الزنا أو الاغتصاب. نصت تلك المادة على أنه "تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها "محافظة على شرفها". ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 528 و529 لـ"المحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية".

على أرض الواقع، لا تسمح المستشفيات السورية بإجراء عمليات الإجهاض إلا في ظروف نادرة، كالخوف على حياة الأم، أو وجود تشوهات كبيرة في الجنين. رغم ذلك، أوضحت بعض التقارير أن العديد من النساء السوريات أقدمن في السنين الأخيرة على الإجهاض في العيادات الخاصة لبعض الأطباء. الأمر الذي يمكن تفسيره بظروف الحرب الأهلية والصعوبات المرتبطة بالتربية والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون.

 

مصر

 

تجرم القوانين المصرية الإجهاض المتعمّد بشكل كامل. ولا تُستثنى من ذلك إلا حالة واحدة فقط. وهي الحالة التي توجد فيها خطورة كبيرة على حياة الأم. ظهر ذلك التجريم بشكل واضح في نصوص قانون العقوبات المصري. ولا سيما المواد رقم 261 و262 و263 على الترتيب. في المادة رقم 261 حدد المشرّع القانوني المصري عقوبة الحبس لكل من ساعد المرأة الحامل في ممارسة الإجهاض "كل من أسقط عمداً امرأة حبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلالتها عليها سواء كان برضائها أم لا، يعاقب بالحبس". وأكدت المادة رقم 263 أنه إذا كان الشخص الذي ساعد المرأة في تلك الممارسة من العاملين في القطاع الطبي -الطبيب أو الصيدلي أو القابلة- فإن العقوبة تزيد لتصل إلى "الأشغال الشاقة المؤقتة". في السياق نفسه حددت المادة رقم 262 من القانون عقوبة المرأة الحامل التي تُقدم على الإجهاض "والتي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة..." بالسجن.

من الجدير بالذكر أن الجدل الديني- القانوني حول الإجهاض وصل إلى ذروته في مصر في سنة 2007م. في تلك الفترة أقترح بعض أعضاء البرلمان المصري أن يتم تعديل قانون العقوبات ليحتوي على الفقرة الآتية بخصوص حالات الاغتصاب "إذا نتج عن جناية الواقعة حمل جاز للنيابة أن تأذن، وبناء على تقرير من الطبيب الشرعي الذي أثبت الجناية، بالإسقاط (الإجهاض)". أستند أصحاب هذا الرأي وقتها إلى فتوى لشيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي التي أباحت إجهاض المرأة التي تم اغتصابها. رُفضت تلك الفتوى من جانب مجمع البحوث الإسلامية. ورُفض تعديل القانون ليبقى على صورته الحالية.

 

المغرب

 

يُجرم الإجهاض المُتعمد بشكل كامل في نصوص المدونة القانونية المغربية. يذكر الفصل رقم 449 من القانون الجنائي المغربي أن "من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو من دونه، سواء أكان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية...". أما الفصل رقم 454 فحدد العقوبة التي تتراوح بين ستة أشهر وسنتين ضد "كل امرأة أجهضت نفسها عمداً أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما أعطي لها لهذا الغرض".

في سنة 2015م، دفع الجدل المحتدم حول الموقف من الإجهاض المُتعمّد بالملك المغربي محمد السادس إلى تكليف لجنة مؤلفة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لإجراء استشارات موسعة حول تلك القضية. وخلصت اللجنة إلى الإبقاء على تجريم الإجهاض المُتعمّد. واستثنت من ذلك حالات ثلاث: وهي الحالات التي يُشكل فيها الإجهاض خطراً على حياة أو صحة الأم، وحالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم. وحالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين. بطبيعة الحال، رُفضت تلك النتيجة من قِبل بعض الجهات المدنية العلمانية المغربية. وعلى رأسها "الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري" والمعروفة بدعوتها إلى تشريع الإجهاض. نادت الجمعية وقتها بأن "الإجهاض يجب الترخيص له في حالة وجود خطر على صحة المرأة الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية"، وليس فقط في الحالات الثلاث التي انتهت إليها "اللجنة الملكية".

 

تونس

 

على النقيض من أغلب الدول العربية والإسلامية، لا يُجرّم القانون التونسي الإجهاض المُتعمّد. ويمكن القول إن تونس هي أول دولة عربية وإسلامية تمكن النساء من حق الإجهاض منذ سنة 1973م. تم تنظيم ذلك الحق بعدد من المواد القانونية الواردة في المجلة الجزائية التونسية. جاء في الفصل رقم 214 من المجلة "إسقاط الجنين في حالتين؛ إذا لم تتجاوز مدّة الحمل الثلاثة أشهر الأولى، أو يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إذا ما كان يُخشى من أن يتسبب تواصل الحمل في انهيار صحة الأم. وفي كلا الحالتين، لا بد من إسقاط الحمل في مستشفى أو مصحّة مرخص لها بواسطة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية، تجنباً لأي خطر على صحة الأم". رغم ذلك نصّ القانون على عقاب من يقوم بالإجهاض في غير الحالتين المذكورتين "تُعاقب المرأة على جريمة الإجهاض... بالسجن لمدّة عامين وغرامة مالية قدرها 650 دولاراً. كما يُعاقب بالسجن والغرامة المالية من ساعدها على ذلك من أهل وأقارب والطبيب الذي أجرى العملية أو الصيدلي الذي باع دواء الإجهاض. ويُعاقب بالسجن لمدّة 5 سنوات وغرامة مالية قدرها 3500 دولار كل من ساعد على الإجهاض. وتشدد العقوبة لتصل إلى 10 سنوات لمن ساعد على الإجهاض وله سلطة طبية بأداء الإسقاط أو إعطاء أدوية تساعد فيه". في هذا السياق، يتم ممارسة الإجهاض المُتعمّد في المستشفيات الحكومية التونسية بشكل قانوني ومُعلن. وبحسب الأرقام الصادرة عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري فإن المستشفيات التونسية أجرت 18 ألف حالة اجهاض خلال سنة 2016م. وانقسمت هذه الحالات إلى 16 ألف حالة إجهاض دوائي و2000 إجهاض جراحي.

رغم ذلك، تعالت العديد من الأصوات النسائية التونسية التي تشتكي من عدم تمكينها من ممارسة حقها القانوني في الإجهاض في السنوات الأخيرة. ترى تلك الأصوات أن هناك سببين رئيسين لصعوبة الإجهاض في تونس. السبب الأول ويتمثل في زيادة أعداد المتدينين -الذين يرون حرمة الإجهاض- في الأوساط الطبية. وعدم وجود إلزام قانوني للأطباء بأداء عملية الإجهاض للنساء الراغبات في ذلك. أما السبب الثاني فيتعلق بالصعوبات المادية والمالية التي تعاني منها الدولة التونسية، والتي تسببت في تقليص الحكومة من الميزانية المرصودة للصحة الإنجابية والجنسية، ما أدى إلى نقص الإمكانيات والأدوية وارتفاع تكلفة الإجهاض سواء عن طريق العقاقير والأدوية أو العمليات الجراحية.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.
كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن- صورة تعبيرية.

صدم منشور لمنظمة اليونيسف حول التحرش الجنسي، اللبنانيين، حيث أشارت من خلاله إلى أن "كل النساء في لبنان تقريبا تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن".

ولفتت المنظمة الأممية عبر صفحتها على "فيسبوك" إلى أن هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح أمرا عاديا في المجتمع، في الأماكن العامة وعبر الإنترنت، في الأسواق والمواصلات، داعية الجميع إلى مكافحته من خلال رفع الصوت، طلب المساعدة والتنديد.

ما أوردته المنظمة الأممية يعكس الكثير من الحقيقة، كما تقول مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، شارحة "النساء معرضات في أي مرحلة من مراحل حياتهن للتحرش الجنسي أيا يكن مستواهن الاقتصادي، العلمي، الأكاديمي، المهني والثقافي، حيث يقف خلف ذلك منظومة فكرية تشجع العنف المبني على النوع الاجتماعي وتتسامح معه، ملقية دائماً باللوم على المرأة ومبررة للرجل ما يرتكبه بحقها".

وفي ظل غياب التوعية الجنسية، قد تتعرض كما تقول قصقص "صغيرات للتحرش من دون أن يعلمن حقيقة ما يحصل لهن، رغم إدراكهن أنه أمر غير طبيعي ومزعج، يترافق ذلك مع شعور بالذنب يتضاعف حين يكبرن ويكتشفن أن انتهاكاً كان يمارس بحقهن".

ميرفت، إحدى اللبنانيات اللواتي تعرضن للتحرش، كان ذلك قبل حوالي العشر سنوات، حين قررت ممارسة رياضة المشي صباحا في شوارع بيروت بهدف إنقاص وزنها، لكن بدلا من ذلك أصيبت بصدمة نفسية بعدما لاحقها شاب خلع ملابسه وبدأ القيام بحركات جنسية والتلفظ بكلمات نابية، منتهزا فرصة خلو الشارع من المارة".

وتقول لموقع "الحرة" "رغم مرور كل تلك السنوات لكن إلى حد الآن لا يمكنني نسيان أو تخطي ما حصل، نعم تمكّنت من الهروب من المتحرش حينها، لكنني لازلت أسيرة مشاهد ما ارتكبه".

عاشت ميرفت أياما صعبة بعد الحادثة، خوف مما حصل وألم لعدم قدرتها على البوح لعائلتها كي لا تلقي اللوم عليها وتقول "لم أتجرأ حتى على إخبار صديقاتي وكذلك الخروج من المنزل وحدي، كنت أشعر تارة بالظلم وتارة أخرى كنت أجلد نفسي لعجزي عن مواجهة جميع من حولي، طاردتني الكوابيس وأصبت بالاكتئاب إلى أن قررت بعد حوالي السنة كسر حاجز ضعفي واطلاع والدتي".

خلط مفاهيم 

على نقيض ما ذكرته اليونيسف، تؤكد القوى الأمنية أن لبنان من البلدان الأكثر أمانا فيما يتعلق بجريمة التحرش، عن ذلك يشرح مصدر في قوى الأمن الداخلي لموقع "الحرة"، "المقصود بذلك أن وضع لبنان أفضل مقارنة مع العديد من الدول العربية والأجنبية، من دون أن ننفي حصول هذا النوع من الجرائم بالمطلق، لاسيما جريمة الابتزاز الالكتروني، التي ننبه منها كثيرا، حيث ندعو إلى اتباع سبل الوقاية ومنها عدم نشر أو إرسال صور خاصّة أو مقاطع فيديو شخصية عبر تطبيقات الإنترنت وتجنَّب محادثة الغرباء أو لقاءهم، وتعزيز إعدادات الأمان والخصوصية على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي".

كما تؤكد المحامية في منظمة "كفى"، فاطمة الحاج، أنه لا توجد إحصاءات لعدد ضحايا التحرش الجنسي في لبنان، مشددة على أن "عددا كبيرا من النساء لا يعلمن الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي بغض النظر عن مستواهن الثقافي".

وتشرح "التحرش يكون إما لفظيا أو إلكترونيا أي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالابتزاز العاطفي والرسائل المتضمنة ألفاظا نابية، أما في حالة لمس الضحية بقصد الإثارة نكون عندها أمام اعتداء جنسي".

ثلاث سنوات وميادة تعتقد أن ما تعرضت له على يد زوج صديقتها تحرش وليس اعتداء، وتقول "بغض النظر عن تلك المفاهيم، تبقى الحقيقة ثابتة، وهي انتهاز من كنت اعتبره بمثابة أخ لي فرصة أطباقي وزوجته أعيننا للنوم خلال قيادته للسيارة أثناء عودتنا من السهرة، فقام بتلمس رجلي صعودا، حينها استيقظت مرعوبة، كذبت نفسي، ولأتأكد، عاودت إطباق عيني وإذ به يكرر فعلته، ارتعبت وما كان مني إلا أن تظاهرت أني أتحدثت مع والدتي عبر الهاتف لكي يتوقف عن جريمته".

أطلعت ميادة صديقتها عما فعله زوجها فطلبت منها التكتم عن الأمر، وتقول "صدمت بردة فعلها أكثر من الفعل الذي أقدم عليه زوجها"، مشددة "في ذلك اليوم شعرت بأن غلاف حمايتي تمزّق، انعدمت ثقتي بجميع من حولي، عانيت من الاكتئاب لاسيما وأني لا أملك إثبات كي يصدقني الناس ويحميني القانون".

تلقت الشابة الثلاثينية العلاج عند اخصائية نفسية، ساعدها ذلك في اجتياز مسافة طويلة في طريق شفائها، إلا أنه كما تقول "مجرد أن تجرأت على البوح أمام محيطي شعرت بأني أسقط عن كاهلي ألم الكون".

آثار عميقة

يسبب التحرش الجنسي كما تؤكد قصقص "صدمة للجهاز النفسي، ويخلف آثارا نفسية عميقه في ضحاياه، منها ضعف الثقة بالنفس ولوم الذات وتدني القيمة الذاتية وتشوه صورة الجسد.

ومن الضحايا من يعانين كما تقول "من اضطراب ما بعد الصدمة وهو الأكثر شيوعا في حالات العنف الجنسي، ومن عوارضه صعوبة التركيز والنوم، الأفكار السلبية والكوابيس، القلق والاكتئاب والانفعال".

وتضيف "تختلف طرق تعامل ضحايا التحرش مع ما تعرضن له، منهن من يفصحن عما واجهن في حين تفضل بعضهن التكتم عنه كي لا يسترجعن تفاصيل الحدث المؤلم الذي مررن بها، رغم أن الحقيقة لا يفارق ذاكرتهن، أو لأنهن لا يشعرن بدعم محيطهن والمجتمع أو يخشين عدم تصديقهن إضافة إلى مشاعر لوم الذات التي تختلجهن". 

أما علاج ضحايا التحرش الجنسي فيتطلب بحسب قصقص "تقديم الدعم والمتابعة النفسية والاجتماعية الفردية والجماعية لهن من قبل اختصاصيين، لتجريدهن من مشاعر الذنب وتمكينهن من إعادة ترميم صورتهن الجسدية ورفع منسوب تقديرهن لأنفسهن".

وتشدد "لا شك أن الوقاية خير من قنطار علاج، من هنا لا بد من رفع التوعية حول قضايا العنف الجنسي، وهذا ما يحصل في هذه المرحلة كوننا في حملة الـ 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي الدولية التي تبدأ في 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر".

ولهذه المناسبة أطلقت منظومة الأمم المتحدة في لبنان بالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، حملة محلية من موضوع الحملة الدولي التي تحمل عنوان "اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات"، واستخدم وسمَي #NoExcuse و #وقفة_لوقف_العنف، حيث تهدف إلى لفت الانتباه إلى احتياجات النساء والفتيات بكل تنوّعهن.

وقالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا "إن العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يُشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان فحسب، بل إنه يُلحق الضرر أيضاً بالمجتمع ككل.. بينما يواجه لبنان أزمات متعددة، كان آخرها خطر النزاع، يحقّ للنساء والفتيات الشعور بالأمان والحماية. وينبغي أيضًا تمكين المرأة لاستخدام إمكاناتها الكاملة ولعب أدوار قيادية تسهم في رفاهة بلادها والسلام والأمن والتنمية المستدامة".

زرّ المواجهة

لتمكين فتيات ونساء لبنان من مكافحة العنف الجنسي، توّزع جمعية "أحلى فوضى"، "زرّ وقائي" عبارة عن جهاز انذار يمكن تفعيله بالضغط عليه، فيصدر صوتا بقوة حوالي 125 ديسيبل يخيف المهاجم ويدفعه للهرب.

وتشرح رئيسة الجمعية، إيمان نصر الدين عساف، "الزر من انتاج جاين سونغ، والدة الموظفة في السفارة البريطانية ريبيكا دايكس التي اغتصبت وقتلت خنقا في بيروت عام 2017، هدفه الحماية من العنف الجنسي، ونحن نتعاون معها في تحقيق مشروعها".

أسست سونغ جمعية "زرّ بيكي" وهي تعمل على تطوير جهاز الإنذار، بحسب نصر الدين، لافتة إلى أنه "وزعنا إلى حد الآن نحو ألف قطعة منه، وهناك تجاوب كبير من الفتيات والنساء".

وكان مجلس النواب اللبناني صادق على عام 2020 على قانون "تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، إلا أن هذا القانون ينطوي بحسب الحاج "على ثغرات عدة، منها تعريفه الفضفاض لهذا الجرم، لاسيما فيما يتعلق بالسلوك المتكرر، حيث يترك للقاضي حق التقدير فيما إن كان سلوك ما يدخل ضمن إطار التحرش من عدمه، وبالتالي قد تدفعه ذكوريته إلى عدم اعتبار لفظ ناب بأنه تحرش، وذلك بدلا من إعطاء هذا الحق للضحية التي يقع على عاتقها عبء إثبات الجرم رغم صعوبة الأمر".

وتعرّف المادة الأولى من القانون التحرش الجنسي بأنه "أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال، أو أفعال، أو إشارات، أو إيحاءات، أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية". 

يعتبَر أيضا تحرشا جنسيا "كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي، أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير".

يفتقد القانون كذلك بحسب الحاج إلى آلية حماية للضحية من المتحرش، "لكل ذلك تعمل جمعية كفى على صياغة قانون شامل لمناهضة للعنف ضد المرأة في كافة المجالات، يشمل آليات حماية لضحايا التحرش والاعتداء والاغتصاب".

كما سبق أن انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القانون، معتبرة أنه لا يستوفي المعايير الدولية، لاسيما لجهة عدم مصادقته على "اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرّش" وتطبيقها، مشددة على أنه يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، دون ذكر التدابير الوقائية، إصلاحات قانون العمل، وسبل الانتصاف المدني، في الوقت الذي كان عليه موجب تبني مقاربة شاملة".

رغم جهود المجتمع المدني والحملات الاعلانية التوعوية وتحويل بعض قضايا التحرش إلى قضايا رأي عام، لا يزال الحديث عن التحرش كما تقول الحاج "تابو، لاسيما في البلدات النائية، حيث تمارس الضغوطات على الضحية حتى من أقرب الناس إليها في حال تجرأت على الافصاح عما تعرضت له، ما يحول دون تمكنها من تقديم شكوى بحق المتحرش".