قبل ثلاثة أسابيع من انطلاق "مارثون البصرة" بدأت العراقية إنعام حسين (اسم مستعار) تدريباتها الرياضية، بعد أن سجلت اسمها ضمن قوائم المشتركين، إلا أنها قررت قبل أيام من السباق الانسحاب؛ على أثر الأصوات المتشددة بالتحريض ضد النساء المشاركات.
تبين لـ"ارفع صوتك": "كنت متحمسة للمشاركة في الماراثون مع عائلتي، باعتباره جزءاً من النشاطات العائلية المبهجة، لكنني انسحبت بسبب عدم الشعور بالأمان، جرّاء الحملة الشرسة لوقف مشاركة المرأة في الماراثون".
لم يقتصر الأمر على تهديد النساء فحسب، كما تؤكد إنعام، "بل وصل الأمر إلى اتهام الرجال في العوائل التي وافقت على مشاركة نسائها في الماراثون بالدياثة والانحلال"، وفق تعبيرها.
وكان محافظة البصرة جنوب العراق، وافقت على إقامة الماراثون في التاسع من فبراير، المافق أمس الجمعة، وانتشرت الحملة الإعلانية الخاصة بالمسابقة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل منذ بداية العام الجاري.
وقبل الموعد المعلن بأيام، انتشر بيان مصور في صفحات عراقية على مواقع التواصل، يظهر فيه عدد من رجال الدين يطالبون بإلغاء الماراثون "بالسرعة الممكنة" على حد تعبيرهم، واصفين إياه بأنه "طامة أخرى يُراد إقامتها لجعل نساء البصرة تخرج من عفتها وشرفها، ومهددين بالتدخل في حالة عدم إلغائه".
قوبل ذلك بإصدار محافظ البصرة بالوكالة، محمد طاهر التميمي، توجيهاً للقائمين على إدارة الماراثون بـ"منع الاختلاط بين الجنسين" مقروناً بعبارة "لا مانع من إقامة الماراثون للذكور فقط"، كما توعدّ باتخاذ "الإجراءات القانونية بحق المخالفين".
على خلفية القرار، أصدر منظمو المهرجان تصريحات على صفحاتهم في مواقع التواصل قالوا فيها إن المشاركة في المحفل ستقتصر على الذكور فقط "بناء على توجيهات محافظ البصرة وكالة".
وفي يوم الماراثون، قالت الجهة المنظمة على صفحتها في فيسبوك "حفاظاً وحرصاً منا على سلامة الجميع، نقدم اعتذارنا لكل المشاركات. هذا القرار كان رغماً عنا، لكن حاولنا وما زلنا نحاول لكي تكوني جزءاً منا".
"فقدان الشعور بالأمان"
على الرغم من الجدل الحاد في الشارع البصري الذي انعكس في مواقع التواصل، أقيم ماراثون البصرة في موعده بمشاركة 1500 مشترك جميعهم ذكور، قطعوا مسافة 13 كم من منطقة صفوان إلى جبل سنام بمحاذاة الحدود العراقية الكويتية وسط إجراءات أمنية مشددة لتوفير الحماية.
افتقد الماراثون إلى "نحو ألفي مشتركة أنثى قامت بالتسجيل ضمن الاستمارة التي وفرتها الجهة المنظمة على قناتها في تلغرام"، بحسب الناشطة النسوية همسة الأسدي، التي أبلغت "ارفع صوتك" أن الانسحاب النسوي جاء "باعتبار البصرة مدينة عشائرية محافظة، وليس من السهولة أن يتقبل المجتمع اشتراك المرأة في فعاليات رياضية ماراثونية".
من المفارق، أن الإعلان عن الماراثون جاء مصحوباً بفكرة الترويج السياحي لمدينة البصرة على اعتبار أنها تنعم بالأمان، إلا أن الواقع "كان عكس ذلك"، على حد وصف عضوة فريق "النشمية" التطوعي، شكر هيام.
تضيف لـ"ارفع صوتك"، أن النساء في البصرة "فقدن الشعور بالأمان لمجرد الحضور في هذا الماراثون وأن يكنّ جزءاً من الحدث حتى ولو متفرجات فقط".
وتشير شكر إلى أن المحافظة شهدت العام الماضي ماراثوناً آخر ولكن على مستوى صغير، شاركت هي وفريقها فيه، لكنه لم يشهد أي مشكلة، لذلك تحمست هي والكثير من المشاركات للمشاركة هذا العام، كونه على مستوى أوسع من حيث التنظيم والعدد والجوائز.
وتعتبر ما حصل "جزءاً من السعي نحو الفصل بين الجنسين في الحياة العامة وهناك توجهات نراها على الأرض لهذا الهدف، لا تصب في مصلحة المجتمع، إذتتسبب بشرخ في العلاقة بين المرأة والرجل".
وعلى موقع إكس، احتدم الجدل بين مؤيدي القرار والرافضين له، ووجه بشار إدوارد حديثه للجهات المهددة للماراثون بالقول "من أنتم لكي تحددوا عفة وشرف نساء البصرة يا جهلاء الحياة.. تهديد ووعيد من قبل رجال الدين للمواطنين العزل لا فرق بينكم وبين البغدادي"، في إشارة إلى زعيم تنظيم داعش الأسبق أبو بكر البغدادي.
وتساءل محمد قاسم مستعجباً "منافذ البصرة المخدرات تجيء منها أكثر من الطماطم، ليش محد يحجي عليها (لماذا لا يتكلم أحد عنها)، فقط الماراثون والمهرجانات تطلعون وتحجو؟".
كما علقت رنا هيثم، بالقول "بعد خسارتهم في البصرة عادوا إلى لغة التهديد واللعب على وتر الطائفية، العراق ليس طهران وقندهار".
قنوات الجماعات المسلحة وبعض رجال الدين يحرضون ضد ماراثون البصرة بمشاركة
— 𝗥𝗮𝗻𝗮 (@RU_T66) February 7, 2024
النساء ويعتبرون إقامة الماراثون مؤامرة كونية!!
بعد خسارتهم في البصرة عادوا إلى لغة التهديد واللعب على وتر الطائفية، العراق ليس طهران وقندهار.
المؤيدون للقرار بدورهم، عبروا عن مساندتهم للجهات التي حرّمت على المرأة الاشتراك في الماراثون، من بينهم مصطفى عماد، الذي كتب "لا تسكتوا أمام شلة صغيرة تريد نشر الانحلال فيكم بناء على توجيه وتمويل الغرب".
وقال علي أحمد، إن مشاركة المرأة في الماراثون "انحطاط أخلاقي واستهتار برعاية ودعم من الحكومة المحلية في البصرة"، على حدّ تعبيره.
"أجندات سياسية"
يعلّق الباحث السياسي البصري عمار سرحان، على ما جرى، بالقول إن "أجندات سياسية تقف وراءه"، موضحاً لـ"ارفع صوتك" أن القائمين على الماراثون حصلوا على موافقة من محافظ البصرة أسعد العيداني في وقت سابق، وبدأت الجهة المنظمة بالدعاية والترويج للمسابقة، ولم تكن هناك مشاكل حتى بدأت أطراف سياسية (لم يسمها) بالتدخل.
ويعتقد أن الهدف من التدخل هو "الدعاية السياسية باستغلال قضايا المرأة للترويج لصالح جهات سياسية معينة برزت بعد الانتخابات، لتقول إننا نحمي المدينة من العلمانية والاختلاط بين الجنسين وإبراز أسماء سياسيين محددين قاموا بمنع مشاركة النساء في المسابقة".
إيقاف مشاركة المرأة في الماراثون، بحسب سرحان، "لم تكن أول حالة في البصرة بعد الانتخابات، فقد سبقه إلغاء مهرجان (شنشل مول) بعد أن تدخلت جهات سياسية، ثم تبعها إيقاف الاحتفالات في سفينة سياحية وسط شط العرب".
وكان التميمي وجه في الثالث من فبراير الحالي بإغلاق قاعة "شنشل مول" إثر إقامة مهرجان "البصرة تحييكم" لعدم التزام الجهة المنظمة للمهرجان بـ"قواعد السلوك الاجتماعي للمجتمع البصري بشكل خاص وظهور مشاهد خادشة للحياء في مجتمعنا"، كما ورد في تصريحه.
وبعدها بثلاثة أيام وجه باتخاذ إجراءات قانونية بحق صاحب مدينة ألعاب "هابي لاند" والفنان حيدر الركابي، بسبب "إقامة حفل غنائي راقص وعدم احترامهم للمشاعر الدينية لشريحة واسعة من الشعب العراقي"، على حدّ قوله.