تحرش ومحاولة اغتصاب في العراق
لتحرش الجنسي، هو أي سلوك ذي طبيعة جنسية غير مرحب به وقد يتسبب بالإساءة أو الإهانة للآخرين- تعبيرية

يعرّف التحرش الجنسي بأنه "أي سلوك ذي طبيعة جنسية غير مرحب به، وقد يتسبب بالإساءة أو الإهانة للآخرين"، ومن الممكن أن يتخذ التحرش الجنسي صيغاً متعددةً من النظرات إلى الكلام والاتصال الجسدي ذي الطبيعة الجنسية.

ويعدّ التحرش أحد أبرز الجرائم المتكررة في كثير من الدول العربية خلال السنوات الماضية. فما نسب التحرش الجنسي في الدول العربية؟ وما المواد القانونية التي تعمل على الحد منه؟

 

مصر

عانت المصريات كثيراً من ظاهرة التحرش الجنسي، للدرجة التي حدت ببعض التقارير لوصف القاهرة بأنها من "أكثر مدن العالم خطورة على النساء".

ونصت المادة 306 من قانون العقوبات على معاقبة المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه.

استمر العمل بهذه المادة لعقود عدة، حتى علت أصوات تطالب بتغييرها، تزامناً مع التزايد المطرد لحالات التحرش، ورصد وتوثيق العديد من حالات التحرش الجماعي التي ارتبطت بالاحتفالات الدينية أو الاستحقاقات الانتخابية.

تسببت تلك الأحداث في توجيه الانتقادات المتكررة للحكومة المصرية من قِبل منظمات حقوقية.

على سبيل المثال في 2014، طالبت "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية بالتحرك سريعاً لمكافحة جميع أشكال العنف والتحرش ضد النساء المصريات.

وفي 2018، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً انتقدت فيه "تقاعس الحكومة المصرية عن معالجة ظاهرة التحرش الجنسي"، مطالبة بالإسراع للإفراج عن جميع الناشطين الحقوقيين الذين قُبض عليهم بسبب توجيههم الانتقاد للنظام المصري لعجزه عن حل هذه المشكلة.

وظهرت أيضا مبادرات نسوية رافضة للتكتم على جرائم التحرش، من أهمها حملة "اتكلموا" (نوفمبر 2018)، التي هدفت إلى التوعية ضد التحرش الجنسي في المواصلات العامة.

وفي يوليو 2020، لجأت آلاف المصريات للفضاء الإلكتروني للكشف عن حالات التحرش التي وقعن ضحايا لها من قبل، باستخدام هاشتاغ #اسمع_صوت_المصريات و #حق_المصريات_فين.

وبعد عام واحد، تمت الاستجابة للمطالبات السابقة، حيث أقر البرلمان المصري تعديلاً تشريعياً شدد من خلاله عقوبة التحرش الجنسي بالنساء.

بموجب هذا التعديل، تحول التحرش الجنسي من جنحة إلى جناية، وأصبح الحد الأدنى للعقوبة الحبس خمس سنوات.

ونص التعديل الجديد كذلك على أن تكون عقوبة التحرش الجنسي الحبس سبع سنوات بحد أدنى في حال اقترن التحرش بحمل سلاح أو إذا كان المتحرش يملك أي سلطة وظيفية أو غيرها على المرأة.

متهمين في قفص المحكمة بمصر
محكمة مصرية تحكم بالسجن ثلاث سنوات على شاب أُدين بالتحرش الجنسي
قضت محكمة مصرية الثلاثاء بحبس الشاب المصري أحمد بسام زكي لمدة ثلاث سنوات، لإدانته بالتحرش جنسيا بفتاتين عبر وسائل الاتصال، حسب ما صرح مسؤول قضائي.

وقال المسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية "قضت محكمة القاهرة الاقتصادية اليوم (الثلاثاء) بمعاقبة المتهم أحمد بسام زكي بالحبس لمدة 3 سنوات، لإدانته بالتحرش جنسيا بفتاتين، هاتفيا، عن طريق إرسال صور جنسية

 

العراق

لا توجد إحصائيات دقيقة عن أرقام جرائم التحرش الجنسي في العراق، بينما أفادت تقارير عدة بتعرض الكثير من الفتيات له في أماكن العمل.

وفي إحدى الدراسات، تبين أن أكثر من نصف الصحافيات في العراق عانين من التحرش الجنسي داخل المؤسسات الإعلامية.

قانونياً، لم ترد لفظة "التحرش" في قانون العقوبات العراقي، ويتعامل القضاء مع التحرش تحت عنوان "الجرائم المخلّة بالحياء".

وتنص المادة رقم 400 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المُعدل أن "من ارتكب مع شخص، ذكراً أو انثى، فعلاً مخلاً بالحياء بغير رضاه أو رضاها يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين".

في السنوات السابقة، تم تصوير بعض الحالات التي وثقت جرائم التحرش الجنسي في أماكن مختلفة من العراق، من أشهرها ما وقع في أبريل 2023، عندما تناقلت منصات التواصل الاجتماعي العراقي فيديو لحادثة تحرش تعرضت لها سيدة عراقية في البصرة خلال شهر رمضان، وظهر فيه رجل يستقل دراجة نارية وهو يتحرش بامرأة على حين غرة، عند مروره بجانبها. 

 

سوريا

احتلت سوريا المرتبة قبل الأخيرة في الإصدار الثالث من مؤشر "المرأة والسلام والأمن العالمي" الصادر عن معهد "جورج تاون للمرأة والسلام والأمن" الأميركي، ما يشي بتزايد معدلات الجرائم المرتبطة بالتحرش الجنسي والعنف ضد النساء.

توجد بعض القوانين التي عملت على مكافحة العنف الجنسي بشكل عام. على سبيل المثال حددت المادة 505 من قانون العقوبات السوري عقوبة السجن لمدة تصل إلى سنة ونصف "إذا تم مداعبة أو ملامسة أو توجيه عبارات أو أية أفعال منافية للحياء لقاصر دون الخامسة عشرة من العمر".

ونصت المادة 506 على عقوبة "الحبس التكديري لمدة ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 75 ليرة أو بالعقوبتين معاً"، لكل مَن "عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو على امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافية للحياء أو وجه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة". 

في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد العنف في المجتمع السوري بالتزامن مع أحداث الحرب الأهلية، تزايدت معدلات التحرش الجنسي في مناطق النزاع بين قوات النظام وفصائل المعارضة. وأشار تقرير "فقدت كرامتي" عام 2018، الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، إلى أن القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها ارتكبت العديد من جرائم التحرش الجنسي ضد النساء والفتيات والرجال أحياناً أثناء عمليات مداهمة المنازل لإلقاء القبض على المحتجين والمعارضين.

من جهة أخرى، رصدت بعض التقارير الصحافية وقوع العديد من حالات التحرش الجنسي في الأوساط الجامعية السورية، كما حصل عام 2016، حين نشرت مجموعة من الطالبات رسائل "واتساب" من أستاذ جامعي يهدد بها طالبات بالفصل من الكلية أو الرسوب في مادته إن لم يستجبن لتلبية طلباته الجنسية.

وفي أغسطس 2021، انتشرت فضيحة مصوّرة لدكتور في جامعة "تشرين"، ظهر فيها عارياً وهو يتلفظ بألفاظ خادشة للحياء مع إحدى الطالبات، مقابل مساعدتها في النجاح بالمقرر الذي يدرّسه في الجامعة.

تونس

في 2019 كشفت وزارة التربية التونسية عن نتيجة بحث ميداني استمر ستة أشهر لكشف حالات التحرش الجنسي بالتلاميذ، عن وجود 87 حالة شبهة تحرش بمختلف أنواعها في كافة المستويات الدراسية.

على الصعيد القانوني، ينص الفصل (226) من المجلة الجزائية التونسية على معاقبة مرتكب التحرش الجنسي "بالسجن لمدة عامين وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار"، ويكون العقاب مضاعفاً إذا كانت الضحية طفلاً، أو إذا كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية.

لا تُفعل تلك القوانين على الوجه الأمثل، خصوصاً أن الأغلبية الغالبة من ضحايا التحرش لا تقوم بالإبلاغ عن الانتهاكات اللاتي تتعرض لها بشكل رسمي.

في 2019، وقعت واحدة من أشهر حوادث التحرش الجنسي في تونس، عندما قام أحد النواب البرلمانيين بالتحرش بفتاة قاصر أمام أحد المعاهد الثانوية، وتمسك النائب وقتها بحصانته رافضاً الملاحقة القضائية، ما أشعل غضب الشارع التونسي.

من جهة أخرى سارعت العديد من المؤسسات الحقوقية التونسية إلى إصدار بيان دعت فيه "الأمن والقضاء إلى التعامل الجدي والموضوعي مع قضايا التحرش والعنف الجنسي المسلطين على النساء"، كما دعا البيان، البرلمان "إلى التعامل جدياً مع مطالب رفع الحصانة خاصة في قضايا العنف الجنسي".

استجابت مؤسسات الدولة لتلك المطالبات، وحُكم على النائب المُدان بالسجن لمدة سنة مع النفاذ العاجل.

وفي مايو 2020، تسبب التحرش الجنسي في إثارة الجدل مرة أخرى حين ادّعت إعلامية مشهورة أن سليم شيبوب، صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي كان يتحرش بها برسائل على "واتساب".

المرأة في العراق
العراق بينها.. قوانين دول عربية تعاقب على التحرش الجنسي في أماكن العمل
في 8 مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة، في وقت لم تحقق أي دولة هدف المساواة بين الجنسين، بحسب بيان الأمم المتحدة، اليوم الإثنين.

واعتبرت الأمم المتحدة في بيانها أن هذا التاريخ هو مناسبة للدعوة إلى

 

لبنان

أقرّ البرلمان اللبناني في ديسمبر 2020 "قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه". بحسب القانون يُعاقب المُتحرش بالسجن حتى عام وبغرامة تصل إلى عشرة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور.

كما وفر الحماية للضحايا من الثأر عبر المس براتبهنّ أو ترقيتهنّ، أو نقلهنّ أو فصلهن من العمل بشكل تعسفي، ونص القانون أيضاً، على وجوب اتخاذ خطوات لحماية الضحية والشهود خلال التحقيقات والمقاضاة.

رغم كل ذلك، لم يلق القانون الترحيب الكافي من قِبل المؤسسات الحقوقية المعنية. ذكرت  "هيومن رايتس ووتش" أنّ القانون لا يستوفي المعايير الدولية، كونه يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، ويتجاهل التدابير الوقائية، وإصلاحات قانون العمل، والرصد، وسبل الانتصاف المدني.

لم يفلح القانون في حل الأزمة القائمة، حيث أشارت العديد من الجهات إلى أن ظاهرة التحرش الجنسي لا تزال منتشرة في المجتمع اللبناني.

في ديسمبر الماضي، ذكرت "اليونسيف" أن "كل النساء في لبنان تقريباً تعرضن للتحرش الجنسي في حياتهن"، مبينةً أن هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح "أمراً عادياً في الأماكن العامة وعبر الإنترنت، وفي الأسواق والمواصلات".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".