سيدة عراقية خلال إحدى التظاهرات الاحتجاجية في العاصمة العراقية بغداد.
سيدة عراقية خلال إحدى التظاهرات الاحتجاجية في العاصمة العراقية بغداد.

تُعرف الحركة النسوية عموما على أنها مجموع الأنشطة الاجتماعية والسياسية والأيديولوجيات التي تهدف إلى تعريف وتأسيس المساواة السياسية والاقتصادية والشخصية والاجتماعية بين الجنسين.

على مر العقود السابقة، طالبت الناشطات والناشطون في الحركة النسوية بالحصول على العديد من الحقوق المرتبطة بالمرأة. ومنها على سبيل المثال حق التصويت، والمساواة في الأجور، والإجهاض القانوني، والحماية من التحرش والعنف الأسري. في هذا السياق، برزت أسماء العشرات من الناشطات النسويات في العالم الغربي. ومنهن كل من الإنجليزية إيميلين بانكهرست، والأمريكية لوكريشا موت، والفرنسية سيمون دي بوفوار.

بدوره، عرف العراق الحراك النسوي منذ فترة مبكرة. وظهرت العديد من الأفكار التقدمية الداعية لتحرير المرأة، ولإشراكها بشكل فعال في مختلف الأنشطة المجتمعية. نلقي الضوء في هذا المقال على مجموعة من أشهر الناشطات النسويات العراقيات، لنرى كيف تمكن الحراك النسوي من التأثير على الأوضاع السياسية والاجتماعية.

 

بولينا حسون

 

ولدت الصحافية بولينا حسون في مدينة الموصل العراقية سنة 1895م. وتنقلت في السنوات الأولى من حياتها بين مصر وفلسطين والأردن. وعادت إلى العراق مرة أخرى في سنة 1922م. بعد أن تأثرت -بشكل كبير- بالنهضة النسوية التي عايشتها أثناء فترة إقامتها في القاهرة على وجه الخصوص.

في سنة 1923م، أصدرت حسون العدد الأول من مجلة "ليلى"، وهي أول مجلة نسائية تصدر في العراق. ركزت المجلة على نشر موضوعات متنوعة حول تعليم المرأة وتحريرها ومشاركتها في ميادين العمل السياسي فضلاً عن بعض الجوانب الخاصة بتربية الأبناء والاقتصاد المنزلي والفنون والآداب.

تضمن العدد الأول من مجلة ليلى نداء موجه إلى أعضاء أول مجلس تأسيسي عراقي. جاء في هذا العدد: "إن نجاح النهضة النسوية الناشئة منوط بخبرتكم وشهامتكم أيها الرجال الكرام، ولاسيما أنتم الذين تحملتم أعباء مسؤولية تأسيس الحياة الديمقراطية العراقية على قواعد عصرية راسخة في الحياة، وأنتم تعلمون أنها ليست حق الرجل فقط".

في سنة 1923م، خطت حسون خطوة أخرى مهمة في نشاطها النسوي، عندما أسست أول نادي نسوي في العراق. وكان اسمه "نادي النهضة النسائية". لعب النادي جهوداً كبيرة في سبيل الحصول على الحقوق السياسية للمرأة العراقية بعد سنوات.

 

صبيحة الشيخ داود

 

ولدت صبيحة الشيخ داود في بغداد سنة 1912م. كان والدها الشيخ أحمد الداود عضواً في البرلمان العراقي ووزيراً للأوقاف في العهد الملكي، بينما عُرفت والدتها بنشاطها في "جمعية النهضة النسائية".

درست داود في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية ببغداد. وفي سنة 1936م التحقت بكلية الحقوق، وتخرجت منها في سنة 1940م لتصبح أول امرأة عراقية تتخرج من كلية الحقوق. مثل هذا الأمر إحدى المحطات المهمة في تاريخ الحركة النسوية في بلاد الرافدين. يذكر الباحث فرقان فيصل جدعان في دراسته "صبيحة الشيخ داود: رائدة النهضة النسائية في تاريخ العراق المعاصر" أن داود مارست مهنة المحاماة لفترة، ثم عُينت مفتشاً في وزارة المعارف. وفي سنة 1956م، تم تعيينها قاضية في محاكم بغداد. وأضحت بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في جميع الدول العربية.

من ثورة العشرين إلى "النهضة النسائية".. جانب من سيرة المرأة العراقية
خاضت المرأة العراقية نضالاً طويلاً من أجل نيل حقوقها، وهو نضال تعدّدت جبهاته، فهو ضد السلطة المعادية لحقوق المرأة، والعادات والتقاليد الاجتماعية التي أعاقت تطورها في شتى المجالات. وخلال مسيرة النضال الطويلة برزت المئات من الناشطات العراقيات في شتى المجالات، نستعرض عدد منهن.

بالتوازي مع عملها الحكومي، شاركت داود كعضو فعال في العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية، من أبرزها الاتحاد النسائي والهلال الأحمر، كما شاركت في العديد من المؤتمرات النسوية التي عُقدت داخل العراق وخارجه. فضلاً عن ذلك، نشرت العديد من المقالات التي دعت الى سفور المرأة، وطالبت بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية.

في سنة 1958م، قامت داود بخطوة مهمة في مسارها عندما نشرت كتاب "أول الطريق إلى النهضة النسوية في العراق". تناول الكتاب دور المرأة العراقية في ثورة العشرين، وألقى الضوء على أهم مراحل تطور التعليم النسوي في العراق.

 خصصت داود أيضا فصلاً كاملاً من الكتاب للحديث عن أهم المفكرين والمثقفين الذين دعموا المرأة العراقية في سعيها للتحرر والتنوير. ووثق الكتاب العديد من الأحداث المهمة في تاريخ الحركة النسوية العراقية، كما اعتبر إحدى المحاولات العربية النادرة لكتابة التاريخ الحديث من وجهة نظر نسائية.

 

نزيهة الدليمي

 

ولدت نزيهة الدليمي سنة 1923 في محلة البارودية ببغداد. بدأت دراستها الابتدائية والمتوسطة في مدرسة تطبيقات دار المعلمات النموذجية. وفي سنة 1939، أكملت دراستها الثانوية في المدرسة المركزية للبنات. ثم في سنة 1941م، التحقت الدليمي بكلية الطب. بعد تخرجها من الكلية، عملت في بعض المدارس الحكومية، ومنها المستشفى الملكي ببغداد، ومستشفى الكرخ. وتنقلت بين بعض المدن العراقية، قبل أن يتم اختيارها ضمن إحدى البعثات العلمية التي درست مرض السل الذي تفشى بين السكان المقيمين بالقرب من المياه.

بدأ النشاط النسوي لنزيهة الدليمي في أربعينيات القرن العشرين، عندما التحقت بـ"الجمعية النسوية لمكافحة الفاشية والنازية". بعد هزيمة دول المحور في الحرب، تغير اسم الجمعية إلى "رابطة نساء العراق". وصارت الدليمي واحدة من قيادات تلك الجمعية. وأشرفت على إصدار مجلة تعرف باسم "تحرير المرأة". بعد فترة، قامت الحكومة العراقية بتفكيك الجمعية ومنعت نشر المجلة.

من زينب فواز إلى منى الطحاوي.. أبرز الناشطات النسويات في العالم العربي
عرفت المنطقة العربية الحراك النسوي منذ فترة مبكرة. وظهرت العديد من الأفكار التقدمية الداعية لتحرير المرأة وإشراكها بشكل فعال في مختلف الأنشطة المجتمعية. نلقي الضوء في هذا المقال على مجموعة من أشهر الناشطات النسويات في العالم العربي المعاصر، لنرى كيف تمكن الحراك النسوي من التأثير على الأوضاع السياسية والاجتماعية.

لم تيأس الدليمي، وحاولت أن تعيد النشاط النسوي إلى الواجهة مرة أخرى، فجمعت العشرات من العراقيات اللائي تخرجن من الكليات. وقدمت إلى الحكومة مقترحاً بتأسيس جمعية "تحرير المرأة". ولكن طلبها قوبل بالرفض.

يذكر الباحث موفق خلف غانم في كتابه "الدكتورة نزيهة الدليمي ودورها في تاريخ الحركة الوطنية والسياسية العراقية" أن الدليمي تابعت أنشطتها الحقوقية مع مطلع الخمسينيات. ففي 1950م، شاركت في حركة أنصار السلم العالمية. وكانت عضواً في اللجنة التحضرية التي كانت يرأسها الشاعر المعروف محمد مهدي الجواهري. وبعد سنتين فحسب، أُتيحت الفرصة للدليمي لمواصلة النشاط النسوي عقب تأسيس "رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية"، والتي انتخبت نزيهة كأول رئيسة لها.

في سنة 1959م، كُللت مجهودات الدليمي في مجالي الطب والعمل النسوي، عندما تم اختيارها لتشغل منصب وزيرة البلديات في حكومة عبد الكريم قاسم. بموجب ذلك الاختيار أضحت الدليمي أول امرأة تتسلم منصب وزير في تاريخ العراق والعالم العربي. من خلال منصبها الوزاري الرفيع، تمكنت الدليمي من دعم الحركة النسوية في العراق. حدث هذا عندما أسست "رابطة المرأة العراقية"، وهي الرابطة التي شاركت في صياغة قانون الأحوال الشخصية العراقي سنة 1959م. اهتم هذا القانون بحقوق المرأة العراقية. ووصف بأنه "أول قانون تقدمي ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة العربية كلها. وخطوة جريئة على طريق تطوير وضع المرأة"، وذلك بحسب ما يذكر موفق خلف غانم في كتابه.

 

زينب سلبي

 

ولدت سلبي في سنة 1969م ببغداد. كان والدها الطيار الشخصي للرئيس العراقي الاسبق صدام حسين. في التاسعة عشر من عمرها، انتقلت مع أسرتها إلى الولايات المتحدة الأميركية. والتحقت بجامعة جورج ماسون، وحصلت على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع والدراسات النسائية. ثم تابعت دراسة الماجيستير في حقل دراسات التنمية في كلية لندن للاقتصاد.

في الثالثة والعشرين من عمرها، بدأت سلبي عملها في مجال التوعية النسائية عندما سافرت إلى البوسنة. وقدمت الدعم والتدريب للعشرات من النساء اللاتي تعرضن للعنف بسبب الحرب الأهلية. بعدها، أقدمت سلبي على خطوة مهمة عندما أسست منظمة "نساء من أجل النساء" الدولية، وهي منظمة إنسانية غير ربحية مكرّسة لخدمة النساء الناجيات من الحروب وتقديم الدعم المعنوي والعملي الضروريين لإعادة بناء حياتهن.

اشتهرت مريانا بنت فتح الله مرَّاش (1848-1919) بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة.
مريانا مراش.. رائدة حقوق المرأة في الشرق الحديث
اشتهرت مريانا بنت فتح الله مرَّاش (1848-1919) بأنها أول امرأة شرقية كتبت في الصحافة. ولكن ما يتم نسيانه هو أنها صاحبة الدعوة الأولى لتحرير المرأة العربية من الأفكار المسبقة الراسخة في المجتمع عن عدم أهليتها للخوض في الشؤون العامة، عن طريق دراسة العلوم والصنائع. وهي الدعوة التي أطلقتها عبر مجلة الجنان البيروتية في شهر يوليو عام 1870 (الجزء 15).

في سنة 2015م، اقتحمت سلبي ميدان الإعلام المرئي عندما قدمت برنامج "نداء" وهو النسخة العربية عن برنامج أوبرا وينفري الشهير. لاقى البرنامج شهرة واسعة بعدما تم بثه في 22 دولة عن طريق قناة تي إل سي عربية.

من جهة أخرى، ألفت سلبي العديد من الكتب التي ركزت على الجانب النسوي. منها "بين عالمين: الهرب من الطغيان: النشوء في ظل صدام"، و"الجانب الآخر من الحرب: قصص النساء من البقاء على قيد الحياة والأمل"، و"لو كنت تعرفني لاهتممت"، و"الحرية مهمة داخلية".

حصلت سلبي على التكريم والدعم من جانب العديد من المنظمات والجهات الحكومية، على سبيل المثال في سنة 1995م، تم تكريمها من قِبل الرئيس الأميركي بيل كلينتون في البيت الأبيض على العمل الإنساني الذي قادته في البوسنة، كما اُختيرت من قِبل "مبادرة تكريم" في القاهرة، لنيل جائزة المرأة العربية في سنة 2017م.

 

ينار محمد

 

ولدت الناشطة النسوية العراقية ينار محمد في بغداد في سنة 1960م. درست الهندسة في جامعة بغداد، وتحصلت على درجة البكالوريوس سنة 1984م، قبل أن تنهي دراسة الماجيستير في سنة 1993م.

انضمت ينار منذ فترة مبكرة إلى الحزب الشيوعي العراقي. ودافعت عن حقوق المرأة، كما نددت بالتسلط الذكوري على المجتمع العراقي. في التسعينات، هاجرت ينار مع أسرتها إلى كندا. وبعد ما يقرب من10  سنوات، رجعت مرة أخرى إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في سنة 2003م.

بعد رجوعها، عملت ينار محمد على استئناف عملها في مجال النشاط النسوي والدفاع عن حقوق المرأة العراقية. فأسست "منظمة حرية المرأة في العراق". والتي تُعرف نفسها باعتبارها "منظمة نسوية جماهيرية تهدف إلى تنظيم النضالات النسوية لتمكين المرأة بالضد من القمع الواقع ضدها في المجتمع، وتحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل في العراق في ظل دستور علماني مساواتي والدفاع عن حقوق المرأة-الانسان عن طريق القضاء على جميع أشكال التمييز القائم على أساس الجنس بحق المرأة وتحريرها من كل أشكال السيطرة والعبودية والدفاع عنها من شتى انواع الظلم الواقع عليها في العراق".

على مدار السنوات السابقة، لعبت المؤسسات التي تقودها ينار محمد دوراً مهما في دعم العراقيات. على سبيل المثال، تم إجراء عشرات اللقاءات مع الفتيات الفقيرات، وقُدم لهن الدعم لحمايتهن من العمل في مجال الدعارة. ولعبت محمد كذلك دوراً مهماً في إنقاذ العديد من الفتيات من القتل على أيدي أهلهن بسبب ما يُطلق عليه جرائم الشرف. من جهة أخرى، أجرت منظمة حرية المرأة في العراق لقاءات متعددة مع السجينات للتعرف على أحوالهن، وللتأكد من كونهن يحظين بالرعاية والمعاملة اللائقة.

حازت ينار محمد العديد من الجوائز العالمية المهمة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة. على سبيل المثال، في سنة 2008م، اختيرت للحصول جائزة مؤسسة غروبر للدفاع عن حقوق المرأة. أما في سبتمبر سنة 2016م، فاختيرت للفوز بجائزة "رافتو" النرويجية لحقوق الانسان، وذلك تكريماً "لعملها من أجل النساء والأقليات في العراق".

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".