تعرّضت المتوّجة بلقب "ملكة جمال ألمانيا" لعام 2024 آبامه شوناور لحملة من التنمّر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وجرت مقارنتها بملكات من نسخ أخرى من المسابقة. وقيل إنها لا تمتلك معايير الجمال النمطية المتعارف عليها، ووصفت بأنها تشبه "الساحرة في أفلام كارتون بياض الثلج"، كما علّق البعض بأنها "ليست ألمانية بدرجة كافية"، في إشارة إلى أصولها الإيرانية.
يعود كل ذلك لأن معايير اختيار شوناور اختلفت هذا العام. واستطاعت السيدة التي ولدت في إيران وهاجرت مع عائلتها إلى ألمانيا في سن السادسة، أن تندمج في مجتمعها الجديد. وقالت في تصريحات بعد نيلها اللقب إنها شغوفة بحقوق المرأة وبمساعدة اللاجئين على الاندماج في مجتمعاتهم.
من الانتقادات التي وجهت أيضاً إلى منظّمي مسابقة الجمال أن شوناور تبلغ من العمر 39 عاماً وهي أم لولدين، وهذا يكسر معظم المعايير المعتمدة في مسابقات مماثلة حول العالم، كانت في ما مضى (ولا تزال في الكثير من النسخ) تعتمد على معايير محددة للجمال والطول ومقاسات الجسد والعمر والملامح الخارجية. إلا أن نسخاً عديدة شهدت كسراً لهذه المعايير، مثل ملكة جمال فرنسا التي واجهت حملة من التعليقات المشبّعة بالتنمّر بسبب شعرها القصير وجسدها النحيل، أو مثل مسابقة ملكة جمال الكون التي توجت بها أول عابرة جنسية، ما فتح باب الانتقادات على مصراعيه.
"استجابة للنضال النسوي"
الناشطة النسوية المصرية آية منير تقول لـ"ارفع صوتك" إن مسابقات ملكات الجمال منذ إيجادها "كانت تفرض معايير جمال محددة ومتشابهة بين جميع المسابقات، وتنطبق على جميع الفائزات باللقب على مدار تاريخ هذا النوع من المسابقات".
هذه المعايير، تتابع منير، "تتشكل وتتغير بحسب الموضة والسوق، وتؤثر عاماً بعد عام على اختيار ملكات الجمال حول العالم".
وبحسب منير، هناك اتجاه عالمي لتغيير هذه المعايير. "بتنا نرى مثلا ملكات بألوان بشرة مختلفة ومتنوعة، بعد أن كانت محصورة في الغرب غالباً بالنساء بيضاوات البشرة. ثم جرى إدخال عناصر أخرى لا تتصل بالشكل الخارجي كضرورة أن تجيب المتسابقات على أسئلة تكشف عن الثقافة العامة لديهن". تعطي منير مثالاً من بلدها، ومن النسخة الأخيرة لمسابقة ملكة جمال مصر، حيث "سئلت الملكات عن رأيهن بفيلم باربي وما إذا كن يعتقدن أن الفيلم يدعم حقوق النساء". وهذه "خطوة متقدمة بالنسبة إلى مصر"، كما تقول منير، شارحة بأنه "لم يكن هناك اهتمام بمسألة الثقافة ومتابعة قضايا النساء حول العالم في هذا النوع من المسابقات".
هذا يأتي، كما ترى منير، "من ضمن الاستجابة للنضال النسوي عالمياً ضد تنميط النساء وتسليعهن في هكذا مسابقات، خصوصاً أن هذا التنميط يؤثر على حياة النساء العاديات اللواتي لا تتقاطع حياتهن مع هذا النوع من المسابقات ومعاييرها التي فرضت من قبل وسائل الإعلام والإعلان على النساء، وأثرت سلباً على ملايين النساء حول العالم".
"الجمال ضد النساء"؟
"أسطورة الجمال- كيف استُخدمت صور الجمال ضد النساء"، هذا الكتاب للكاتبة النسوية الأميركية نعومي وولف (صادر في بداية تسعينات القرن الماضي)، تستشهد به الناشطة النسوية اللبنانية التي تعيش في ألمانيا مايا عمّار، لتؤكد على أن الضغط الذكوري لتلبية النساء لمعايير جمالية محددة، يزداد في كل مرة تحقق فيها النساء إنجازات أكبر في حياتهن، وكلما اقتربن من المساواة والعدالة".
وهذا يمكن ملاحظته، بحسب عمّار، في المجتمع اللبناني مثلاً، الذي يحضر فيه تقدّم النساء وتحقيقهن إنجازات على مستوى الحرية والعدالة، مع ارتفاع الطلب على عمليات التجميل، وهذا يعني أن "النظام الأبوي يعمل بطرق وأساليب ذكية للإبقاء على سيطرته على المرأة بطرق مختلفة، وصناعة التجميل هي واحدة من هذه الطرق".
عمّار تقول إن نموذج النساء في السياسة وإدارة الأعمال يعطينا مثالاً عن أن المرأة مهما علا شأنها مهنياً واجتماعياً، لا تسلم من التنمّر على شكلها ومظهرها للضغط عليها. وفي ذلك تتفق منير، التي تعتبر أن المتنمّرين على ملكة جمال ألمانيا، "مصمّمون على تثبيت المعايير التي فرضت عليهم وترسخت في عقلهم الباطني وشربوها مع غيرها من التنميطات حول النوع الاجتماعي، وهذه أمور أعطيت لنا "بالملعقة" منذ صغرنا عبر الميديا".
من جهتها، لا ترى عمّار إنجازاً فعلياً فيما حدث مع ملكة جمال ألمانيا، لأن "هذا يزيد الضغط على النساء لجهة فرض معايير جديدة مرتبطة بحمل قضايا كبرى"، بحسب رأيها، "وإن كان ما يحدث هو محاولة لتغيير إيجابي إلا أنه لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية على النساء".
"جميل أن ندعم وصول لاجئة وام وناشطة إلى حمل لقب ملكة جمال ألمانيا"، كما تقول آية منير، لكن الناشطة المصرية ترى أن "الدول الغربية تدّعي أنها تمتلك الصورة الأفضل لحقوق الإنسان وحقوق المرأة، لكن هذه الدول هي المسؤولة بشكل أساسي عن تسليع وتنميط المرأة منذ البداية وهذه الدول صدّرت هذه الأفكار إلى باقي دول العالم عبر الميديا ولا تزال هذه الأفكار تأتي عبر برامج ووسائل إعلام وسلع وإعلانات إلى الجمهور العربي".
منير ترى أنه من "اللطيف جداً أن نرى ملكة جمال على كرسي متحرك مثلاً أو لاجئة أو أم أو أي سيدة لا ينطبق شكلها الخارجي على المعايير النمطية العامة"، ولكن الاهم، بحسب منير، هو "مراجعة صناعات وإنتاجات كثيرة قائمة بشكل أساسي على هذا النوع من التنميط والتسليع".