في ديسمبر الماضي نشرت صانعة المحتوى الفلسطينية بيسان عودة شريط فيديو تحذّر فيه من أزمة توشك أن تقع فيها نساء غزة، وهي قُرب نفاد كميات الفوط الصحية المتوفرة داخل القطاع.
"النساء يخجلن من التصريح بهذا الأمر، لكن ليس عليهن ذلك، فالعالم لم يخجل من تركنا للموت طيلة الأيام الفائتة، بعدما كنّا نعاني من الجوع والقتل، بات علينا المرور بنوعٍ جديد من المعاناة"، هذا ما قالته بيسان في الفيديو الذي لاقى انتشاراً واسعاً.
خلال الأيام الفائتة استمرّت الحرب مع قِلة دخول المساعدات إلى غزة، وازدادت معاناة النساء اللائي مرّرن بفترة طويلة لم يستخدمن فيها أدوات نظافة شخصية بشكلٍ فردي، حتى إن بعضهن تمرُّ عليهن أيامٌ طويلة دون أن تتمكنن من الاستحمام.
البحث عن مرحاض
بحسب دراسة أجريت قبيل اندلاع الحرب بعنوان: "الاتجاهات والممارسات المتعلقة بالحيض لدى المراهقات في قطاع غزة"، فإن النساء في غزة عانين من قِلة المساعدة الحكومية المُقدَّمة لهن للتعامل مع فترات الحيض بسبب نقص الإمدادات من الصابون والمُنظِّفات، وأوصت الدراسة بإطلاق برنامج محلي لزيادة وعي الفتيات الغزيّات بظروف الدورة الشهرية وكيفية التعامل معها.
خلال الحرب التي خلفت عشرات الآلاف من المُهجّرين، عانت نساء غزة من ضغوطٍ متزايدة، إذ قُتل منهن قرابة 17 ألف، واضطر ما يقرب من مليون امرأة على التخلي عن منزلها والنزوح.
في هذه الأوقات، يغدو الحصول على الطعام والمياه أمراً صعباً، لكن معاناة النساء امتدّت لما هو أبعد من ذلك بعدما فرضت عليهن موجات النزوح الواسعة العيش في أوضاعٍ لا تُطاق.
في بيئة مُحافظة كغزة، مثّل الزحام الرهيب تحدياً كبيراً للنساء بعدما لجأن -بصحبة أسرهن- إلى الملاجئ أو المخيمات حيث تشاركن العيش مع عشرات الآلاف من الهاربين من جحيم الحرب، وهو واقع فرض ضغوطاً هائلة على البنية التحتية التي لم تهيأ لاستقبال هذه الأعداد الضخمة.
على سبيل المثال، يزدحم في مخيم تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في خان يونس 40 ألف نازح، وحالما يحتاج أي شخص لاستخدام المرحاض يتعيّن عليه الوقوف في طابور يتألف من 480 فرداً، ولا تمثّل النساء استثناء من هذا الأمر، فالواحدة منهن تحتاج للوقوف ساعتين في الطابور حتى يُسمح لها بدخول الحمام.
وكشفت جولييت توما مديرة الاتصالات في (الأونروا) أنها التقت بالعديد من النازحات اللائي أخبرنها أنهن لا يأكلن ولا يشربن كثيراً حتى لا يلجأن لدخول المراحيض باستمرار.
وبسبب نُدرة المياه فقد بات استخدامها لغرض الاستحمام أمراً نادراً، ما زاد من صعوبة مهمة النساء في الحفاظ على نظافتهن الشخصية.
هذه المعاناة دفعت ريم السالم مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات لاعتبار أن النساء تحمّلن الكثير من تبعات الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة.
الستات في غزة مر عليهم حوالي ٢-٣ دروة شهرية خلال الحرب
— ســـارّة (@Saraabdullah790) December 5, 2023
عدم توافر الفوط الصحية دي أزمة لا تقل أهمية عن عدم توافر الاكل والشرب ! https://t.co/KtQaRt4mNg
ندرة الفوط الصحية
بحسب الإحصائيات تعيش في غزة 690 ألف امرأة وفتاة، واجهت هؤلاء النساء أزمة كبرى منذ اندلاع الحرب في توفير ما يحتجن إليه من فوط صحية في ظل محدودية الموجود منها في الأسواق بسبب منع دخول المساعدات.
ومع طول أيام الحرب نفدت مخزونات (الأونروا) من هذه المنتجات النسائية في وقتٍ أغلقت فيه أغلب المتاجر والصيدليات، وبات الحصول عليها أمرا شبه مستحيل بسبب نُدرة المعروض ووصول سعره إلى أرقام فلكية تعجز النازحات عن توفيرها.
وبعد تدمير أغلب مستشفيات القطاع بات اللجوء لمركزٍ طبي متخصص يوفّر للاجئات البدائل المناسبة للفوط الصحية غير الموجودة أمراً مستحيلاً، لذا اجتهدت بعضهن في اختراع حلول مؤقتة لهذه المشكلة.
إحداى النساء استخدمت حفاضة طفلتها الرضيعة، فيما لجأت نساء أخريات لتناول أقراص نوريثيستيرون التي ترفع مستوى هرمون التستروجين في الجسد وتُوصف عادةً لمنع وتأخير قدوم الدورة الشهرية، وقد أقبلت مجموعة من نساء غزة على استعمال هذه الحبوب رغم أعراضها الجانبية المتمثلة في الغثيان والدوخة وتقلب المزاج إلا أنها كانت أهون عند بعضهن من التعرض لنزيف مستمر تحت الحصار والقصف.
أيضاً اضطرت أخريات لارتداء ملابس داخلية مزدوجة لامتصاص أكبر قدرٍ من النزيف، وفي حالاتٍ أخرى مزّقت النساء بعض أجزاء من الخيام التي يعشن فيها أو ملابس أطفالهن واستعنَّ بها بديلا للفوط الصحية.
ومع أن فكرة سائقة سيارة أجرة في هذا القطاع المحاصر ذي الصبغة المحافظة تبدو غريبة بالنسبة إلى كُثُر، إلا أن مشروع تأسيس مكتب لسيارات الأجرة كان يراود نائلة منذ زمن، مع أنها في الأساس مدرّبة تنمية بشرية، وتحمل شهادة بكالوريوس خدمة اجتماعية
هذه الإجراءات لم تحمِ جميع نساء غزة فلقد سجّلت بعض مشرفات منظمة "العمل ضد الجوع" الفرنسية أنهن لاحظن كثيراً من النساء وقد لطخت ملابسهن بدم الحيض بسبب استخدامهن وسائل بدائية غير مجدية لا تمنع التسريب ولا التلوث، وهو أمر خطير قد ينشر العدوى بين الكثيرين في ظل الازدحام الشديد.
"نقطة في دلو"
عجْز نساء غزة عن استخدام الفوط الصحية الملائمة يعرضهن لمخاطر صحية شديدة مثل متاعب الجهاز التناسلي والمسالك البولية، وقد تسبّب لهن النزيف وجلطات الدم، كما أن استخدام القماش بديلا للفوط يمثّل بيئة صالحة لنمو الالتهابات البكتيرية، وبحسب المدونة الفلسطينية بيسان فإن بعض النازحات تفاقمت حالتهن وأصبن بالالتهابات المهبلية التي تطورت في بعض الأحيان إلى الحمى.
الواحد يخجل من ترديد البديهيات
— Esraa 𓂆 (@EsraaFarouk) December 6, 2023
غياب الفوط الصحية مع غياب الماء والصابون معناه التهابات رحِم وفطريات والتهابات مثانة، وبدون علاج قد يتحولوا لأمراض مزمنة منها التهاب الكبد والعقم وحتى سرطان الرحم.
زمان كان الستات بستخدم فوط قماش، لكن بتتغير بانتظام وبتتغسل بالصابون وأحيانًا بتتغلي.
وفي حال استمرار هذه الممارسات فإن حياة صاحبتها ستوضع على المحك لأنها تزيد من فرص إصابتها بسرطان عنق الرحم.
وحذّرت عفاف عبدالجواد الطبيبة المختصة بأمراض النساء لـ"ارفع صوتك"، من أن استمرار هذه المعاناة قد يخلق موجة تلوث عارمة بين صفوف النازحات، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة فُرص إصابتهن بالعدوى، وقد تؤدي إلى الوفاة.
وفي محاولة لعدم تفاقم الأمور قدّم الاتحاد الأوروبي دعماً قيمته 14 مليون يورو لتوفير مستلزمات النظافة للنازحين، استغلتها (الأونروا) في توزيع قرابة 80 ألف مجموعة نظافة عليهم، كذلك أرسل الأزهر الشريف نوفمبر الماضي قافلة مكوّنة من 40 شاحنة تحمّل أطناناً من المساعدات من ضمنها منتجات التنظيف والتعقيم والفوط الصحية والحفاضات.
وفي ذات السياق نظّم عدد من طلبة جامعة ميشيغان حملة لجمع التبرعات وشراء كميات من الفوط الصحية وإرسالها إلى غزة، كما أعلنت عدة جمعيات دولية معنية برعاية صحة المرأة توزيع مستلزمات من المناديل المبللة والصابون داخل غزة.
لم تحقّق هذه الجهود تحسناً كبيراً في الأوضاع الصعبة بسبب الأعداد الكبيرة للنازحات، وهو ما سبق وأن تعرضت له تمارا الرفاعي المتحدثة بِاسم (الأونروا) حين أكدت أن مساعدات الفوط الصحية التي جرى توزيعها على النساء "نقطة في دلو" مقارنةً بالاحتياجات المطلوبة.