ولدت المعمارية العراقية زها حديد عام 1950 وهي ابنة السياسي العراقي محمد حسين حديد.
ولدت المعمارية العراقية زها حديد عام 1950 وهي ابنة السياسي العراقي محمد حسين حديد.

"والدي كان يُريدني أن أصبح بيل جيتس، وأرادتني أمي أن أكون زَها حديد.. كان الأسهل أن أكون بيل جيتس". ترد هذه العبارة في رواية "أحجية العزلة" للكاتبة السعودية أثير عبدالله، تعبيراً عن حجم الضغوط التي عانَى منها بطل الرواية "ثنيان".

واعتبر "ثنيان" أن المهندسة العراقية زها حديد حققت نجاحاً كبيراً ليس من السهل أن يأتي أحد آخر بمثله.

ومنذ ثماني سنوات، في 31 مارس، توفيت المعمارية العراقية التي حققت نجاحات مدهشة على مستوى العالم من خلال تصاميمها الفريدة، عن عُمر 65 عاماً. فماذا نعرف عن حياتها وأعمالها وإنجازاتها؟

 

البداية.. مدارس بغداد

 

وُلدت زها حديد عام 1950 في بغداد، وهي ابنة السياسي العراقي محمد حسين حديد الذي لعب دوراً هاماً في السياسة العراقية خلال الحقبة الملكية وبعدها، فشغل منصب وزير التموين ثم وزير المالية في حكومة الثورة بعدما ترك انطباعاً جيداً في نفوس الضباط العراقيين بسبب تأييده للانقلاب العسكري منذ الشروع في التخطيط له.

في كنف والدها، تلقّت زها دراستها الأساسية في مدارس بغداد حتى بلغت المرحلة الثانوية داخل مدرسة الراهبات، بعدها التحقت بالجامعة الأميركية في بيروت لتدرس الرياضيات، ومنها انتقلت إلى بريطانيا لدراسة العمارة، لتسير على نفس خُطى والدها الذي درس في بيروت ثم التحق بإحدى كليات جامعة لندن لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية.

فور تخرجها عملت زها مع أستاذها المعماري رِم كولهاس في مكتبٍ له بمدينة روتردام الهولندية، وخلال 4 سنوات صارت شريكة له في المكتب، وبعدها بعامين انفصلت عنه وأسّست مكتبها الخاص في لندن.

 

نحو العمران التفكيكي

 

وفقاً لبحث "مردود العولمة والهوية الثقافية في تقنيات العمارة المعاصرة"’ للدكتورة هدى مدكور، نشأ المذهب "التفكيكي" استجابةً لأطروحات الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا الذي اعتبر أن فهم الإشكاليات الثقافية للمجتمع الأوروبي يقتضي تنفيذ عملية "تفكيك" تسمح بالعودة إلى الجذور الأولى والمرجعيات التاريخية المؤسِّسة التي صنعت الأفكار التي يعاني الأوروبيون منها في زمنه.

رغم أن هذه الأطروحات ابتُكرت لتساعد البشر على فهم أفضل لثقافاتهم وحيواتهم إلا أنها وظفت أيضاً في الفنون التشكيلة والعمارة.

تقول مدكور إن العالم في فترة الثلاثينيات عاش مداً ثورياً دعا للتملُّص من القيود التي فرضتها الرأسمالية عليه، وكان للمعماريين نصيبهم من هذا التمرد عبر ابتكار أشكال إنشائية ثورية تتمرّد على الأبراج الأيقونية العملاقة والعمارة الإسمنتية التي صُنعت لتوفير أكبر قدرٍ من المساحة لإيواء مكاتب موظفي الشركات العملاقة.

منذ بداية الثمانينيات ظهر مصطلح "العمارة التفكيكية" بجانب مصطلح آخر أقل شيوعاً وهو "عمارة اللا إنشاء".

وبحسب دراسة "الحضارة والحداثة في أعمال (زها حديد) كمؤثر إبداعي" للدكتورة دينا نفادي، فإن المهندسين من معتنقي هذا المذهب رفضوا استخدام المفاهيم الراسخة التي قام عليها النظام المعماري كالتكوين والتوازن والخطوط الأفقية والعمودية، وبدلاً من ذلك ابتدعوا أسلوباً جديداً يحطّم هذه القيم، برع في هذا الشأن عددٌ من المعماريين العالميين مثل الأميركي بيتر إيزنمان والسويسري برنارد تاشومي والعراقية زها حديد.

تشرح مدكور، أن زها تعاملت مع المباني كما لو أنها تبنيها من الصلصال فتصنع عملاً فنياً حسبما يتيح لها خيالها دون التقيّد بقواعد إنشائية كبيرة.

وفي دراسة "التفكير الإبداعي من خلال التفكيكية في التصميم الداخلي: أعمال زها حديد أنموذجاً"، كتبت الباحثة ريوف بدر أن زها "أعطت الأسبقية في التصميم للشكل بدلاً من الوظيفة، فكانت تُحرر المبنى وتتحدى الجاذبية في عملها وتعتبر المظهر فوق جميع العوامل الأخرى".

من منطلق هذه الفلسفة ابتدعت زها تصميماتها التي تخلت فيها تماماً عن الزخارف واستعانت بأقل ما يُمكن من الألوان، أما أكثر المكوّنات الفنية الإسلامية التي أثّرت في ذهنها كان الخط العربي، حيث ألهمتها خطوطه المتموجة والانسيابية في كثيرٍ من تصميماتها حتى تميّزت مبانيها بـ"تقويس الأسطح" لذا منحتها صحيفة "الغارديان" البريطانية لقب "ملكة المنحنيات".

تضيف نفادي أن "تصميمات حديد هي عمارة المفاجآت غير المتوقعة، فبسبب الخطوط المنحنية المميزة لها والانعطافات المفاجئة لها يصعب في كثيرٍ من الأحيان التفرقة بين خلفية البناء أو واجهته".

في سبيل تنفيذ هذه المشاريع لم تسرف زها في الاعتماد على الأسمنت والحديد كما هو معتاد إذ استعانت بالخشب والزجاج والألومنيوم واللدائن، وتعيّن عليها ابتكار حلول معمارية غير مسبوقة بسبب ما تفرضه عليها تصميماتها الخيالية من مشاكل إنشائية لحظة تحويلها إلى واقع، خاصة مشاكل الاتزان.

تبين نفادي أن زها برعت في استغلال الفراغ كعنصر مكوّن يكمل تصميمها المعماري فكانت تخلّف فراغات معمارية في منشآتها تضفي المزيد من المتعة على البناء وتسمح لضوء الشمس بأن يلعب دوراً إضافياً في ديكور المبنى الداخلي.

مثلما منح جنوح زها إلى الخيال الكثير من الإشادات فإن انتقادات وجيهة لاحقت أعمالها مثل التكلفة العالية لتنفيذها بأكثر ما تحتمل قيمة المشروع، وكذلك صعوبة تطبيقها على أرض الواقع.

يروي الدكتور جمال عليان في كتابه "الحفاظ على التراث الثقافي"، أنه خلال تنفيذ مركز ثقافي صممته زها في روما، عجز المهندسون الإيطاليون عن تنفيذه ما اضطرهم  لاستقدام فريقها الخاص من بريطانيا لتنفيذ تصميمها.

 

الطريق إلى العالمية

 

المهمة الرئيسة الأولى لزها حديد كانت بناء محطة إطفاء في بلدة "فايل آم راين" الألمانية عام 1993، إلا أن العمل الذي منحها شهرة مدوية فهو مركز "روزنتال" للفن المعاصر في ولاية أوهايو الأميركية الذي صممته عام 2000.

تقول ريوف إن هذا المبنى الصغير حافظ على توقيع زها عبر تراكم المنشورات المستطيلة وحادة الزوايا لتشكل طوابق المركز مع انزلاقات ذكية وتغيير في لون وملمس البناء، كل ذلك تداخل مع مساحات زجاجية غير متوازية ومع سطوح الإسمنت والحديد.

تجلّى هذا المشروع للعالم أشبه بلوحة تشكيلية ثلاثية الأبعاد منحت زها شهرة عالمية ودفعت كثيرًا من الدول للتعاقد مع مكتبها لتنفيذ مشاريعها الخاصة.

تتالت مشاريعها المبهرة حول العالم، منها مركز الألعاب الأولمبية في لندن، ودار أوبرا غوانزو في الصين، ومركز الفنون الحديثة في روما، وبرج الإبداع في جامعة هونغ كونغ التقنية، ومحطة مترو الملك عبدالله في الرياض، وجسر الشيخ زايد في أبو ظبي، ومسرح الرباط الكبير في المغرب وغيرها من المشاريع التي حملت لمسة معمارية لا تُنسى.

لم تغفل زها أن تكون مبانيها متسقة مع البيئة التي تُحيط بها، فدار الأوبرا في دبي مثلاً، مستوحاة من الكثبان الرملية التي تعدُّ معلماً أساسياً للبيئة العربية الصحراوية، أما متحف جوجنهايم المقام في ليتوانيا فكان أشبه بزورق يطفو بجوار ماء النهر المتاخمة له.

 

 

جوائز وميداليات ذهبية

 

خلال مشوارها الطويل نالت زها عديداً من التكريمات والجوائز، فحصلت على جائزة "Sterling" عن تصميمها لمتحف الفنون في روما عام 2010، كما نالت جائزة "Pritzker" للإبداع المعماري (تعتبر جائزة نوبل في الهندسة الإنشائية) عام 2012 بسبب تصميمها للمركز المائي للألعاب الأولمبية في لندن.

بحسب كتاب "صورة المرأة العربية في الصحافة الأميركية والبريطانية" لياسمين أسامة، فإن زها استحوذت على النسبة الأكبر من اهتمام الصحافة الغربية حينما كانت ترغب في استعراض نماذج عربية ناجحة للنساء العربيات. في 2011 فقط نشرت الصحافة البريطانية سبع تقارير عن سيرة المهندسة العراقية.

أيضاً نالت المهندسة العراقية تكريماً متعدد الأشكال من الحكومات؛ فحصلت على وسام قائد الفنون والآداب من فرنسا و جائزة "بريميام إمبريال" من اليابان ووسام الإمبراطورية البريطانية من الملكة إليزابيث عام 2012.

في فبراير 2016 تلقت زها الميدالية الذهبية من المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين لتكون أول امرأة تنال هذا التكريم بسبب "منجزاتها الثورية في العمارة طيلة 30 عاماً"، على حدِّ وصف المعهد.

بعد هذا التكريم بشهرٍ واحد كُتب لمسيرة زها الإبداعية أن تتوقّف بشكلٍ صادم إثر إصابتها بأزمة قلبية مفاجئة أودت بحياتها قبل أن يتمكن الأطباء من إسعافها.

بعد وفاتها، استكمل مكتبها تنفيذ عدة مشروعات وضعت تصميماتها قبل وفاتها، منها: مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية في السعودية وملعب الوكرة في قطر الذي استضاف مباريات كأس العالم 2022.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".