شارع صفية زغلول من الشوارع التجارية المهمة بمدينة الإسكندرية.

تعبر أسماء الشوارع والأحياء والأزقة عن الثقافة السائدة في كل دولة. تميل معظم الدول لأن تطلق أسماء الحكام والمشاهير على الميادين الواسعة والشوارع المهمة. في هذا السياق، يشهد غياب الأسماء النسائية على غياب المساواة وغلبة الثقافة الذكورية التي تسعى للهيمنة على ذاكرة المدن والأمكنة.

على الرغم من ذلك، يوجد عدد قليل من الأسماء النسائية التي وجدت طريقها إلى بعض الشوارع الشهيرة في أهم المدن العربية.

ما هي تلك الشوارع؟ ومن هن تلك النساء اللاتي أُطلقت أسماؤهن على الشوارع؟

 
 

شارع صفية زغلول

يقع هذا الشارع في مدينة الإسكندرية بمصر، ويُعدّ من أعرق وأقدم شوارع المدينة، ويقع بمنطقة محطة الرمل بوسط المدينة.

وبشكل عام، يُعتبر شارع صفية زغلول من الشوارع التجارية المهمة بمدينة الإسكندرية، وتوجد به العشرات من محلات بيع الملابس والأحذية، وقاعات السينما، والمقاهي الكبيرة. ويقصده عدد كبير من سكان الإسكندرية للتنزه، وخصوصاً في الأعياد وأيام العطلات.

يبدأ الشارع من طريق الجيش/ كورنيش البحر وينتهي عند "محطة مصر"، وهي المحطة المركزية للقطارات بالإسكندرية. ويتقاطع الشارع مع العديد من الشوارع التراثية المهمة في منطقة محطة الرمل، ومنها شارع الزعيم سعد زغلول، وشارع النبي دانيال المعروف ببيع الكتب القديمة، وشارع السلطان حسين، وشارع الملك فؤاد.

وكما هو معروف، يُنسب هذا الشارع لصفية زغلول، وهي واحدة من الشخصيات النسائية المؤثرة في التاريخ المصري الحديث.

ولدت زغلول في سنة 1876، وهي ابنة مصطفى فهمي باشا، الذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العصر الملكي. وتزوجت من السياسي المصري الشهير سعد باشا زغلول، وفي سنة 1919، شاركت صفية زغلول في أحداث الثورة التي اندلعت بمصر ضد القوات البريطانية عقب صدور قرار بنفي زوجها. خرجت زغلول على رأس المظاهرات النسائية من أجل المطالبة بالاستقلال، وفي سنة 1921، لعبت زغلول دوراً مهما في الحراك النسوي المصري والعربي عندما قامت بخلع حجابها لحظة وصولها إلى الإسكندرية مع زوجها، وقد لُقبت صفية زغلول بلقب "أم المصريين"، وتوفيت في سنة 1946.

 

شارع رابعة العدوية

يقع هذا الشارع في مدينة نصر الواقعة في شرقي العاصمة المصرية القاهرة. بدأ عمران الشارع في سبعينيات القرن العشرين، وفي حقبة التسعينيات، شهدت المنطقة ازدهاراً كبيراً، لأن الكثير من المصريين العاملين في الخليج اختاروا أن يستثمروا أموالهم في شراء المنازل والمحال التجارية في هذا الشارع.

يضم شارع رابعة العدوية العديد من المولات التجارية الكبيرة، ومنها جنينة مول، وطيبة مول، كما يوجد به عدد كبير من البنوك، وفيه مسجد رابعة العدوية، فضلاً عن بعض المباني التابعة لوزارة الدفاع المصرية، ومنها الأمانة العامة لوزارة الدفاع، ومساكن ضباط القوات المسلحة، وكذلك مصنع خاص بوزارة الإنتاج الحربي.

يربط الشارع بين شارع الطيران بالحي السابع شرقاً، وبين فندق سونستا ومصر الجديدة غرباً، كما يربط بين شارع عباس العقاد والنادي الأهلي فرع مدينة نصر شمالاً، وبين أول جسر 6 أكتوبر جنوباً.

اشتهر الشارع بشكل كبير في السنوات الأخيرة بعدما ارتبط بالعديد من الأحداث السياسية المهمة.

و في يونيو سنة 2013، اختير الشارع والميدان القريب منه من قِبل أنصار جماعة الإخوان المسلمين ليكون مقراً لاعتصامهم على خلفية رفضهم قرارات عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وقد استمر الاعتصام لمدة 48 يوماً، قبل أن يتم فضه من قِبل قوات الجيش والشرطة فجر يوم 14 أغسطس 2013.

في يوليو 2015، أقر مجلس الوزراء المصري تغيير اسم ميدان رابعة العدوية إلى ميدان النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، والذي قُتل في واحدة من العمليات الإرهابية، ورغم ذلك بقي اسم رابعة العدوية الاسم الأكثر استخدماً من قِبل المواطنين حتى الآن.

بعيداً عن جميع الأحداث السياسية الدامية التي ارتبطت بالشارع، أخذ الشارع تسميته القديمة من الصوفية العراقية الشهيرة رابعة العدوية- التي تعد أشهر النساء المتصوفات على مدار التاريخ الإسلامي-.

لا نعرف الكثير عن أصولها وأسرتها، يقال إنها عاشت  في البصرة في القرن الثاني الهجري، ويُقال إنها: سًميت برابعة لأنها كانت البنت الرابعة لأبيها، وتوفيت في سنة 180 للهجرة تقريباً.

تتحدث المصادر التاريخية عن المكانة المهمة التي حظيت بها رابعة العدوية بين أقرانها من العلماء والفقهاء، فعلى سبيل المثال يذكر ابن الجوزي أن الفقيه الكبير سفيان الثوري كان يقصدها لطلب العلم والدين، كما أنه كان يصفها بـ "المؤدبة التي لا يستريح إذا فارقها". وفي السياق نفسه، وصفها ابن خلكان في وفيات الأعيان بأنها "كانت من أعيان عصرها، وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة...". اشتهرت رابعة العدوية بحبها لذات الله، حتى عُرفت بـ "شهيدة العشق الإلهي".

 في سنة 1963، قدمت السينما المصرية سيرة رابعة العدوية في فيلم شهير حمل اسمها من إخراج نيازي مصطفى.

 

شارع الخيزران

يقع شارع الخيزران في منطقة السيدية في العاصمة العراقية بغداد، وبالتحديد في الجزء الجنوبي الغربي من حي الكرخ. بدأ تعمير المنطقة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وبمرور الوقت أصبح شارع الخيزران أحد أهم المراكز التجارية النشطة في بغداد. يتقاطع شارع الخيزران مع الشارع التجاري عبر الساحة المركزية الواقعة في وسط السيدية، يطل الطرف الشرقي للشارع على شارع العلوة الذي يربط بغداد بالجنوب، ومن الناحية الغربية، يطل الشارع على حي الإعلام، وقد تسببت الاضطرابات التي سادت بغداد عقب الاجتياح الأميركي للعراق في هجرة العديد من سكان الشارع لمنازلهم.

أخذ هذا الشارع اسمه من الخيزران التي اشتهرت بشكل كبير في العصر العباسي،وكانت الخيزران جارية يمنية الأصل، اشتراها الخليفة العباسي الثالث محمد بن عبد الله المهدي، وأحبها بشدة فاعتقها ثم تزوجها وصارت السيدة الأولى في البلاط.

وقد حظيت الخيزران بمكانة مُعتبرة في هرم السلطة العباسية، واعتادت أن تدير بعضاً من شؤون الدولة، وأن تتصل بالقادة والوزراء، ولمّا توفي زوجها وآل الحكم لابنها موسى الهادي حاولت أن تنتهج النهج ذاته، ولكن الخليفة الجديد رفض مشاركة أمه في اعمال الخلافة والحكم. عقب وفاة الهادي، وقفت الخيزران بجوار ابنها الثاني هارون الرشيد، وعملت على مشاركته الحكم، ولكنها سرعان ما توفيت في سنة 789، بعد سنتين فحسب من وصول الرشيد إلى السلطة.

 

شارع الملكة رانيا

يُعدّ هذا الشارع واحدا من أهم الشوارع الحيوية الموجودة في العاصمة الأردنية عمان، ويربط هذا الشارع بين شرقي عمان وغربها، وتقع فيه الجامعة الأردنية العريقة.

في الوقت ذاته، يضم الشارع العديد من البنايات الفارهة، فضلاً عن مجموعة كبيرة من المقاهي والمحال التجارية المعروفة.

كذلك يمر الشارع بعدد من الأحياء العمانية العريقة، ومنها ضاحية الرشيد وحي الجامعة، وحي تلاع العلي، ومنطقة صويلح.

يُعرف هذا الشارع باسم شارع الجامعة في الأوساط الشعبية، ولكن الاسم الرسمي له هو شارع الملكة رانيا.

من الجدير ذكره أن الملكة رانيا تنحدر من أصول فلسطينية، وهي زوجة الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، وقد عُرفت بأنشطتها المهمة في مجالي حقوق الطفل والمرأة، مما أسهم في تنامي شعبيتها في الأردن والمنطقة العربية.

 

شارع راضية الحداد

يقع هذا الشارع في العاصمة التونسية، وبالتحديد في الجزء الحديث من المدينة. عُرف هذا الشارع قديماً باسم شارع يوغسلافيا، ولكن تم تغيير اسمه في العقود الأخيرة ليصبح شارع راضية الحداد.

يتميز هذا الشارع بسمته التجاري، وبكثرة المحال التي توجد به.

كذلك يحتضن الشارع العديد من الأبنية المهمة، ومنها على سبيل المثال مبنى القنصلية الفرنسية بتونس، ومبنى جريد الرأي التونسية الشهيرة.

يُنسب هذا الشارع إلى المناضلة التونسية راضية حداد - التي ولدت في سنة 1922- ونشطت في العمل السياسي عقب استقلال تونس في سنة 1956م. وبعدها شاركت في العديد من المناصب المهمة، فانضمت إلى اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم، كما كانت أول رئيسة للاتحاد النسائي القومي التونسي في سنة 1958. ومما يُحسب لها أنها كانت أول تونسية تنال عضوية أول مجلس نواب في تاريخ تون.

كما عُرفت الحداد بدفاعها عن القيم الاشتراكية وبمناهضتها للرأسمالية، واشتهرت بمعارضتها لسياسات الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة. توفيت الحداد في سنة 2003، عن عمر يناهز 81 عاماً، وبقي الشارع المنسوب إليها ليذكر التونسيين بذكراها.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".