بعد أن ضجت مواقع التواصل في لبنان بحادثة الاعتداء على محامية وضربها وسحلها في الشارع أمام أعين المارة، أعلن الجمعة الماضي عن إلقاء القبض على المعتدي بعد جهود حثيثة.
وانتشر مقطع فيديو يظهر المحامية سوزي بو حمدان محامية وهي تتعرض للسحل أمام إحدى المحاكم الجعفرية في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، حيث كانت تدافع عن موكلتها المنفصلة عن زوجها (المعتدي هو ووالده علي بو حمدان). فما الذي حصل بالضبط.
المحامية تروي الواقعة
في حديثها مع "ارفع صوتك" تشرح المحامية كم بدت ردة فعل المعتدين "مفاجئة" بالنسبة لها، مردفةً "ما حصل لم يكن يستدعي أي ردة فعل من المعتدي، لا بل على العكس تماما، فقد أخذتُ موقفاً إيجابياً بعد أن طلب القاضي السماح للوالد (أي ابن المعتدي) برؤية ولده المتواجد برفقة أمه. وافقتُ وما كنت أبدا لأعارض أو لأمنع أياً كان من رؤية طفله؛ لذلك استجبت لطلب القاضي. وكانت الجلسة سلسلة في المحكمة الجعفرية برئاسة القاضي موسى السموري".
أصر المعتدي على الترصد بالمحامية مع ابنه (زوج موكلتها) وانتظراها، كما تقول، بجانب باب المحكمة، إلى جانب عنصر أمني. تُكمل بو حمدان: "انهال المعتدي بالتهديد والوعيد والشتائم وكسر كل المحرمات، فما كان مني إلا أن طلبت من العنصر الأمني تأمين الحماية حتى أصل إلى سيارتي فأجابني قائلا بأنه لن يجرؤ على التعدي عليّ كوني محامية، ولم يؤمّن لي الحماية على الرغم من أن القانون يضمنها".
بحسب قانون العقوبات اللبناني، فإن المادة (567) تنص على عقوبة في حال "عدم إغاثة شخص في حال الخطر" وذلك "بالغرامة أو بالحبس الذي قد يصل حتى سنة، أو الاثنين معاً".
مع ذلك، تأسف المحامية أن "أغلب المتواجدين على الأرض (الشهود على الاعتداء) لم يحركوا ساكنا، حتى أن عنصرين مكلفين بالأمن كانا يتفرجان وهما يضحكان. ولولا أن الصحافية ناديا أحمد التي صادف وجودها في المكان، تدخلت ووثقت ما حصل، ورفعت الفيديو إلى الإعلام وإلى الجهات الأمنية وللجميع، ربما كنتُ تعرضت للقتل دون أن يعرف أحد بي".
وتضيف بو حمدان أن "أحد العناصر الأمنية قال لها إنه سمع الصراخ والعراك لكنه لم يستطع ترك المحكمة".
وتعتبر المحامية اللبنانية أن ما حصل معها له "أبعاد جندرية لا يمكن نفيها"، مبينةً "كان المعتدي ووالده عازمين على التعدي عليّ وكأن القاعدة تنص بأنه إن لم يستطع ضرب زوجته (وهما منفصلان دون طلاق) سيضرب أي امرأة أخرى".
"ربما العقلية الرجعية لا تزال مسيطرة والمجتمع اللبناني لا يزال ذكوريا للغاية ولا يزال يعتبر المرأة جناحاً مكسورا على الرغم من كل مساعي الجمعيات والمنظمات الحثيثة. وما حصل معي خير دليل على ذلك"، تتابع بو حمدان.
وتترجم الأبعاد الجندرية بترديد أحد المعتدين عبارة "مرته، مرته" أي زوجته، أكثر من مرة كما يظهر في الفيديو كأنما لتهدئة المارّة وإبعادهم، في إشارة لنوع من "التطبيع مع العنف بين الأقارب في محاولة لقطع الطريق أمام الإنقاذ. وبالفعل كانت هذه العبارة كافية لإبعاد البعض ممن اعتقد أن ما يحصل ليس أكثر من شأن عائلي"، وفق توصيف بوحمدان.
خرجت المحامية بأضرار جسدية، تقول "لكنني انتصرت على الطبيعة الوحشية لرجلين يعتديان بكل ما أوتيا من قوة على سيدة. كانا يصرخان (بدنا نذلّك) بأخذ حقيبة المحاماة ومصادرة هاتفي، وهذا ما لم أسمح به مع أنني لا أعلم من أين جئت بهذه القوة لأسحب نفسي وأذهب عند القاضي وأبلغ عمّا حصل في مخفر قريب".
وكان المعتدي نشر اعتذاراً في حسابه على مواقع التواصل، وبرّر الاعتداء بأنه كان نتيجة "ضغوط نفسية". في الوقت نفسه، قالد العديد من المتفاعلين مع الواقعة على مواقع التواصل، إن "حزب الله الذي يمسك أمن الضاحية رفض تسليمه (المعتدي)" قبل أن يتم الإعلان عن إلقاء القبض عليه نهاية الأسبوع الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن القانون اللبناني يتعامل مع التعدّي على المحامي كالاعتداء على القاضي. وتشدد المادتان (381) و(382) من قانون العقوبات على عقوبة من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 ألف إلى مليوني ليرة لبنانية في حال الاعتداء على قاضٍ في أي وقت كان أي أثناء ممارسته للوظيفة أو في معرض ممارسته أياها أو بسببها أو خارجها أو التهديد بأي وسيلة كانت. ويُطبق الأمر نفسه على المحامين وفق المادة (76).
"ظلم النساء"
تعليقاً على ما جرى، تقول الصحافية اللبنانية فاطمة البسام لـ"ارفع صوتك"، إنها وحين شروعها في الحصول على رواية بعض الشهود، واجهت "تكتماً من قبل العديد منهم وعدم تعاونهم"، وقد يكون السبب "تفادي المشاكل" برأيها.
لكن اللافت، كما تروي، سماعها عبارات منهم مثل "أنتن الصحافيات تحبون المشاكل كالمحاميات.. تبحثون عن سكوب معين".
"هذا ذكرني بحوادث مختلفة تبيّن الظلم الذي تتعرض له النساء في لبنان. ومن القصص التي تستحضرني قصة سيدة اضطرت لإمضاء ليلة كاملة في قسم شرطة بقرار رئيسه، لأنها رفضت إعطاء الأب جوازات سفر أبنائهما، بعد أن هددها بخطفهم"، تتابع البسام.
بالتالي، ترى "أهمية وضع مخططات ومشاريع على صعيد الدولة، تشمل كل المناطق، وتعديل وإضافة بعض القوانين التي لها علاقة بالعنف وغيرها".
بدورها، أدانت جمعية "كفى" عبر بيان "ممارسة السلطة الذكورية والحق بالتأديب والتجرؤ على محامية ترتدي روب المحكمة والتعاطي مع المرأة كملكية للرجل".
كما جاء فيه "هذا ما لن نتخطاه طالما نحن في ظل قوانين الأحوال الشخصية هذه... إن كان قد تعاطى (المعتدي) بهذا الشكل مع محامية فما بالك بزوجته؟".