في أبريل الماضي كشفت شركة "نايكي" تصميمها الجديد الذي أعدّته ليخوض به العدّاؤون الأميركيون سباقات الجري في أولمبياد باريس 2024.
أثارت هذه التصميمات موجة من الجدل بعدما قدّمت للذكور زياً بسيطاً عبارة عن قميص وسروال قصير أما الزي النسائي فكان كاشفاً لمساحات كبيرة من الجسد.
Jesus christ @Nike. Why doesn't the kit for female athletes look more like the male one? https://t.co/yC4SJO6C7i
— Sonia Sodha (@soniasodha) April 12, 2024
رياضيات عديدات حرصن على انتقاد هذه التصميمات، منهن أنجيلا شنايدر بطلة التجديف الكندية، التي صرّحت أن ملابس الرياضيات لا تُصمم لتعينهن على تقديم أفضل أداء إنما مصممة لـ"جذب المتفرج".
فيما علّقت العدّاءة الأميركية لورين فيلشمان على هذا الأمر بشكلٍ لاذع قائلة "إن كان هذا الزي المكشوف سيحسّن من الأداء الرياضي حقاً فإن الرجال سيرتدونه".
أعاد هذا الجدل الحديث المتكرر حول مدى منطقية المواصفات الرسمية التي تحدد أزياء الرياضيات، بسبب الاتهامات الموجهة لواضيعها باتّباع مقاييس "غير رياضية" وأن لـ"التحيز الجنسي" دور كبير في إقرارها، خاصة أن أغلب مَن يضعها رجال بسبب ضعف التواجد النسائي في مجالس إدارات الاتحادات الرياضية الدولية.
هذه الاتهامات ليست مجرد ظنون تثيرها النسويات من وقتٍ لآخر، إنما سبَق وأكّدت وجودها ممارسات عدة اتحادات رياضية، مثل سيب بلاتر رئيس الفيفا الأسبق الذي دعا ذات يوم لاعبات كرة القدم النسائية لارتداء "سراويل قصيرة وضيقة" لجذب المزيد من الرعاة.
وفي 2011 قرّر الاتحاد العالمي لكرة الريشة إجبار المتنافسات على ارتداء التنانير بدلاً من السراويل القصيرة بهدف "جعل النساء أكثر أنوثة وجاذبية للجماهير والشركات الراعية"، نفس الفكرة اقترحها أيضاً الاتحاد الدولي للملاكمة لإضفاء "طابع أنثوي" أكثر على مباريات السيدات.
في كلا الحالتين تم التراجع عن الفكرة بسبب الانتقادات الشديدة التي صاحبت الإعلان عنهما.
وكانت الكاتبة الرياضية والعدّاءة السابقة آلي هيد، حذرت من مثل هذه التصرفات التي قد تدفع الفتيات إلى العزوف عن ممارسة الرياضة بسبب "الشعور بالخجل" من الأزياء التي يرتدينها مُجبرات.
تزداد هذه المشكلة تفاقماً في البلدان ذات "ثقافة الاحتشام" كدول العالم الإسلامي مثلاً، حيث لا ترتدي أغلب النساء ملابس كاشفة وقد يفضلن الانقطاع عن ممارسة الرياضة بالكُلية بدلاً من ارتداء ملابس تتعارض مع قناعاتهن الدينية.
تاريخٌ التحيز الجنسي
مثل هذه الصراعات تعيد للأذهان مشاركات النساء القديمة في الأولمبياد خلال القرن التاسع عشر حين فُرض عليهن ارتداء فساتين طويلة و"كورسيه" ضيّق، ما أعاق حركة المتنافسات ومنعهن من الركض والقفز بأريحية.
بحسب المراسلات التي قامت بين منظمي أولمبياد باريس عام 1900، فإن أكثر ما شغل المنظمين حينها ألا تتحوّل أجساد النساء إلى وسيلة لـ"إلهاء الذكور" فأجبروهن على ارتداء الملابس الطويلة.
في 1919 وقعت ضجة كبرى حين أصرّت لاعبة التنس الفرنسية سوزان لينغلين على المشاركة في بطولة ويمبلدون مرتدية تنورة قصيرة تنتهي عند منتصف ساقيها بدلاً من المشد والتنورات الطويلة التي كانت شائعة حينها بين اللاعبات، هاجمتها الصحافة المحلية ووصفتها بـ"غير المحتشمة".
بعدها بـ30 عاماً تسبّبت الأميركية جيرترود موران في أزمة جديدة عندما شاركت في ويمبلدون مرتدية تنورة قصيرة تنتهي عند منتصف فخذيها فاتهمها "نادي عموم إنجلترا" أنها جلبت "الابتذال والخطيئة إلى التنس".
لحظات التحدي
مؤخراً تزايدت حالات الرياضيات اللائي يرفضن الانصياع لهذه القواعد وقررن التمرد عليها؛ ففي 2019 ارتدت سيرينا ويليامز لاعبة التنس الأميركية زياً طويلاً من قطعة واحدة خلال مشاركتها في بطولة رولان جاروس بدلاً من التنورة أو السروال القصير الذي اعتادت لاعبات التنس ارتداء أيٍّ منهما خلال المباريات.
رغم أن ويليامز صرّحت بأن هذا الزي أكثر راحة لها ويجعلها أكثر صحة لأنه يحميها من التعرض للجلطات الدموية التي كادت تكلفها حياتها يوماً، إلا أن منظمي بطولة فرنسا المفتوحة أعلنوا أنهم لن يسمحوا لسيرينا بخوض المنافسات به مُجدداً.
هذه الحُلة الطويلة سبق وأن ارتدتها اللاعبة الأميركية آن وايت في بطولة ويمبلدون 1985 وواجهت رفضاً مماثلاً من قِبَل المنظمين.
1985: Anne White's famous Wimbledon bodysuit, worn for only part of one match but never to be forgotten. pic.twitter.com/VBMkdqJCCd
— Uni Watch (@UniWatch) June 28, 2016
خلال أولمبياد طوكيو 2020 رفضت لاعبات فريق الجمباز الألماني ارتداء زيٍّ كاشف يُشبه ثوب البحر خلال المنافسات، وبدلاً من ذلك ارتدين زياً يغطي عموم الجسد. خطوة برّرها الاتحاد الألماني بأنه يرفض "إضفاء الطابع الجنسي" على أزياء الرياضيات.
من جانبها، علّقت إليزابيث سيتز لاعبة الجمباز الألمانية، أن دوافع اختيار هذا الزي أنه "يشعرهن بالراحة" وأنها وزميلاتها قصدت توجيه رسالة أن "كل امرأة يجب أن تقرر بنفسها ما يجب أن ترتديه".
لم تتعارض هذه الخطوة مع شروط الاتحاد الدولي للجمباز الذي لا يشترط ارتداء ملابس طويلة أو قصيرة طالما أنها مطابقة للّون الذي سبق تحديده للمنتخب المتنافس.
بعد عامٍ قرّرت لاعبات منتخب النرويج للكرة الشاطئية تكرار نفس الخطوة بعدما رفضن ارتداء "البكيني" خلال خوض إحدى المباريات في بطولة أوروبا، وقررن ارتداء سروالٍ قصير بدلاً منه، لأنه "أكثر راحة" بالنسبة لهن.
هذه المرة لم تمرُّ الأمور دون عواقب، حيث فرض الاتحاد الأوروبي لكرة اليد غرامة مالية قدرها 1500 يورو على اللاعبات بدعوى ارتداء "ملابس غير مناسبة".
لكن وإزاء الانتقادات المتصاعدة لهذا القرار والداعمة للاعبات النرويجيات، غيّر الاتحاد الدولي لكرة اليد قواعد الزي وسمح للنساء بارتداء السراويل القصيرة بدلاً من "البكيني".
I knew there was a double standard for uniforms worn by male and female athletes... but this picture of Norway's beach handball team says a lot. https://t.co/qdZBKU7pTK pic.twitter.com/KoWdOvecmr
— Dr. Ji Son (@cogscimom) July 20, 2021