في انتخابات البرلمان العراقي 2021 استطاعت النساء كسر حاجز "الكوتا" عبر انتخاب 97 نائبة، بزيادة 14 مقعداً عن "كوتا النساء" التي حددها القانون بحيث لا تقلّ عن ربع أعضاء مجلس النواب.
وبحسب نتائج الدورة التشريعية الحالية، فقد وصلت نسبة المقاعد التي حصلت عليها النساء إلى 29 في المئة، "وهي سابقة مهمة بالنسبة للمرأة العراقية حيث أظهرت النتائج فوز 57 امرأة بقوتهن التصويتية من دون الحاجة إلى الكوتا"، بحسب النائب ورئيسة كتلة المنتج الوطني ابتسام الهلالي.
فوز المرأة بهذه النسبة وهذه الطريقة كما تضيف الهلالي لـ "ارفع صوتك"، "يدلّ على نشاط وعمل المرأة وقدرتها على كسب التأييد من الجمهور بعد أن أثبتت أن لها قوة في طرح القرارات السياسية ومناقشة القوانين والتشريعات والقدرة والجرأة لاستجواب أعضاء السلطة التنفيذية".
تؤيد أستاذة القانون الدولي الإنساني علياء عباس ما ذهبت إليه الهلالي، فالنظام البرلماني في العراق "يعتبر واحداً من أفضل الأنظمة في العالم من حيث إعطاء الصلاحيات للمرأة، وخصوصاً الدورة التشريعية الحالية". تشير عباس إلى أن مقرر مجلس النواب حالياً هي شخصية نسائية، "وهناك عدد من اللجان ترأسها نساء، كما أن البرلمان حتى الآن لم يعترض على أي قانون جرى طرحه من قبل الشخصيات النسائية".
ولكن، كما ترى عباس، "تكمن المشكلة الأزلية في دور المرأة بالبرلمان بحد ذاته، باعتبارها أتت من خلفيات حزبية أو نتيجة الانتماء لكتلة سياسية، وبهذا تطغى الصبغة الحزبية على آرائها". وهو ما يجعلها "غير قادرة على اتخاذ قرارات تخص المرأة بعيداً عن رأي الكتلة التي تنتمي إليها والتي تتبنى أفكاراً اجتماعية ودينية وفكرية محددة، وبالتالي لا تكون قادرة على الغوص بعيداً عن رأي الكتلة التي تنتمي لها".
"الكوتا"
شهد العام 1980 أول مشاركة سياسية نيابية للمرأة في العراق حين فازت بـ16 مقعداً في انتخابات المجلس الوطني بالاعتماد على مرشحات جميعهن من الاتحاد العام لنساء العراق. أي أن المرأة العراقية، بحسب بحث حمل عنوان "المرأة العراقية ودورها في مجلس النواب"، كانت "مشاركة ضمن إطار فلسفة الحزب الواحد". وهو النسق ذاته الذي تم اعتماده في السنوات اللاحقة حتى العام 2000 حين تم انتخاب 17 امرأة في المجلس.
بعد العام 2003 وتغيير النظام السياسي في العراق، أقرّ الدستور العراقي مبدأ الكوتا النسائية بنسبة لا تقل عن 25 % من مجموع أعضاء مجلس النواب.
ووفقاً لبحث حمل عنوان "دور المرأة في انتخابات 2021" فإن مشاركة المرأة في أول انتخابات تشريعية في العام 2006 أوصلت 73 امرأة إلى مجلس النواب وبنسبة 28.4 %، أما في الدورة الانتخابية الثانية (2010-2014) فحصلت المرأة على 81 مقعدا بنسبة 29 %، وفي انتخابات العام 2014 ثم العام 2018 حصلت المرأة على 25 % من نسبة المقاعد.
وخلال تلك المدة، كما يشير بحث معنون بـ "المرأة العراقية ودورها في مجلس النواب"، فإن دور المرأة في أول دورتين تم حصره بشكل كبير في لجان تتعلق بالمرأة والأسرة والطفل والصحة والتعليم، مع غياب التمثيل في لجان الأمن والدفاع والمصالحة الوطنية والعشائر.
وهو ما أدى مع تراكم الخبرة إلى اتساع مطالب البرلمانيات في الدورة البرلمانية (2010-2014) بشأن تثبيت مشاركة النساء في السلطة التنفيذية بعد خلو التشكيلة الوزارية من النساء.
أما في الدورة البرلمانية الحالية كما تقول النائبة ابتسام الهلالي، فإن المرأة بالإضافة إلى حصولها على مقاعد أكبر بالبرلمان، "أخذت مكانا في السلطة التنفيذية من خلال ثلاث وزارات مهمة هي المالية والهجرة والاتصالات. مع ذلك كان يفترض أن تكون حصتها ست إلى سبع وزيرات في التشكيلة الوزارية، لكن، للأسف المناصب التنفيذية التي تتولاها المرأة حتى على مستوى مدير عام قليلة جداً".

هل خدمت "الكوتا" المرأة؟
تقول أستاذة القانون الدولي الإنساني علياء عباس لـ"ارفع صوتك" إن نظام الكوتا "خدم المرأة ودورها في البرلمان مع انطلاق العملية السياسية، وفق القاعدة التي انطلق منها وهي أن لا يقل عدد مقاعد النساء في البرلمان 25 % أي ما يمثل 80-82 مقعداً. وفي الانتخابات للدورة البرلمانية الحالية رأينا أنها تمكنت من تجاوز هذه النسبة".
وبحسب رؤية الأمين العام للحركة المدنية الوطنية شروق العبايجي فإن الكوتا "ضرورية وما زالت كذلك لدعم مشاركة المرأة ووجودها في البرلمان والمشهد السياسي". ولو لم نر هذه النسبة في الدستور العراقي، "لكانت المنافسة الذكورية محتدمة لشغل هذه المناصب، وكانت ستمنعنا من رؤية النساء في البرلمان بالطريقة ذاتها التي تجري اليوم"، كما تقول العبايجي لـ"ارفع صوتك".
تشرح العبايجي أن "المنافسة الذكورية ذاتها نراها محتدمة في المناصب التنفيذية التي تجري بأساليب لا تستطيع المرأة مجاراتها وهو ما يفقدها القدرة على المنافسة".
بدورها ترى الهلالي أن نظام الكوتا اليوم "فيه الكثير من الخلل، يفترض أن يتم علاجه".
وتعلل رأيها بالقول :"حين تمت كتابة الدستور في العام 2005 وضع المشرّعون ما كانوا يتوقعونه حينها فيما يتعلق بحجم مشاركة المرأة بشكل عام، ولم يكن هناك توقع أن تأخذ دورها الحقيقي أو حجمها في المجتمع وأن تكون صاحبة قرار". أما اليوم "يفترض أن يكون هناك توازن بإعداد الرجال والنساء في البرلمان لأن عمل المرأة تطور بتراكم خبراتها وأصبحت تنافس الرجل في خدمة ناخبيها".
وعلى عكس ما تراه النساء من أهمية الكوتا لوصول المرأة إلى البرلمان، يرى الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي" مشرق الفريجي أن هناك "خللاً لا يتعلق بالكوتا نفسها، لكنه يتعلق بطريق اختيار المرأة للترشيح في الانتخابات والتي تخضع لرؤساء الكتل، بالتالي غالبية النساء يتبنين آراء أحزابهن بعيداً عن حقوق المرأة أو المطالبة بها".

كتلة نسوية؟
تتدخّل الأحزاب باختيار نساء يتبنين آراءها وأفكارها ويخضعن لسياساتها كما يقول الفريجي. ويتابع: "مُنعت النساء من تكوين كتلة باتجاه تشريع قوانين تتعلق بحقوق المرأة، كونها تتبع حدوداً مرسومة لها من قبل كتلتها بغض النظر عن رأيها". وبحسب الفريجي، نجد هذا الأمر واضحاً "من خلال عدم إقرار قوانين تتعلق بالأسرة مثل قانون العنف الأسري أو المطالبة بتعديلات بالضد من حقوق المرأة مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية".
عدم قدرة النساء البرلمانيات على تشكيل كتلة برلمانية كما تقول الهلالي جرى "تشخيصه" منذ العام 2016. فهي كما تقول دعت إلى تشكيل هذه الكتلة، "إلا أنها لم تنجح لأن المرأة تخضع لرئيس الكتلة وهو الذي يوجهها، ولذلك لم نتمكن من توحيد كلمتنا وهذا يعتبر خللاً كبيراً جداً، ولو استطعنا تشكيل تلك الكتلة لرفعنا حجم مشاركة المرأة في المناطق التنفيذية".
تعبّر العبايجي عن أسفها لأن دور النساء بشكل عام، "لا يتناسب مع فكرة وجود الكوتا لتعزيز قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها. ونلاحظ هيمنة الكتل على القرار النسوي داخل البرلمان ومحاولة إرضاء الأحزاب على حساب قضايا المرأة".
تشير العبايجي في هذا السياق، إلى "وقوف بعض البرلمانيات ضد تشريع قانون العنف الأسري، بل إن بعض النائبات طرحن فكرة تشريع قانون لتعدد الزوجات!".
مثل هذه الأمور، تتابع العبايجي، "تقوض المكاسب السياسية التي حصلت عليها المرأة، حيث يفترض أنه، بمعزل عن انتماءاتهن الحزبين، فإن جزءاً من دورهن في البرلمان هو الوقوف مع قضايا المرأة وليس أن تقف نائبات ضد المرأة وقضاياها في البرلمان"، وهذا أمر تصفه العبايجي بأنه "خطير جداً". وتشير إلى أن ذلك يأتي في وقت "يشهد فيه العراق تزايداً في قضايا العنف الأسري ضد المرأة وضد الأطفال وتزايد حالات الطلاق والتعسف وبالتالي التفكك الأسري. وهذه الأمور لا تعتبر مجرد مظاهر بل هي أزمات داخل المجتمع، وحلّها يتطلّب اعتماد طريقة علمية مدروسة ومنطقية مناسبة للمجتمع العراقي".
عباس من جهتها ترى الحلّ في "ظهور طبقة سياسية مستقلة عن الكتل السياسية وغير مرتبطة بأحزاب، يكون لها مساحة تسمح للنساء بحرية اختيار قراراتهن بعيدا عن كتلهن". وعلى الرغم من أن هذا الأمر يعتبر إلى حد ما بعيد جداً عن الواقع السياسي العراقي، إلا أنه، بحسب عباس، "منوط بتطور المجتمع وقدرته على إيصال المستقلين إلى المجلس التشريعي".