سيدة كردية عراقية تظهر تصوت في الانتخابات البرلمانية بمدينة السليمانية في 30 سبتمبر 2018.
سيدة كردية عراقية تظهر تصوت في الانتخابات البرلمانية بمدينة السليمانية في 30 سبتمبر 2018.

 في انتخابات البرلمان العراقي 2021 استطاعت النساء كسر حاجز "الكوتا"  عبر انتخاب 97 نائبة، بزيادة 14 مقعداً عن "كوتا النساء" التي حددها القانون بحيث لا تقلّ عن ربع أعضاء مجلس النواب.

 وبحسب نتائج الدورة التشريعية الحالية، فقد وصلت نسبة المقاعد التي حصلت عليها النساء إلى 29 في المئة، "وهي سابقة مهمة بالنسبة للمرأة العراقية حيث أظهرت النتائج فوز 57 امرأة بقوتهن التصويتية من دون الحاجة إلى الكوتا"، بحسب النائب ورئيسة كتلة المنتج الوطني ابتسام الهلالي.

 فوز المرأة بهذه النسبة وهذه الطريقة كما تضيف الهلالي لـ "ارفع صوتك"، "يدلّ على نشاط وعمل المرأة وقدرتها على كسب التأييد من الجمهور بعد أن أثبتت أن لها قوة في طرح القرارات السياسية ومناقشة القوانين والتشريعات والقدرة والجرأة لاستجواب أعضاء السلطة التنفيذية".

 تؤيد أستاذة القانون الدولي الإنساني علياء عباس ما ذهبت إليه الهلالي، فالنظام البرلماني في العراق "يعتبر واحداً من أفضل الأنظمة في العالم من حيث إعطاء الصلاحيات للمرأة، وخصوصاً الدورة التشريعية الحالية". تشير عباس إلى أن مقرر مجلس النواب حالياً هي شخصية نسائية، "وهناك عدد من اللجان ترأسها نساء، كما أن البرلمان حتى الآن لم يعترض على أي قانون جرى طرحه من قبل الشخصيات النسائية".

 ولكن، كما ترى عباس، "تكمن المشكلة الأزلية في دور المرأة بالبرلمان بحد ذاته، باعتبارها أتت من خلفيات حزبية أو نتيجة الانتماء لكتلة سياسية، وبهذا تطغى الصبغة الحزبية على آرائها". وهو ما يجعلها "غير قادرة على اتخاذ قرارات تخص المرأة بعيداً عن رأي الكتلة التي تنتمي إليها والتي تتبنى أفكاراً اجتماعية ودينية وفكرية محددة، وبالتالي لا تكون قادرة على الغوص بعيداً عن رأي الكتلة التي تنتمي لها".

 

"الكوتا"

 شهد العام 1980 أول مشاركة سياسية نيابية للمرأة في العراق حين فازت بـ16 مقعداً في انتخابات المجلس الوطني بالاعتماد على مرشحات جميعهن من الاتحاد العام لنساء العراق. أي أن المرأة العراقية، بحسب بحث حمل عنوان "المرأة العراقية ودورها في مجلس النواب"، كانت "مشاركة ضمن إطار فلسفة الحزب الواحد". وهو النسق ذاته الذي تم اعتماده في السنوات اللاحقة حتى العام 2000 حين تم انتخاب 17 امرأة في المجلس.

 بعد العام 2003 وتغيير النظام السياسي في العراق، أقرّ الدستور العراقي مبدأ الكوتا النسائية بنسبة لا تقل عن 25 % من مجموع أعضاء مجلس النواب.

 ووفقاً لبحث حمل عنوان "دور المرأة في انتخابات 2021" فإن مشاركة المرأة في أول انتخابات تشريعية في العام 2006 أوصلت 73 امرأة إلى مجلس النواب وبنسبة 28.4 %، أما في الدورة الانتخابية الثانية (2010-2014) فحصلت المرأة على 81 مقعدا بنسبة 29 %، وفي انتخابات العام 2014 ثم العام 2018 حصلت المرأة على 25 % من نسبة المقاعد.

 وخلال تلك المدة، كما يشير بحث معنون بـ "المرأة العراقية ودورها في مجلس النواب"، فإن دور المرأة في أول دورتين تم حصره بشكل كبير في لجان تتعلق بالمرأة والأسرة والطفل والصحة والتعليم، مع غياب التمثيل في لجان الأمن والدفاع والمصالحة الوطنية والعشائر.

 وهو ما أدى مع تراكم الخبرة إلى اتساع مطالب البرلمانيات في الدورة البرلمانية (2010-2014) بشأن تثبيت مشاركة النساء في السلطة التنفيذية بعد خلو التشكيلة الوزارية من النساء.

 أما في الدورة البرلمانية الحالية كما تقول النائبة ابتسام الهلالي، فإن المرأة بالإضافة إلى حصولها على مقاعد أكبر بالبرلمان، "أخذت مكانا في السلطة التنفيذية من خلال ثلاث وزارات مهمة هي المالية والهجرة والاتصالات. مع ذلك كان يفترض أن تكون حصتها ست إلى سبع وزيرات في التشكيلة الوزارية، لكن، للأسف المناصب التنفيذية التي تتولاها المرأة حتى على مستوى مدير عام قليلة جداً".

هل خدمت "الكوتا" المرأة؟

 تقول أستاذة القانون الدولي الإنساني علياء عباس لـ"ارفع صوتك" إن نظام الكوتا "خدم المرأة ودورها في البرلمان مع انطلاق العملية السياسية، وفق القاعدة التي انطلق منها وهي أن لا يقل عدد مقاعد النساء في البرلمان 25 % أي ما يمثل 80-82 مقعداً. وفي الانتخابات للدورة البرلمانية الحالية رأينا أنها تمكنت من تجاوز هذه النسبة".

 وبحسب رؤية الأمين العام للحركة المدنية الوطنية شروق العبايجي فإن الكوتا "ضرورية وما زالت كذلك لدعم مشاركة المرأة ووجودها في البرلمان والمشهد السياسي". ولو لم نر هذه النسبة في الدستور العراقي، "لكانت المنافسة الذكورية محتدمة لشغل هذه المناصب، وكانت ستمنعنا من رؤية النساء في البرلمان بالطريقة ذاتها التي تجري اليوم"، كما تقول العبايجي لـ"ارفع صوتك".

تشرح العبايجي أن "المنافسة الذكورية ذاتها نراها محتدمة في المناصب التنفيذية التي تجري بأساليب لا تستطيع المرأة مجاراتها وهو ما يفقدها القدرة على المنافسة".

 بدورها ترى الهلالي أن نظام الكوتا اليوم "فيه الكثير من الخلل، يفترض أن يتم علاجه".

 وتعلل رأيها بالقول :"حين تمت كتابة الدستور في العام 2005 وضع المشرّعون ما كانوا يتوقعونه حينها فيما يتعلق بحجم مشاركة المرأة بشكل عام، ولم يكن هناك توقع أن تأخذ دورها الحقيقي أو حجمها في المجتمع وأن تكون صاحبة قرار". أما اليوم "يفترض أن يكون هناك توازن بإعداد الرجال والنساء في البرلمان لأن عمل المرأة تطور بتراكم خبراتها وأصبحت تنافس الرجل في خدمة ناخبيها".

 وعلى عكس ما تراه النساء من أهمية الكوتا لوصول المرأة إلى البرلمان، يرى الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي" مشرق الفريجي أن هناك "خللاً لا يتعلق بالكوتا نفسها، لكنه يتعلق بطريق اختيار المرأة للترشيح في الانتخابات والتي تخضع لرؤساء الكتل، بالتالي غالبية النساء يتبنين آراء أحزابهن بعيداً عن حقوق المرأة أو المطالبة بها".

 كتلة نسوية؟

 تتدخّل الأحزاب باختيار نساء يتبنين آراءها وأفكارها ويخضعن لسياساتها كما يقول الفريجي. ويتابع: "مُنعت النساء من تكوين كتلة باتجاه تشريع قوانين تتعلق بحقوق المرأة، كونها تتبع حدوداً مرسومة لها من قبل كتلتها بغض النظر عن رأيها". وبحسب الفريجي، نجد هذا الأمر واضحاً "من خلال عدم إقرار قوانين تتعلق بالأسرة مثل قانون العنف الأسري أو المطالبة بتعديلات بالضد من حقوق المرأة مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية".

 عدم قدرة النساء البرلمانيات على تشكيل كتلة برلمانية كما تقول الهلالي جرى "تشخيصه" منذ العام 2016. فهي كما تقول دعت إلى تشكيل هذه الكتلة، "إلا أنها لم تنجح لأن المرأة تخضع لرئيس الكتلة وهو الذي يوجهها، ولذلك لم نتمكن من توحيد كلمتنا وهذا يعتبر خللاً كبيراً جداً، ولو استطعنا تشكيل تلك الكتلة لرفعنا حجم مشاركة المرأة في المناطق التنفيذية".

 تعبّر العبايجي عن أسفها لأن دور النساء بشكل عام، "لا يتناسب مع فكرة وجود الكوتا لتعزيز قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها. ونلاحظ هيمنة الكتل على القرار النسوي داخل البرلمان ومحاولة إرضاء الأحزاب على حساب قضايا المرأة".

 تشير العبايجي في هذا السياق، إلى "وقوف بعض البرلمانيات ضد تشريع قانون العنف الأسري، بل إن بعض النائبات طرحن فكرة تشريع قانون لتعدد الزوجات!".

 مثل هذه الأمور، تتابع العبايجي، "تقوض المكاسب السياسية التي حصلت عليها المرأة، حيث يفترض أنه، بمعزل عن انتماءاتهن الحزبين، فإن جزءاً من دورهن في البرلمان هو الوقوف مع قضايا المرأة وليس أن تقف نائبات ضد المرأة وقضاياها في البرلمان"، وهذا أمر تصفه العبايجي بأنه "خطير جداً". وتشير إلى أن ذلك يأتي في وقت "يشهد فيه العراق تزايداً في قضايا العنف الأسري ضد المرأة وضد الأطفال وتزايد حالات الطلاق والتعسف وبالتالي التفكك الأسري. وهذه الأمور لا تعتبر مجرد مظاهر بل هي أزمات داخل المجتمع، وحلّها يتطلّب اعتماد طريقة علمية مدروسة ومنطقية مناسبة للمجتمع العراقي".

عباس من جهتها ترى الحلّ في "ظهور طبقة سياسية مستقلة عن الكتل السياسية وغير مرتبطة بأحزاب، يكون لها مساحة تسمح للنساء بحرية اختيار قراراتهن بعيدا عن كتلهن". وعلى الرغم من أن هذا الأمر يعتبر إلى حد ما بعيد جداً عن الواقع السياسي العراقي، إلا أنه، بحسب عباس، "منوط بتطور المجتمع وقدرته على إيصال المستقلين إلى المجلس التشريعي".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".