Table Tennis - Mixed Doubles Round of 16
من مباريات أولمبياد باريس 2024- تعبيرية

تشهد أولمبياد باريس 2024 التي انطلقت فعالياتها منذ أيام حدثاً تاريخياً وهو تساوي عدد الرياضيات -تقريباً- مع إجمالي الرياضيين المشاركين بالحدث الرياضي الأبرز في العالم.

ومنذ أن أقيمت الأولمبياد لأول مرة في 776 قبل الميلاد، جنوب اليونان القديمة، اعتُبرت احتفالية ذكورية لا مكان للنساء فيها. وقتها كانت التنافسات تقتضي أن يتبارَى الرجال عراة بعد مسح أجسادهم بالزيت، أحياناً كان المخفقون يُعاقَبون بإلقائهم من فوق جرف قريب.

اعتبر المنظمون أن هذه الأولمبياد "مناسبة ذكورية خالصة" لذا حُظر على المرأة المشاركة في هذه الأحداث بأي شكل سواء كمتنافسات أو متفرجات، و عُوقبت أي امرأة تخالف ذلك بالإعدام لفترة طويلة، بعدها تغيّر هذا الموقف خلال العصور الرومانية المتأخرة، حيث سُمح لقِلة من فتيات العائلات الثرية بالحضور كمتفرجات في بعض الفعاليات.

وحينما نجح المهندس الفرنسي بيير دي كوبرتان (Pierre de Coubertin) في إعادة إحياء الأولمبياد مُجدداً، عارض بشدة مشاركة النساء في الدورة الأولى بأثينا 1896 بعدما كرّر الاعتقاد بأن هذا الحدث البارز هو "تمجيد مهيب للرياضة الذكورية، ويجب أن تقتصر مشاركة النساء فيها على التصفيق من مقاعد المتفرجين".

نظر دي كوبرتان للألعاب الأولمبية باعتبارها وسيلة لتفريغ طاقة الرجال وتشجيعهم على التنافس الأخلاقي، لذا لم يعتبر أن هناك فائدة من مشاركة النساء في الألعاب وإنما رأى أنهن قد يُصبحت مصدر خطوة على نجاح الحدث.

المشاركة النسوية الأولى

لم يُسمح للنساء بالمشاركة بالأولمبياد إلا في باريس عام 1900، ومن بين 997 رياضياً كانت هناك فقط 22 امرأة.

 رغم هذه المشاركة، بقي التحفظ مسيطراً على المنظمين، فلم يسمحوا للنساء بالمشاركة إلا في الألعاب "ذات طبيعة أنثوية" كالتنس، والإبحار، والفروسية، والكروكيه، والغولف.

شهدت هذه الدورة مشاركة لاعبة التنس الإنجليزية شارلوت كوبر التي حصدت المركز الأول وباتت أول بطلة أولمبية في التاريخ، فيما فازت لاعبة الجولف مارغريت أبوت لتكون أول امرأة أميركية تنال ميدالية أولمبية.

الدورة التالية لأولمبياد باريس في سانت لويس شهدت انخفاضاً مروعاً في نسبة المشاركات اللائي لم يتجاوزن 6 نساء، بعدها ارتفعت المساهمة النسوية في لندن 1908 إلى 37 رياضية ثم 48 في ستوكهولم 1912، وتخطت أعدادهن حاجز المئة للمرة الأولى في باريس 1924 بـ135 رياضية ثم قفز حجم الحضور إلى 277 رياضية في أمستردام 1928 مثّلن ما يقرب 10% من إجمالي المشاركين.

في دورة أمستردام سُمح للنساء بخوض تنافسات رياضيات لطالما نُظر لها باعتبارها "ألعاب ذكورية" مثل ألعاب القوى والجمباز والمبارزة، وخلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في مكسيكو سيتي 1968 شاركت لاعبة ألعاب القوى المكسيكية إنريكيتا باسيليو (Enriqueta Basilio) في المراسم لتكون أول امرأة تُوقد الشعلة الأولمبية في التاريخ.

في 1981 نجحت النساء في الوصول إلى مناصب قيادية أولمبية عُليا لأول مرة بعدما نالت امرأتان عضوية اللجنة الأولمبية الدولية بعدها زاد عدد النساء بشكل تدريجيي في اللجان الأولمبية، وفي 2023 قاربت نسبة النساء في مراكز صُنع القرار باللجنة الأولمبية على 50%.

التواجد الأنثوي المتزايد في صناعة القرارات الأولمبية ألقى بظلاله على زيادة نسبة الرياضيات المشاركات في الأولمبياد؛ ففي 1991 تعيّن على أي رياضة جديدة يعتزم منظموها إدراجها في الألعاب الاولمبية أن تتضمن مكاناً لفرق النساء، وفي 1996 أجريت تعديلات على الميثاق الأولمبي جعل من المهام الرئيسة للجنة الأولمبية هي "تعزيز مشاركة المرأة في الرياضة على كافة المستويات من أجل تطبيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة".

بمرور الوقت توالت زيادة الألعاب المسموح للنساء بالمشاركة فيها حتى أتت أولمبياد 2000 التي أضيفت للتنافسات النسائية بها عدة رياضات دفعة واحدة مثل رفع الأثقال والخماسي الحديث والتايكوندو وغيرها.

 في أولمبياد 2004 ظهرت المصارعة النسائية، وفي لندن 2012 سُمح للنساء بخوض تنافسات الملاكمة لتكون الدورة الأولى في التاريخ الأوليمبي الذي تخوض فيها النساء جميع الرياضات التي يلعبها الرجال.

نتيجة لهذه التعديلات استمرت نسبة المشاركة النسائية في الزيادة حتى تجاوزت 4600 رياضية في أولمبياد لندن 2012، وفي أولمبياد ريو 2016 شاركت قرابة 5 آلاف امرأة في الفعاليات بجانب 6100 رجل، وفي أولمبياد طوكيو 2020 شاركت 5457 امرأة بجانب 5959 رجلاً بنسبة تمثيل وصلت إلى 45%.

الظهور العربي

شهدت أولمبياد ميونيخ 1972 الحضور النسوي العربي من عدة دول. مثّلت مصر في هذه المسابقة أمينة محمود لاعبة الجري والوثب، وكانت المرأة الوحيدة التي التحقت ببعثة مصر وقتها.

لم تخض أمينة أي منافسات بعد انسحاب البعثة المصرية من الأولمبياد إثر وقوع أحداث ميونيخ عدما هاجمت مجموعة "أيلول الأسود" الفلسطينية مقر بعثة الرياضيين الإسرائيليين لمحاولة احتجاز بعضهم، فشلت الخطة بعد تدخل الشرطة الألمانية لمحاولة تحرير الرهائن الأمر الذي أدى إلى مقتل 11 إسرائيلياً و5 فلسطينيين.

انسحبت مصر من الدورة الأولمبية ولم يخض رياضيوها أية منافسات، وحُرمت أمينة من ريادة رياضيات مصر في الأولمبياد. خطوة الانسحاب تلك لم تقدم بعثة لبنان عليها فسمحت للعداءة أردا كالباكيان والسباحتان آني جين مغرديتشيان وميراي بسول بخوض التنافسات كأول نساء لبنانيات ينلن هذا الشرف، بالمثل تمسّكت المغرب وسوريا بالمشاركة فنازعتا لبنان على الصدارة بعدما خاضت المنافسات، العدّاءتان المغربيتان فاطمة الفقير ومليكة حدقي لأول مرة بجانب العدّاءة السورية ملك الناصر.

بعدها شهدت الأولمبياد الروسية 1980 المشاركة النسوية الليبية الأولى بواسطة السباحتين الشقيقتين نادية وسعاد الفزاني، في الدورة التالية بلوس أنجلوس ظهرت المرأة الأردنية للمرة الأولى بفضل لاعبة القوى رائدة عبدالله بدر. البطولة ذاتها شهدت ظهوراً أنثوياً مصرياً أول عبر فريق السباحة الإيقاعية الذي ضمَّ داليا مقبل، ريم حسن، شيريوت حافظ، نيفين حافظ، سحر هلال، سحر يوسف.

الأولمبياد التالية في سيول 1988 شهدت الظهور الأول للمرأة الجزائرية عن طريق العداءة ياسمينة عزيزي كيتاب وزميلتها العدّاءة الشهيرة حسيبة بولمرقة التي حققت نتائج متواضعة في هذه الدورة إلا أنها صنعت التاريخ في الدورة التالية بعدما حصدت الميدالية الذهبية في برشلونة 1992.

فلسطين لم تتأخر كثيراً عن الرَكْب منذ أن سُمح لها بالمشاركة لأول مرة في أولمبياد أتلانتا 1996، في الدورة التالية بسيدني مباشرة كانت السباحة سمر نصّار أول فلسطينية تمثّل بلدها أولمبياً في سباق 50 متراً في سيدني.

شهدت دورة سيدني حدثاً فريداً وهو الظهور النسوي الأول لعدة دول عربية؛ فبجانب فلسطين شاركت امرأتان بحرينيتان لأول مرة هما السباحة فاطمة كراشي والعداءة مريم الحلي، والعداءة الجيبوتية رودا وايس والعدّاءة السودانية أميمة جبريل، أما العراق فمثّله لأول مرة العداءة ميساء مطرود والسبّاحة نور حقي.

بعد العراق والبحرين تتالَى ظهور اللاعبات الخليجيات في الأولمبياد؛ فشاركت لاعبة القوى الكويتية دانا النصر الله في أولمبياد 2004، وبالدورة التالية في بكين شاركت امرأة عمانية للمرة الأولى هي العداءة بثينة اليعقوبي، كما ظهرت بنفس البطولة رياضيتان إماراتيان لأول مرة هما لطيفة آل مكتوم في الفروسية وميثاء آل مكتوم في التايكوندو.

أما المرأة السعودية فشاركت لأول مرة في أولمبياد لندن 2012 عبر السماح لوجدان علي لاعبة الجودو والعدّاءة سارة عطار بخوض التنافسات الأولمبية، وفي نفس البطولة ظهرت المرأة القطرية لأول مرة أيضاً من خلال مشاركة 4 لاعبات منهن رامية البندقية وبهية الحمد التي حملت علم قطر في حفل الافتتاح.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".