بالأمس، ودّعت لاعبة سلاح السابر المصرية ندى حافظ، أولمبياد باريس، بعد خسارتها في دور الـ16 أمام منافستها جون هايونج بطلة كوريا الجنوبية.
وفي رسالة توديعها، كشفت حافظ أنها خاضت المسابقات وهي حامل في الشهر السابع، الأمر الذي خلق حالةً من الجدل في مصر وعلى منصات التواصل الاجتماعي العربية، بين مؤيدٍ ومعارض لهذا التصرّف.
تعقيباً على ذلك، علقت حافظ أن ما فعلته لم يكن جديداً في عالم الرياضة، حيث خاضت لاعبات أخريات التنافسات وهن حوامل، مشددة على خطأ المفهوم المنتشر بين الناس أن الرياضة تتعارض مع الأمومة.
ثقافة لوم الأم والتمرد عليها
لسنواتٍ طويلة سيطرت على الساحة الرياضية مفاهيم خاطئة تحتّم اعتزال النساء الرياضة بعد مرورهن بتجربة الحمل والولادة؛ بسبب الاعتقاد أن كفاءتهن البدنية تنخفض بسبب هذه التجارب وأن عليهن التركيز على تربية الأطفال، وإلا لاحقتهن اتهامات بقسوة القلب وتفضيل الرياضة على أبنائهن.
رغم هذه الأجواء السلبية فإن "الأمهات الأولمبيات" ظهرن منذ اللحظات الأولى للبطولة ففي أولمبياد باريس 1900، حين شاركت الأميركية ماري أبوت في رياضة الجولف وحققت المركز السابع بينما خاضت ابنتها مارجريت أبوت ذات المنافسات وحصلت على الميدالية الذهبية.
وشهدت أولمبياد 1948 حدثًا كبيراً حينما شاركت لاعبة القوى فاني بلانكرز كوين في المنافسات وهي أم لطفلين، نجحت في تحقيق أربع ميداليات ذهبية أسهمت في تخليد سيرتها كواحدة من أساطير اللعبة.
لم تنجح هذه المشاركات القليلة في الحدِّ من شعور الرياضيات الأمهات بالعار بدعوى أنهن تخلين عن أطفالهن لصالح التدريبات والمسابقات.
قبيل أولمبياد 1960 اضطرت العدّاءة الأميركية ويلما رودولف إلى إبقاء طفلتها الرضيعة في عُهدة أمها حتى تتفرّغ للاستعداد للبطولة التي تألقت فيها وحصدت 3 ميداليات ذهبية، هذا النصر الكبير لم يكن كافياً ليُخفف الشعور بالذنب الذي لاحَق ويلما بقية عُمرها.
بعد سنوات طويلة من هذه البطولة كشفت الابنة يولاند أن أمها كانت تدخل في نوبات حزن شديدة تبكي خلالها بحرقة بسبب شعورها الكبير بالذنب لاعتقادها أنها تخلّت عن ابنتها لصالح مجدها الرياضي.
بعض الرياضّيات اقتنعن بهذا الرأي وحينما وقعن في الاختيار بين الرياضة والأمومة اخترن الثانية. وشهدت الأولمبياد عدة حالات انسحاب أو اعتزال تام بسبب الحمل؛ فبعد أن نجحت العدّاءة الجنوب أفريقية إيدنا ماسكيل في تحقيق إنجازات رياضية ضخمة طيلة مسيرتها قررت التوقف عنها وهي في قمة مجدها عام 1955 فور علمها بقرار حملها في طفلها الأول.
وفي أولمبياد المكسيك 1968 شاركت العدّاءة الهولندية ليا هينتن كواحدة من أبرز المرشحات لنيل الذهب بعد النتائج الممتازة التي حققتها خلال عامي 1966 و1967، وبعد وصولها إلى المكسيك اكتشفت أنها حامل فرفضت المشاركة بالبطولة.
بعيداً عن الأولمبياد أقدمت على هذه الخطوة، منذ أربع سنوات، المصرية رنيم الوليلي المصنفة الأولى عالمياً في لعبة الإسكواش فور علمها بنبأ حملها بعدما اعتبرت أنه "من المستحيل" التوفيق بين الرياضة والأسرة.
في السنوات الأخيرة بدأت بعض الرياضيّات في التمرد على هذه المفاهيم ورفضن الاعتزال بسبب حملهن معتبرات أنهن يستطعن التوفيق بين الأمومة والرياضة.
عام 1952 خاضت الغطّاسة الأميركية جونو إيروين أولمبياد هلسنكي وهي حامل في شهرها الثالث، وتمكنت من حصد الميدالية البرونزية. بعدها شهدت دورة أتلانتا 1996 مشاركة 3 لاعبات حوامل، هن: الأميركيتان ديان هيمنيز وميشيل جرينجر والأسترالية أثنيتا سبرينج.
هذه النماذج صارت معتادة لاحقاً، ففي بطولة 2004 نالت الهولندية أنكي فان جورنسفين الميدالية الذهبية وهي حامل في الشهر الخامس، وفي 2012 تنافست السويدية آنا ماريا جوهانسون والكينية ماري كيتاني والإيطالية مارا نافاريا والماليزية نور سورياني طيبي وهن حوامل، وهو ما تكرّر مع البريطانية إلينور باركر والبرتغالية جوانا فاسكونسيلوس اللتين خاضتا تنافسات طوكيو 2020.
في 2014 تحدت العدّاءة البريطانية جيسيكا إنيس شائعات انتهاء مسيرتها الرياضية بسبب حملها، وصمّمت على استكمال رحلتها الرياضية، فحصدت الميدالية الذهبية لألعاب القوى في بكين بعد أقل من عامٍ على إنجاب طفلتها، وفي أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 حصدت الميدالية الفضية، وبعدها بشهرين أعلنت اعتزالها.
ذات البطولة شهدت مشاركة نيكيتا هولدر بطلة سباقات الحواجز الأميركية التي وضعت ابنتها في 2013، بعدها أصرّت على استكمال مسيرتها الرياضية حتى وصلت إلى الدور نصف النهائي من سباق 100 متر حواجز في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
نفس الدرب سارت عليه لاعبة كرة الطائرة الشاطئية كيري والش جينينجز التي تمتلك تجربة طويلة مع الرياضة، حيث خاضت خلالها 5 دورات أولمبية حصدت فيها 3 ميداليات ذهبية.
تحكي والش أنها عندما بدأت احتراف الرياضة كان الرأي السائد بين اللاعبات هو تأجيل إنجاب الأطفال حتى الاعتزال، وهو ما رفضت والش قبوله فأعلنت خططها للزواج وبناء أسرة في منتصف مسيرتها الرياضية، ما أثار قلق وكيل أعمالها واعتبارها نهاية لها كرياضية ناجحة.
سريعاً تبيّن عكس ذلك وخاضت والش مسيرة رياضية طويلة أنجبت خلالها ثلاثة أطفال، أحدهم كانت حاملاً به خلال خوضها مباريات أولمبياد لندن التي حققت فيها ميداليتها الذهبية الثالثة.
وتعددت عشرات التجارب الأخرى التي جمعت فيها لاعبات بين الرياضة والأمومة؛ ففي أولمبياد 2008 ضمت بعثة الولايات المتحدة 21 أماً وفي الدورة التالية انخفض العدد إلى 13 أماً بجانب العشرات غيرهن اللائي فشلن في التأهل بسبب صعوبة التنافسات.
بمرور الوقت أصبحت "الأمهات الأولمبيات" ركناً ثابتاً في جميع البطولات العالمية، أضافت هذه التجارب بُعداً جديداً إلى عالم التسويق الرياضي بعدما مثّلن فئة تجارية جديدة اهتمّت الشركات باستقطابها للترويج للمنتجات المرتبطة برعاية الأطفال مثل الحفاضات والمناديل المبللة وغيرها.
شهدت أولمبياد طوكيو 2020 حدثاً لافتاً حين استبقتها كيم جوشر لاعبة كرة السلة الكندية بنداءٍ للسُلطات اليابانية بالسماح لها باصطحاب ابنتها الرضيعة معها رغم التعليمات التي تحظر ذلك بسبب انتشار فيروس كورونا وقتها.
بعد أسابيع من هذا النداء استجابت اللجنة الأولمبية الدولية وأعلنت السماح للاعبات الأمهات باصطحاب أطفالهن الرُضع معهن.
أما بطولة باريس 2024 التي تجري فعالياتها منذ أيام فلقد شهدت حداثا تاريخيا في الرياضة الأولمبية وهو تساوي عدد الرياضيين النساء مع الذكور، الأمر الذي شجّع المنظمين على المبادرة بمنح الأمهات الرياضيات مزيداً من الاهتمام في هذه البطولة، مثل توفير حضانة للأطفال وتحديد مساحات خاصة لإرضاع أبنائهن الصِغار.
وتشهد البطولة مشاركة عددٍ من "الأمهات الأولمبيات" أبرزهن البريطانية هيلين جلوفر لاعبة منتخب التجديف التي تقاعدت لفترة أنجبت خلالها 3 أطفال قبل أن تقرر التراجع عن الاعتزال والعودة للتنافس، والعدّاءة الجمايكية شيلي آن فريزر التي أعلنت نيتها الاعتزال بعد هذه الأولمبياد حتى تتفرغ لرعاية ابنها، ولاعبة الملاكمة البريطاني تشارلي دافيسون وهي أم لثلاثة أطفال.