Boxing - Women's 66kg - Prelims - Round of 16
بمجرّد حسمها المباراة مع منافستها الإيطالية بسرعة وبقوّة جرى التشكيك بأهلية الملاكمة الجزائرية إيمان خليف

للسنة الثانية على التوالي، يثار الجدل حول الملاكمة الجزائرية إيمان خليف بسبب “شكوك” حول "نوعها الجندري". 

في مايو 2023 تسبب استبعاد خليف من خوض نهائي وزن 66 كيلوغراماً في بطولة العالم في الملاكمة، التي أقيمت في نيودلهي، بغضب كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر. 

حينها برر الاتحاد الدولي استبعاد خليف بأنها "لا تستوفي معايير الأهلية"، دون أن يتطرق البيان إلى تفاصيل هذا "الخرق" بسبب التزام الاتحاد بالخصوصية الشخصية والطبية للرياضيين. 

هذا الأمر فتح الباب على تأويلات ونقاشات حول الهوية الجندرية للاعبة، وقد ألمحت هي نفسها في مقطع فيديو، إلى وجود "مؤامرة" وراء إقصائها، قائلة: "الحديث عن أنني أملك صفات وقدرات لا تؤهلني لمنازلة السيدات غير منطقي".

بعد أكثر من سنة على تلك الحادثة، يعود اسم إيمان خليف للتداول في النطاق نفسه، مثيرا جدلاً مشابهاً، بعد مشاركتها في أولمبياد باريس وحسمها لمباراة مع الملاكمة الإيطالية آنجيلا كاريني بـ46 ثانية فقط، تاركة منافستها تبكي على الحلبة من الألم والخسارة. ما أعاد النقاش حول تفوّق خليف البدني، وربطه بهويتها الجندرية. 

قيل في بعض الاتهامات التي طالت اللاعبة الجزائرية، وكررتها حتى كبرى الصحف الغربية، أنها "عابرة جنسية"، أو أنها "رجل"، وأن لديها "نسبة عالية من هرمون التستوستيرون" تعزّز من قوتها البدنية وتجعل منافسة النساء لها في الحلبة غير عادلة.

في مقابل ذلك، تقول اللجنة الأولمبية إن خليف تقدمت للمشاركة في الأولمبياد بشكل عادي، ونالت موافقة اللجنة لاستيفائها جميع المعايير الضرورية المطلوبة.

لكن بمجرد حسم الملاكمة الجزائرية المباراة مع منافستها الإيطالية، عاد التشكيك بأهليتها إلى الظهور من جديد. 

المسألة مرتبطة، بحسب الناشطة النسوية الجزائرية إيمان عمارة، بالمعايير الجسدية وماهية الأنوثة والذكورة وما هي مواصفات جسد المرأة ومواصفات جسد الرجل.

ترى عمارة في حديث مع "ارفع صوتك" أن ما جرى مع خليف هو نتيجة ما تسميه "رهاب العبور المنتشر حتى في الوسط النسوي"، الذي يطال نساء أخريات يمتلكن بنية جسدية أو صفات شكلية تتوافق مع الصفات النمطية للرجال، فيتعرضن للذم والانتقاص والوصم، خصوصاً في مجالات الرياضة. 

وتفسر  عمارة ذلك بأن "الناس لديهم فكرة عن العبور كأنه يزعزع المعايير الجندرية التي اعتادوا عليها، وهو وجود رجل وامرأة فقط لا غير، في ثنائية جندرية واحدة فقط". 

وتشدد أن هناك خطاباً كارهاً للنساء "يتم تغليفه بكلام عن عدم تكافؤ القوة البدنية بين الجنسين، ومهاجمة النساء إذا كنّ عابرات فعلاً، أو إذا كنّ يحملن [بنية مختلفة] بحسب وتنميط الجندر وربطه حصراً بالمواصفات البيولوجية. وهذه المواصفات بنيت على نمط الأجساد المثالية للنساء، أي أن على المرأة أن تكون نحيفة ورقيقة، بينما في الواقع هناك الكثير من النساء في منطقتنا يشبهن إيمان خليف، وبعضهن لديهن بنية قوية وملامح قاسية مثلها وهذا لا ينتقص من هويتهن الجندرية".

لتأكيد فكرتها حول "النظرة الذكورية" المعادية للنساء في الكثير من النقاشات العربية حول الجندر  على مواقع التواصل الاجتماعي، تلاحظ عمارة أن "العابرين من نساء إلى رجال في المنطقة العربية يجري تقبّلهم أكثر من العابرات من رجال إلى نساء". 

تعطي عمارة مثالاً على ذلك حكاية عبور ابن الممثل المصري الراحل هشام سليم، من أنثى إلى ذكر، الذي "تقبله المجتمع وأشاد فيه، بوصفه شيئاً حميداً" على حدّ تعبيرها.

بيد أن العبور العكسي، من رجل إلى امرأة، كما تعتقد عمارة "لا يقابل بتسامح أو تقبّل، لأن الرجل في نظر المجتمع حينما يعبر إلى امرأة، ينحدر ويتحول إلى كائن أقل مرتبة، ويتخلى عن حقوقه وامتيازاته، ويتحول بالمعنى الجنسي الذكوري من فاعل إلى مفعول به، وهذا شيء غير مقبول مجتمعياً".

الجدل حول الملاكمة الجزائرية لم يقتصر على الجمهور العربي، بل وصل إلى وسائل الإعلام الأميركية ودخل في المنافسة الانتخابية بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومنافسته المحتملة في الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس. 

المرشح الجمهور نشر تدوينة على منصته "ترو سوشيال" تعهد فيها بمنع مشاركة الرجال من المشاركة منافسات النساء، في إشارة إلى الحالات التي تشبه حالة خليف.

 كما قام الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة "إكس"، بإعادة نشر تغريدة تقول إن "الرجال لا ينتمون إلى ألعاب النساء الرياضية" مع صورة لخليف، معلقاً فوقها "بكل تأكيد".



قناة فوكس نيوز الأميركية خصصت تغطية مكثفة للحدث، ونشرت أكثر من 20 مقالا ومنشورا على صفحتها في فيسبوك حول إيمان خليف، وصفت في بعضها الملاكمة الجزائرية بأنها "رجل بيولوجي".

في الوقت نفسه، ظهرت منشورات تدافع عن خليف وتبرز صوراً لها وهي طفلة صغيرة، في تأكيد على أنها أنثى منذ الولادة، وأنها ليست عابرة جنسية. وأشار بعضهم إلى أن العبور الجنسي غير مسموح به في الجزائر، في تأكيد على أحقيّة خليف في المنافسة في بطولات النساء باعتبارها أنثى.

جانب آخر من الحملة على خليف، تربطه الناشطة النسوية الجزائرية إيمان عمارة، بالصراع بين المغرب والجزائر على الصحراء الغربية، وأن "الملاكمة الجزائرية تحولت إلى ما يشبه كيس ملاكمة يكيل له الطرفان اللكمات في صراعهما، فيسوق مغاربة بكثرة لاتهامات تشكك بهوية خليف الجندرية وأهليتها القانونية للمنافسة في البطولات الرياضية النسائية".

وتتابع "دفاع الكثير من الجزائريين عنها يأتي أيضاً في سياق المناكفة مع المغرب، وليس بسبب تقبّلهم لخليف"، متسائلة "هل يتقبّل الكثير من المدافعين عن خليف أن تلعب أخواتهم أو زوجاتهم في رياضات مماثلة؟".    

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

Paris 2024 Paralympics - Table Tennis
نجلاء عماد متوّجة بالميدالية الذهبية في بارالمبياد باريس

بفوز  أفرح ملايين العراقيين، حصدت لاعبة كرة تنس الطاولة نجلة عماد الميدالية الذهبية في بارالمبياد باريس، فأصبحت أول عراقية تحقق هذا الإنجاز الرياضي الرفيع، رغم فقدانها ثلاثة أطراف بانفجار عبوة ناسفة عندما كانت بعمر ثلاث سنوات.

وفي مشهد كان الأكثر تداولا على منصات التواصل الاجتماعي في العراق عقب إعلان فوزها، راقب العراقيون تتويجها بالميدالية الذهبية في احتفالية رفُع فيها العلم العراقي، وعُزف النشيد الوطني لأول امرأة عراقية تفوز بوسام في تاريخ اللجنة البارالمبية العراقية منذ أولى مشاركتها في العام 1992 .

وأختتمت فعاليات دورة الألعاب البارالمبية  في العاصمة الفرنسية باريس  يوم الأحد الماضي بحصول العراق على 5 ميداليات (ذهبية وفضية و3 برونزيات).

 

عبوة ناسفة

في الأول من يوليو الماضي، وفي جلسة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ألقت عماد كلمة في حلقة النقاش الموضوعية التي تعقد كل أربع سنوات، حول تعزيز حقوق الإنسان من خلال الرياضة.

في تلك الجلسة روت قصتها مع تنس الطاولة التي "بدأت في العام 2008 عندما كانت محافظة ديالى تعاني من إرهاب القاعدة، وكان والدها جندياً يعمل لساعات طويلة في الجيش لحمايتهم" على حد تعبيرها.

في ذلك العام "كان عمري ثلاث سنوات، وكنت أنتظر عودة والدي من العمل ليأخذني في جولة بسيارته، وضعني والدي في السيارة وأثناء وصوله إلى مقعد السائق انفجرت عبوة كانت مزروعة في سيارته".

فقدت الطفلة الصغيرة وعيها وهرعت بها عائلتها إلى المستشفى "استيقظتُ بعد أسابيع وأصبت بصدمة عندما علمت أنني فقدتُ ساقيّ الاثنتين ويدي اليمنى بعدما طارت أطرافي واستقرت فوق سطوح الجيران". 

تقول عماد بألم "جزء كبير من روحي وجسدي سُلب مني إلى الأبد، هذا ما تفعله الحروب بالأطفال".

منذ ذلك اليوم تغيرت حياتها، وواجهت صعوبات كثيرة، ليس بسبب الإعاقة فحسب بل بسبب "نظرة التمييز التي كنت أتعرض لها كل يوم" حسب قولها.

وروت خلال الجلسة مشاعر الألم والحزن وهي ترى الأطفال من حولها يركضون ويلعبون، فيما كانت عاجزة عن ذلك، "كان مستقبلي مليء بعدم اليقين والتحديات التي لا يمكن التغلب عليها".

نقطة تحول محورية

في العاشرة من عمرها كما روت نجلة في تصريحات صحفية "كان تركيزي في البداية منصباً على الدراسة".

إلا أن نقطة التحول المركزية في حياتها كانت "حين زار منزلنا مدرب على معرفة بوالدي، كان يريد تشكيل فريق بارالمبي. وبعد فترة تدريب استمرت ستة أشهر، حقّقت أول فوز لي في بطولة محلية لمحافظات العراق في بغداد"، وفقاً لقولها.

في البداية كانت عماد تتدرب على جدار المنزل لعدم توفر طاولة مخصصة للعب "لكن، تبرع لي أحد الأشخاص بطاولة، وبدأت بالتمرن في المنزل طوال الوقت".

كان توجهها إلى مقر اللجنة البارالمبية على فقر تجهيزاته وضعف تمويله، حافزاً قوياً لها في إكمال مشوارها الرياضي، كما تروي: "رأيت لاعبين آخرين من ذوي الإعاقة يمارسون الرياضة. كان لديهم الكثير من الطاقة الإيجابية، وقد شجّعني ذلك".

الرياضة التي تعلقت بها عماد وشجعها عليها والدها ورافقها في كل خطوات رحلتها "مكنتني من تجاوز إعاقتي، وجعلتني أنظر إلى الحياة من زاوية أخرى".

الرياضة مهمة جداً لذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم، بحسب عماد التي تحثّ "جميع الدول على الاهتمام بذوي الإعاقة وتوفير بيئة داعمة لحقوق الأطفال، وبالأخص ذوي الإعاقة، فمن الضروري توفير التمويل وضمان الوصول السهل وتكافؤ الفرص".

دعم الرياضة لهذه الفئة كما تشرح، "يتيح فوائد نفسية وجسدية واجتماعية لهؤلاء الأفراد، ما يعزز شعورهم بالإنجاز والانتماء، ونحن مدينون للأجيال القادمة بخلق عالم يمكن فيه لكل إنسان بغض النظر عن قدرته وهويته أن يزدهر ويعيش في عدل ومساواة".

طريق معبّد بالذهب

شاركت نجلة عماد في أول بطولة لها في العراق بعد ستة أشهر فقط على خوض تجربة التمرين على يد مدرب، وحققت المركز الثاني في لعبة تنس الطاولة على مقعد متحرك، لتصبح لاعبة المنتخب الوطني العراقي لكرة الطاولة في اللجنة البارالمبية.

وفي العام 2016 بدأت أولى خطواتها باتجاه العالمية التي كانت تسعى إليها، لتحصل على المركز الثالث في بطولتي الأردن 2016 وتايلند 2018، لتبدأ عملية التحول من المنافسة على كرسي متحرك إلى اللعب وقوفاً، بقرار من رئيس اتحاد تنس الطاولة للمعوّقين سمير الكردي.

أدخلت عماد إلى إحدى مستشفيات بغداد المختصة بالعلاج التأهيلي والأطراف الصناعية، ورُكبت لها ثلاثة أطراف صناعية، ووصفت فيه ذلك اليوم بتصريحات صحفية بأنه "أسعد أيام حياتي، فقد تمكنت من الوقوف من جديد بعد عشر سنوات قضيتها جالسة على كرسي".

وبعد تمرينات مكثفة شاركت نجلة في بطولة غرب آسيا التي أقيمت في الصين وحصلت على المركز الثاني: "كانت أول مرة ألعب بالأطراف الصناعية وتنافست مع لاعبات عمرهن الرياضي أكبر من عمري". يأتي هذا الإنجاز رغم أن الأطراف التي كانت تتنافس بها "غير مخصصة للرياضة، وكانت تسبب لها آلاماً وجروحاً".

تلاحقت الانتصارات التي حققتها فحصدت الذهب ببطولة القاهرة في العام 2019. وتوجت في الصين بالمركز الأول، تبعها المركز الأول ببطولة إسبانيا في العام 2020. ثم تبعتها أول مشاركة في دورة الألعاب البارالمبية العام 2021 في طوكيو، ولم تتمكن حينها من إحراز أي ميدالية، إلا أن ذلك كان دافعاً لها للمزيد من التدريب، لتحقق الذهب في دورة الألعاب الآسيوية التي أُقيمت في الصين عام 2023.

وبعد تأهلها لدورة الألعاب البارالمبية بباريس، عبّرت عن سعادتها في تصريحات صحفية بالقول إن "الطموح ليس فقط المشاركة إنما تحقيق الألقاب، ورفع اسم العراق عالياً".

وهو بالفعل ما حققته، فسجّلت اسمها في تاريخ الرياضة العراقية لتصبح أول لاعبة عراقية تحصل على ميدالية ذهبية في تاريخ اللجنة البارالمبية العراقية.