أعادت الحادثة التي تعرضت لها لاعبة الملاكمة المصرية يمنى عياد، تابو الدورة الشهرية إلى الواجهة.
وكانت عياد استُبعدت من منافسات أولمبياد باريس بسبب تخطيها الوزن المطلوب للمنافسة (54 كيلوغراما) بـ700 غرام، رُبطت بـ"تغييرات فيسيولوجية" تسبق الدورة الشهرية.
قبل حتى ذكر السبب، أثار أمر زيادة وزنها جدلاً وسخرية كبيرة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي المتابعين للأولمبياد، ولكن ما زاد من الجدل لاحقاً هي التصريحات التي رافقت التحقيق مع اللاعبة حول زيادة الوزن، ثم تفادي ذكر السبب بشكل صريح، أي موعد الدورة الشهرية.
وتطرح مثل هذه الحوادث علامات الاستفهام حول النظرة للدورة الشهرية في بعض المجتمعات العربية، وينعكس في مختلف أماكن تواجد المرأة: المدرسة، العمل، عيادات الأطباء والصيدليات، وحتى في بيتها.
تقول الدكتورة رلى عازار دوغلاس، المتخصصة في الإعلام وقضايا الجندر، إن هناك أسباب ثقافية واجتماعية ودينية تقف وراء وقوع الدورة الشهرية في منطقة المحظورات.
تضيف "العديد من الأديان يربط الدورة الشهرية بعدم الطهارة أو القذارة" من الأمثلة، أن بعضها يفرض قيوداً على النساء خلال فترة الدورة، حيث يُمنعن من المشاركة في أنشطة دينية أو زيارة الأماكن المقدسة.
وتبين دوغلاس لـ"ارفع صوتك": "الموروث الثقافي يرسخها ضمن التابوهات. وتحيط بالدورة الشهرية العديد من الخرافات والمعتقدات السلبية، مما يعزز فكرة وجوب إخفائها".
تقرير طبي تجنباً "للعيب"
في أماكن العمل، قد تشكل الدورة الشهرة تحديا آخر خصوصا إذا كان المدير أو المسؤول المباشر عن المرأة رجلاً.
تشرح لينا نور الدين، وهي اختصاصية في العمل الصحي الاجتماعي والمدربة بكلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية كيف قد تضطر النساء لتأمين تقرير طبي يبرر غيابهن أمام الإدارة مع تجنب الغوص في التفاصيل.
وينسحب ذلك على ممارسات أخرى كما في فترات الصوم في شهر رمضان. تضيف نور الدين لـ"ارفع صوتك": "يبدأ التابو مع تجنب الكشف عن الحيض أمام الذكور المقيمين في نفس المنزل وتخبئة مثلا الاعتكاف عن بعض الممارسات الدينية كالصوم والصلاة في أوقات الدورة الشهرية والخجل من التحدث بالأمر مع العائلة".
كما تظهر بعض الأنماط التمييزية على أساس الجندر حيث قد يميل البعض لتعيين موظفين ذكور بحجة أن النساء قد يعملن لفترات أقل تحديدا لهذا السبب.
ولا يقتصر ذلك على العالم العربي فقد سبق لدراسة نشرت بموقع نقابة المحامين الأميركية أن سطّرت "وصمة العار المرتبطة بالدورة الشهرية والعار، ونقص الخبرات لدى الأشخاص في السلطة، وضعف التعليم حول الدورة الشهرية التي تعرض بعض الأشخاص للإهانات المتعلقة بدورتهم الشهرية في مكان العمل، بما في ذلك التمييز والمضايقة والتنمر".
وقد يؤدي هذا أيضاً إلى فقدان الأجور وانتهاكات الخصوصية وعدا عن العواقب الصحية والأضرار الأخرى، مع الإشارة إلى أن الموضوع يتفاوت بين بيت وآخر وبيئة وأخرى، وفق الدراسة.
تشاركنا عايدة جهاد (30 عاماً) تجربتها، وكيف تحرص على اختيار ملابسها بعناية خلال فترة الحيض، تجنباً للمضايقات. كما تتقصّد استخدام كيس أسود حين تذهب لشراء الفوط الصحية من الصيدلية أو المتجر القريب منها، كما أنها تضطر أحياناً للعمل رغم شعورها بالألم، خوفاً من أن يقول زملاؤها "ها هي تتغيب مجددا بسبب الدورة".
تقول أيضاً إن "الحمامات في مكان عملها لا تتضمن مثلاً حيّزاً خاصاً لحفظ الفوط الصحية، فنضطر في أغلب الأحيان لتخبئتها".
وتشير عايدة إلى أن الكثيرين يخلطون بين الطبيعة الفسيولوجية للمرأة والأداء الوظيفي لها، مردفةً "بشكل عام نحن جميعاً معرضون لأي وعكة، حتى أن النساء يبذلن جهدا مضاعفاً لإثبات العكس".
التوعية "أول الحلول"
تترجم المعاناة مع الدورة الشهرية أيضا من خلال العبارات "الملطفة" لتسمية الدورة نفسها كأن يقال "جاءتني" أو "أنا فيها" أو "الجيش الأحمر" وسواها بلهجات مختلفة، أو الإشارة إليها بلغة أجنبية مثل Regles بالفرنسية (في لبنان مثلا)، أو التحجج ببساطة بـ"الظروف".
هذا الأمر، دفع مجموعة من الناشطات العربيات لنشر فيديو على منصة "تيك توك" يدعين فيه لتسمية الأمور بأسمائها والكف عن تسمية الدورة الشهرية بالعبارة العامة "ظروف".
لا يؤثر تصوير الدورة الشهرية كعامل نقص على صورة الفتاة في المجتمع فحسب بل على علاقتها بذاتها أيضا، خصوصا أن المجتمعات العربية تميل للإعلان عن "بلوغ" الفتاة في البيوت العربية، بشكل ينتهك خصوصيتها ويضاعف صدمتها بغياب التحضير النفسي لها وحاجتها لفهم ما يحصل.
في السياق ذاته، تحذر الاختصاصية النفسية لانا قصقص، من انتقاص الفتاة لقيمة نفسها ومن شعورها بالاضطرار لإخفاء ما تختبره أو عزلتها في البيت خوفا من الاختلاط أثناء فترة الحيض.
وتعرب عن أسفها بسبب "المعلومات الخاطئة المنتشرة والجهل المستشري في المجتمع ونقص المعلومات الدقيقة عن الدورة الشهرية وتوريث النظرة السلبية والعيب باستمرار، والإصرار على العيب وعلى تجنب هذه المواضيع أمام الشباب أو حتى الأب والأخ أو حتى تغيير المحطة في حال ظهر إعلان عن الفوط الصحية" بحسب وصفها.
وتضيف قصقص لـ"ارفع صوتك": "الأجدى البدء مع الأم والمدرسة ثم المجتمع والخوض في التنشئة السليمة التي تتضمن التربية الجنسية بعيداً عن ترك الأطفال ضحايا الجهل وتركهم يتخبطون في البحث العشوائي على الإنترنت أو من قبيل الصدفة، لأن هذا التغيير في حياة الأنثى والمرأة صحي وجزء طبيعي جدا، لا بل ضروري من الحياة".
فيما ترى دوغلاس أنه من المهم "تعزيز التعليم حول الدورة الشهرية والصحة الإنجابية لتقليل وصمة العار المرتبطة بها وفتح نقاشات مفتوحة حول هذا الموضوع بين أفراد العائلة الواحدة وفي المدارس، لكسر هذا الحظر وتعزيز الفهم الصحيح لها".
وفي لبنان، هناك عديد المبادرات التي تحاول نشر التوعية في ما يتعلق بالدورة الشهرية، مثل ما قامت به المؤثرة الدكتورة مونيك مجدي، حين نشرت فيديو أوضحت فيه مثلا "خطورة عدم الاستحمام وضرورة الحفاظ على النظافة في فترة الحيض". وربطت الخرافات بـ"الموروثات الثقافية التي تنتقل بشكل خطأ من جيل إلى جيل".
من المبادرات أيضا، التي تصب في خانة توضيح أن الفوط الصحية ليست نوعاً من الرفاهية بل الحاجة.
تؤكد نور الدين على "ضرورة تكريس جهد كبير في هذه الفترة للتركيز على القدرة على وصول الفتيات للمواد الضرورية من فوط وأدوية وغيرها ومنتجات النظافة والمناشف، لأنها حق من حقوق المرأة وليست أبدا من الكماليات".