Boxing - Women's 66kg - Quarterfinal
صورة من مباراة إيمان خليف في أولمبياد باريس، ترتدي اللون الأحمر- تعبيرية

46 ثانية فقط احتاجت إليها الملاكمة الجزائرية إيمان خليف لإجبار منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني على الانسحاب خلال مبارتيهما معاً في أولمبياد باريس 2024.

الهزيمة السريعة للملاكمة الإيطالية فتحت باباً واسعاً من الجدل في الساحة الرياضية العالمية بسبب استدعاء الاتهامات القديمة لخليف بأنها ذكر متحوّل وليست أنثى، بالتالي لا يحقُّ لها خوض هذه التنافسات.

وتُلاحق التهمة الملاكمة الجزائرية منذ العام الماضي حين مُنعت من استكمال بطولة العالم للملاكمة النسائية بناءً على قرار الاتحاد الدولي للملاكمة، الأمر الذي تسبّب في أزمة كبرى بين اللجنة الأولمبية واتحاد الملاكمة بسبب الخلافات المتراكمة بينهما طيلة السنوات الماضية.

إيمان خليف.. الملاكمة الجزائرية في قلب جدل الجندر والرياضة
في مايو 2023 تسبب استبعاد خليف من خوض نهائي وزن 66 كيلوغراماً في بطولة العالم بالملاكمة التي أقيمت في نيودلهي، بغضب كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر. حينها برر الاتحاد الدولي استبعاد خليف بأنها "لا تستوفي معايير الأهلية"، دون أن يتطرق البيان إلى تفاصيل هذا الخرق بسبب التزام الاتحاد بالخصوصية الشخصية والطبية للرياضيين.

خلافات قديمة متجددة

منذ أولمبياد مكسيكو سيتي 1968 بدأت اللجنة الأولمبية في إخضاع نسبة من المتسابقات إلى اختبار تحديد الجنس شملت فحصاً بصرياً للأعضاء التناسلية للرياضيات من قِبَل لجنة طبية مختصة.

في عام 2000 قرّرت اللجنة الأولمبية التخلّي عن هذه المهمة لصالح الاتحادات الرياضية على أن يحدّد كل اتحاد قواعد الأهلية الجنسية الخاصة به. وبموجبه، تولى الإشراف الكامل على اللعبة وأيضاً وضع قواعد "اختبارات الأهلية الجنسية" الخاصة بمنافسات السيدات.

لسنوات عِدة عانَى اتحاد الملاكمة من مشكلات بعدما لاحقت رؤساءه اتهامات بالفساد والتلاعب بالمباريات. في 2017 اضطر التايواني تشينغ-كيو وو إلى الاستقالة بعدما لاحقته اتهامات بسوء إدارة موارد الاتحاد وتورط عشرات الحكام في التلاعب بنتائج المباريات.

قبيل هذه الاستقالة بأربع سنوات دخل تشينغ في منافسة مع الألماني توماس باخ على رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية إلا أن المبارز الألماني السابق فاز في الانتخابات بسهولة ولا يزال رئيساً للجنة حتى اليوم.

بعد رحيل تشينغ تولّى غفور ريخموف رجل الأعمال الأوزبكي رئاسة الاتحاد وهو رجل وصفته وزارة الخارجية الأميركية بأنه على علاقة بـ"منظمات إجرامية عابرة للحدود". 

وفي 2019 خلَفه عمر كريمليف رجل الأعمال الروسي، الذي أعيد انتخابه في 2022 بعدما مُنع منافسه بوريس فان دير فورست رئيس الاتحاد الهولندي للملاكمة من الترشح، خطوة وصفتها لاحقاً محكمة التحكيم الرياضية بأنها "ظالمة"، رغم ذلك بقي كريمليف على رأس اتحاد الملاكمة.

طيلة هذه الفترة أعربت اللجنة الأولمبية الدولية عن مخاوف بشأن إدارة اتحاد الملاكمة للعبة بعدما أظهرت قلقاً من تزايد أخطاء الحكّام بشكل أثّر بشدة على نتائج المباريات، ومن اعتماده على شركة "غاز بروم" الروسية العملاقة كإحدى أهم مصادر تمويله، التي لعبت دوراً كبيراً في تسوية ديون الاتحاد، حيث فاقت 200 مليون دولار.

ورغم التوجيهات الأولمبية بمنع الرياضيين الروس من المشاركة في بطولاتها بعد غزو أوكرانيا، إلا أن اتحاد الملاكمة لم يستجب وسمح لهم بالتنافس في البطولات التي ينظمها. وبعدما بلغت الخلافات بين الطرفين ذروتها قرّرت اللجنة الأولمبية تعليق العمل مع هذا الاتحاد في 2019.

بطولة 2023: القشة التي قصمت الظهر

في يونيو 2023 وبينما بطولة العالم للملاكمة النسائية في نيودلهي، أعلن اتحاد الملاكمة بشكلٍ مفاجئ استبعاد الملاكمتين إيمان خليف والتايوانية يو-تينغ لين خلال التنافسات بدعوى رسوبهما في اختبارات "الأهلية الجنسية".

تضمّنت اختبارات اتحاد الملاكمة إخضاع الرياضيّات لاختبارات جينية "سرية" لم يحدد طبيعتها ولم يكن من بينها اختبارات تحديد مستوى هرمون التستوستيرون، وفي النهاية أعلن الاتحاد أن المُلاكمتين تملكان كروموسوم XY الذكوري في جسديهما بالتالي لا يحقُّ لهما المشاركة في منافسات النساء فجرى استبعادهما.

بحسب دراسة أجرتها جامعة "نورث إيسترن" الأميريكة، فإن مثل هذا النوع من الاختبارات "غير عادل" للرياضيّات لأنها لا تضع في اعتبارها مجموعة أكبر من العوامل التي تؤثر في النتائج مثل نسبة الهرمونات والأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية وعدة خصائص جنسية ثانوية تحتاج إلى تحليلات منفصلة ومعقدة.

واعتبرت الدراسة أن الاختبار الذي خضعت له إيمان خليف ليس دقيقاً لأنه أهمل وضع الحالة الصحية للرياضيات في الاعتبار، فأي امرأة تعاني من تكيّس المبايض ستعتبرها النتيجة ذكراً، كما كشفت دراسات أخرى عن إناث يملكون بعض الصفات "الخنثوية" الطفيفة التي تُظهر وجود هذا الكروموسوم في عيناتهن رغم طبيعتهن الأنثوية.

انتقدت اللجنة الأولمبية هذا القرار ووصفته بـ"التعسفي" و"غير العادل". وبحسب بيان اللجنة فإن قرار الاستبعاد اتُخذ من قِبَل الأمين العام والرئيس التنفيذي لها ثم صادق عليه مجلس الإدارة بعد ذلك. 

من ناحيته رفض الاتحاد الكشف رسمياً عن طبيعة هذه الاختبارات؛ مَن أجراها؟ ومتى؟ ومَن قيّم النتائج؟ ومتى حصل المنظمون عليها؟ وكيف تأخّر الإعلان عنها بشكلٍ سمح للملاكمتين بالاستمرار في التنافس ببطولة العالم حتى مبارياتها النهائية؟

 أصرّت اللجنة الأولمبية على رفض هذه النتائج جملةً وتفصلاً لمجرد أن مَن قام بها اتحاد غير معترف به، فصرّح آدمز "لم يكن هناك أي اعتبار ما إذا كانت هذه الاختبارات صحيحة أم لا، لأن النتائج أتت من مصدر غير موثوق به".

مع تفاقم الخلافات سحبت اللجنة الأولمبية اعترافها باتحاد الملاكمة في 2023 بموافقة 69 صوتاً بها، وحينما لجأ الاتحاد إلى محكمة التحكيم الرياضية لإلغاء هذا القرار أنصفت اللجنة الأولمبية وأقرّت سحب الاعتراف بالاتحاد.

وكيلا تحرم اللجنة الأولمبية الملاكمين حول العالم من المشاركة في أولمبياد 2020 في طوكيو و2024 في باريس، أنشأت وحدة خاصة لإدارة رياضة الملاكمة وتنظيم مسابقات رياضييها بنفسها.

هذا الأمر لن يتكرر في أولمبياد لوس أنجلوس 2028 بعدما أعلنت اللجنة الأولمبية في أبريل الماضي أنها لن تسمح لرياضة الملاكمة بالتواجد في المحافل الأولمبية طالما بقي اتحادها عير معترف به وغير موثوق في قراراته.

طالبت اللجنة الأولمبية من الاتحادات المحلية للملاكمة التدخل في هذه الأزمة لاختيار اتحاد جديد يخضع للشروط الأولمبية المتعلقة بنزاهة المسابقات وشفافية التمويل وإلا لن يُرفع الحظر الأوليمبي عن اللعبة.

هذه الخطوة فتحت الباب واسعاً للإعلان عن ظهور تنظيمٍ جديد منشق عن الاتحاد الدولي للملاكمة شكّله ممثلون عن بريطانيا وألمانيا وهولندا والسويد، بهدف خلق كيان جديد يُدير لعبة الملاكمة بعيداً عن الاتحاد الرسمي الذي لم يعد يحظى بالاعتراف الأولمبي.

أولمبياد باريس

مع بدء منافسات الملاكمة في أولمبياد باريس 2024 سمحت اللجنة الأولمبية للملاكمتين الجزائرية والتايلاندية بالمشاركة، وحققت كلاهما نجاحاً متسارعاً وضمنتا ميدالية لبلديهما بعدما وصلت كلاهما للدور نصف النهائي، خطوات استدعت ردة فعل عنيفة من اتحاد الملاكمة ومن الاتحادات الرياضية التي تعرضت لاعباتها للخسارة.

وفي محاولة لإحراج اللجنة الأولمبية تعهّد اتحاد الملاكمة الدولي بتقديم مكافأة قدرها 50 ألف دولار للملاكمة الإيطالية لتعويضها عن خسارتها أمام نظيرتها الجزائرية.

من جانبها، حرصت اللجنة الأولمبية الدولية على الدفاع عن قرارها بالسماح لإيمان خليف بالمشاركة مؤكدة أن الملاكمة الجزائرية استوفت معايير "الأهلية الجنسية" الأولمبية.

في هذه الدورة طبّقت اللجنة القواعد التي سبق أن جرى العمل بها في أولمبياد 2016 و2021 ولا تتضمن إجراء اختبار بيولوجي للجنس، فلم تطوّر اللجنة الأولمبية قواعد "الأهلية الجنسية" الخاصة بها إلى ذلك مثلما فعلت اتحادات ألعاب القوى والرياضات المائية والدراجات بشكلٍ منفرد وباتت تعتمد على اختبارات تقيس مستويات هرمون الإستروجين في جسد كل رياضية قبل خوض التنافسات.

حتى الآن، فإن اللجنة الأولمبية تعتمد فقط على الفئة الجنسية المذكورة في جواز السفر الذي تحمله كل رياضية وتاريخها الرياضي بالمشاركة في تنافسات النساء، وهو ما تطرّق إليه آدمز في معرض دفاعه عن السماح للملاكمتين بالمشاركة بالأولمبياد قائلة "إنهما امرأتين في جوازات سفريهما".

على هامش تلك الأزمة راجت صور للملاكمة الجزائرية وهي ترتدي ملابس أنثوية منذ صغرها، كما أن القانون الجزائري لا يسمح بعمليات تحويل الجنس داخل البلاد، ما يؤكد أنها وُلدت وعاشت أنثى ولم تخضع لأي عملية تغيير جنس سابقاً.

وهو ما تقاطع مع تصريحات توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية خلال تعليقه على الأزمة بقوله "لدينا ملاكمتان وُلدتا كنساء وتربيتا كنساء وتملكان جوازي سفر كنساء".

رغم ذلك الموقف الصلب من المسؤولين الأولمبيين وتمسّكهم بصواب قرارهم، اعترف مارك آدمز المتحدّث باسم اللجنة بعدم وجود إجماع علمي حول كيفية التوصل لحل نهائي لقضايا الأهلية الجنسية في الرياضات النسائية، واصفاً الموضوع بأنه "حقل ألغام" لا يُمكن وضع حل نهائي له قريباً.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".