بقلم علي عبد الأمير:

يحيي المغني البريطاني المعروف ستينغ السبت، 12 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حفلاً يستعيد فيه مسرح “الباتكلان” الباريسي، أضواءه بعد عام من إغلاق أبوابه حين هاجمه عدد من الإرهابيين أثناء حفل لفرقة غنائية أميركية ما أدى إلى سقوط 130 ضحية.

وفي بيان صحافي وصلت نسخة منه لكاتب السطور الذي سبق أن التقى المغني البريطاني وحاوره أثناء زيارته إلى عمّان 2000 صحبة المغني الجزائري الأصل الشاب مامي لتقديم الأغنية المحتفلة بروح الشرق target="_blank">"وردة الصحراء"، كشف الموقع الرسمي للمغني ستينغ عن رغبة صاحب إسطوانة "لا شيء يشبه الشمس"، في أن يكون هذا الحفل تكريما لذكرى الضحايا واحتفالا بـ"الحياة والموسيقى اللذين يمثلهما هذا المسرح"، فيما ستذهب عائدات الحفل عونا للناجين من ضحايا الهجمات الإرهابية التي طالت العاصمة الفرنسية، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وأكثر وحشية كانت استهدفت المسرح الباريسي.

مع الإنسان ضد الوحشية

ويأتي الحضور الفني – الاجتماعي الجديد للمغني ستينغ تضامنا مع ضحايا الإرهاب وانتصارا لقيم الحياة، مكملا لسلسلة من المواقف الفكرية المتقدمة التي سجّله المغني الإنجليزي منذ أن انفصل ستينغ عن فريقه الشهير "بوليس" في عام 1983 ليتجه إلى الغناء الانفرادي، فهو كان يريد أن ينهي نوعا من التشتت بين رؤاه الخاصة في الحياة والمعرفة والتي زاوجت بين الفكر المعاصر والأغنية والموسيقى الجديدة كشكل من أشكال التعبير الممكنة عن ذلك الفكر، وبين الزملاء في الفريق، والذين كانوا يحرصون على إبقاء الأغنيات في مجال "الروك اند رول" وإدخال البهجة إلى قلوب المستمعين دون الدخول في قضية التعبير فكرياً وعقلياً!

ستينغ أو بول سميث، انتقل إلى الغناء بعد أن كان أستاذاً لمادة الأنثروبولوجيا في جامعة لندن، ونال شهادة الماجستير في تخصصه بعد إشراف من مفكر الأنثروبولوجي الشهير كلود- ليفي شترواس، والذي اعتبره ستينغ لاحقاً، بمثابة الأب الروحي له.

ومن هذه الأجواء والتي لا تخفى مرجعياتها الفكرية والمعرفية "الغريبة" نوعاً ما على أجواء الغناء المعتادة حيث البهجة والمرح والرقص والدعابة، بدأ ستينغ مشواره الغنائي الخاص، ورغم تضمينه لأغنياته العديد من مفاهيم خاصة بشأن الإنسان وقضايا حريته، الأقليات، البيئة وغيرها، إلا أن تلك الأغنيات اعتماداً على موسيقى رفيعة وطريقة مميزه في الغناء من قبل ستينغ، استطاعت أن تجد طريقها لتحتل أيضاً المراتب المتقدمة في أكثر الأغنيات مبيعاً.

وحملت أغنياته من مجموعته الإنفرادية الأولى "أحلام السلحفاة الزرقاء 1985" نمطاً لم يألفه المستمع لأغنيات "البوب" العادية، فهي تجمع إلى جانب موسيقاها الحديثة والرصينة في آن، تلك "الإضاءات" الإنسانية والتصوير الرقيق عن قضايا مثيرة في عصرنا، فأغنية مثل "الروس" كانت نداء مقابلاً للدعوات التي تصور السوفيات في الغرب وكأنهم بشر خارج (البايولوجيا) التي يشترك فيها كل الناس في كل البلدان، كما أنهم شأن باقي البشر يحبون أطفالهم! وجاءت تلك الأغنية في فترة إذكاء الحرب الباردة.

موسيقى الجاز

موسيقى الجاز وأنغامه كانت خيار ستينغ الامثل، وكانت استعانته بمجموعة من خيرة عازفي الجاز في العالم، خير مثال على جدية تعبيريته في الأغنية، وهذا الاختيار لتعبيرية عالية تتضمنها موسيقى الجاز تمثل في مجموعته الغنائية "لا شيء يشبه الشمس-1988" التي طاف ستينغ عبر أغنياتها على موضوعات لا تطرقها الأغنية عادة، مثل عزلة الروائية آيريس مردوخ إلى تتبع الأثر الفني في المسرح الذي أحدثه برتولد بريشت، وإلى رثاء عميق لضحايا الديكتاتورية في أميركا اللاتينية في أغنية "إنهن يرقصن لوحدهن" التي صوّرت أمهات المفقودين في سجون الديكتاتوريات وهن يحملن على صدورهن صوراً لأولادهن ويأخذن برقص حزين هو أقرب إلى الإيماءات أمام المعتقلات.

هذا الاتجاه المغاير لستينغ في الغناء، تعمّق لاحقاً عبر اشتراكه في تظاهرات فكرية وسياسية، تدعو لمعاني إنسانية خيّرة، منها جولته الغنائية مع مجموعة من مغني العالم أواخر ثمانينيات القرن الماضي في غير عاصمة عالمية لصالح منظمة العفو الدولية، تحت عنوان "حقوق الإنسان: الآن"، أو تلك الدعوات التي تبناها وانتقل للإعلان عنها إلى مواقع بعيدة مثل غابات الأمازون، للتذكير بمأساة البيئة والتشويه الذي تمارسه "الحضارة" في زحفها على أقاليم الحياة البرية لسكان المنطقة الأصليين.

هنا لا يمكن فصل هذا الموقف عن دراسته للأنثروبولوجي، وخاصة التذكير بفضل شتراوس صاحب "الفكر البري" الكتاب ومنهج البحث والاكتشاف… كذلك اشتراكه في مهرجان الاحتفال بعيد ميلاد نيلسون مانديلا (حين كان سجيناً) واشتراكه في مهرجان "الحقيقة البسيطة" للتذكير بمأساة الكرد العراقيين في هجرتهم المليونية إثر قمع نظام صدام لانتفاضتهم في العام 1991.

 *الصورتان: المغني البريطاني ستينغ ومسرح الباتكلان الباريسي لعروض الغناء المعاصر/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.