بقلم حسن عبّاس:
من سورية إلى العراق وأخيراً مدينة سرت الليبية، يخسر داعش أبرز المدن التي سيطر عليها أثناء فترة توسّعه. وهذا يطرح سؤالاً ملحاً عما يخبئه لنا المستقبل. أين ستتوجه عناصر التنظيم المنسحبة؟ وهل سيستمر كرّ حجارة سبحة خسائره؟
"خطط تبادلية"
صحيح أن داعش يتراجع بخسارته لأبرز المعاقل التي سيطر عليها خلال السنوات الثلاث الماضية. لكنه، برأي الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية أحمد عطا، "سيستمر على مسرح العمليات في سورية والعراق".
فخسائر داعش الأخيرة هي "خسارة لنقاط ارتكاز هامة كان يستخدمها في توفير موارد اقتصادية من بيع النفط وفي توفير عناصر بشريّة تعوّض خسائره"، أضاف عطا لموقع (إرفع صوتك) لافتاً إلى أن لدى التنظيم المتطرّف "خططاً تبادلية"، ونقاط ارتكاز كثيرة لا تقتصر فقط على مناطق في الشرق الأوسط بل تشمل نقاطاً في دول عدّة منها ما يقع داخل أوروبا نفسها مثل حي مولنبيك في العاصمة البلجيكية بروكسل.
من جانبه، رأى الخبير الأردني في الجماعات والحركات الإسلامية مروان شحادة أن الاحتمال الأكبر هو أن خسائر داعش ستستمر في ظل المعركة الشرسة التي تُخاض ضدّه، وفي ظل اختلال موازين القوى بينه وبين أعدائه، إلا إذا حصل أمر ما فكك التحالف الذي يشنّ حملة لاستعادة الأراضي التي سيطر عليها.
لكنّه قال لموقع (إرفع صوتك) إن المعارك المتبقية أصعب من المعارك السابقة، "ففي الموصل استنزف داعش القوات التي تهاجمه مثلما استنزفته. وفي سورية لم ينسحب من مدينة الباب لأنه يعرف أنها تفتح طريق أعدائه إلى الرقة ودير الزور".
وأضاف أن "كثافة العمليات الانتحارية التي نفّذها التنظيم في الأشهر الأخيرة واستعادته لمدينة تدمر تدلّ على أنه لا يزال يمتلك قدرات كبيرة تسمح له بإعادة الانتشار".
النكاية والإنهاك
ويبقى احتمال خسارة داعش لكل المناطق التي يسيطر عليها وتشتت عناصره حول العالم قائماً. وبهذه الحالة، يقول شحادة إن "التجربة علّمتنا أن عناصره سيذوبون في المجتمع ليمارسوا أنشطتهم بسرية".
وفي دراسة أصدرها مؤخراً، حذّر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية من "احتمالية هروب مقاتلين من تنظيم داعش إلى الدول الجوار هرباً من كثافة وقوة العمليات الموجهة ضدهم في سورية والعراق وليبيا".
وأوضح أنه إذا فقد مناطق الارتكاز والتجمع، "فإنه يتحول إلى استراتيجية النكاية والإنهاك باعتبارها الأقل كلفة في المواجهة مع الجيوش والسلطات المحلية في المناطق التي يقبع فيها عناصر التنظيم".
ويعني ذلك، بحسب الدراسة، تحوّل مقاتلي التنظيم من المواجهة المباشرة إلى الهرب والاختفاء بعيداً عن أعين السلطات تمهيداً لشن عمليات "أكثر أثراً وأقل كلفة".
وبحال حدوث ذلك، سيكوّن التنظيم خلايا نائمة في مختلف دول المنطقة "مما يحتّم على دول المواجهة أن تغيّر من استراتيجيتها من المواجهة العسكرية المباشرة وحرب العصابات إلى مواجهة خلايا نائمة تنتشر على مساحات واسعة وتقوم بعمليات إرهابية نوعية بشكل لامركزي، ثم ما تلبث أن تعود إلى الخفاء مرة أخرى لتتوارى عن الأنظار والملاحقة الأمنية"، بحسب الدراسة.
وأكد المرصد أن "استراتيجية النكاية والإنهاك تسبب خسائر فادحة للدول التي تتعرض لها، في ظل صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة وأماكن اختفائهم والأماكن التي ستستهدفها العمليات الإرهابية، ما يضرب استقرار الدول ويهدد مواردها الاقتصادية، ويدفع الاستثمارات الأجنبية إلى الهرب".
مصير عناصر داعش
ويرجّح خبراء أن يحاول التنظيم تصدير عناصره والدخول إلى دول مثل تونس واليمن والأردن والمغرب والجزائر، بالإضافة إلى دول آسيوية عدّة ودول أوروبية كفرنسا وبلجيكا وإيطاليا.
وكان تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) قد أشار إلى أن "السيارات الملغومة وعمليات الخطف الشائعة في سورية قد تُصبح من الأساليب المتبعة في أوروبا"، بعد هزيمة داعش في سورية أو العراق.
وقدّر منسق الاتحاد الاوروبي لقضايا الإرهاب جيل دو كيرشوف عدد المقاتلين الأجانب الأوروبيين الموجودين في سورية والعراق بما بين ألفين و2500 إرهابي.
وعن تصدير داعش لبعض عناصره إلى أماكن متعددة أو "ذوبانهم" في المجتمع، أشار عطا إلى أن مقاتلي داعش ومعتنقي فكره سيشكّلون ما يشبه جنوداً غير مفعّلين للتنظيم، يمكن أن يستخدمهم حين يشاء في عمليات أمنية، وسينضم إليهم في أماكن أخرى حول العالم مقاتلون سيعيد التنظيم إرسالهم إلى قلب القارة الأوروبية ليكونوا جاهزين لتنفيذ اعتداءات إرهابية.
ولذلك، يرى عطا أن "عام 2017 سوف يكون العام الأصعب على مستوى الإرهاب العالمي خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وأوروبا".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659