ندوة في أحد مساجد ألمانيا/وكالة الصحافة الفرنسية
ندوة في أحد مساجد ألمانيا/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

"نحتاج بالبداية إلى الفصل بين حرية الرأي وبين ما يؤدي إلى التمييز"، يقول طرفة بغجاتي، رئيس مبادرة مسلمين في النمسا وعضو المجلس الاستشاري للشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية. "فالكثير من المسلمين يظن أن أي انتقاد للدين هو إسلاموفوبيا وهذا خطأ؛ فلكل شخص حرية انتقاد أي دين".

ويقول بغجاتي ، في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن التاريخ يحمل أمثلة لفترات عداء استهدفت المسلمين والإسلام أكثر من مرة. فمنذ أيام الكنسية في العصور الوسطى في أوروبا، حسب قول بغجاتي، كان يحدث بين الفترة والأخرى ما يمكن تسميته "عداء شبه منظم للإسلام"، كما أن الترجمات الأوروبية الأولى للقرآن حاولت و "عبر إضافة ترجمات غير دقيقة إثبات أن القرآن ليس من عند الله".

ويتابع بغجاتي، وهو من أصل سوري ويقيم في ألمانيا، "هذا الأمر طبيعي وموجود لدى المسلمين أيضا. فعلى سبيل المثال كتاب ابن تيمية (الرد الصريح على من بدل دين المسيح)، كله عداء للمسيحيين وقلما تجد فيه احتراما أو تقبلا للآخر".

الإسلاموفوبيا والاستعمار

لكن نشوء الإسلاموفوبيا بمفهومها الحديث والمقصود به "العداء للدين وأتباعه الذي يؤدي أو يشرع أو يقنن التمييز ضدهم"، فيربطه بغجاتي بالاستعمار الغربي للدول العربية.

ويقول "الدول المستعمرة تحاول اقناع شعوبها بأن المسلمين غير قادرين على تمشية أمورهم بأنفسهم، ولذلك نأتي كمستعمرين ونريهم الحياة ونعلمهم ونثقفهم"، موضحا أن في أواخر التسعينيات وبداية القرن 21 وتحديدا عقب هجمات سبتمبر بدأ اليمين المتطرف في أوروبا بالتخلي عن عنصريته القديمة ضد الأجانب بشكل عام، واليهود بشكل خاص. وبدأ يعلن "بشكل رسمي عداءه للإسلام، ومن هنا بدأت الإسلاموفوبيا بمفهومها الحديث".

ويلفت بغجاتي إلى أن هذا ما حدث مع حزب الأحرار في النمسا وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وحزب من أجل الحرية الهولندي.

ويتابع "يجب أن لا ننسى أن الحركات المتطرفة مثل طالبان والقاعدة وبوكو حرام وداعش كان لها أثر كبير في تبرير الحديث السيء عن الإسلام والمسلمين بصيغة التعميم".

وحول الغايات التي تقف وراء تصعيد الإسلاموفوبيا قال العضو في المجلس الاستشاري للشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، إنه "منذ بداية العداء كانت الأسباب سياسية لأهداف الحكم والقيادة لكنه أيضا لا يخلو من إقحام الدين"، مضيفا "فالمسيحي عندما يحذر من الإسلام لا يقول إنني سياسيا غير متفق معهم، لكن يقول إن الله غير متفق معهم. وهذا ما ينطبق على داعش فعندما يغتصبون النساء أو يقتلون يقولون: إن الله أمر بذلك".

لكن الدراسات تقول إن كره الأقليات يزداد في الأماكن التي لا يوجد فيها ممثلين أو مدافعين عن تلك الأقليات ولو أخذنا مثلا عن ذلك ما حصل أيام الحكم النازي في ألمانيا، فإن أكثر الأماكن كرها لليهود تلك التي ليس فيها يهود، وفقا لبغجاتي، الذي يوضح "هذا ما يحصل حاليا، نجد أن الإسلاموفوبيا تنتشر في بلدان مثل التشيك وبولونيا التي لا يوجد فيها مسلمون وحتى اللاجئين فهم بضع مئات وغير مهتمين بالبقاء فيها".

ويختتم بغجاتي حديثه بالقول "وهنا يأتي دور المسلمين في تصحيح صورة الإسلام في المجتمعات الأوروبية من خلال الأسلوب الحضاري في التعامل".

للإسلاموفوبيا تاريخ أسود

لكن السياسي النمساوي من أصول عراقية عمر الراوي، يرى أن للإسلاموفوبيا جذورا في أوروبا، ويحذر في حديث لوقع (إرفع صوتك) من خطر "هذه الظاهرة"، موضحا "هذه الظاهرة يجب أن لا نستصغرها، لأنها في تاريخ أوروبا كان لها دور أسود في محاربة الأقليات والأديان، وفي نفس الوقت لا نخاف ولا نعتقد أن مستقبلنا مرهون بهذه الظاهرة".

ويتابع الراوي المنتمي للحزب الديموقراطي الاشتراكي النمساوي، والذي يشغل حالياً منصب عضو برلمان مدينة فيينا، وعضو مجلسها البلدي "تنشط في دول أوروبا الكثير من الحركات السياسية المنتقدة للإسلام، لتصبح ظاهرة الإسلاموفوبيا فرصة اليمين المتطرف للحصول على مكتسبات سياسية أكبر".

لافتا إلى أن اليمين المتطرف يستغل هذه الظاهرة (الإسلاموفوبيا)، لأنها البرنامج الوحيد الذي يتمتع به، أما هل سيتمكن ببرنامجه هذا من التحكم بمصير أوروبا، بالتأكيد لا".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المياه الملوثة تقتل ملايين البشر كل عام (جانب من درنة التي ضربتها فيضانات)
المياه الملوثة تقتل ملايين البشر كل عام (جانب من جهودا الإنقاذ في مدينة درنة)

يتعرض الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الفيضانات الهائلة إلى عدد من المخاطر الصحية التي قد تهدد حياتهم، لاسيما الفئات الضعيفة منهم، كالرضع والطاعنين بالسن، أو الذين يعانون بالأساس من أمراض مزمنة.

وقد أدت كارثة  درنة، شرقي ليبيا، (التي تعرضت إلى فيضانات هائلة تسببت في تدمير سدين مهمين فيها وبالتالي إزالة أكثر من ربع المدينة عن الوجود ووفاة آلاف الأشخاص)، إلى تسليط الضوء على المخاطر الصحية الناجمة عن المأساة.

وكان الطبيب بمنظمة الصحة العالمية، أسامة عبد الشافي، قد أوضح لموقع "الحرة" في وقت سابق، أن استخدام واستهلاك المياه الملوثة "قد يؤدي إلى الموت".

ولفت إلى أن ذلك "يفسر سبب وفاة ملايين الأشخاص بسبب الأمراض المنقولة بالمياه كل عام"، بحسب ما ترصده منظمة الصحة العالمية.

وأضاف أنه "يمكن تصنيف المياه الملوثة إلى فئتين، وفقا لسبب التلوث: الميكروبات والمواد الكيميائية"، لافتا إلى أنه "غالبا ما تسبب الميكروبات (البكتيريا والطفيليات) تأثيرات فورية على البشر".

وأوضح أن الوضع في ليبيا بعد الكارثة المأساوية يعتبر "شديد الخطورة" فيما يتعلق بالمياه الملوثة، والتي من المتوقع أن تكون مصادر تلوثها الأساسية هي النفايات البشرية والحيوانية ومياه الصرف، التي اختلطت بالمياه الجوفية ومياه الشرب بعد الإعصار.

ما هي أبرز هذه الأمراض؟

ومن أكثر الأمراض انتشارا بسبب المياه الملوثة، كما تقول أخصائية طب الأسرة، الدكتورة نسرين حماد، لموقع "الحرة"، هو داء السالمونيلا الناجم عن عدوى تسببها بكتيريا السالمونيلا.

وتوضح حماد أن الأعراض الشائعة لهذا المرض تشمل الإسهال (غالباً يكون شديدا وقد يحتوي على دم)، والقيء، وآلام في البطن، لافتة إلى أن المصاب يشعر أيضًا بالحمى والصداع والإنهاك في عضلات الجسد.

وأشارت إلى أن "علاج داء السالمونيلا عادةً يتضمن الراحة وتعويض السوائل التي فقدها المريض جراء الإسهال والقيء، وأنه قد يتم وصف مضادات الإسهال إذا لزم الأمر".

ونبهت إلى أنه في حالات العدوى الشديدة أو الدامية، قد يستدعي الأمر العلاج بالمضادات الحيوية، مشددة على ضرورة  استشارة الطبيب قبل تناول أي دواء لتأكيد التشخيص، ووصف الداواء الناجع مع الجرعات المناسبة.

وكذلك من الأمراض التي قد تنجم عن المياه الملوثة، بحسب الطبيب عبد الشافي، "التهاب الكبد A" وهو مرض شديد العدوى.

وعن الأعراض الشائعة لذلك المرض تشرح، حماد: "تتمثل في الحمى والإرهاق والصداع والألم في البطن وفقدان الشهية، كما يمكن أن يلاحظ المصاب أيضًا تغير لون البول إلى اللون الداكن واصفرار الجلد والعينين (اليرقان)".

وتابعت: "المريض قد يشعر أيضا بأعراض أخرى، مثل الغثيان والقيء والإسهال"

ونبهت إلى أن "معظم حالات التهاب الكبد A تختفي دون علاج خاص، بيد أنه من المهم الراحة وتجنب تناول الكحول والأدوية التي تضر الكبد، كما يُوصى بتناول وجبات صحية وتناول كمية كافية من السوائل لتجنب الجفاف".

وأضافت: "يمكن أن تحتاج بعض الحالات إلى علاج الأعراض فقط، مثل تسكين الألم ووقف الغثيان، كما أنه  توجد أيضًا لقاحات للوقاية من التهاب الكبد A التي يوصى بها في مناطق الانتشار الواسع".

داء "تشفير"

ومن الأمراض الأخرى التي قد تنجم عن المياه الملوثة، داء خفيّات الأبواغ (الكريبتوسبوريديوسيس)، المعروف أيضا باسم "تشفير"، وهو عدوى تستهدف الأمعاء.

ويصاب المرضى بالعدوى عن طريق تناول المياه أو المواد الغذائية الملوَّثة، أوعبر الاحتكاك والتواصل اتصال مع الأشخاص أو الحيوانات المصابة بالعدوى.

وأوضحت حماد، أن أعراض ذلك المرض "قد تبدأ بتشجنات مؤلمة في البطن والإصابة بإسهال مائي، مصحوبًا بالغثيان والتقيّؤ والحمى، بالإضافة إلى الإحساس بالوهن في بعض الأحيان". 

ويتم تشخيص المرض عن طريق فحص أو تحليل عيِّنة من البراز، للتأكد من وجود الطفيليات المسببة له.

وأكدت أخصائية طب الأسرة أن "الأشخاص الذين لديهم بنية صحية جيدة يتعافون على الأغلب من تلقاء نفسهم، بينما يحتاج المرضى الذين لديهم جهاز مناعي ضعيف، للعلاج بالأدوية تحت إشراف الطبيب".

وأشارت أيضا إلى ضرورة "غلي الماء قبل شربه في مناطق الكوارث، لمنع الإصابة بالعديد من الأمراض الناجمة عن تلوث المياه بشكل عام".

وقد ينجم عن انتشار واستخدام المياه غير النظيفة، حمى التيفوئيد، وهي عدوى بكتيرية تهدد الحياة وتتميز بتقرح معوي حاد وعدوى، وفق عبد الشافي.

وتظهر أعراض حمى التيفوئيد عادة خلال 1-3 أسابيع بعد التعرض للعدوى، وتتضمن  ارتفاعا في درجة الحرارة، سواء بشكل مستمر أو متقطع، وصداع قوي، وآلام في العضلات والمفاصل، وفقدان الشهية وفقدان الوزن، وتعب في عضلات الجسم، وطفح جلدي.

ويمكن علاج حمى التيفوئيد، بحسب حماد، عن طريق استخدام المضادات الحيوية المناسبة، التي يقررها الطبيب المعالج بناءً على حالة المريض، بالإضافة ضرورة التزام الراحة والحصول على التغذية الجيدة وشرب السوائل بكميات مناسبة. 

وللوقاية من حمى التيفوئيد، ينصح باتباع نصائح السلامة الصحية العامة، مثل تناول الأطعمة المطهوة جيدًا، وشرب المياه النظيفة، والاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المطبخ والمنزل بشكل عام.

وداء الكوليرا يعتبر من الأمراض الخطيرة الناجمة عن المياه أو الأطعمة الملوثة،  ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم علاجه بشكل صحيح أو في الوقت المناسب.

وأبرز أعراض ذلك المرض، إسهال مائي غزير، يمكن أن يؤدي إلى فقدان حاد للسوائل والأملاح، بالإضافة إلى شنجات في البطن وآلام معوية.

ومن الأعراض كذلك، غثيان وقيء مستمر، والإحساس بعطش شديد، وإجهاد قوي، وفقدان سريع للوزن. 

وعند تشخيص حالة الكوليرا، يتم علاجها بالإسراع بإعطاء محاليل الإمهاء الفموي.

أمّا المرضى الذين يعانون من جفاف شديد فهم معرضون، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، إلى خطر الإصابة بالصدمة، وباالتالي يجب الإسراع في حقنهم بالسوائل عن طريق الوريد.

كما يُعطى هؤلاء المرضى المضادات الحيوية المناسبة لتقليل مدة الإسهال، والحد من كمية المأخوذ من سوائل الإماهة اللازمة، وتقصير مدة إفراز ضمات الكوليرا في البراز وفترة بقائها.  

ولا يُوصى بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة، إذ ليس لها تأثير مُثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.

وبالإضافة إلى العلاج، ينبغي اتخاذ إجراءات للوقاية من عدوى الكوليرا، مثل تناول المياه النظيفة والطعام المطبوخ جيدًا، كما أوضحت حماد.

"التلوث الكيمائي"

على صعيد آخر، أوضح عبد الشافي أن "مياه الشرب الملوثة بالمواد الكيميائية، مثل ميثيل ثالثي بوتيل إيثر (MTBE) والمذيبات المكلورة، تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، عندما يستهلك الشخص المياه من هذه المصادر".

واستكمل: "المياه الملوثة قد تؤدي إلى التسمم بالرصاص الذي يهدد الحياة، لأنه يمكن أن يدخل الرصاص إلى مياه الشرب من خلال الأنابيب القديمة واللحامات، أو من خلال تصريف المواد الكيميائية السامة في شبكات المياه".

ولفت إلى أنه يمكن للمواد الكيميائية التي تتسرب من المنشآت الصناعية والزراعية، (خاصة المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والزئبق) أن تتراكم في أعضائنا الداخلية مع مرور الوقت.

وأشار عبد الشافي إلى أنه "بعد الأعاصير والفيضانات، عادة ما يحدث تلوث المياه عندما تتسرب مسببات الأمراض، مثل النيتروجين والفوسفور، من المناطق الحضرية والسكنية والزراعية إلى المياه السطحية والجوفية والساحلية".

وقال إنه يمكن أيضا أن تتلوث مياه الشرب "من خلال تسرب المواد الكيميائية والمعادن الثقيلة من المصانع".

وحذر الطبيب من خطورة إهمال وضع المياه في ليبيا، مؤكدا: "يجب تضافر الجهود العالمية لمساعدة ليبيا تحديدا في مسألة معالجة المياه، وتوفير بدائل آمنة بأقصى سرعة، حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة التي قد ينتج عنها المزيد من الضحايا والوفيات".