بقلم علي قيس:
اعتاد ميسّر محمد، 58 عاما، الخروج منذ ساعات الصباح الأولى للذهاب إلى كنيسة "نهضة القداسة" في محافظة دهوك (شمال العراق) حيث يعمل مستشارا في مجلس الكنائس الإنجيلية، والعودة في ساعات متأخرة من ليله.
محمد وهو باحث في الفلسفة المسيحية نجح في رسم صورة جميلة عن التسامح في الدين الإسلامي لدى زملائه في مجلس الكنيسة. يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أنا أعمل مع الكنائس منذ 25 عاما وحتى هذه اللحظة لم يؤثر كوني مسلما على عملي معهم، بل على العكس يتعاملون معي بكل احترام ويأخذون بآرائي والقرارات التي أشير إلى ضرورة اتخاذها".
ويتابع "منذ أحداث سيطرة داعش على مدينة الموصل وهجرة أهاليها إلى إقليم كردستان اندفع الجميع سواء مواطنين أو منظمات مجتمع مدني أو ناشطين وحتى رجال دين مسلمين إلى مد يد العون للنازحين دون النظر إلى ديانتهم، وهذا ساهم في محو بعض الصور السيئة التي تركها داعش عن الإسلام".
لكن الضغوط على المسيحين لا تزال قائمة بحسب الباحث في الفلسفة المسيحية لأسباب يوجزها بقوله:
- دستور الدولة ما زال يشير إلى أن الدين الرسمي للعراق هو الإسلام، وهذا يجعل أبناء الأديان الأخرى يشعرون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
- بعض القرارات الحكومية تؤدي إلى تقييد الحريات المدنية لأبناء الديانات الأخرى والتي سمحت لهم بها أديانهم.
- المناهج الدراسية لا تزال تحمل بعض التشدد سواء في المحتوى الدراسي أو طرق التعامل، فعندما تطلب من طفل مغادرة درس الإسلامية كونه من غير دين سيؤثر عليه ويجعله يشعر أنه شخص غير مرغوب فيه في مجتمعه.
- الأخطر من ذلك لا يزال بعض أئمة المساجد يدعون في خطب الجمعة في مكبرات الصوت بموت وهلاك الأديان الأخرى، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى إعادة نظر من قبل رجال الدين ومراجعهم.
ويختتم محمد حديثه بالقول "المجتمع العراقي قابل للتعايش السلمي بين جميع مكوناته، لكن التعديل والتسامح الحقيقي تحتاجه الحكومة وقوانين الدولة".
نموذج للإسلام المتسامح
ويؤيد، الأب سالار سليمان، النائب العام للأسقف في قضاء القوش (شمال العراق)، ما جاء على لسان محمد عن الضغوط التي يعيشها المسيحيون، مضيفا في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن "الفقر يزداد والجهل يزداد والجميع بما فيهم المسلمون هم ضحية هذه الأساليب الدكتاتورية، لأن المسؤول في الحكومة أو البرلمان ينظر فقط إلى مصلحته الشخصية".
ويعتبر الأب سليمان محمد شخصا نجح في "عكس صورة جميلة ومنفتحة عن التسامح الموجود في الإسلام للأشخاص الذين حوله، وكشف مدى ظلامية الفكر الديني عندما يكون متشددا ومتطرفا".
ولا يعتبر سليمان النموذج الذي يقدمه ميسّر محمد أمرا مفاجئا "لأن هناك الكثير من النماذج المنفتحة والمثقفة في العالم الإسلامي التي تقدر وتعطي قيمة للأديان الأخرى".
المجتمع المدني نجح في تجاوز الأعراق الدينية
بدوره، يؤكد رئيس دائرة المنظمات غير الحكومية في إقليم كردستان أكرم ججو، أن المنظمات الإنسانية نجحت في رسم صورة جميلة عن التعايش السلمي بين الأديان، بعد أحداث الموصل وظهور تنظيم داعش بما يحمله من أفكار تكفيرية.
ويوضح في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن "منظمات كردية ساعدت العرب وأخرى مسلمة ساعدت المسيحيين والأيزيديين، ومنظمات مسيحية ساعدت المسلمين، وهذا يسجّل كنجاح للمنظمات في تجاوز الأعراق الدينية".
وبحسب ججو، فإن هذه المنظمات قدمت المساعدات الكثيرة دون النظر إلى خلفية النازحين كما قدمت أوراق عمل وعقدت مؤتمرات جمعت فيها رجال دين من مختلف الديان لوضع قواعد العيش بأمان، مختتما حديثه بالقول "هناك نشاطات إيجابية قام بها الكثير من رجال الدين المسلمين نجحت كثيرا في كشف صورة التسامح الموجودة في دين الإسلام التي شوهها تنظيم داعش".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659