المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
رغم فقدانها البصر في سن مبكرة جدا، إلا أنها لم تفقد العزيمة والأمل في التعايش مع الوضع، ومواجهة الصعوبات التي تقف عائقا أمام ذوي الاحتياجات الخاصة، لتصبح نموذجا يحتذى به في الصبر والمثابرة وتحقيق ما كان إلى وقت قريب مجرد حلم.
هي نادية كوي، الشابة المغربية في العقد الثالث من عمرها، التي فقدت بصرها في شهرها الخامس بعد الولادة، حيث قالت في حديثها لموقع (إرفع صوتك) إنّ نموها البصري توقّف "وقد يكون السبب تعرض أمي لحمى الحصبة الألمانية أو انتقال العدوى من أحد المحيطين بها أثناء حملها بي"، حسب ما صرّح به الأطباء لعائلتها.
تتقن نادية خمس لغات رغم ما واجهته من صعوبات في تعلمها في الصغر، إلا أنها واظبت بمساعدة أهلها على القراءة والاستماع، فأصبحت تجيد الفرنسية والانجليزية والإسبانية، إضافة إلى العربية والأمازيغية باعتبارهما لغتها الأم.
معاناة المكفوفين
ورغم ما يعانيه المكفوفون من صعوبات في إيجاد حل لمشاكلهم، إلا أن نادية استسلمت للأمر الواقع ورضيت بنصيبها، فيما تحملت الأسرة مسؤوليتها في الاهتمام بوضعها.
وتحكي نادية لموقع (إرفع صوتك) كيف منحتها أسرتها ما كانت تستحقه من عناية، لكن عاملتها كإخوتها في الوقت نفسه وكان عليها مسؤوليات مثلهم. "حتى وإن كان على الأسرة إحاطتي بعناية أكثر ولا سيما في الصغر، إلا إن ذلك لم يكن على حساب محو شخصيتي أو حرماني من تحمل مسؤوليتي بالقدر الذي يسمح به سنّي. لم أحس يوما أنني أقل من إخواني وأعتقد أن لذلك الفضل في قدرتي على تجاوز ما اصطدمت به من صعاب وعراقيل مجتمعية"، تقول نادية.
في غياب المدارس الخاصة بتعليم المكفوفين إبان الثمانينيات، لم تجد نادية وسيلة للتعلم غير الانخراط في جمعية خيرية تلقت فيها مبادئ الكتابة والقراءة عن طريق لغة برايل، وهو نظام الكتابة البارزة المستخدمة للمكفوفين أو ضعاف البصر عن طريق اللمس. وأسعفها في ذلك قربها من الجمعية، فيما كان أمثالها وهم بالعشرات يعانون لإيجاد طريقة للتعلم.
"كانوا يعانون في حافلات النقل العمومي بصحبة ذويهم حتى يتسنى لهم الحضور كل يوم، خاصةً الفتيات"، تقول نادية.
وعن الصعوبات التي واجهتها في بداية تعلّمها، تقول نادية إن تغيير المناهج بشكل مستمر، وغياب الدعم والمدرسين كان سببا في انقطاع الكثيرين عن الدراسة، مشيرة إلى أن العراقيل تتزايد في المستوى الثانوي. "اختيار المسار الدراسي الذي نرغب فيه يصبح محدودا وتغيب مراكز الامتحانات والمرافقين، لدرجة أنني حصلت على ستة من 20 بالفرنسية في السنة الأولى ثانوي، لأن المرافق الذي كان من نصيبي لم يكن يقدر على نطق النص نطقا صحيحا يمكنني من فهمه والإجابة على الأسئلة، كما أتذكر مرارة حصولي على علامات في الإنكليزية لا أستحقها لنفس الأسباب".
تميّز رغم الإعاقة
رغم كل شيء، كانت نادية من المتفوقين وتصدّرت دفعتها بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة. وحصلت على جائزة أفضل بحث لسنة تخرجي مناصفة، ثم حصلت على منحة فولبرايت وذهبت إلى متابعة دراستها بالولايات المتحدة.
"ما يعاينه الأشخاص في وضعيتي بالمغرب من مشاكل لا يمكن حصره، بداية بسيادة منطق الدونية والإقصاء في التوظيفات رغم كفاءتنا، حيث رفضت مؤسسات رسمية تشغيلي أو منحي فرصة تدريب رغم حصولي عليها بالاستحقاق".
تفوق نادية جعلها مؤهلة للحصول على فرص تدريب خارج المغرب حيث قضت فترة تدريبية بمنظمة Vital Voices Global Partnership بواشنطن، وصندوق الأمم المتحدة للتنمية بنيويورك. كما تمكنت من الحصول على منحة دراسية للماجستير بمعهد مونتريي للدراسات الدولية بكاليفورنيا، لتعمل بعد ذلك مترجمة مستقلة، ثم منسقة لبرامج المرأة والشباب بكينيا ثم كمديرة تنفيذية للبرنامج بالاتحاد الإفريقي للمكفوفين لثلاث سنوات قبل أن تقرر الاستقالة والرجوع إلى المغرب في أواخر 2011.
تعمل نادية حاليا مترجمة بوزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، فيما رفعت دعوى قضائية ضد وزارة العدل والحريات بعدما تمّ رفض طلبها لاجتياز مباراة المترجمين المحلفين.
نصيحة
وتوجّه نادية نصيحة لمن هو في وضع مشابه لها عبر موقع (إرفع صوتك) تقول فيها "الإعاقة تفرض عليك مكابدة كل الصعاب والسعي إلى الأفضل والتميز، وأعلم أن ذلك ليس بالهين، لكنه أهون من الاستسلام لأحكام نمطية مجتمعية ومؤسسية أحيانا لا تقاوم التغيير".
وتتابع المرأة "التغيير يجب أن ينطلق منا كأشخاص أولا على اختلاف قدراتنا وإمكاناتنا، فنحن لسنا مكونا متجانسا بل نحن مختلفون على غرار أفراد المجتمع الذين لا يعانون من إعاقة جسدية أو ذهنية أو حسية ظاهرة. نعم ظاهرة، وما خفي كان أعظم".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659