لا تقتصر المذاهب الفقهية في الإسلام السني على المذاهب الأربعة المعروفة، وهي المالكي والحنبلي والشافعي والحنفي. هناك مذاهب كثيرة منقرضة، من أبرزها المذهب الظاهري، ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الليث بن سعد، ومذهب الأوزاعي.
وقد أجمعت جل المذاهب الإسلامية، سنية وشيعية، على أن الأصل في التشريع في الإسلام هو القرآن والسنة، لكنها اختلفت في مصادر التشريع الفرعية كالإجماع والقياس والرأي، وغيرها. وهو ما تسبب في ظهور مذاهب كثيرة.
وذكرت كتب التاريخ الإسلامي أن المذاهب الفقهية ناهزت 50 في القرن الثاني للهجرة بعضها استطاع البقاء، واندثر البعض الآخر بعدما لم يجد طريقا للانتشار بين زحمة المذاهب والاتجاهات الفقهية.
وكان المذهب الظاهري، ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الليث بن سعد، ومذهب الأوزاعي في مقدمة المذاهب المنقرضة.
المذهب الظاهري
ظهر في القرن الثالث الهجري في العراق. وسمي بذلك نسبة إلى داوود بن علي الظاهري الذي يعتبر مؤسسا له، فيما يعتبر ابن حزم الأندلسي فقيهه المجدد الذي ساهم في التعريف به ونشره.
يعتمد المذهب الظاهري على القرآن والسنة والاستصحاب (ملازمة الشيء لحكمه الأصلي ما لم يغيره مغير شرعي) وإنكار إعمال العقل في التشريع.
"لا رأي ولا إعمال للعقل في الأحكام الشرعية" هي القاعدة التي يقوم عليها المذهب الظاهري. ويعتبر المذهب أن المصدر الفقهي هو الأخذ بظواهر النصوص الشرعية من القرآن والسنة دون تعليلها، وفي غياب النص يقوم على فكرة الاستصحاب.
لم يعمر المذهب طويلا. وتلاشى بعد مؤسسه داود بن علي بسبب قلة أتباعه ونفور الناس منه لتغييبه الاجتهاد الذي يمكن المذاهب من الاستمرار، لكن اهتمام ابن حزم الأندلسي بالمذهب أعاد إليه البريق في القرن الخامس الهجري.
عجل عدم تبني المذهب الظاهري من أحد السلاطين وعدم اهتمام العلماء به، بسبب تشدد فقهائه، باندثاره خاصة أن ابن حزم ألف كتاب "الإبطال" الذي هاجم فيه مصادر التشريع المعتمدة عند المذاهب الأخرى كالقياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل.
وترجع بعض الدراسات تراجع المذهب الظاهري أيضا إلى حادثة إحراق مؤلفات ابن حزم من قبل حاكم إشبيلية المعتضد بن عباد، بسبب ولاء ابن حزم لحاكم قرطبة.
مذهب الثوري
سمي بمذهب الثوري نسبة إلى الإمام سفيان بن سعيد الثوري، الذي اشتهر في الكوفة (العراق) خلال القرن الرابع الهجري. أسس الثوري مذهبا خاصا به وازى فيه بين أهل الرأي وأهل الحديث. قامت أسسه على استنباط الأحكام من القرآن والسنة والاجتهاد للإفتاء بما هو أيسر على الناس.
وثبت عن الثوري ميوله نحو التسهيل ونبذ التشدد ما جعل أتباعه في تزايد بالعراق إلى غاية القرن الرابع الهجري قبل أن يندثر بسبب عدم تبني مذهبه من أية سلطة سياسية. رفض تولي القضاء في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور وابنه المهدي، وهرب متخفيا بين البلدان (العراق، الحجاز، اليمن) إلى أن توفي.
مذهب الليث بن سعد
ينسب هذا المذهب إلى مؤسسه الليث بن سعد، إمام مصر ومحدثها في القرن الثاني الهجري. اشتهر مذهبه بالاهتمام بالجانب الأخلاقي والروحي في الإسلام، واشتهر أيضا بأسسه المخالفة لمذهب الإمام مالك. اعتمد على الصحيح من الأحاديث (الدليل) وليس على ما رواه أهل المدينة التي اعتمدهم مالك (الرأي).
لم يدون الليث بن سعد مذهبه مع العلم أنه كان مقتفيا للأثار الفقهية وضالعا في التاريخ. يرجح سبب ذلك إلى أنه لم يجد الوقت ليحفظ مذهبه بسبب انشغاله مع حاكم مصر في تدبير أمور البلاد، وهو ما عجل بزوال مذهبه بعد وفاته.
مذهب الأوزاعي
مؤسس هذا المذهب هو عبد الرحمن الأوزاعي. جاء في كتاب سير أعلام النبلاء أن الإمام عبد الرحمن الأوزاعي أسس مذهبا مستقلا عمل به فقهاء الشام وفقهاء الأندلس ثم فني بعد 220 عاما من ظهوره. ويعتقد أنه كان أول مذهب يعمل به أهل الأندلس، وعمل به أهل المغرب أيضا إلى حين دخول المذهب المالكي المعتمد حاليا.
بنى الأوزاعي مذهبه على الأخذ بتفسير السنة للقرآن وترجيح الرأي والاجتهاد والقياس وسد الذرائع غير أن مذهبه لم يعمر طويلا، وإن كانت آراؤه الفقهية لا زالت تضمها كتب الفقه الإسلامي.
يروى عن الأوزاعي تسامحه الشديد مع مسيحيي ويهود عصره في الشام، فقد وقف في وجه الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي أمر بإجلائهم من الشام بسبب ثورة جماعة منهم عليه، لكن الأوزاعي ناصرهم وطالب الخليفة بعدم ترحيلهم، وهو ما تم.