وصلت المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري إلى أكثر من 50 مذهبا
وصلت المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري إلى أكثر من 50 مذهبا

لا تقتصر المذاهب الفقهية في الإسلام السني على المذاهب الأربعة المعروفة، وهي المالكي والحنبلي والشافعي والحنفي. هناك مذاهب كثيرة منقرضة، من أبرزها المذهب الظاهري، ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الليث بن سعد، ومذهب الأوزاعي.

وقد أجمعت جل المذاهب الإسلامية، سنية وشيعية، على أن الأصل في التشريع في الإسلام هو القرآن والسنة، لكنها اختلفت في مصادر التشريع الفرعية كالإجماع والقياس والرأي، وغيرها. وهو ما تسبب في ظهور مذاهب كثيرة.

وذكرت كتب التاريخ الإسلامي أن المذاهب الفقهية ناهزت 50 في القرن الثاني للهجرة بعضها استطاع البقاء، واندثر البعض الآخر بعدما لم يجد طريقا للانتشار بين زحمة المذاهب والاتجاهات الفقهية.

وكان المذهب الظاهري، ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الليث بن سعد، ومذهب الأوزاعي في مقدمة المذاهب المنقرضة.

المذهب الظاهري

ظهر في القرن الثالث الهجري في العراق. وسمي بذلك نسبة إلى داوود بن علي الظاهري الذي يعتبر مؤسسا له، فيما يعتبر ابن حزم الأندلسي فقيهه المجدد الذي ساهم في التعريف به ونشره.

يعتمد المذهب الظاهري على القرآن والسنة والاستصحاب (ملازمة الشيء لحكمه الأصلي ما لم يغيره مغير شرعي) وإنكار إعمال العقل في التشريع.

"لا رأي ولا إعمال للعقل في الأحكام الشرعية" هي القاعدة التي يقوم عليها المذهب الظاهري. ويعتبر المذهب أن المصدر الفقهي هو الأخذ بظواهر النصوص الشرعية من القرآن والسنة دون تعليلها، وفي غياب النص يقوم على فكرة الاستصحاب.

لم يعمر المذهب طويلا. وتلاشى بعد مؤسسه داود بن علي بسبب قلة أتباعه ونفور الناس منه لتغييبه الاجتهاد الذي يمكن المذاهب من الاستمرار، لكن اهتمام ابن حزم الأندلسي بالمذهب أعاد إليه البريق في القرن الخامس الهجري.

عجل عدم تبني المذهب الظاهري من أحد السلاطين وعدم اهتمام العلماء به، بسبب تشدد فقهائه، باندثاره خاصة أن ابن حزم ألف كتاب "الإبطال" الذي هاجم فيه مصادر التشريع المعتمدة عند المذاهب الأخرى كالقياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل.

وترجع بعض الدراسات تراجع المذهب الظاهري أيضا إلى حادثة إحراق مؤلفات ابن حزم من قبل حاكم إشبيلية المعتضد بن عباد، بسبب ولاء ابن حزم لحاكم قرطبة.

مذهب الثوري

سمي بمذهب الثوري نسبة إلى الإمام سفيان بن سعيد الثوري، الذي اشتهر في الكوفة (العراق) خلال القرن الرابع الهجري. أسس الثوري مذهبا خاصا به وازى فيه بين أهل الرأي وأهل الحديث. قامت أسسه على استنباط الأحكام من القرآن والسنة والاجتهاد للإفتاء بما هو أيسر على الناس.

وثبت عن الثوري ميوله نحو التسهيل ونبذ التشدد ما جعل أتباعه في تزايد بالعراق إلى غاية القرن الرابع الهجري قبل أن يندثر بسبب عدم تبني مذهبه من أية سلطة سياسية. رفض تولي القضاء في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور وابنه المهدي، وهرب متخفيا بين البلدان (العراق، الحجاز، اليمن) إلى أن توفي.

مذهب الليث بن سعد

ينسب هذا المذهب إلى مؤسسه الليث بن سعد، إمام مصر ومحدثها في القرن الثاني الهجري. اشتهر مذهبه بالاهتمام بالجانب الأخلاقي والروحي في الإسلام، واشتهر أيضا بأسسه المخالفة لمذهب الإمام مالك. اعتمد على الصحيح من الأحاديث (الدليل) وليس على ما رواه أهل المدينة التي اعتمدهم مالك (الرأي).

لم يدون الليث بن سعد مذهبه مع العلم أنه كان مقتفيا للأثار الفقهية وضالعا في التاريخ. يرجح سبب ذلك إلى أنه لم يجد الوقت ليحفظ مذهبه بسبب انشغاله مع حاكم مصر في تدبير أمور البلاد، وهو ما عجل بزوال مذهبه بعد وفاته.

مذهب الأوزاعي

مؤسس هذا المذهب هو عبد الرحمن الأوزاعي. جاء في كتاب سير أعلام النبلاء أن الإمام عبد الرحمن الأوزاعي أسس مذهبا مستقلا عمل به فقهاء الشام وفقهاء الأندلس ثم فني بعد 220 عاما من ظهوره. ويعتقد أنه كان أول مذهب يعمل به أهل الأندلس، وعمل به أهل المغرب أيضا إلى حين دخول المذهب المالكي المعتمد حاليا.

بنى الأوزاعي مذهبه على الأخذ بتفسير السنة للقرآن وترجيح الرأي والاجتهاد والقياس وسد الذرائع غير أن مذهبه لم يعمر طويلا، وإن كانت آراؤه الفقهية لا زالت تضمها كتب الفقه الإسلامي.

يروى عن الأوزاعي تسامحه الشديد مع مسيحيي ويهود عصره في الشام، فقد وقف في وجه الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي أمر بإجلائهم من الشام بسبب ثورة جماعة منهم عليه، لكن الأوزاعي ناصرهم وطالب الخليفة بعدم ترحيلهم، وهو ما تم.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.