تقترب المعارك العنيفة بين قوات الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، يوماً بعد يوم من أسوار مدينة زبيد التاريخية، حوالي 100 كم جنوبي مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، ما يفاقم المخاوف بشأن مصير المدينة الأثرية المهددة أصلا بالشطب من قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي.
ويوم الثلاثاء (20 شباط/فبراير 2018) دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جميع الأطراف المتحاربة إلى حماية مدينة زبيد واحترام معالمها، كونها مدرجة في قائمة مواقع التراث العالمي وتضم أكبر عدد من المساجد في اليمن.
وتدور المواجهات العسكرية حالياً على بعد 37 كم جنوبي المدينة العريقة التي وصفها البرفسور الفرنسي بول بوننفال، بـ“أكسفورد الشرق”، بعدما ظلت تمثل لقرون درة معمارية ومركزا للعلوم الإسلامية.
ولعب بوننفال دوراً كبيراً في تشجيع اليونسكو على إدراج المدينة التي تمتاز بدروبها الضيقة ومآذنها الشامخة على قائمة التراث العالمي عام 1993.
واقع مأساوي
لكن المدينة التاريخية التي تأسست بداية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، بأمر من الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد، تعرضت خلال السنوات الأخيرة “لإهمال وتدمير متعمد، في ظل صمت مطبق من الجهات الرسمية المختصة”، حسب ما يقول الدكتور محمد العروسي، وهو أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية بجامعة صنعاء.
يؤكد الدكتور العروسي أن منظمة اليونسكو هددت أكثر من ثلاث مرات بشطب المدينة من قائمة التراث العالمي.
أضاف لموقع (ارفع صوتك) أن المنظمة الدولية “ترفض حالياً مناقشة موضوع زبيد نهائياً نتيجة المخالفات الكثيرة والبناء العشوائي وتدمير المنشآت المعمارية التاريخية”.
وأشار إلى أن واقع المدينة الآن “مأساوي جداً، عناصرها المعمارية والهندسية والزخرفية تتعرض لتدمير متعمد”.
اقرأ أيضاً:
في اليمن.. حتى “المومياوات” لم تسلم من الحرب
وتضم مدينة زبيد القديمة حوالي 2400 منزل تقليدي، يتراوح تاريخ بنائها بين 200 إلى 600 سنة.
يقول الدكتور محمد العروسي، الذي ألف كتاباً باللغة الفرنسية عن مدارس العلوم الإسلامية في مدينة زبيد، إن أهم المباني التاريخية التي ما زالت قائمة حتى الآن 52 مسجداً تاريخياً و25 رباط علم تاريخي، و28 مدرسة، فضلاً عن دار الملك الناصر الرسولي الذي يعود إلى نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع الهجري.
وأشار إلى أن من أهم المساجد في المدينة، جامع الأشاعر الذي تدون أحد النقوش الموجودة عليه بأنه يعود إلى نهاية القرن الرابع الهجري، لكن الدكتور العروسي يقول “هناك روايات تتحدث بأن من بناه هو الصحابي أبو موسى الأشعري في عهد النبي محمد”.
ومع ذلك، فإن كثيراً من تلك المباني التاريخية التي سجلتها اليونسكو ضمن قوائم فرائد التراث العالمي الاستثنائي، أصبحت آيلة للسقوط، جراء الإهمال الحكومي وعدم قدرة السكان المحليين على تحمل تكاليف الترميم بنفس الطابع والخصائص الفنية المعمارية القديمة.
نوافد سلبية للتهوية
ويشكو مسؤولون محليون من أن المعالم الأثرية في المدينة التاريخية البالغ مساحتها 92 هكتاراً، بدأت تتعرض لتشوهات واعتداءات في ظل النمو السكاني والتوسع المعماري، دون أي مراعاة للطابع التقليدي الفريد.
ويؤكد عرفات الحضرمي، وهو مدير عام المخطوطات في مدينة زبيد، أن “الحصار والحرب القائمة أثرت على المباني القديمة، لم يعد السكان يستطيعون صيانة وترميم منازلهم”.
أضاف لموقع (ارفع صوتك) “نتيجة لانقطاع الكهرباء وارتفاع درجة الحرارة قام بعض السكان بفتح نوافد للتهوية في منازلهم القديمة بشكل مخالف أثرت سلباً على النقوش والزخارف الموجودة”.
وأشار إلى تعرض أحد أقدم الجوامع والمدارس التاريخية في المدينة لأضرار جسيمة بسبب غارة جوية لمقاتلات التحالف الذي تقوده السعودية استهدفت موقعاً مجاورا عام 2015.
مناشدة
من جانبه اعترف محمد مهدي، الذي يقطن منزلاً مدرجاً ضمن قائمة التراث العالمي يعود لأكثر من 500 عام، بأن غياب الدعم الحكومي والأوضاع الاقتصادية السيئة حالت دون القيام بترميم منزله.
وأكد أنه بسبب انقطاع الكهرباء اضطر لفتح نوافذ بغرض التهوية ما أدى إلى تشويه المبنى، حال مئات المباني التاريخية في زبيد.
أضاف لموقع (ارفع صوتك) “نناشد الأمم المتحدة والمانحين بتدخل عاجل لإنقاذ مدينتنا، منزلي ضمن حوالي 200 منزل مدرجة منذ سنوات في برامج الترميم، لكنها لم ترمم”.
تواطؤ حكومي
واتهم مسؤول محلي في مدينة الحديدة، فضل عدم ذكر اسمه، الجهات الحكومية بالتواطؤ حيال المخالفات المرتكبة في زبيد. وقال إن “شحة الامكانيات المرصودة للترميم والحرب القائمة أسباب رئيسة لاستمرار المخالفات”.
واعتبر إخراج زبيد من قائمة التراث العالمي "لعنة" تتحمل تبعاتها الحكومات اليمنية المتعاقبة.