يشعر مرزوق محمد، وهو صحافي يمني في العقد الرابع من العمر، بأسف لانحسار المد الصوفي الذي كان سائداً في اليمن قبيل اندلاع الحرب المستمرة هناك منذ أكثر من ثلاث سنوات.
“تلاشت معظم فعاليات الحركة الصوفية كالموالد وإحياء التراث والأنشطة الثقافية وغيرها، هذه واحدة من أبرز تداعيات الحرب والصراع الديني القادم من دول الإقليم بشكل خاص”، قال مرزوق بنبرة متحسرة.
والتصوف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري.
وشهد اليمن نشاطاً ملحوظاً للصوفية التي صار لها قاعدة عريضة في عصر الدولة الرسولية، التي حكمت البلاد في الفترة (1229 - 1454م).
ويقترب عدد الطرق الصوفية في اليمن، من 20 طريقة، منها طرق وليدة البيئة اليمنية الداخلية، وتنتشر بدرجة رئيسية في جنوب ووسط البلاد، حسب باحثين يمنيين.
وتتركز معظم أنشطتها حول الاهتمام بالعلوم الدينية واللغوية والسلوك العبادي.
وتعد مدينة “تريم” التاريخية في وادي حضرموت، معقل الصوفية الأبرز في اليمن.
اقرأ أيضاً:
مدينة الوسطية والتسامح والسلام في اليمن... هل تعرفها؟
“شكلية”
ويقول الصوفيون في اليمن إن فكرهم يتسم بالوسطية والاعتدال، ولا يطمحون إلى الحكم على عكس الجماعات السلفية الجهادية وتيارات الإسلام السياسي.
عبدالناصر التميمي، وهو نائب رئيس ملتقى التصوف الإسلامي في اليمن، يؤكد أن “الفكر الصوفي في اليمن هو جزء من الفكر الصوفي العالمي الذي يتسم ككل بكونه منهج تسامح ومحبة”.
لكن مراد صبيح، وهو كاتب وباحث يمني في مديرية تريم بمحافظة حضرموت جنوبي شرق البلاد، يقول إن الوسطية والاعتدال التي يتحدث عنها الصوفيون هي “شكلية فقط”.
“فكرة التصوف في حضرموت تحديداً كما ألاحظ قائمة على ركن الولي الصالح كشخصية خرافية أو أسطورة خارقة”، أضاف صبيح لموقع (ارفع صوتك).
وأشار إلى ارتباط التصوف بالهاشمية ذات "النزعة العنصرية"، قائلاً إن “هذا واضح تماماً في كتبهم ومحاضراتهم، كتعظيم النسب والاهتمام بالأوصاف القبلية والتعظيم العرقي”.
وبشأن موقف الصوفيين من المشهد السياسي الراهن في اليمن، يقول صبيح، “إنهم بشكل عام يتبعون سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الحزبية والسياسية، لكنهم دائماً يبنون علاقات سريعة مع السلطة المنتصرة”.
وفي أعقاب اندلاع الحرب الحالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين، طالب رئيس “دار المصطفى للدراسات الإسلامية” في تريم الحبيب عمر بن حفيظ، وهو شخصية صوفية يمنية مرموقة، طلابه بالنأي عن الصراع الدائر في البلاد.
وقال “نحن لا نشارك إلا في الأمور المحض خيرها، والتي لا تشوبها أي شائبة”.
لكن البعض منهم تقلد مناصب حكومية خلال نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ومارس السياسة من البوابة الخلفية.
ورغم أن الصوفيين لا يرتبطون بعلاقات واضحة مع التيارات الدينية والسياسية الأخرى، فإن الغالب هو وجود حالة عداء مع السلفية التي يصفونها بـ“الوهابية”، فيما يتهم السلفيون الصوفية بـ “الابتداع”، على حد قول مراد صبيح.
ومع ذلك يؤكد نائب رئيس ملتقى التصوف الإسلامي عبدالناصر التميمي أن "الصوفية لا تعادي أحدا، وأن تلك الجماعات ذات الخلفية الأيديولوجية القائمة على المنافسة ورفض الآخر هي من تعادي الصوفية”.
اقرأ أيضاً:
خطب الجمعة في اليمن.. بيان سياسي في ثكنة عسكرية!
الإرث الحضاري
وخلال الحرب الجارية دمرت عناصر إرهابية من تنظيمي داعش والقاعدة عشرات الأضرحة والقباب والمزارات الدينية لكبار مشايخ الصوفية في حضرموت وتعز وعدن.
ويرى عبدالناصر التميمي أن هذه ليست جريمة فقط بحق الصوفية بل أيضاً بحق التاريخ والإرث الحضاري والإنساني العالمي.
ومطلع آذار/مارس الجاري، اغتال متطرفون إرهابيون العلامة الصوفي عيدروس بن سميط إمام مسجد المحضار في مدينة تريم، في أحدث استهداف لرموز الدين الصوفيين.
“معاناة الصوفية في اليمن خلال هذه الحرب كانت شديدة، جرى ولا يزال يجري استهدافها بهدف إبعادهم من التأثير على وعي الناس بفكرهم الذي لا يتناسب مع أهداف التعبئة الطائفية والمذهبية”، وفقاً للدكتور سامي عطا، وهو أكاديمي متخصص في فلسفة العلم والفكر السياسي بجامعة عدن.