ساهم المواطنون في إلقاء القبض على 300 من مقاتلي داعش/Shutterstock
ساهم المواطنون في إلقاء القبض على 300 من مقاتلي داعش/Shutterstock

لا يزال بشير عبد الرحمن، وهو شاب يمني فقد والديه وشقيقته بهجوم إرهابي مروع بصنعاء قبل نحو ست سنوات، غير قادر حتى اليوم على تجاوز آثار الصدمة العنيفة التي خلفتها في نفسه مشاهد دماء وأشلاء الضحايا المتناثرة في المكان.

بدأ الهجوم الذي تبناه تنظيم القاعدة، بتفجير انتحاري في باحة مستشفى عسكري، أعقبه اقتحام مسلحين بملابس عسكرية، ظهروا لاحقاً في مقاطع فيديو صادمة، وهم يطلقون النار والقنابل، عشوائياً على المتواجدين في المشفى النموذجي.

أكثر من 200 قتيل وجريح، غالبيتهم من المرضى والأطباء، قضوا في هذه المجزرة الإرهابية الشنيعة.

يقول بشير عبد الرحمن،كانت عشرات الجثث ممزقة، لم يكن باستطاعة أي أحد التعرف على قريبه في البداية”.

ويضيف الشاب اليمني في حديثه لـ(ارفع صوتك)،سمعت من أحد الناجين أن الإرهابيين كانوا يصرخون في وجوههم، قائلين: سنجعل من قتلكم عبرة وعظة للآخرين”.

قصص مروعة

تعمدت التنظيمات الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة، في حالات كثيرة نشر مقاطع فيديو تسجيلية لممارسات قتل وإعدام بشعة، شملت عمليات إحراق وذبح وتفجير جماعي لأسرى ومختطفين ورهائن في ليبيا وسورية والعراق واليمن وتونس.

في أغسطس 2014، نشرت جماعة أنصار الشريعة، الذراع المحلي لتنظيم القاعدة في اليمن، تسجيلا مصورا لعملية ذبح 14 جنديا بعد اختطافهم من حافلة نقل جماعي في حضرموت جنوبي غرب البلاد.

بعد أقل من شهر، عرض تنظيمداعش في شريط مصور عملية ذبح جماعية شملت 15 شخصاً على الأقل قال إنهمعسكريون سوريون علويون”.

وظهر في الفيديو عناصر من التنظيم يجرون أشخاصا يرتدون ملابس كُحلية اللون مطأطئي الرؤوس، قبل أن يستلوا سكاكين من علبة خشبية موضوعة جانبا ويباشروا عملية الذبح، في حين تظهر في الشريط عبارةضباط وطيارو النظام النصيري في قبضة جنود الخلافة”.

ولاتزال حاضرة في الأذهان حتى اليوم عملية ذبح الأقباط المصريين المختطفين في ليبيا على أيدي عناصر تنظيمداعش مطلع عام 2015، حيث بث التنظيم الإرهابي فيديو مصور لعملية الذبح، في حين أظهرت إحدى اللقطات تلون مياه البحر بلون الدم، في استعراض من التنظيم الدموي.

ومن طرق الإعدام البشعة التي نفذ غالبيتها تنظيم داعش، الحرق حيا، كما هو الحال مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة في 2015، فضلا عن ربط أعناق بعض المحتجزين بفتيل متفجر، ثم تفجيره عن بعد.

في العراق، قام التنظيم الإرهابي بتكبيل جنود من البشمركة الأكراد في صناديق حديدية وتركها تغرق في مياه نهر دجلة.

الإثخان” في الأرض

تندرج هذه الجرائم ضمن ما تطلق عليه التنظيمات الإرهابية الإثخان في الأرض، وهو المبالغة في القتل والتنكيل، للتعبير عن التمكن والقوة وعظمة السلطان، بكل ما يمكن أن يرهب الأعداء.

ويستند الإرهابيون في ذلك إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآراء فقهيه، يعتبرونها تحض على الغلظة والشدة في التعامل معالكفار وإرهاب الأعداء.

ومن تلك الآيات: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم).

ولا يجد هؤلاء أي مشكلة بنعتهم في الإعلام الدولي بالإرهابيين، حيث يقول أبو مصعب السوري، وهو أحد أبرز منظري الجماعات الجهادية، إنإرهاب الأعداء فريضة دينية”.

ويضيفلذلك لا نجد في كلمة إرهابي أي مدلول سيئ”.

ومن الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد التي تستشهد بها الجماعات الجهادية في ممارسة عمليات القتل الشنيعة، لإرهاب الأعداء قولهيا معشر قريش! والله لقد جئتكم بالذبح".

دليل داعش

يعتبر كتابمسائل من فقه الجهاد، أوفقه الدماء كما أصطلح عليه إعلاميا، لأبي عبد الله المهاجر، وهو مصري الجنسية، الدليل الفقهي لمقاتلي داعش، وأحد أهم مراجع التنظيم في تسويغالغلظة والشدة مع من يصفونهم بالأعداء.

وأجاز أبو المهاجر الذي تلقى تعليمه في باكستان، وقتل عام 2011، رميالكفار، وقتلهم وقتالهم بكل وسيلة تحقق المقصود، بما فيها التحريق والتغريق والاغتيال والاختطاف، وحتى التنكيل بالجثث”.

ويرى أن القتل بقطع الرأس وما فيهمن الغلظة والشدة: أمر مقصود بل محبوب لله ورسوله، على حد تعبيره.

ويؤكد المهاجر وجوب تقديم "الإثخان في أعداء الله" على أسرهم. يقول “لا أسر وإنما هو القتل والتقتيل والفتك والإنهاك”.

شدة وغلظة

أما أبو بكر ناجي، وهو شخصية متطرفة غامضة لا يعرف ما إذا كان هذا اسمه الحقيقي أم مستعار، فيرى أن الجهادشدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان”.

في كتابهإدارة التوحش يقول ناجيإن إراقة دماء أهل الصليب وأعوانهم من المرتدين وجندهم من أوجب الواجبات”.

وحسب وزارة الداخلية السعودية، فإن كتابإدارة التوحش، هو أحد الأنظمة الفكرية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

أبو البراء النجدي، وهو مفت في داعش، يقول إننحر الكافر المحارب يرعب العدو أيما إرعاب، وقد يسبب في انسحابه وهزيمته”.

ويعد كتابإسعاد الأخيار في إحياء سنة نحر الكفار، لأبي البراء النجدي، من المصادر الرئيسة لمنظري الجماعات الإرهابية التي تؤصل لذبح الأعداء بالسكاكين، وتعليق رؤوسهم على الجدران.

وكان الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي يكنى بـالذباح، وهو زعيم تنظيم التوحيد والجهاد، أول من بدأ بعملية ذبح الرهائن.

ونشر أنصاره تسجيلا مصورا عام 2004، لقطع رقبة رهينة أمريكي يدعى يوجين أرمسترونغ بالسكين.

وقتل الزرقاوي لاحقا بغارة جويّة نفذتها الولايات المتحدة في حزيران/يونيو 2006.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب
"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب

يحتفل العالم في 30 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للترجمة، الذي يراد به، بحسب تعريف الأمم المتحدة، "إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين". في هذه المناسبة التي تحتفي بالمترجمين الذين يمدّون جسوراً بين اللغات والثقافات، حاور "ارفع صوتك" الكاتبة والمترجمة اللبنانية فيفي أبو ديب التي تفخر بترجمتها لرواية "الرغيف" الشهيرة للأديب اللبناني توفيق يوسف عواد من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.

ما الذي تعنيه الترجمة بالنسبة للمترجمين العرب؟

يزخر التاريخ العربي بالترجمات التي تركت أثرا مهماً وعابرا للغات سواء من العربية وإليها، أو إلى لغات أخرى لإتاحة المحتوى لأكبر شريحة ممكنة من الناس، وهكذا على سبيل المثال ترجم أرسطو في الأزمنة البعيدة، وعرفت الترجمة عصراً ذهبيا في العصر العباسي. ومن منا لا يعرف الجاحظ الذي ذهب إلى ما هو أبعد من الكلمة ليركز على ضرورة النظر في السياق الذي أتى منه النص الأصلي للوصول إلى انسيابية كاملة في النص.

بناء على تاريخ عريق، تجد الترجمة جذورها في السعي لاستقاء المعرفة من مصادر متنوعة والتعرف أكثر إلى الآخر، فاللغة هي مرآة أيضا للتقاليد والتطلعات. وبالنسبة لنا كمترجمات ومترجمين عرب، الترجمة أبعد من أن تختصر بوظيفة، وإنما هي رسالة، لنحمل الإنتاج من العربية أيضا إلى العالم، وهذا ما شعرت به وأنا أحمل رسالة بوزن "الرغيف" (2015) و"طواحين بيروت" (2012) وبإمضاء عواد العريق من جملة كتب ومنشورات أخرى بصيغ مختلفة.

كيف تتم عملية الترجمة وأين هو المترجم في العمل؟

يبدأ الأمر بالتعرف إلى المادة وهذا لا يعني حكماً أن المترجم يختار مواده. أحيانا، يختارها عملاؤنا وبغض النظر عن الرابط الذي ينشأ بين المترجم أو المادة، تبقى القاعدة نقل الرسالة بدقة وبالأسلوب الذي يتواءم معها. العملية تتم على مراحل عدة أهمها اكتشاف النص وقراءته بتمحّص مراراً وتكراراً والبحث بعمق عن السياق الزمني والمكاني الذي نشأ فيه، والتأكد من الأسماء والمفردات التقنية. هذا يعني الغوص في بحث حول الموضوع المتناول، قبل البدء بالعمل مع كل كلمة وسطر ومقطع وصفحة ثم قراءة ثانية وثالثة للتأكد من الإنسيابية في النص ومن الإتساق على مستوى الأفكار.. وقراءة أخيرة للتأكد من أن كل شيء يبدو جيداً.. أحيانا، نتوقف عند تفصيل صغير لأنه يغير شيئا ما بالنبرة.

خلال عملية الترجمة، يتوخى المترجم الإختفاء تماماً خلف هوية الكاتب، لكن ذلك ليس سهلاً على الدوام. ومع ذلك تبقى الأولوية للوفاء للكاتب ولرسالته بغض النظر عن نوع المادة. لا شك بأن المترجم له بصمته وهذا ما يتّضح جلياص من خلال الأعمال المترجمة على يد أكثر من شخص. لا تتشابه أي ترجمة مع الثانية لأن لكل إنسان بالمطلق بصمته وثقافته ومعرفته بالمواد وهي تختلف بدرجات.

ما الأثر الذي تركته ترجمة "الرغيف" للقارىء الأجنبي في نفسك؟

تسلط رواية "الرغيف" الضوء على فترة وضعت لفترة طويلة في الظل من عمر لبنان وهي فترة المجاعة(1915-1918)، بكل البشاعة والفضائح التي تحملها. بلغة سلسة أصفها "بالسهل الممتنع". يعرف قلة من الناس أن عواد كان على بعد ملايين الكيلومترات من البلاد وكان سفيراً في اليابان حين كتب الرواية وهذا يعني أنه استطاع رؤية الصورة بشكل أكثر شمولا وبأن الحنين للوطن لا بد وأنه كان يعتريه. أما عن الأثر في نفسي، فقد كان كبيراً للغاية. أذكر أني عشت فترة آمنت فيها بأن عواد يسكن جسدي وبات أسلوبي شبيهاً بأسلوبه للغاية. حين نترجم وعلى الرغم من كل محاولتنا "تحصين" أنفسنا بعض الشيء من المضمون، قد نصبح أحيانا مهووسين بكتاب أو بكاتب أو بحبكة.

حين ترجمت "الرغيف"، كنت على يقين بأنني أدين لبلدي أيضاً بنقل الحقيقة بلغة متاحة للقارئ الأجنبي. هذا جزء من المسؤولية الإجتماعية خصوصا وأن غض النظر عن الكتابات الإنسانية يعني التعتيم عليها وبالتالي المساهمة بشكل غير مباشر بإطالة الظلم. الترجمة تعني أيضا رفع الصوت ودعوة جمهور أكبر للإنضمام إلى القضية وهذا ما ينطبق على بعض الكتب ذات الأبعاد الفلسفية والإجتماعية.  

هل تنتهي مهمة المترجم مع تسليم العمل وهل يهدد الذكاء الإصطناعي وجوده؟

على العكس تماماً، في عالم الترجمة لا نتوقف عن اكتساب النضج ولذلك قد يعود البعض لترجماتهم فيغيرون فيها الكثير. تتأثر الترجمة بعوامل ذاتية وخارجية متنوعة أهمها الخبرة المكتسبة والتي نتعلم معها أن نصحح لأنفسنا. هذا لا يعني بأن الترجمة تكون خاطئة لكنه يمنح المساحة لبدائل أجمل. أما بالنسبة للذكاء الإصطناعي، فلا شك بأنه يساعد في تسريع وتيرة الأمور لكني لا أعتقد أنه قادر حتى الساعة على استبدال المترجم بكل ذكائه وإحساسه البشري وتقديره لما خفي بين السطور. لذلك، من الضروري للغاية أن يطور المترجم نفسه ويتقن استثمار أدوات الذكاء الإصطناعي الجديدة لتسهيل مهمته وإثرائها، عوضاً عن أن يفوته ركب التكنولوجيا. لغة التكنولوجيا هي لغة العصر ولا بد من أن تدخل في قائمة اللغات التي يتقنها المترجم الحريص على إدامة وجوده.

هل يحدث أن تتفوق الترجمة على النص الأصلي؟

لم لا؟ طالما أن ذلك يصبّ في مصلحة الكاتب ويروج لأفكاره في قالب أجمل. أحيانا قد يقع المترجم في عشق المادة فيزيد من نفسه ومن سعيه لإبرازها بكل تفاصيلها بأفضل طريقة. وأحياناً أيضا قد ننسى أن من يبحث عن الترجمة قد لا يفقه لغة المصدر، وبالتالي يحمل المترجمون ما يراد قوله إلى جمهور يتوق لقراءته وههنا ندين بالشكر للكتاب وللمترجمين وللقراء!