لا يزال بشير عبد الرحمن، وهو شاب يمني فقد والديه وشقيقته بهجوم إرهابي مروع بصنعاء قبل نحو ست سنوات، غير قادر حتى اليوم على تجاوز آثار الصدمة العنيفة التي خلفتها في نفسه مشاهد دماء وأشلاء الضحايا المتناثرة في المكان.
بدأ الهجوم الذي تبناه تنظيم القاعدة، بتفجير انتحاري في باحة مستشفى عسكري، أعقبه اقتحام مسلحين بملابس عسكرية، ظهروا لاحقاً في مقاطع فيديو صادمة، وهم يطلقون النار والقنابل، عشوائياً على المتواجدين في المشفى النموذجي.
أكثر من 200 قتيل وجريح، غالبيتهم من المرضى والأطباء، قضوا في هذه المجزرة الإرهابية الشنيعة.
يقول بشير عبد الرحمن، “كانت عشرات الجثث ممزقة، لم يكن باستطاعة أي أحد التعرف على قريبه في البداية”.
ويضيف الشاب اليمني في حديثه لـ(ارفع صوتك)، “سمعت من أحد الناجين أن الإرهابيين كانوا يصرخون في وجوههم، قائلين: سنجعل من قتلكم عبرة وعظة للآخرين”.
قصص مروعة
تعمدت التنظيمات الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة، في حالات كثيرة نشر مقاطع فيديو تسجيلية لممارسات قتل وإعدام بشعة، شملت عمليات إحراق وذبح وتفجير جماعي لأسرى ومختطفين ورهائن في ليبيا وسورية والعراق واليمن وتونس.
في أغسطس 2014، نشرت جماعة أنصار الشريعة، الذراع المحلي لتنظيم القاعدة في اليمن، تسجيلا مصورا لعملية ذبح 14 جنديا بعد اختطافهم من حافلة نقل جماعي في حضرموت جنوبي غرب البلاد.
بعد أقل من شهر، عرض تنظيم “داعش” في شريط مصور عملية ذبح جماعية شملت 15 شخصاً على الأقل قال إنهم “عسكريون سوريون علويون”.
وظهر في الفيديو عناصر من التنظيم يجرون أشخاصا يرتدون ملابس كُحلية اللون مطأطئي الرؤوس، قبل أن يستلوا سكاكين من علبة خشبية موضوعة جانبا ويباشروا عملية الذبح، في حين تظهر في الشريط عبارة “ضباط وطيارو النظام النصيري في قبضة جنود الخلافة”.
ولاتزال حاضرة في الأذهان حتى اليوم عملية ذبح الأقباط المصريين المختطفين في ليبيا على أيدي عناصر تنظيم “داعش” مطلع عام 2015، حيث بث التنظيم الإرهابي فيديو مصور لعملية الذبح، في حين أظهرت إحدى اللقطات تلون مياه البحر بلون الدم، في استعراض من التنظيم الدموي.
ومن طرق الإعدام البشعة التي نفذ غالبيتها تنظيم داعش، الحرق حيا، كما هو الحال مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة في 2015، فضلا عن ربط أعناق بعض المحتجزين بفتيل متفجر، ثم تفجيره عن بعد.
في العراق، قام التنظيم الإرهابي بتكبيل جنود من البشمركة الأكراد في صناديق حديدية وتركها تغرق في مياه نهر دجلة.
“الإثخان” في الأرض
تندرج هذه الجرائم ضمن ما تطلق عليه التنظيمات الإرهابية “الإثخان في الأرض”، وهو المبالغة في القتل والتنكيل، للتعبير عن التمكن والقوة وعظمة السلطان، بكل ما يمكن أن يرهب الأعداء.
ويستند الإرهابيون في ذلك إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآراء فقهيه، يعتبرونها تحض على الغلظة والشدة في التعامل مع “الكفار” وإرهاب الأعداء.
ومن تلك الآيات: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم).
ولا يجد هؤلاء أي مشكلة بنعتهم في الإعلام الدولي بالإرهابيين، حيث يقول أبو مصعب السوري، وهو أحد أبرز منظري الجماعات الجهادية، إن “إرهاب الأعداء فريضة دينية”.
ويضيف “لذلك لا نجد في كلمة إرهابي أي مدلول سيئ”.
ومن الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد التي تستشهد بها الجماعات الجهادية في ممارسة عمليات القتل الشنيعة، لإرهاب الأعداء قوله “يا معشر قريش! والله لقد جئتكم بالذبح".
دليل داعش
يعتبر كتاب “مسائل من فقه الجهاد”، أو “فقه الدماء” كما أصطلح عليه إعلاميا، لأبي عبد الله المهاجر، وهو مصري الجنسية، الدليل الفقهي لمقاتلي “داعش”، وأحد أهم مراجع التنظيم في تسويغ “الغلظة والشدة” مع من يصفونهم بالأعداء.
وأجاز أبو المهاجر الذي تلقى تعليمه في باكستان، وقتل عام 2011، رمي “الكفار، وقتلهم وقتالهم بكل وسيلة تحقق المقصود، بما فيها التحريق والتغريق والاغتيال والاختطاف، وحتى التنكيل بالجثث”.
ويرى أن القتل بقطع الرأس وما فيه “من الغلظة والشدة: أمر مقصود بل محبوب لله ورسوله”، على حد تعبيره.
ويؤكد المهاجر وجوب تقديم "الإثخان في أعداء الله" على أسرهم. يقول “لا أسر وإنما هو القتل والتقتيل والفتك والإنهاك”.
شدة وغلظة
أما أبو بكر ناجي، وهو شخصية متطرفة غامضة لا يعرف ما إذا كان هذا اسمه الحقيقي أم مستعار، فيرى أن الجهاد “شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان”.
في كتابه “إدارة التوحش” يقول ناجي “إن إراقة دماء أهل الصليب وأعوانهم من المرتدين وجندهم من أوجب الواجبات”.
وحسب وزارة الداخلية السعودية، فإن كتاب “إدارة التوحش”، هو أحد الأنظمة الفكرية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
أبو البراء النجدي، وهو مفت في داعش، يقول إن “نحر الكافر المحارب يرعب العدو أيما إرعاب، وقد يسبب في انسحابه وهزيمته”.
ويعد كتاب “إسعاد الأخيار في إحياء سنة نحر الكفار”، لأبي البراء النجدي، من المصادر الرئيسة لمنظري الجماعات الإرهابية التي تؤصل لذبح الأعداء بالسكاكين، وتعليق رؤوسهم على الجدران.
وكان الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي يكنى بـ“الذباح”، وهو زعيم تنظيم التوحيد والجهاد، أول من بدأ بعملية ذبح الرهائن.
ونشر أنصاره تسجيلا مصورا عام 2004، لقطع رقبة رهينة أمريكي يدعى يوجين أرمسترونغ بالسكين.
وقتل الزرقاوي لاحقا بغارة جويّة نفذتها الولايات المتحدة في حزيران/يونيو 2006.