رجال دين مسلمون ومسيحيون (اقباط) في مصر بمناسبة سابقة / وكالة الصحافة الفرنسية
رجال دين مسلمون ومسيحيون (اقباط) في مصر بمناسبة سابقة / وكالة الصحافة الفرنسية

صنعاء- غمدان الدقيمي:

لا يتورع فقهاء مسلمين كثر متدثرون بعباءة "الولاء والبراء" عن كيل اللعنات والدعاء بالهلاك على المخالفين لهم في العقيدة، حتى وإن كانوا يتشاركون معهم في الديانة والوطن الواحد.

و"الولاء والبراء" مصطلح فقهي، استخدم مبكراً في كتب التراث الإسلامي للتعبير عن “حب الله ورسوله والمؤمنين ونصرتهم، وبغض من خالفهم من الكافرين والمشركين ومعاداتهم”، حسب تعريفات كثيرة.

ويذهب عدد غير قليل من علماء المسلمين السنة والشيعة الذين أصّلوا لمفهوم "الولاء والبراء" إلى اعتباره "ركناً" من أركان العقيدة الإسلامية، و "شرطاً" من شروط الإيمان.

يؤكد عبد العزيز بن باز، وهو من أبرز علماء السلفية الوهابية على "وجوب بغض الكفار من اليهود والنصارى وسائر المشركين ومعاداتهم حتى يؤمنوا بالله وحده"، على حد قوله مستشهداً على ذلك بالعديد من آيات القرآن الكريم.

 

تشعل الفتن

لكن مفكرين وباحثين معاصرين، ينتقدون هذا التأصيل الفقهي لمفهوم "الولاء والبراء"، الذي يؤكد نزعة الكراهية وعدم التعايش والقبول بالآخر والعنف والإرهاب.

ويخلص المفكر الإسلامي جمال البنا، في كتابه "نعم للولاء، لا للبراء"، إلى أن "البراء" بدعة ليست في العقيدة ولكنها مقحمة عليها لأسباب فقهية تاريخية سياسية.

ويعتقد جمال، وهو شقيق مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، أن مبرر الولاء والبراء انتهى بانتهاء الحرب على الإسلام بعد حروب خليفة المسلمين الأول أبي بكر على من خالفوا الدولة.

ويؤكد "لا للبراء، لأن الإسلام ليس محكمة تفتيش للاعتقال والتكفير بل رسالة هداية ورحمة، كما أن مفهوم البراء ينافي الموضوعية وعصر الحريات والانفتاح على العالم ويتجاهل التطور وتغير الزمن".

ويتفق معه في ذلك الدكتور مجدي عاشور، وهو عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر، حين يؤكد على إن "الفقه الحضاري يعيش وقته، ويأمر بالمعاملة بالحسنى، وبالتالي فالفقه لا يعرف الولاء والبراء".

من جانبه يرى الدكتور سعد الدين الهلالي، وهو أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن التفسير الموضوعي والصحيح لمفهوم "الولاء والبراء"، هو "موالاة الحق حتى لو كان غير مسلم، والبراء من الباطل حتى لو كان مسلما".

ويوضح الهلالي لموقع (ارفع صوتك)، أن الجماعات الإسلامية التي تعد نفسها الفرقة الناجية، أساءت للإسلام والمسلمين بتفسيرها الشخصاني الطائفي والمنحاز لـ "الولاء والبراء".

"محرمة شرعا"

واتخذت الجماعات السلفية الجهادية في العصر الحديث، من هذا المصطلح قاعدة أساسية لتبرير عملياتها العدائية والإرهابية التي لم تتوقف عند استهداف غير المسلمين، بل طالت اتباع المذاهب الإسلامية المخالفة لها.

ومن بين أخطر مظاهر "الموالاة المحرمة شرعا" وفقا لمنظري الجماعات المتطرفة التشبه بـ "الكافرين" في الملبس والسلوك والعادات والأسماء، والاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم وتهنئتهم بها، والاحتكام إلى قوانينهم وشرائعهم، والسكن في ديارهم ومساكنهم من غير ضرورة.

في كتابه "الولاء والبراء، عقيدة منقولة وواقع مفقود"، يرى زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، أن معاداة الكافرين هي ركن من أركان الإيمان بالله.

 

ماذا يقول الشيعة؟

ولا تختلف عقيدة "الولاء والبراء" عند الشيعة كثيرا عما هو عليه الحال عند السنة، مع استثناء انهم يشملون بالولاء الإمام علي بن أبي طالب وأئمة آل البيت المعصومين في المذهب الاثني عشرية.

في اليمن يردد الحوثيون يوميا هتافات "الموت لأمريكا وإسرائيل" و "اللعنة على اليهود والنصارى"، كشعار آيدلوجي سياسي وديني.

وتطلق الجماعة المسلحة المتحالفة مع إيران على شعارها الذي اقتبسته من نداء الإمام الخميني المعادي لأمريكا، "هتاف البراءة".

في خطاب متلفز منتصف تموز/يوليو الماضي، اعتبر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أن "الموالي للأمريكيين ولو ظهر حاملاً للراية الإسلامية هو خارج عن مبادئ الإسلام وبعيد عن الإسلام العظيم".

الحوثي كان يشير في ذلك إلى السعودية والإمارات وخصومه السياسيين والعسكريين المحليين الذين وصفهم بالدواعش والتكفيريين.

 

مناهج مفخخة

في بلدان عربية كاليمن، يتم تضمين مفاهيم الولاء والبراء في مناهج التعليم التي تطفح بعبارات الكراهية ضد المخالفين في الدين، خاصة اليهود والمسيحيين، منذ المراحل الدراسية الأولى.

"الكافرون هم شرار الناس"، عبارة وردت في كتاب التربية الإسلامية للصف الثاني الأساسي في اليمن.

وتضمن مقرر التربية الإسلامية للصف الخامس الأساسي، موضوعا بعنوان "الموالاة والمعاداة"، جاء فيه إن "موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله من أهم مبادئ الدين الإسلامي، ولا يقبل أعمال المسلم إلا إذا اظهرها".

ونص كتاب الإيمان للصف الثاني الثانوي، في موضوع "الولاء والبراء"، على انه "يجب على المسلم أن يتبرا من كل محبة وولاء لأعداء الله ورسوله والمؤمنين، وإن كانوا أقرب الأقربين له".

واستشهد مؤلفو الكتاب بقتل المسلمين لأقاربهم من غير المسلمين في معركة بدر (2 هجرية)، حيث "تجلى الولاء والبراء في أنصع صورة".

وقبل سنوات أثارت توجهات حكومية سعودية لإجراء إصلاحات على نظامها التعليمي، تشمل دروس "الولاء والبراء"، انتقادات وغضب المتشددين الإسلاميين، وصولا الى إصدار فتاوى بتحريم تعديل أو حذف أو تغيير مناهج العلوم الشرعية، من قبل رجال دين بارزين كالدكتور صالح الفوزان، وهو عضو بارز في هيئة كبار العلماء في السعودية.

 

قتل المواطن شرعا؟

وحسب مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، فان "الولاء والبراء" أحد ستة مفاهيم رئيسة تسوغ لشرعنة الأعمال الإرهابية التي تشنها الجماعات التكفيرية.

وفي دراسة اصدرتها العام الماضي، دار الإفتاء المصرية، رصدت 5500 فتوى للمتطرفين على مواقع الانترنت، كان 90 في المئة منها تقضي بتحريم وكراهية التعامل مع المسيحيين والارتباط معهم بأي نوع من أنواع العلاقات الاجتماعية، "ومن يخالف ذلك خارج عن الملة".

وتشير التقديرات إلى أن المسيحيين في مصر يشكلون نحو 10 في المئة من عدد السكان (نحو 9 ملايين مواطن).

وفي مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سقط أكثر من 20 شخصا بين قتيل وجريح بهجوم على حافلة تقل مسيحيين كانوا عائدين من زيارة إلى دير الأنباء صموئيل في محافظة المنيا.

ومنذ العام 2011 قتل نحو 146 شخصا من الأقباط (مسيحيين) في مصر، بهجمات إرهابية تبنى معظمها تنظيم “داعش”.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب
"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب

يحتفل العالم في 30 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للترجمة، الذي يراد به، بحسب تعريف الأمم المتحدة، "إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين". في هذه المناسبة التي تحتفي بالمترجمين الذين يمدّون جسوراً بين اللغات والثقافات، حاور "ارفع صوتك" الكاتبة والمترجمة اللبنانية فيفي أبو ديب التي تفخر بترجمتها لرواية "الرغيف" الشهيرة للأديب اللبناني توفيق يوسف عواد من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.

ما الذي تعنيه الترجمة بالنسبة للمترجمين العرب؟

يزخر التاريخ العربي بالترجمات التي تركت أثرا مهماً وعابرا للغات سواء من العربية وإليها، أو إلى لغات أخرى لإتاحة المحتوى لأكبر شريحة ممكنة من الناس، وهكذا على سبيل المثال ترجم أرسطو في الأزمنة البعيدة، وعرفت الترجمة عصراً ذهبيا في العصر العباسي. ومن منا لا يعرف الجاحظ الذي ذهب إلى ما هو أبعد من الكلمة ليركز على ضرورة النظر في السياق الذي أتى منه النص الأصلي للوصول إلى انسيابية كاملة في النص.

بناء على تاريخ عريق، تجد الترجمة جذورها في السعي لاستقاء المعرفة من مصادر متنوعة والتعرف أكثر إلى الآخر، فاللغة هي مرآة أيضا للتقاليد والتطلعات. وبالنسبة لنا كمترجمات ومترجمين عرب، الترجمة أبعد من أن تختصر بوظيفة، وإنما هي رسالة، لنحمل الإنتاج من العربية أيضا إلى العالم، وهذا ما شعرت به وأنا أحمل رسالة بوزن "الرغيف" (2015) و"طواحين بيروت" (2012) وبإمضاء عواد العريق من جملة كتب ومنشورات أخرى بصيغ مختلفة.

كيف تتم عملية الترجمة وأين هو المترجم في العمل؟

يبدأ الأمر بالتعرف إلى المادة وهذا لا يعني حكماً أن المترجم يختار مواده. أحيانا، يختارها عملاؤنا وبغض النظر عن الرابط الذي ينشأ بين المترجم أو المادة، تبقى القاعدة نقل الرسالة بدقة وبالأسلوب الذي يتواءم معها. العملية تتم على مراحل عدة أهمها اكتشاف النص وقراءته بتمحّص مراراً وتكراراً والبحث بعمق عن السياق الزمني والمكاني الذي نشأ فيه، والتأكد من الأسماء والمفردات التقنية. هذا يعني الغوص في بحث حول الموضوع المتناول، قبل البدء بالعمل مع كل كلمة وسطر ومقطع وصفحة ثم قراءة ثانية وثالثة للتأكد من الإنسيابية في النص ومن الإتساق على مستوى الأفكار.. وقراءة أخيرة للتأكد من أن كل شيء يبدو جيداً.. أحيانا، نتوقف عند تفصيل صغير لأنه يغير شيئا ما بالنبرة.

خلال عملية الترجمة، يتوخى المترجم الإختفاء تماماً خلف هوية الكاتب، لكن ذلك ليس سهلاً على الدوام. ومع ذلك تبقى الأولوية للوفاء للكاتب ولرسالته بغض النظر عن نوع المادة. لا شك بأن المترجم له بصمته وهذا ما يتّضح جلياص من خلال الأعمال المترجمة على يد أكثر من شخص. لا تتشابه أي ترجمة مع الثانية لأن لكل إنسان بالمطلق بصمته وثقافته ومعرفته بالمواد وهي تختلف بدرجات.

ما الأثر الذي تركته ترجمة "الرغيف" للقارىء الأجنبي في نفسك؟

تسلط رواية "الرغيف" الضوء على فترة وضعت لفترة طويلة في الظل من عمر لبنان وهي فترة المجاعة(1915-1918)، بكل البشاعة والفضائح التي تحملها. بلغة سلسة أصفها "بالسهل الممتنع". يعرف قلة من الناس أن عواد كان على بعد ملايين الكيلومترات من البلاد وكان سفيراً في اليابان حين كتب الرواية وهذا يعني أنه استطاع رؤية الصورة بشكل أكثر شمولا وبأن الحنين للوطن لا بد وأنه كان يعتريه. أما عن الأثر في نفسي، فقد كان كبيراً للغاية. أذكر أني عشت فترة آمنت فيها بأن عواد يسكن جسدي وبات أسلوبي شبيهاً بأسلوبه للغاية. حين نترجم وعلى الرغم من كل محاولتنا "تحصين" أنفسنا بعض الشيء من المضمون، قد نصبح أحيانا مهووسين بكتاب أو بكاتب أو بحبكة.

حين ترجمت "الرغيف"، كنت على يقين بأنني أدين لبلدي أيضاً بنقل الحقيقة بلغة متاحة للقارئ الأجنبي. هذا جزء من المسؤولية الإجتماعية خصوصا وأن غض النظر عن الكتابات الإنسانية يعني التعتيم عليها وبالتالي المساهمة بشكل غير مباشر بإطالة الظلم. الترجمة تعني أيضا رفع الصوت ودعوة جمهور أكبر للإنضمام إلى القضية وهذا ما ينطبق على بعض الكتب ذات الأبعاد الفلسفية والإجتماعية.  

هل تنتهي مهمة المترجم مع تسليم العمل وهل يهدد الذكاء الإصطناعي وجوده؟

على العكس تماماً، في عالم الترجمة لا نتوقف عن اكتساب النضج ولذلك قد يعود البعض لترجماتهم فيغيرون فيها الكثير. تتأثر الترجمة بعوامل ذاتية وخارجية متنوعة أهمها الخبرة المكتسبة والتي نتعلم معها أن نصحح لأنفسنا. هذا لا يعني بأن الترجمة تكون خاطئة لكنه يمنح المساحة لبدائل أجمل. أما بالنسبة للذكاء الإصطناعي، فلا شك بأنه يساعد في تسريع وتيرة الأمور لكني لا أعتقد أنه قادر حتى الساعة على استبدال المترجم بكل ذكائه وإحساسه البشري وتقديره لما خفي بين السطور. لذلك، من الضروري للغاية أن يطور المترجم نفسه ويتقن استثمار أدوات الذكاء الإصطناعي الجديدة لتسهيل مهمته وإثرائها، عوضاً عن أن يفوته ركب التكنولوجيا. لغة التكنولوجيا هي لغة العصر ولا بد من أن تدخل في قائمة اللغات التي يتقنها المترجم الحريص على إدامة وجوده.

هل يحدث أن تتفوق الترجمة على النص الأصلي؟

لم لا؟ طالما أن ذلك يصبّ في مصلحة الكاتب ويروج لأفكاره في قالب أجمل. أحيانا قد يقع المترجم في عشق المادة فيزيد من نفسه ومن سعيه لإبرازها بكل تفاصيلها بأفضل طريقة. وأحياناً أيضا قد ننسى أن من يبحث عن الترجمة قد لا يفقه لغة المصدر، وبالتالي يحمل المترجمون ما يراد قوله إلى جمهور يتوق لقراءته وههنا ندين بالشكر للكتاب وللمترجمين وللقراء!