أحد مقرات الحسبة التابعة لتنظيم داعش
أحد مقرات الحسبة التابعة لتنظيم داعش

يتذكر عادل محمد، وهو شاب عراقي من الموصل، بمرارة أصناف التعذيب التي طالته إبان سيطرة مقاتلي تنظيم داعش على المدينة العريقة بسبب بيعه للسجائر.

“حبسوني أربعة أيام تعرضت خلالها لضرب قاس، وجلدت 40 جلدة. لم يطلقوا سراحي إلا بعد أن دفعت غرامة 75 ألف دينار (تقريبا 60 دولارا)”، يقول عادل لموقع (ارفع صوتك).

نبه مقاتلو التنظيم المتطرف الشاب العراقي إلى أن بيع السجائر "حرام".

يدخل ما جرى لعادل في إطار ما يسمى "الحسبة". وعادة ما تكون أول خطوة تقوم بها التنظيمات الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها هي إطلاق اليد الطولى لجهاز الحسبة أو الشرطة الإسلامية لرصد ومعاقبة المخالفين لـ“أحكام الشريعة الإسلامية”.

و"الحسبة" مصطلح فقهي مرادف لفكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتشير مصادر تاريخية إلى أن بداية ظهور هذه المؤسسة تعود إلى عهد الخلفاء الراشدين، وتحديدا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي قام بتعيين محتسبين لمراقبة الأسواق وحماية الناس من الغش.

وتحاول الجماعات الإسلامية استعادة هذا الدور، ولو على حساب سلطة الدولة.​​​

فجوة هائلة

يعد الفقيه أبو الحسن الماوردي (توفي سنة 450ه/1058م) أول من كتب عن الحسبة، وفق المفكر القرآني المعروف أحمد صبحي منصور في كتابه “الحسبة.. دراسة أصولية تاريخية”.

ويذكر منصور أنه “في عهد الدولة العباسية اخترعت وظيفة المحتسب. وكان من حقه منع الناس ومحاسبتهم من مواقف الشبهات كالسير مع امرأة أجنبية عنه”.

ويشير إلى أن الهدف من ذلك “كان التخلص من أعداء الدولة السياسيين وقتلهم بتهمة الزندقة والردة”.

واجمالا، يؤكد منصور: “هناك فجوة هائلة بين تشريع القرآن وتشريعات الفقهاء في موضوع الحسبة وحرية الفكر والعقيدة، خصوصا فقهاء العصور المتأخرة”.

ويوضح “بينما يؤكد تشريع القرآن على حرية المعتقد ولا إكراه في الدين، يحكم الفقهاء بقتل المرتد، ومحاكمة المختلفين بالرأي من المسلمين والحكم عليهم بالزندقة والنفاق قبل المحاكمة”.​​​

الحسبة جهاد!

في كتابه “الجهاد والاجتهاد”، يقول أبو قتادة الفلسطيني، وهو أحد أشهر منظري التيار الجهادي، إن “طبيعة عمل الحسبة يقوم على واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من التغيير باليد".

ويرى أبو قتادة الفلسطيني أن أي جماعة إسلامية تقوم بذلك “هي مجاهدة في سبيل الله".

والعام الماضي، بث تنظيم داعش في “ولاية سيناء” فيديو بعنوان “نور الشريعة” قال فيه أبو المقداد المصري، وهو أحد رجال الحسبة بالتنظيم، إن “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل عظيم، ومن أجله قام الجهاد”.

وقال المصري متفاخرا: “من المنكرات التي قام رجال الحسبة بالدولة الإسلامية في ولاية سيناء بمحاربتها منكر التدخين والمخدرات، وكذلك منكر حلق اللحية وإسبال الثياب وتبرج النساء، واقتناء أجهزة التلفاز والاستقبال الفضائي”.

وفي الفيديو، الذي تبلغ مدته 25 دقيقة، تحدث أبو المقداد المصري عن “منكرات” أخرى قال إن رجال الحسبة قاموا بمحاربتها. من بينها “تجصيص القبور وإبرازها، والتصوف والسحر والكهانة”.

وأظهر التسجيل المصور مقاطع مختلفة لرجال الحسبة وهم يجلدون أشخاصا، ويحطمون ويحرقون أجهزة تلفاز ويسوون قبورا بالأرض، فضلا عن عمليات تفخيخ وتفجير لأضرحة ومزارات صوفية ومدرعات تابعة للجيش المصري.

وظهرت في الفيديو مشاهد لعمليات إعدام بالسيف وإطلاق نار على مدنيين وجنود مكبلين، بتهمة الردة.​

​​

بدون أساس شرعي

يشدد رضوان المحيا، وهو نائب رئيس المجلس الشافعي الإسلامي (سني) وعضو رابطة علماء اليمن، أن “الحسبة بالمفهوم الذي تمارسه الجماعات المتطرفة لا يوجد له أساس شرعي في الإسلام”.

ويقول في حديثه لموقع (ارفع صوتك) “ما تقوم به هذه الجماعات من قتل واستعباد تحت مسمى الحسبة أمر خطير جدا، لأنهم جعلوا من أنفسهم أوصياء على دين الله وقضاة جلادين”.

ويشدد المحيا: “مصطلح الحسبة كما تروجه هذه الجماعات يقود إلى مزيد من التفرقة واللا تعايش”.

وحسب رجل الدين اليمني، فإن “الحسبة بمفهومها الأصلي في الشريعة الإسلامية تعني أن يشهد الإنسان من غير أن يستشهد أو أن يقوم بإبلاغ السلطات عن منكرات تحدث لا يوجد لها شاهد إلا هو”.

حسبة بالقوة

تعتبر التيارات الجهادية أن غياب مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل على فساد المجتمعات الإسلامية وعدم تطبيق الشريعة.

يقول القيادي في تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب خالد باطرفي، “نحن وجميع المسلمين معنيون بالاحتساب على كل ما يخالف الشريعة الإسلامية”.

وباطرفي هو أحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة باليمن. ومؤخرا، رصدت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى تحديد مكانه.

وخلال سيطرة جماعة أنصار الشريعة الذراع المحلي لتنظيم القاعدة على مناطق واسعة في محافظة أبين جنوبي اليمن، بين عامي 2010 و2012، فرض مقاتلو التنظيم الإرهابي على السكان الالتزام بتعاليمهم بالقوة.

“كان رجال الحسبة يتجولون في الأسواق ويقومون بضرب وحبس كل من يتخلف عن الصلاة بالمسجد”، يقول علي عبد الباقي، وهو أحد سكان أبين في اتصال هاتفي لموقع (ارفع صوتك).

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.