يقبع محمد ولد أمخيطير (35 عاما)، وهو مدوّن موريتاني، في السجن منذ أكثر من خمس سنوات على خلفية ادانته بـ "الزندقة"، و "الإساءة للرسول محمد"، في أعقاب نشره انتقادات لممارسات التهميش والعبودية والتمييز الاجتماعي.
وكانت محكمة موريتانية قضت على ولد أمخيطير، الذي اعتقل بداية عام 2014، بالإعدام، بعد يوم واحد فقط من مثوله أمام القضاء في كانون الأول/ديسمبر 2015، لكن تم لاحقا (في تشرين الثاني/نوفمبر 2017) تخفيف عقوبته إلى السجن لمدة عامين.
مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، طالبت أكثر من 30 منظمة حقوقية موريتانية ودولية السلطات في موريتانيا بالإفراج فوراً عن ولد أمخيطير الذي ما يزال محتجزاً في مكان غير معلن رغم تجاوزه لفترة محكوميته القضائية.
وينص القانون الجنائي الموريتاني على عقوبة الإعدام الإلزامية دون "استتابة" بحق أي شخص يدان بـ"خطاب الزندقة".
والزندقة مصطلح يطلقه الفقهاء على "من يظهر الإسلام ويبطن الكفر" حسب موقع "إسلام ويب"، وهو أحد مواقع الفتاوى العربية الشهيرة على شبكة الإنترنت.
في العصر العباسي
يعتقد أن تهمة الزندقة استخدمت تاريخياً لأول مرة من قبل المسلمين في العصر العباسي، لوصف أتباع الديانات المانوية والوثنية، قبل أن تتسع لتصفية المسلمين من سياسيين وشعراء وأدباء وفلاسفة.
واستعمل البعض تسمية "زنديق" لكل من خالف مذهب "أهل السنة والجماعة".
ويذهب مؤرخون إلى القول أن الخليفة العباسي محمد المهدي هو أول من أمر بإنشاء ديوان باسم "ديوان الزنادقة"، ليتولى القائمون على أمره تتبّع المتهمين بالزندقة.
"لم يكن كل هؤلاء الذين يتهمون بالزنادقة زنادقة حقا؛ وإنما كان منهم من يتهم بالزندقة لأسباب سياسية"، يقول الفيلسوف المصري المعروف عبد الرحمن بدوي، في كتابه "من تاريخ الإلحاد في الإسلام".
ويشرح بدوي "اتخذ الخلفاء (العباسيون) من هذا الاتهام وسيلة للقضاء على خصومهم من (باقي) الهاشميين".
إضافة إلى ذلك، كان هناك وزراء يتخذون الاتهام بالزندقة سبيلاً للكيد والوقيعة بنظرائهم داخل مربع السلطة أو خصومهم.
قديما وحديثا
ما يزال هذا المصطلح يستخدم كثيرا في الخطاب السياسي والديني كوسيلة لإرهاب وإخراس الرأي الآخر.
"الخونة ركبوا موجة الزنادقة... الخونة والزنادقة لن يكملوا معا لأن الزنادقة سيذبحوهم"، هكذا وصف الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الثوار الليبيين في آذار/ مارس 2011.
وقال القذافي في خطاب بثه التلفزيون الرسمي حينها إن أعمال العنف التي تشهدها ليبيا يقف خلفها تنظيم القاعدة، وإنها "مؤامرة" غربية للاستيلاء على نفط بلاده.
ولم تتردد جماعات إسلامية ورجال دين متشددون في التهديد بالقتل وإهدار دم خصومهم بتهمة "الزندقة".
في منتصف عام 2009، أرسلت مجموعة تسمّي نفسها "ديوان لجنة تقصّي زنادقة العصر بتونس" رسالة تهديد بعنوان "القائمة السوداء بأسماء زنادقة العصر المطلوبين".
وضمت اللائحة نحو 23 باحثا وكاتبا من التّونسيّين في مجال الإسلاميّات.
وجاء في مضمون الرسالة "اسمعوا يا زنادقة العصر كفاكم إساءة إلى الإسلام يا من ثكلتكم أمهاتكم وسوف تبكين عليكم دماً. سنطبق عليكم قول الحق وسوف يكون دمكم مسفوحاً، ونتقرب بكم إلى الله تعالى".
وقبل سنوات شن رجال دين مصريون حملة تحريض واسعة ضد الكاتب والباحث المصري سيد القمني بعد اتهامه بالزندقة والردة والكفر، على خلفية كتاباته المثيرة للجدل التي قال إنه "هاجم فيها المتاجرة باسم الإسلام".
وعلى غرار القمني، شنت حملات قوية على كثير من المثقفين والنشطاء في مصر ومختلف دول العالم العربي والإسلامي.
وقبل عامين، أصدرت محكمة سعودية حكما بالسجن بحق مواطن اتهم مواطناً آخر بـ "الزندقة"، وأنشأ وسما على "تويتر" يحث فيه على قتله.
يُقتل ولا يُستتاب
وكثيرا ما دعت جماعات متطرفة إلى "القضاء على زنادقة العصر" كما وصفهم أسامة بن بلادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق، في إحدى تسجيلاته الصوتية.
من جانبه، يقول عبد المنعم مصطفى حليمة، المكنى بأبي بصير الطرطوسي، وهو أحد أبرز منظري التيار الجهادي، في بحث قصير له بعنوان "زنادقة العصر"، إن "حكم الزنديق في دين الله أنه يُقتل كفراً وردة ولا يُستتاب".
الطرطوسي قال إن "للزنادقة هدف يتلخص في أنهم يقصدون إلى إفساد الإسلام والمسلمين، وتشويشهم بإدخال ما ليس في دين الله تعالى من المعاني والأفكار الإباحية الباطلة".
ومن أبرز زنادقة العصر وأخطرهم على الأمة، وفقا للطرطوسي، "العلمانيون ومن يعتقد بمذهبهم، طواغيت الحكم، غلاة الشيعة الروافض كالنصيرية والدروز والإسماعيلية وغيرهم، فضلا عن غلاة أهل الكلام والفلسفة، وأيضا غلاة الصوفية".
ويوضح "لا مخرج ولا منجاة للزنديق مما هو عليه إلا بشرط وهو: أن يتوب قبل القدرة عليه من قبل جند الحق".