تتزوج حوالي 12 مليون فتاة تحت سن 18 عاما في العالم سنويا، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة في آذار/مارس 2018.
وتتم نسب كبيرة من هذه الزيجات في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعارض رجال دين وأحزاب وجماعات إسلامية تعديل أو تحديد سن أدنى للزواج.
ولا يتردد هؤلاء في الهجوم على الأصوات المنادية بتجريم زواج القاصرات، واتهامها بمحاربة الدين، بدعوى أن النبي محمد نفسه تزوج عائشة وهي في التاسعة من عمرها، استنادا إلى أحاديث وروايات دينية.
وتسمح القوانين والتقاليد المتوارثة بتزويج الفتيات دون سن الـ18، كما هو الحال في البحرين، والكويت، والعراق، والصومال، والأردن، والسودان التي ينص قانونها على أن سن العاشرة هو الحد الأدنى لزواج الفتيات.
وفي سوريا، التي يقضي قانونها بأن سن 17 عاما هو الحد الأدنى لزواج الفتيات و18 سنة للفتيان، يترك القانون للقاضي الحق بالسماح بزواج الفتاة في سن 13 عاما، والفتى في سن 15 عاما، إذا رأى احتمال جسداهما للزواج.
وتداولت وسائل إعلام محلية مؤخرا مأساة الطفلة ياسمين (15 عاما) التي أخضعت لقرار تقدير القاضي بشأن قدرة جسدها على تحمل الزواج، قبل عقد قرانها على رجل خمسيني، اكتشفت لاحقا أنه يدير شبكة للتسول.
وحسب تلك المصادر، فان الرجل دفع بزوجته الصغيرة التي أنجبت طفلا للتسول مقابل استمرار إقامتها في منزله.
وتسببت الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من سبع سنوات بارتفاع معدل زواج القاصرات، من 7 إلى 30 في المئة عام 2015، حسب المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.
في لبنان، تقود ناشطات وجمعيات حقوقية نسوية منذ أشهر حملات للمطالبة بقانون مدني موحد يجعل الحد الأدنى لسن الزواج 18 عاما، بعدما تخلت الدولة عن صلاحيات إدارة الأحوال الشخصية لصالح الطوائف التي يسمح بعضها بزواج الفتيات دون سن 14 عاما.
تحايل
وحتى في البلدان التي لا تسمح قوانينها بالزواج قبل سن الثامنة عشرة، يتم التحايل على القوانين من قبل أولياء الأمور بتزوير أعمار بناتهم، أو عدم توثيق الزواج رسميا حتى بلوغ الفتاة 18 عاما.
وشهدت مصر وحدها تزويج 124 ألف قاصر خلال عام 2017، وأكثر من 117 الف حالة العام الماضي، حسب بيانات رسمية أوردها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وسجلت غالبية هذه الحالات في المناطق الريفية والفقيرة.
ووصلت نسب دعاوى إثبات الزواج في المحاكم المصرية لأمهات قاصرات في عام 2017 إلى نحو 16 ألف دعوى.
وتتجه الحكومة هناك إلى تغليظ عقوبة من يتورط بزواج القاصرات دون الثامنة عشرة من العمر، بالسجن عشرة أعوام مع غرامة مالية كبيرة.
لكن المشروع ما زال حبرا على ورق، ويلقى معارضة شديدة من قبل رجال الدين.
فتاوى مضادة
في التاسع من يناير 2019 أقر مجلس الشورى السعودي تشريعا يمنع زواج الفتيات دون سن 15 عاما.
قبل ذلك لم يكن محددا في السعودية أي سن معين للزواج. وسبق ان أفتى علماء في هذا البلد بجواز تزويج طفلة في عامها العاشر.
ففي فتوى تعود للشيخ عبد العزيز بن باز (توفي سنة 1999)، يقول رئيس هيأة كبار العلماء في السعودية: "ليس للسن الذي تتزوج فيه المرأة حد بالنسبة إلى أبيها. أبوها له أن يزوجها وإن كانت صغيرة، كما زوج الصديق عائشة وهي بنت ست سنين أو سبع سنين".
ويضيف المفتى العام السابق للمملكة أن للأب إن يزوج ابنته "بغير إذنها إذا كانت دون التسع سنين".
ولا يوجد حد أدنى لسن الزواج في اليمن أيضا، حيث لا يزال زواج القاصرات منتشرا هناك على نحو واسع.
وحسب تقارير محلية وأممية متداولة، فإن نحو 14 في المئة من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل بلوغ سن 15 عاما، وأكثر من نصف بنات اليمن (52 في المئة) يتزوجن قبل سن 18 عاما.
وفشل البرلمان اليمني مرارا في مناقشة وتمرير تشريع قانوني لتحديد سن 17 عاما حد أدنى للزواج، بسبب ضغوط كبيرة قادتها شخصيات دينية وقبلية نافذة.
وقبل سنوات، أصدر رجال دين يمنيون يتزعمهم الشيخ عبد المجيد الزنداني فتوى بتحريم تحديد سن الزواج، لأنه –حسبهم- “يعارض الكتاب والسنّة ويخالف إجماع الأمة”.
وقبل سنوات، تفجرت في اليمن قضية الطفلة نجود محمد علي التي زوجها أبوها، وعمرها لا يتجاوز ثماني سنوات، لرجل ثلاثيني.
تعرضت نجود للضرب من قبل زوجها، قبل أن تفر وتلجأ إلى المحكمة التي قضت بطلاقها.
أيهما حرام؟!
يعتقد وائل طاهر، وهو رجل دين يمني سلفي، بأن تحديد سن معين لزواج الفتيات “مخالف فقهيا لشرع الإسلام، الذي يشترط وصول كلا من الفتاة والفتى إلى حد التكليف، ووجوب الفرائض الشرعية”.
ويشدد طاهر، وهو أيضا إمام مسجد في مدينة عدن جنوبي البلاد، لموقع (ارفع صوتك)، أن "أهم علامات التكليف هي الحيض عند الأنثى، وإطاقتها للجماع، أو بلوغها 15 عاما حتى بدون ظهور العلامات السابقة".
لكن خلافا لذلك يقول خالد الجندي، وهو عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، إن زواج الفتاة أقل من 18 عاما "حرام".
ويعتقد الجندي، الذي كان يتحدث خلال برنامج تلفزيوني على فضائية دي أم سي المصرية، أن النبي محمد تزوج عائشة وكانت تقريبا بنت 17 أو 18 سنة، على عكس ما هو متداول (تسع سنوات).
ويقول الجندي “الأدلة كثيرة على ذلك، منها أنها كانت مخطوبة قبل النبي لجبير بن مطعم، وفسخت لدخول والدها الإسلام، وعلينا أن نبرئ النبي من زواج طفلة”.
وفوق ذلك، فإن المذهب الحنفي، وهو أحد أقدم وأوسع المذاهب الإسلامية انتشارا، يعتبر أن الطفل لا يكون بالغا حتى يتم الثامنة عشرة، استنادا إلى الآية 152 من سورة الأنعام: “ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده”.
وتم تفسير "أشده" باستكمال نموه. وحسب ابن عباس، فإن أشُد الصبي هو 18 عشر عاما، وعند الأنثى 17 عاما.
في المقابل، ينتقد أحمد القرشي، وهو ناشط يمني في مجال حقوق الطفل، “حشر هذه القضية في إطار صراع ديني وسياسي”.
ويرى ضرورة وضعها "في إطارها كقضية حقوقية".
ويعتبر القرشي، وهو رئيس منظمة "سياج لحماية الطفولة" (منظمة مدنية محلية)، أن ما يطرحه بعض رجال الدين حول هذا الجانب “يمثل وجهات نظر شخصية.. وآراؤهم ليست ملزمة للناس.. فهناك في المقابل علماء آخرون يعارضون بشدة تلك الآراء”.
ويؤكد القرشي، لموقع (ارفع صوتك)، مبدئيا على ضرورة “توفير تعليم جيد وتوعية منظمة، وحل مشكلة الفقر خاصة في الأرياف، وتوفير دور رعاية للفتيات المعنفات، وقوانين رادعة للحد من تزويج القاصرات".
مليارات الدولارات
في تقرير للبنك الدولي صدر نهاية العام الماضي، فإن سنوات التعليم الأقل التي تقضيها القاصرات اللواتي يتم تزويجهن مبكرا تكلف اثنتي عشرة دولة نحو 63 مليار دولار.
ووفقا للتقرير الذي حمل عنوان “تعليم البنات والقضاء على زيجات الأطفال”، فإن 18 دولة من الدول العشرين الأكثر تأثرا بهذه الظاهرة تقع في أفريقيا.
وإلى جانب ترك التعليم، تواجه الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة مخاطر صحية جمة، بينها توقف نمو الجسم، وعدم القدرة على تحمل أعباء الحمل والولادة، فضلا عن زيادة معدلات وفيات الأمهات والأطفال خلال هذه الفترة.