تفتح زيارة البابا فرانسيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة صفحة جديدة للتقارب بين الأديان، بعد سنوات من الحديث المتصاعد عن صدام الحضارات وتنامي موجة العداء الديني والطائفي.
“سعيد لتمكني من زيارة بلدكم.. كي نكتب صفحة جديدة من تاريخ العلاقات بين الأديان، نؤكد فيها أننا إخوة حتى وإن كنا مختلفين”، قال بابا الفاتيكان في تعليق له قبيل زيارته التاريخية إلى أبو ظبي للمشاركة في مؤتمر للحوار بين الأديان بحضور شيخ الأزهر أحمد الطيب.
وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها إلى شبه الجزيرة العربية لبابا الفاتيكان.
واعتبر البابا تنظيم هذا المؤتمر “يعكس الشجاعة والعزم في التأكيد أن الإيمان يجمع ولا يفرق، وأنه يقربنا حتى في الاختلاف، ويبعدنا عن العداء والجفاء”.
يأتي هذا وسط تراجع غير مسبوق للحريات والتعايش الديني، في أعقاب تصاعد نفوذ الجماعات المتشددة وسيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا خلال السنوات الماضية.
واجتمع أكثر من 700 شخصية دولية يمثلون مختلف الديانات في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين ضمن المساعي الرامية لمكافحة التطرف وتعزيز قيم التعايش والتسامح والحوار بين الأديان.
ويمكن التأريخ لبداية مسلسل الحوار بين الأديان بشكله الحديث، بـ"مؤتمر أديان العالم" الذي عقد سنة 1893 بمدينة شيكاغو الأميركية.
وحضر المؤتمر ممثلون عن مختلف الديانات في العالم، بما فيها الهندوسية والبوذية والبهائية...إلخ.
وفي سنة 1993، تم الاحتفال بمئوية "مؤتمر أديان العالم". ومنذ ذلك، يعقد هذا المؤتمر مرة كل خمس أو ست سنوات تقريبا.
أما مؤتمرات الحوار بين الأديان، بشكلها المعروف حاليا، بين المسيحية واليهودية والإسلامية، فيمكن التأريخ لبداية الدعوة لها إلى عام 1932، حينها وجهت فرنسا ممثلين عنها لمناقشة علماء الأزهر.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام 2011 عقد نحو 15 مؤتمرا، دعا أغلبها التعايش السلمي والتآخي بين أصحاب الديانات المختلفة.
لكن في المقابل، لا تزال هذه الدعوات تصطدم بتحديات كبيرة من بينها معارضة كثير من رجال الدين لفكرة الحوار نفسه.
ويرى هؤلاء في حوار الأديان مجرد غطاء للتبشير الديني.
ويوجد كثير من الرافضين داخل مؤسسة الأزهر التي تعتبر نفسها أحد رعاة الحوار، ويلتقي شيخها مع بابا الفاتيكان في زيارته للإمارات.
في المقابل، هناك من يشكك في جدوى هذا الحوار، ويعتبر إن مصيره الفشل.
يقول سليمان شفيق، وهو كاتب وباحث مصري، إن "الحوار بين الأديان الذي ينتج من خلال رؤية بين قيادات الأديان الرسميين في العالم لا تأثير له على الأرض مع الجماعات المتطرفة كداعش والقاعدة والنصرة وحتى الإخوان المسلمين".
ويضيف سليمان في تصريح لموقع (ارفع صوتك) "نحن حاليا في مرحلة حرب عالمية حقيقية بين الأديان والمذاهب.. الحروب القائمة حاليا في عالمنا الإسلامي هي حروب ذات طابع ديني (سني-شيعي). وبالتالي تأثير قادة الأديان الرئيسية ينحصر على الفئات المعتدلة فقط".
ويؤكد سليمان أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديمقراطي في العالم العربي والإسلامي سيطور حوار الأديان والمجتمعات معا.
"التصاق المؤسسات الدينية بالأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط جعل الشباب المتشدد لا يتعاطى مع الخطاب المعتدل للمؤسسات الدينية لقناعاته الخاطئة بأن هذا الخطاب حكومي وليس جهادي"، يقول سليمان.
من جانبه يرى عبد الله الصنوي، وهو مفكر سياسي يمني، أنه “لا يوجد حوار حقيقي بين الأديان، لأن الحوار يتم بين طرفين كلاهما لا يعترف بالآخر”.
ويشير إلى أن طبيعة الأديان نفسها تقوم على "عدم توفر الاعتراف المتبادل".
وحسب الصنوي "يمكن القول بوجود ذلك (الاعتراف) فقط في الخطابات السياسية الخاصة. إلى حد ما، يوجد ما يمكن أن نسميه التعايش المرتبط بالتصالح السياسي".
ويضيف في حديثه لموقع (ارفع صوتك) "يبقى الخطاب على المستوى السياسي. أما على المستوى التربوي، فلا يوجد إلا الشحن".