يمكنك في كثير من الدول العربية أن تصير ملحدا -نظريا على الأقل- فالدستور يمنح حرية العقيدة، لكنك قد تجد نفسك محروما من الإرث أو الحق في حضانة أطفالك، وقد تُبعَد عن زوجتك، لأن قوانين الأحوال الشخصية لا تسير على نفس الخط مع أسمى وثيقة في البلد: الدستور.
في أغلب الدول العربية والإسلامية، يعيش الملحدون في الظل بسبب التهديد المستمر بالملاحقة والتصفية الجسدية.
ويندرج الإلحاد تحت خانة الكفر والردة التي تصل عقوبتهما إلى حد الإعدام.
والإلحاد بمعناه الواسع عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود إله، أو إنكار وجود خالق، فيما تعرف الردة فقهيا بأنها الانتقال من العقيدة الإسلامية إلى دين أو اعتقاد آخر.
والإعدام هو عقوبة الملحد في السعودية، وقطر، والسودان، والإمارات، واليمن، وموريتانيا.
في المقابل، لا تنص القوانين الجنائية في العراق وسوريا والأردن والكويت ومصر على أية عقوبة تجاه الملحدين، بل إن دساتير بعض هذه الدول تنص على حرية العقيدة.
لكن هذا لا يمنع أن تُناقض قوانين الأحوال الشخصية النص الدستوري، وتحرم الملحدين من بعض الحقوق.
ويمكن أن يحكم القضاء بتفريق من يثبت إدانته بالإلحاد عن زوجته وحرمانه من الميراث وحضانة أبنائه، وحتى حرمانه من الجنسية كما في قانون الجنسية الكويتي مثلا.
مطاردة الملحدين
خلال الأشهر الأخيرة، شنت السلطات الأمنية في محافظة ذي قار جنوبي العراق حملة ملاحقة واسعة طالت أشخاصا بينهم مثقفون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بذريعة نشر الإلحاد.
وذكرت وسائل إعلام عراقية، أن من بين المعتقلين شخصا يدعى إحسان موسى على خلفية امتلاكه مكتبة تضم كتبا مترجمة بينها دراسات نقدية للدين.
ولا حقا، ذكرت ذات المصادر أن محكمة جنح الغراف في محافظة ذي قار، أصدرت حكما بالسجن لمدة عام واحد بحق أحد الملحدين، اتهمته “بالتعرض للذات الإلهية في مواقع التواصل الاجتماعي وأمام العامة في المجالس”.
ويعد هذا الحكم الأول من نوعه على مستوى المحافظة والعراق عموما، حسب الوسائل ذاتها.
تهم جنائية
تنص دساتير العراق والأردن وسوريا ومصر والكويت على حرية الفكر والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، كما لا تتضمن قوانين العقوبات في تلك الدول أي عقوبة صريحة تجرم فعل الإلحاد.
لكن غالبا ما يزج بالملحدين و"المرتدين" في السجون تحت تهم جنائية أخرى، مثل زعزعة الأمن العام والوحدة الوطنية أو ازدراء وتحقير الأديان.
ويترتب على إدانة أي شخص باتهامات من هذا النوع، وفقا لقوانين الأحوال المدنية والشخصية في تلك البلدان، عدم حصول المرتد أو الملحد على الإرث والتفريق بينه وبين زوجته والحرمان من حضانة أولاده القاصرين.
وتخسر المرأة الملحدة أو المرتدة عن الإسلام مهرها في الزواج. وتبيح التشريعات تحريك شكوى قضائية ضد المرتد للحجر على ممتلكاته وحرمانه من التصرف بها.
وغالبا ما يواجه هؤلاء نبذا اجتماعيا من قبل عائلاتهم أو عشائرهم، وحتى محيطهم الاجتماعي القديم.
اختلاط مصادر التشريع
يعزو علي العريان، وهو باحث وكاتب صحفي، التفاوت والتناقض بين نصوص الدستور التي تنص على حرية العقيدة من ناحية، وقوانين العقوبات والأحوال الشخصية التي تعاقب الملحد، إلى “اختلاط مصادر التشريع”.
ويقول “المشرع العربي بشكل عام لم ينتهج فلسفة متكاملة متسقة تكون أساسا لتشريعاته وقوانينه، وبالتالي لا هو حفظ الحقوق المدنية العلمانية وصانها، ولا هو طبق الشريعة الدينية بحذافيرها”.
لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد الملحدين في الدول العربية. وتبدو الأرقام التي نشرها مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، سنة 2014، بعيدة عن الواقع.
وقال المرصد، في تقرير نشره حينها، إن عدد الملحدين في مصر لا يتجاوز 866 ملحدا. وفي العراق 242، وفي سوريا 56!
أما بقية الدول فجاءت على الشكل التالي: 34 ملحدا في ليبيا، و70 في السودان، و32 في اليمن، و320 في تونس، و178 ملحدا في السعودية، و170 في الأردن، 325 ملحدا في المغرب!
تهمة المثقفين
استهدف وحوكم عشرات المصريين، بينهم مفكرون وأدباء ومثقفون مثل فرج فودة ونصر حامد أبوزيد وبخليل عبد الكريم وسيد القمني، بقضايا تتعلق بالردة وتحقير أو ازدراء أحد الأديان التي تصل عقوبتها إلى الحبس لمدة خمس سنوات، أو غرامة ألف جنيه مصري، بناء على المادة 98 من قانون العقوبات.
وحوكم 63 شخصا مصريا على الأقل بتهمة ازدراء الأديان خلال عامي 2011 و2012.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة حقوقية محلية) إنها وثقت 9 قضايا على الأقل أُدين فيها 12 شخصا بتهم ذات صلة بازدراء الأديان عام 2015، وإن هناك 11 قضية يتم النظر فيها.
وشملت القضايا مسلمين سنة وشيعة، ومسيحيين وملحدين على السواء.
وخلال عام 2016 وحتى ديسمبر 2017، رصدت المبادرة المصرية نحو 30 قضية وجهت النيابة العامة في جانب كبير منها، اتهامات لمنتمين للأقليات الدينية تتعلق بازدراء الأديان والإساءة للذات الإلهية.
وعام 2017، أعلنت محكمة الأسرة في مصر ازدياد دعاوى الطلاق القضائية التي تلقتها بسبب “إلحاد الزوج أو تغيير العقيدة” إلى 6500 قضية تم تسجيلها خلال العام 2015.