“كيف تجرؤ على النقد والتشكيك بفقهاء الدين الإسلامي من السلف؟!”، بكلمات مستهجنة رد رجل دين يمني بارز عند سؤاله عن رأيه بشأن تعالي الأصوات المنادية بإجراء مراجعات للتراث الفقهي الإسلامي الذي يقول أكاديميون ومفكرون وباحثون إنه صار “عبئا على الإسلام نفسه”.
رجل الدين أكد بلهجة حازمة “لقد مسخكم الغرب، وأصبحتم تتجرؤون على الإساءة للإسلام". وأضاف “التراث الإسلامي تفسير قول الله ورسوله واستخلاص أحكام نصوص الكتاب والسنة. وهو مقدس ولا يجوز الخوض فيه”.
ويثار منذ عقود جدل كبير حول ضرورة القيام بمراجعات عميقة وشاملة للتراث الإسلامي الذي يعتبره مفكرون معاصرون “تراثا بشريا وابن زمانه ووقته”.
لكن الغالبية العظمى من رجال الدين المسلمين ما يزالون يرفضون أي اجتهاد معارض أو خارج عن الدائرة التي رسمها “السلف الصالح” أو الرعيل الأول من أهل “السنة والجماعة”، كما يطلق عليهم.
وفي ذلك العصر، أساسا القرن الأول والثاني والثالث، عاش كبار أئمة المسلمين الذين اشتغلوا بتدوين الحديث، واستنباط الأحكام الفقهية، وتفسير القرآن وكتابة السيرة النبوية.
وفيما ينظر مفكرون إسلاميون لهذا الانتاج الفكري الغزير باعتباره اجتهادا بشريا قابلا للأخذ والرد والمراجعة والتمحيص، يضفي عليه رجال دين آخرون طابعا أشبه بـالقداسة.
ويصل الأمر أحيانا إلى حد إصدار فتاوى القتل والتكفير بحق كل من يشكك أو ينتقد هذا التراث الفقهي.
أحدث الضحايا
تعرض باحثون ومفكرون، وحتى رجال دين أحيانا، للهجوم والتضييق وحتى الاعتقال بسبب آراء وصفت بأنها مسيئة للسلف أو التراث الإسلامي.
ووصل الأمر إلى استهداف شخصيات خارج الحقل الديني. آخر الضحايا الفنان الكوميدي اليمني علي الحجوري الذي احتجزته السلطات السعودية قبل أيام، على خلفية اتهامات له بـ“الإساءة إلى السنة والجماعة”.
وخلال الأشهر الأخيرة، كتب الحجوري سلسلة تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها بعض ما ورد في كتب الحديث من روايات اعتبرها مناقضة للقرآن.
وظهر الحجوري في فيديو مصور مستغربا ما رواه “البخاري” بشأن نقص بعض آيات القرآن، كالمتعلقة بالرجم وغيرها والتي كانت لدى عائشة زوجة النبي وأكلتها شاة!
الحجوري تساءل أيضا: كيف أن القرآن يقول بالحرية الدينية “لكم دينكم ولي دين"، "ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..”، بينما مرويات البخاري تقول بالأمر بقتال الناس بالقوة.
وأعاد الكوميدي اليمني نشر تدوينة تضمنت 32 حديثا من صحيح البخاري، بعضها ينتقص من المرأة وتشببها بالشيطان.
وعلق قائلا: “هذه خرافات وخزعبلات، لا أقبل بها”.
ويعد صحيحا البخاري ومسلم، بعد القرآن، أصح كتب الكتب الإسلامية لدى أهل السنة.
خدمة السياسة
وعلى مدار عقود طويلة، اعتبر كتاب ومفكرون ودعاة كثر أن أن تقديس الفكر الديني ورفض تنقحيه أحد أسباب التراجع الحضاري للمسلمين.
يقول رشيد سعدي، وهو باحث مغربي متخصص في إصلاح الفكر الديني “عقيدةُ احتكار فهم النصوص المقدسة بررت الإقصاء كمعاقَبَة لمخالف السلطة الدينية، التي تعتقد أنها مطلَقة".
وتابع الباحث الديني "وضَع الإسلام المغلَق نفسَه في خدمة السياسة؛ فكان العشرات من المفكرين الذين نُكِّل بهم أو تعرَّضوا للتكفير، مثل: الحلاج، ومحمد محمود طه، ونصر حامد أبو زيد، وفرج فودة، وعلي عبد الرازق، وغيرهم”.
ويؤكد سعدي، الحاصل على دكتوراه في الأديان المقارنة، “أمام هذا العنف، نؤكد أنه لا توجد سلطة دينية في الإسلام، بل فقط سلطة الإقناع، ولا لعصمة الرأي، فالفقه أو التفسير ليس إلا مجموعة تأويلات للدين. وإذا كان تعدد الزَوجات هو قراءة للنص القرآني، فإنَّ منع التعدد أو تقيِيده قراءةٌ أخرى ممكنة؛ لأن النص القرآني ربط التعدد بشرط العدل، وهو ما لا يمكن أن يتحقق”.
ويعتقد سعدي، أن “الإصلاح الديني في الإسلام لن يأتي من رجال الدين، لأنهم أَسرى مؤسساتِهم وتراثهم”.
وبدوره، يعتقد الشيخ فتحي منصور، وهو باحث يمني في الدراسات الإسلامية، أن المشكلة ليست في قراءة النص، بل في قارئ النص. فالكل يقرأ النص لكن بنظارات مختلفة.
وذكر لموقع (ارفع صوتك) أن الإشكالية تكمن “في الخلط بين الإسلام وبين التراث، والخلط بين ما هو عادة وما هو عبادة، واقتطاع النص الإسلامي عن سياقه، والخلط بين تفسير النص وبين إسقاطه على الواقع، وتغليب بعض الأحاديث المروية عن الرسول على القرآن نفسه”.