اعتداء نيوزيلندا
اعتداء نيوزيلندا

مع صلاة الجمعة في مدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية يوم أمس، فتح مسّلحٌ واحد أو أكثر نيران سلاحه على مصلّين وزوّار في مسجدين، موقعاً 49 قتيلاً وأكثر من 40 جريحاً. لم تتردد رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن في وصف المهاجم بالإرهابي، منهية بذلك الجدل المعتاد حول وصف المهاجم إن لمْ يكن مسلماً.

رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن

​​برنتون تارانت هو الاسم الذي استخدمه هذا الإرهابي الذي خطط بدقة لتنفيذ عمليتهِ التي صوّرها بالكامل بدءاً من لحظة صعوده بالسيارة وهو يقول "لتبدأ الحفلة" حتى انتهائه من قتل العشرات. لم يكتفِ بالتصوير، بل نقل في بثٍّ مباشر عبر موقع فيسبوك العملية برمّتها. وكان منذ أيام قد صرّح علانية بقرب الهجوم، ونشر صوراً للسلاح الذي نوى استخدامه عبر صفحته على موقع تويتر، كما نشرَ بياناً مطوّلاً على شكل سؤال وجواب يعرّف فيه عن نفسه ودوافعه.

قد يلاحظ القارئ العربي إذا ما تفحّص هذا البيان ثيمة مألوفة يصعب تعريفها أو تحديدها مباشرة. هناك حديث عن "المظلومية"، وهناك غضب صارم تجاه جماعات عرقية ودينية "غريبة" تهدد "نقاء الأصل" و "إهلاك الحرث والنسل". لا وجود لشيوخ الكراهية الذين يحللون دماء من يشاؤون، ولكن هناك تمجيد لأسماء عمدت في السنوات الأخيرة عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على نزع صفة "الإنسان" عن المسلمين والشرقيين والمهاجرين، وماذا بعد نزع الإنسانية سواء تحليل الدماء؟

لا طموح بإنشاء خلافة، ولكن الهدف من "تنقية" أوروبا وبلاد الغرب من الدخلاء عليها هو خلق طوباوية للجنس الآري. وهنا يبدأ القارئ العربي بتحديد هذا الخطاب الظلامي: نسخة مترجمة عمّا يؤمن به داعش وغيره من التنظيمات الأيديولوجية المتطرفة.

نشر الإرهابي الأسترالي صوراً للسلاح الذي استخدمه في هجومه، وتظهر عليه أسماء لها رمزيتها في فكره المتطرّف.

برنتون تارنت أحد منفذي هجوم نيوزيلندا

​​من ضمن الأسماء أنطون بيترسون الذي قتل اثنين من أبناء المهاجرين في السويد، أندرز بيهرنك بريفيك، المتطرّف اليميني النرويجي الذي قتل بدم بارد 69 شخصاً في مخيّم صيفي للشباب بوصفهم "خونة" و"مشاركين في الإبادة الثقافية للغرب".

اندرز بريفيك

​​

يذكرنا هذا التمجيد أيضاً بداعش، وإشارته لأسماء إرهابيين من نفس الصنف مثل أسامة بن لادن وأبي مصعب الزرقاوي. وجه شبه آخر هو الاستعارة من تاريخ غير محايد في تفاصيله، ومتطرّف في سرده ووقائعه، فهذا الإرهابي الأسترالي خطّ على بندقيته اسم "شارل مارتيل"، القائد الفرنجي الذي يُنسب إليه النصر في معركة "بلاط الشهداء"، ويصفه اليمينيون الغربيون بأنّه "مخلّص الحضارة الغربية من الإسلام". أمّا داعش، فعُرف عنه استشهاده بنور الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي لدورهما في "خلاص المسلمين من الصليبيين".

أسامة بن لادن

​​ما يجمعهما أيضاً هو استغلال الضحايا في خطابهم. وكمثال على ذلك في عام 2007، برّرت "دولة العراق الإسلامية" هجومها الشرس على الأيزيديين في سنجار بأنّه ثأرٌ للشابة دعاء التي قُتلت في جريمة شرف. أمّا يوم أمس، فقد كتب برنتون اسم الطفلة السويدية ايبا آكرلند التي قتلت في الهجوم الإرهابي الذي نفذّه داعش في ستوكهولم عام 2017.

إنّ التوازي في خطاب الكراهية ليس جديداً، ولكنه اليوم أكثر انتشاراً وبات يغذي بعضه البعض، ولا يزال هناك من لا يرى التقارب. إلى جانب التوازي والتقارب، من المعروف أنّ المتطرفين اليمنيين قد استلهموا كثيراً من الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل داعش وجبهة النصرة. ويظهر ذلك في تسجيلاتٍ نشروها عبر صفحاتهم الخاصّة وسجالاتهم في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي. وفي المقابل، يتابع المتطرفون الإسلاميون نشاطات اليمين المتطرّف في الغرب عن كثب سواء كان الهدف الاستلهام من أساليب الهجوم ونوع السلاح وكيفية التهرّب من السلطات، أو لاستغلال خطابهم وهجماتهم لتعزيز البروباغندا ضد الغرب ومن يروهم "خونة" في البلدان ذات الغالبية المسلمة كالمسيحيين والأيزيديين والمسلمين المعتدلين.

إنّ أولى خطوات الخلاص من التطرّف هي نزع التحسّس حينما يرتكب من هو من أبناء ديننا وجلدتنا ومن يتكلم بلساننا – سواء كنّا مسلمين أو مسيحيين أو عرب أو غربيين – والنظر إليها بعين الإنسانية بعيداً عن الانتماءات والهويّات. فهذه الفظائع الإرهابية تترك وراءها بركاً من الدماء وجروحاً أعمق في المجتمع والبلد قد نحتاج عقوداً لمداواتها.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.