برانتون تارنت منفذ هجوم نيوزيلندا خلال وقوفه أمام القاضي منتصف الشهر الحالي
برانتون تارنت منفذ هجوم نيوزيلندا خلال وقوفه أمام القاضي منتصف الشهر الحالي

أصاب الهجوم الإرهابي، الذي قتل نحو 50 مصليا مسلما في مدينة كرايست تشورش في نيوزيلندا العالم، خاصة الدول الغربية، بالذعر من تصاعد وتيرة الإرهاب المرتبط باليمين المتطرف.

دول كثيرة قررت عقب الحادث زيادة المخصصات المالية لبرامج مكافحة التطرف اليميني.

في بريطانيا، وحسب محللين في مركز "جاين" لدراسة الإرهاب، ارتفعت وتيرة عمليات مكافحة الإرهاب المرتبط باليمين المتطرف وجرائم الكراهية بنسبة 88 في المئة بين 2016-2017.

وأعلن وزير الأمن البريطاني بين والاس أن 50 في المئة من الموظفين الذي يعملون لصالح أحد البرامج الحكومية المتخصصة في مكافحة الراديكالية يحاربون التطرف اليميني.

وقال إن حكومته تنظر في تخصيص المزيد من الأموال لدعم البرنامج الحالي الممول بـ45 مليون جنيه إسترليني (حوالي 59 مليون دولار) بعد هجوم نيوزيلندا.

وفي ألمانيا، ستزيد وكالة الاستخبارات عدد الموظفين لمحاربة الجماعات اليمينية بمعدل النصف.

وفي الولايات المتحدة، نشرت السلطات الأمنية رجال الشرطة حول المساجد عقب الهجوم مباشرة.

يشير مفهوم إرهاب اليمين المتطرف عامة إلى التهديد بالعنف من قبل جماعات يمينية محلية أو كيانات غير حكومية لها أهداف إثنية، أو عرقية، أو تعصب ديني أو أنها معادية لسلطة الحكومة.

وبحسب الكاتب بروس هوفمان، الخبير في شؤون الإرهاب والتطرف، "ينتقد المتطرفون اليمينيون الدول الديمقراطية بسبب سياسات الرعاية الاجتماعية والتسامح مع التعددية الفكرية إلى جانب السماح للمهاجرين ذوي البشرة السمراء وغيرهم من الأقليات بدخول سوق العمل وتبوأ مناصب القوة والنفوذ". 

المقارنة بين مدى خطورة الإرهاب المرتبط باليمين المتطرف والإرهاب النابع من خلفية إسلامية، داخل الدول الغربية، صعبة جدا، خاصة أن النتائج التي تظهرها الدراسات تبدو متضاربة.

فحسب رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة يهودية غير حكومية مقرها نيويورك، الإرهاب المرتبط باليمين المتطرف مسؤول عن 73 في المئة من "عمليات القتل المرتبطة بالإرهاب المحلي" في الولايات المتحدة بين سنتي 2009 و2018، في حين أن "الإرهاب الإسلامي" مسؤول عن 23 في المئة فقط.

في المقابل، تشير بيانات مركز دراسة الإرهاب ومكافحته في جامعة ماريلاند في الولايات المتحدة إلى أن الجهاديين مسؤولون عن ضعف جرائم القتل في الولايات المتحدة مقارنة باليمين المتطرف خلال الفترة نفسها.

وعلى كل حال، فإن هجمات اليمين المتطرف تظهر ارتفاعا مضطردا.

وتؤكد دراسة لمركز السياسات الاستراتيجية والدولية، ومركزه واشنطن، زيادة اعتداءات اليمين المتطرف في أميركا. فبين 2007 و2011، لم يكن عدد الهجمات يتعدى خمسة كل سنة، قبل أن يرتفع إلى 13 بين 2012 و2016 سنويا، وصولا إلى 31 في 2017 وحدها.

أوروبياً، يقدر مركز الدراسات الأميركي نفسه أن هجمات اليمين المتطرف في ازدادت أيضا من 0 في 2012 إلى 9 في 2013 و12 في 2016 و30 في 2017.

لكن خطر "الإرهاب الإسلامي" في أوروبا ما يزال أشد فيما يتعلق بأعداد القتلى.

في هذا الرسم البياني، يشير الخط الأزرق إلى الاعتداءات "الجهادية" والخط الأحمر إلى الاعتداءات التي قام بها "اليمين المتطرف". 

حوادث القتل بين "الإرهاب الإسلامي" و"اليمين المتطرف" في الدول الغربية/ عن صحيفة ذا إكونوميست البريطانية

وحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تقف أسباب عديدة وراء ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية سواء المرتبطة بالجماعات الجهادية أو اليمين المتطرف.

ففي الحالة الأولى، يعدد المركز استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق حملات الدعاية وتنسيق التدريب وجمع الأموال وتجنيد الأفراد، وسهولة السفر إلى الخارج لإعداد وتنظيم الهجمات.

أما في الحالة الثانية، فيذكر المركز موجة العداء التي واجه بها اليمين المتطرف انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما كأول رئيس أميركي أسود، إضافة إلى زيادة موجات اللاجئين والهجرة إلى الولايات المتحدة سواء من دول جارة كالمكسيك أو من دول تعيش حروبا أهلية كسوريا، وأخيرا انتخاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب
"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب

يحتفل العالم في 30 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للترجمة، الذي يراد به، بحسب تعريف الأمم المتحدة، "إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين". في هذه المناسبة التي تحتفي بالمترجمين الذين يمدّون جسوراً بين اللغات والثقافات، حاور "ارفع صوتك" الكاتبة والمترجمة اللبنانية فيفي أبو ديب التي تفخر بترجمتها لرواية "الرغيف" الشهيرة للأديب اللبناني توفيق يوسف عواد من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.

ما الذي تعنيه الترجمة بالنسبة للمترجمين العرب؟

يزخر التاريخ العربي بالترجمات التي تركت أثرا مهماً وعابرا للغات سواء من العربية وإليها، أو إلى لغات أخرى لإتاحة المحتوى لأكبر شريحة ممكنة من الناس، وهكذا على سبيل المثال ترجم أرسطو في الأزمنة البعيدة، وعرفت الترجمة عصراً ذهبيا في العصر العباسي. ومن منا لا يعرف الجاحظ الذي ذهب إلى ما هو أبعد من الكلمة ليركز على ضرورة النظر في السياق الذي أتى منه النص الأصلي للوصول إلى انسيابية كاملة في النص.

بناء على تاريخ عريق، تجد الترجمة جذورها في السعي لاستقاء المعرفة من مصادر متنوعة والتعرف أكثر إلى الآخر، فاللغة هي مرآة أيضا للتقاليد والتطلعات. وبالنسبة لنا كمترجمات ومترجمين عرب، الترجمة أبعد من أن تختصر بوظيفة، وإنما هي رسالة، لنحمل الإنتاج من العربية أيضا إلى العالم، وهذا ما شعرت به وأنا أحمل رسالة بوزن "الرغيف" (2015) و"طواحين بيروت" (2012) وبإمضاء عواد العريق من جملة كتب ومنشورات أخرى بصيغ مختلفة.

كيف تتم عملية الترجمة وأين هو المترجم في العمل؟

يبدأ الأمر بالتعرف إلى المادة وهذا لا يعني حكماً أن المترجم يختار مواده. أحيانا، يختارها عملاؤنا وبغض النظر عن الرابط الذي ينشأ بين المترجم أو المادة، تبقى القاعدة نقل الرسالة بدقة وبالأسلوب الذي يتواءم معها. العملية تتم على مراحل عدة أهمها اكتشاف النص وقراءته بتمحّص مراراً وتكراراً والبحث بعمق عن السياق الزمني والمكاني الذي نشأ فيه، والتأكد من الأسماء والمفردات التقنية. هذا يعني الغوص في بحث حول الموضوع المتناول، قبل البدء بالعمل مع كل كلمة وسطر ومقطع وصفحة ثم قراءة ثانية وثالثة للتأكد من الإنسيابية في النص ومن الإتساق على مستوى الأفكار.. وقراءة أخيرة للتأكد من أن كل شيء يبدو جيداً.. أحيانا، نتوقف عند تفصيل صغير لأنه يغير شيئا ما بالنبرة.

خلال عملية الترجمة، يتوخى المترجم الإختفاء تماماً خلف هوية الكاتب، لكن ذلك ليس سهلاً على الدوام. ومع ذلك تبقى الأولوية للوفاء للكاتب ولرسالته بغض النظر عن نوع المادة. لا شك بأن المترجم له بصمته وهذا ما يتّضح جلياص من خلال الأعمال المترجمة على يد أكثر من شخص. لا تتشابه أي ترجمة مع الثانية لأن لكل إنسان بالمطلق بصمته وثقافته ومعرفته بالمواد وهي تختلف بدرجات.

ما الأثر الذي تركته ترجمة "الرغيف" للقارىء الأجنبي في نفسك؟

تسلط رواية "الرغيف" الضوء على فترة وضعت لفترة طويلة في الظل من عمر لبنان وهي فترة المجاعة(1915-1918)، بكل البشاعة والفضائح التي تحملها. بلغة سلسة أصفها "بالسهل الممتنع". يعرف قلة من الناس أن عواد كان على بعد ملايين الكيلومترات من البلاد وكان سفيراً في اليابان حين كتب الرواية وهذا يعني أنه استطاع رؤية الصورة بشكل أكثر شمولا وبأن الحنين للوطن لا بد وأنه كان يعتريه. أما عن الأثر في نفسي، فقد كان كبيراً للغاية. أذكر أني عشت فترة آمنت فيها بأن عواد يسكن جسدي وبات أسلوبي شبيهاً بأسلوبه للغاية. حين نترجم وعلى الرغم من كل محاولتنا "تحصين" أنفسنا بعض الشيء من المضمون، قد نصبح أحيانا مهووسين بكتاب أو بكاتب أو بحبكة.

حين ترجمت "الرغيف"، كنت على يقين بأنني أدين لبلدي أيضاً بنقل الحقيقة بلغة متاحة للقارئ الأجنبي. هذا جزء من المسؤولية الإجتماعية خصوصا وأن غض النظر عن الكتابات الإنسانية يعني التعتيم عليها وبالتالي المساهمة بشكل غير مباشر بإطالة الظلم. الترجمة تعني أيضا رفع الصوت ودعوة جمهور أكبر للإنضمام إلى القضية وهذا ما ينطبق على بعض الكتب ذات الأبعاد الفلسفية والإجتماعية.  

هل تنتهي مهمة المترجم مع تسليم العمل وهل يهدد الذكاء الإصطناعي وجوده؟

على العكس تماماً، في عالم الترجمة لا نتوقف عن اكتساب النضج ولذلك قد يعود البعض لترجماتهم فيغيرون فيها الكثير. تتأثر الترجمة بعوامل ذاتية وخارجية متنوعة أهمها الخبرة المكتسبة والتي نتعلم معها أن نصحح لأنفسنا. هذا لا يعني بأن الترجمة تكون خاطئة لكنه يمنح المساحة لبدائل أجمل. أما بالنسبة للذكاء الإصطناعي، فلا شك بأنه يساعد في تسريع وتيرة الأمور لكني لا أعتقد أنه قادر حتى الساعة على استبدال المترجم بكل ذكائه وإحساسه البشري وتقديره لما خفي بين السطور. لذلك، من الضروري للغاية أن يطور المترجم نفسه ويتقن استثمار أدوات الذكاء الإصطناعي الجديدة لتسهيل مهمته وإثرائها، عوضاً عن أن يفوته ركب التكنولوجيا. لغة التكنولوجيا هي لغة العصر ولا بد من أن تدخل في قائمة اللغات التي يتقنها المترجم الحريص على إدامة وجوده.

هل يحدث أن تتفوق الترجمة على النص الأصلي؟

لم لا؟ طالما أن ذلك يصبّ في مصلحة الكاتب ويروج لأفكاره في قالب أجمل. أحيانا قد يقع المترجم في عشق المادة فيزيد من نفسه ومن سعيه لإبرازها بكل تفاصيلها بأفضل طريقة. وأحياناً أيضا قد ننسى أن من يبحث عن الترجمة قد لا يفقه لغة المصدر، وبالتالي يحمل المترجمون ما يراد قوله إلى جمهور يتوق لقراءته وههنا ندين بالشكر للكتاب وللمترجمين وللقراء!