رمضان، الذي بدأ المسلمون صيامه في السادس من آيار/مايو الحالي، أقدس الشهور في الإسلام. وهو وقت لأعمال الخير والصوم والصلاة.
"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس"، تقول الآية 185 من سورة البقرة.
وتوجد عشرات الأحاديث للنبي محمد عن فضل شهر رمضان، الذي يضاعف فيه الأجر أكثر من 700 مرة.
لكن هناك وجها آخر لرمضان. رمضان صار في السنوات الأخيرة شهر العمليات الإرهابية، بسبب التنظيمات المتطرفة.
واستغلت التنظيمات الإرهابية هذه المناسبة لإهدار دماء الأبرياء من مختلف الديانات، خاصة المسلمين أنفسهم.
يتذكر العراقيون تفجير الكرادة في العاصمة العراقية بغداد الذي أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص سنة 2016.
ويتذكر التونسيون هجوم سوسة، قبلها بعام، حيث قتل 39 سائحا في هجوم مزدوج على فندقين.
وفي الكويت، جرى تفجير مسجد الإمام الصادق الذي قُتل فيه 26 مصليا، فقط لأنهم شيعة.
وتُكثف الجماعات المتطرفة هجماتها الانتحارية في رمضان بدعوى أنه "شهر الجهاد"، معتقدة أنها تقدم "التضحية الكبرى" للدين الإسلامي.
في سنتي 2015 و2016، دعا الناطق الرسمي السابق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني عناصر التنظيم إلى جعل رمضان "شهر الغزو والجهاد".
وبعد مقتله، نهاية سنة 2016، ردد المتحدث الجديد أبو حسن المهاجر الدعوة نفسها في كلمة قصيرة نُشرت على قناة خاصة بداعش على تطبيق تلغرام.
استغلال التاريخ
تستند الجماعات الإرهابية غالبا إلى علماء دين بارزين أمثال تقي الدين ابن تيمية (المتوفى سنة 728 هـ) في تبرير عملياتها.
ورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير أن ابن تيمية جاهد التتار في رمضان سنة 702 هـ، وحرّض السلطان على القتال.
وتشير الروايات التاريخية إلى معركة "شجب" التي دارت في رمضان. وكان المسلمون مجبرين على خوضها دفاعا عن أرضهم (الشام) بعدما هاجمها التتار بجموعهم.
ويستلهم الجهاديون أيضا معركة بدر في رمضان في السنة الثانية للهجرة وفتح مكة في العام الثامن.
ورغم أن هذه المعارك جرت بين جيوش مسلحة، لا تتردد التنظيمات الجهادية في تشبيه عملياتها الانتحارية بها.

وبناء على هذه المعارك، تم التأسيس الفكري لمسألة وجدوى "الجهاد في رمضان".
وتنقل لنا كتب التراث الإسلامي الكثير من الأحداث والمعارك الإسلامية التي وقعت في رمضان.
منها ما حصل عام 711، عندما وضعت معركة "غواداليت" شبه الجزيرة الأيبيرية تحت الحكم الإسلامي. ومنها كذلك، دخول جيش صلاح الدين الأيوبي عام 1187 إلى القدس عقب معركة حطين.
شهر العمليات
قبل يوم واحد من شهر رمضان الجاري، قتلت السلطات التونسية ثلاثة من عناصر تنظيم "داعش" في منطقة سيدي علي بن عون بمحافظة سيدي بوزيد، في عملية استباقية.
الداخلية التونسية كشفت أنها حصلت على "معطيات مهمة وأحبطت عمليات إرهابية يجري التخطيط لتنفيذها خلال شهر رمضان".
وخلال السنوات التالية للربيع التونسي (2011)، اقترن شهر رمضان هناك بعمليات إرهابية أوقعت عشرات القتلى والجرحى، على رأسها هجوم سوسة.
وفي مختلف أنحاء العالم، أدت العمليات الإرهابية التي نفذها متطرفون خلال شهر رمضان في عام 2016 مثلا إلى مقتل أكثر من 420 شخصا وإصابة 729 آخرين.
ولم يتردد انتحاري، في يوليو/تموز 2016، في استهداف المسجد النبوي. وتسبب في مقتل أربعة من رجال الأمن السعوديين رصدوه قبل وصوله إلى الهدف. وهو ما دفعه إلى تفجير نفسه في موقف للسيارات قريب من المسجد.
وفي رمضان عام 2017، تسببت الهجمات الإرهابية التي تبنى معظمها تنظيم داعش بمقتل أكثر من 440 شخصاً، نصفهم في أفغانستان بحسب إحصائيات جمعها (ارفع صوتك) اعتمادا على أعداد القتلى التي تنشرها وسائل الإعلام عقب الهجمات.
وشهد رمضان العام الماضي أيضا قتل وجرح مئات المدنيين والعسكريين بهجمات انتحارية في مختلف دول العالم.
في العراق، فجر انتحاري يحمل حزاماً ناسفاً نفسه في مجلس عزاء موقعا عشرات القتلى والجرحى شمالي بغداد، في أولى ليالي شهر رمضان.
التزام ديني
تعتقد الجماعات الإرهابية وأهمها أن "جهادها" في هذا الشهر "التزام ديني وأفضل أعمال العبادة"، خصوصا وأن الجهاد صار "فريضة" كالصيام.
ومع حلول الشهر تطلق قيادات التنظيمات نداءاتها الرمضانية السنوية، وتحث عناصرها على جعل رمضان "شهر الفتح والجهاد والغزو".
وتتضمن خطاباتها إشارات بنصر المسلمين في حروب خاضوها في رمضان خلال تاريخهم.
من بين منظري التيارات المتطرفة المعاصرة، الذين أصلوا لفكرة أن التضحية أو الشهادة في رمضان أكثر قيمة من أي وقت آخر، أبو مصعب السوري.
في كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، ذكر السوري كلمة "رمضان" عشرات المرات.
وقال أبو مصعب، الذي كان أحد "المجاهدين" ضد القوات السوفياتية في الحرب بأفغانستان، إن "المجاهدين العرب بقيادة أسامة بن لادن وعبد الله عزام حققوا نصراً كاسحاً على القوات الروسية في معركة بمنطقة جاجي التي استمرت طوال شهر رمضان (1986)".
وفي مقالة نشرها، نشرها موقع جهادي، حث أبو سعد العاملي، وهو من منظري التيارات المتشددة، الجهاديين على أن يكون شهر رمضان "فرصة لتصعيد وتكثيف أعمالهم الجهادية، اقتداء بسلفنا الصالح وبرسول الملحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم".
ويشدد العاملي: "قتال الأعداء من أعظم القربات إلى الله تعالى.. فكيف حينما يكون في رمضان وهو أفضل الشهور عند الله!".