يثار بين الحين والآخر جدل واسع في الأوساط الإسلامية والثقافية المختلفة حول "الرجم حتى الموت"، وهي عقوبة "الزاني المحصن" في الإسلام.
فبينما يرى البعض أن رجم المتزوجين الذين يقيمون علاقات جنسية خارج الزواج حد مثبت في الشريعة الإسلامية، لا يجوز للمسلم التجرؤ عليه، يؤكد آخرون بأنه شريعة منسوخة.
وشرعيا، يقام حد الرجم بإقرار الفاعل بـ"الزنا" أو بشهادة "أربعة رجال عدول".
هل وقع الإجماع حقا؟
لا يوجد خلاف في أن القرآن لم يشر ولو في أية واحدة إلى عقوبة الرجم.
رغم ذلك، يتحدث مؤيدو هذا الحد عن "إجماع" المسلمين شيعة سنة حوله، بدءا من عهد الصحابة والتابعين ثم من جاء بعدهم من الفقهاء وعلماء التفسير والحديث.
يستدل هؤلاء جميعا على ثبوت الرجم بالأحاديث الواردة في السنة النبوية، وهي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام.
وتحتوي كتب السنة، بما فيها الصحاح، على عدد هائل من الروايات والأحداث التاريخية التي تشير إلى الرجم. منها حادثة رجم رجل يدعى ماعزا بن مالك، ورجم المرأة الغامدية التي اعترفت طواعية بـ"الزنا"، وكذلك رجم رجل وامرأة يهوديين بتهمة "الزنا" أيضا في المدينة.
ويعضد مؤيدو حد الرجم أيضا موقفهم بسيرة الصحابة، وعلى رأسهم الخليفتان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وقد تبث عنهما، وفق الروايات، تنفيذهما لهذه العقوبة.
ونقل عن عمر أنه قال في إحدى خطبه: "إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها".
وآية الرجم هي "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم". ويقول مؤيدو الرجم إنها مما نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه.
لكن إنكار حد الرجم ليس وليد هذا العصر أيضا، بل قديم جدا. وتؤكد كتب السنة نفسها أن "الخوارج"، خاصة الأزارقة، و"بعض المعتزلة" أنكروه.
ويعود إنكار "الخوارج" والمعتزلة لحد الرجم إلى أنهم لا يعتدون بالأحاديث النبوية (لا يعتبرون السنة مصدرا للتشريع) ولا بسيرة الصحابة ولا بأقوالهم. ويعتمدون في الأحكام على القرآن فقط. وهو لم يشر مطلقا إلى حد الرجم.
يقول ابن عبد البر، وهو إمام وفقيه مالكي معروف، في كتابه "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد": "وأما أهل البدع من الخوارج والمعتزلة فلا يرون الرجم على أحد من الزناة ثيبا كان أو غير ثيب، وإنما حد الزناة عندهم الجلد".
وطبعا، فإن رأي "الخوارج" حسب ابن عبد البر لا يعتبر جزءا من الخلاف الذي يعتد به "لجهلهم، وخروجهم عن جماعة المسلمين"، حسب قوله.
أدلة وأدلة مضادة
عرفت الفترة الماضية، منذ بداية الإسلام إلى الآن، سيادة مطلقة للرأي القائل بثبوت حد الرجم، خاصة مع انقراض "الخوارج" والمعتزلة أصحاب الرأي المعارض.
لكن الفترة الأخيرة بدأت تشهد عودة، ولو محتشمة، لمنكري حد الرجم.
في الواقع، منذ سنة 1972 وقف الفقيه الأزهري محمد أبو زهرة في ندوة حول التشريع الإسلامي انعقدت في ليبيا عام 1972، وأعلن أمام الجميع أنه ينكر حد الرجم. وقال حينها إنه يبوح برأي فقهي كتمه لأكثر من 20 عاما.
أثار هذا الإعلان ردود فعل حادة ضد أبو زهرة في الندوة التي حضرها كبار الفقهاء المسلمين.
واليوم، ما يزال النقاش نفسه بين مؤيدي ومعارضي الحد قائما.
يشدد الشيخ فؤاد عبد الولي، وهو رجل دين يمني بارز وخبير قانوني لموقع (ارفع صوتك)، أن حد الرجم "سنة فعلية مؤكدة وثابتة.. ولا جدال فيها".
يستدل عبد الولي بالنصوص والأحداث التاريخية المعروفة نفسها: رجم ماعز الأسلمي، ورجم المرأة الغامدية..إلخ.
ويتفق محمد سنان، وهو أستاذ أصول الفقه في كلية الشريعة بجامعة صنعاء، مع رأي عبد الولي في ثبوت عقوبة الرجم، لكنه يراها تكاد تكون غير قابلة للتطبيق لاستحالة إثبات الواقعة التي تقتضي شهادات متطابقة كليا من أربعة شهود.
"هذه الجريمة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا وقعت في الشارع العام وهذا مستحيل وغير مقبول حتى عند غير المسلمين" يقول سنان لموقع (ارفع صوتك).
لكن معارضي حد الرجم يقولون إن كل الروايات الحديثية والأحداث التاريخية حول هذا الحد وقعت قبل نزول الآية الثانية من سورة النور: "الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة".
حسب هذا الرأي، فإن سورة النور نسخت كل الأحكام السابقة، بما فيها الرجم، وأٌقرت حكما واحد "للزنا"، سواء للمتزوج أو غير المتزوج، وهو الجلد.
الباحث الإسلامي من موريتانيا محمد مختار الشنقيطي يعد أحد مؤيدي هذا الرأي. يصف عقوبة الرجم بأنها "ممارسة همجة لا شريعة إسلامية" وأنها "إحدى المصائب الفقهية الكبرى في تاريخ الإسلام".
وحسب الشنقيطي، "عقوبة الرجم غريبة عن روح الإسلام، ومناقضة لنص القرآن" جاء بها الفقهاء و"فرضوها عقوبة للزاني المحصن والزانية المحصنة".
ويعتبر الباحث الموريتاني أن "الفقهاء بنوا عقوبة الرجم على أحاديث مضطربة المتون، معلولة الأسانيد، مثل حديث الغامدية، وحديث الداجن، وحديث المجنونة".
ويشدد عبد السلام القصاص، وهو باحث مصري في مجال الأديان، بدوره أن "عقوبة الزنا واضحة وهي الجلد (100 جلدة) وفق ما جاء في سورة النور".
ويقدم معارضو حد الرجم عددا من الاعتراضات. من بينها أن حد العبيد في الشريعة يكون دائما نصف حد الأحرار. فإذا كان حد الحرة المحصنة هو الموت، فكيف يمكن تطبيق "نصف الموت" على الأمة؟!
ويشددون أيضا أن القرآن فصل أحكام "الزنا" وعقوباتها دون أن يشير إلى حد الرجم، وهو ما يؤكد أنه غير موجود.
ويرفض المعارضون أيضا القول بأن آية "الشيخ والشيخة" منسوخة لفظا وباقية حكما، ويعتبرون ذلك لا معنى له.
"مسألة الناسخ والمنسوخ في عقوبة تؤدي إلى الموت أمر غير مقبول عقليا" يقول عبد السلام القصاص.
وحول الروايات التي تشير إلى استمرار الصحابة في الرجم بعد موت النبي، يعلق الباحث المصري:"هناك من يتمسكون -خوفا- بإقرار الأمر الواقع واستحضار مواقف تاريخية تبريرية تقرر الرجم كعقوبة للزاني المحصن مع أن الآية القرآنية جاءت عامة وليست خاصة".